تعليم -21 الفترة العمرية التي أهدرها التربويون واستثمرها الأطباء |
د, عبدالعزيز بن سعود العمر
ظهر في السنوات الأخيرة تدفق هائل من الدراسات والمعلومات المتعلقة بالدماغ البشري, وفي هذا الشأن حقق العلماء نجاحات عديدة كان من بينها التوصل الى تقنية عالية لتصوير الدماغ )PET(، الأمر الأمر الذي مكن العلماء من التعرف على أدق التفاصيل عن الدماغ، بل إن علاج أمراض معقدة، مثل اورام الدماغ، حقق اليوم نجاحا كبيرا، يقول )Wolfe and Brandt 1998( : لقد تعلمنا عن الدماغ في الخمسة أعوام الأخيرة اكثر مما تعلمناه عنه في المائة سنة السابقة، في خضم هذه التطورات تتجه الآن جهود التربويين الى قراءة وتحليل البحوث والدراسات في مجال الدماغ في محاولة لبناء فهم وظيفي عن الدماغ ومعرفة ما يجري فيه من عمليات بقصد ترشيد وتوجيه الممارسات التعليمية والتي هي الاخرى تم اشتقاقها من البحوث التربوية والعلوم البحتة والخبرة الطويلة, هذا التوجه الجديد كان بمثابة الاعلان عن الزواج بين بحوث الدماغ والتعليم.
من المعلوم ان الدماغ ينمو فسيولوجيا نتيجة للخبرة,, وتقرر البيئة التي يعمل بها الدماغ (الى حد كبير) مدى نشاط الدماغ, والواقع ان الدماغ الذي ينتهي اليه الفرد ما هو الا محصلة التفاعلات بين استعداداته الموروثة وكل المؤثرات البيئية المحيطة به, ويشير احد الافتراضات الخاطئة الى ان الطفل يولد بدماغ به كل الخلايا العصبية التي قد يحتاجها الفرد طوال حياته، والحقيقة أن ما ترزق به من دماغ عند ولادتك سوف لن يكون بالضرورة هو قدرك في بقية حياتك,, هناك ما اسماه العلماء بالمرونة الدماغية إشارة منهم الى قدرة الدماغ العجيبة على ان يغير باستمرار في بنيته ووظائفه ليستجيب لمواقف بيئية مختلفة, وبناء عليه، فإن البيئة، بما فيها بيئة الفصل، ليست محايدة، فهي اما ان تساعد في إنماء الوصلات العصبية (أي مزيد من كفاءة الدماغ) او تقتلها,, والتحدي هنا هو ان نقرر نوع هذه البيئة ونوفرها للطلاب، والدماغ لا يتعلم الاشياء بطريقة تسلسلية,, اي ان الدماغ لا يتعلم اليوم شيئا وينتظر الى الغد ليتعلم شيئا آخر مختلفا,, البيئة الغنية هي تلك التي تتعامل لحظياً مع جميع جوانب نمو الفرد المختلفة والدماغ بطبيعته يتصف بالفضول والرغبة في البقاء، وبالتالي فهو يبحث فطريا وباستمرار عن انماط وعلاقات بين القديم والجديد,, ولذا فإن عملية التعلم يجب ان تتم في بيئة توفر للطالب فرصة البناء النشط للمعرفة من خلال التعلم بالعمل ومن خلال ربط معلومات الطالب السابقة بالمعلومات الجديدة,, الدماغ له ايضا طبيعة اجتماعية تعاونية، وعليه فإن البيئة التعليمية يجب ان تتيح للطالب فرصة التعبير عن آرائه ومناقشتها مع الآخرين، أظهرت الدراسات ان التدخل المبكر في حياة الطفل يساعد على رفع مستوى ذكائه في حدود ثلاثين نقطة في الفترة من الولادة وحتى سن العاشرة، تنمو خلايا الدماغ والوصلات العصبية بمعدلات عالية، خلال هذه الفترة يصل تعلم الفرد وقدرته على التكيف الى اعلى المستويات,, يطلق العلماء على هذه الفترة من العمر الفترة الحرجة وهي الفترة التي تتفتح خلالها نوافذ كثيرة من الفرص (إمكانية علاج مشاكل البصر والسمع والنطق في السنوات الاولى - مثلا), انه مما يؤسف له ان هذه الفترة من العمر من حياة الطفل تمر دون ان يستثمرها التربويون (في حين يحسن الاطباء استثمارها), لقد اعتدنا على ان ننتظر حتى يبدأ طلابنا مرحلة التخلف الدراسي لنبدأ عندئذ في تنفيذ برامج تعليمية علاجية (ترقيعية).
|
|
|