Sunday 7th March, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأحد 19 ذو القعدة


طباق وجناس
جمل يعصر وآخر يأكل الطّخ!
محمد أحمد الحساني

مما لا شك فيه ان العلاقات الرسمية بين موظف وآخر او بين مدير ادارة او رئيس قسم او ادنى من ذلك او اكبر في المسؤولية على الرغم من اهميتها واثرها على العمل الوظيفي الا انها تظل محددة وواضحة المعالم ومرتبطة بمواد النظام، فالدوام الرسمي معروف وواجبات الوظيفة معروفة ولكل من الموظف ورئيسه في العمل واجبات وحقوق معروفة ايضاً، وكما ان هناك استحقاقات فان هناك جزاءات فالمسألة في مجملها متقنة وواضحة كما اسلفنا ولكن الأمر الأوسع الذي تتجسد فيه القدرات الادارية للموظف المسؤول عن ادارة مجموعة من الرجال هو ما يربطه بهم من علاقات انسانية شاملة قد تؤدي الى نجاح اكبر للمجموعة كلها من رئيس ومرؤوسين في حالة القدرة على التعامل الحسن والتمكن من توظيف العلاقات الانسانية الجيدة في مصلحة العمل والانتاج والعكس صحيح ايضاً فعندما تسود بين الطرفين علاقات متوترة ويصبح جو العمل غير سليم وغير ودي فان ذلك كله يؤثر سلباً على العمل والانجاز وعندها يلجأ كل طرف الى استخدام مواد النظام بطريقته الخاصة مما يزيد التوتر في اجواء العمل وقد يصل الأمر في نهايته الى حد المأساة!!.
ولعل من المناسب ان اورد هنا بعض الأمثلة على ما ذكر كشواهد يعلمها كثير منا وربما تكون قد مرت عليه رئيساً كان ام مرؤوساً من ذلك على سبيل المثال:
أولاً: لا شيء يجسد العلاقات الانسانية بين المدير وموظفيه خير من التعامل الحسن والكلمة الطيبة وتطبيق ما جاء في القرآن الكريم والاحاديث النبوية من توجيهات شريفة فالله عز وجل امر نبيه صلى الله عليه وسلم بالدعوة الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن وان نقول للناس حسناً والخطاب موجه ايضا الى امته صلى الله عليه وسلم وهو عليه افضل الصلاة واتم التسليم قد امر بالرفق في الأمر كله وان الرفق ما صاحب شيئاً الا زانه وما فارق شيئاً الا شانه بل ان الله عز وجل قد قال لنبيه الذي وصفه في آية آخرى بأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم قال له عز وجل ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاذا كان الناس وهم من خير القرون على استعداد للانفضاض من حوله صلى الله عليه وسلم ولو عاملهم بغلظة وشدة وليس الفظاظة من اخلاق وصفات النبوة الكريمة فان الانفضاض من حولنا يكون اقرب ونحن نمارس عملاً ادارياً عادياً، وما كان هذا التوجيه الرباني، واللفتة النورانية لأمته صلى الله عليه وسلم من خلال الخطاب الموجه لنبي هذه الأمة الا لتتعلم مكارم الاخلاق، واصول التعامل مع الناس في كل زمان ومكان!.
ومن الامثال الشعبية الدارجة قولهم:
ان الكلمة الطيبة تخرج الحية من جحرها وتجعلها مستأنسة! وحتى لو كان في هذا المثل مبالغة، الا ان هذا القول يؤكد ان بامكان رئيس العمل توظيف الكلمة الطيبة والتوجيه الحسن لمصلحة العمل وسيجد ان معظم من حوله قد استجابوا له وتجاربوا معه وقلنا معظم لأن لكل قاعدة استثناء فقد يجد المدير او رئيس القسم امامه فئة قليلة لا ينفع معها الكلمة الطيبة او التوجيه الحسن وقد تفسر ذلك ضعفاً منه وقلة حيلة وعندها يمكن علاج هذه الحالات حسب النظام، ولكن يجب الا نشدد في التعامل ونتخذ القسوة والفظاظة شعاراً لمجرد التخوف من استغلال الكلمة الطيبة ممن لا يقدرها فنكون بذلك قد اخذنا الاكثرية بجريرة الأقلية فنخسر الجميع، ولكن لتكن القاعدة هي التوجيه الحسن والرفق والتعامل الطيب واحترام انسانية الموظف وبذل اقصى الجهد لتعليمه وارشاده ونقل التجارب اليه وسماع وجهة نظره وسوف تكون المحصلة باذن الله المزيد من الانتاج والحيوية والعطاء.
ثانياً: سيادة العدالة في التعامل وعدم تفضيل فريق على آخر سواء في توزيع العمل او الترقيات او الفرص الوظيفية او الانتدابات او خارج وقت الدوام، لاننا حين نستخدم الكلمة الطيبة دون ان نتبعها بتحقيق العدالة بين الموظفين نكون كمن يعطي الآخرين من طرف اللسان حلاوة ثم يروغ عنهم كما يروغ الثعلب، فلا بد ان نخشى الله ونتقيه في مسائل العدالة الشاملة عند التعامل مع الموظفين الذين تحت ايدينا فلا نرهق موظفاً ما بالعمل لانه صامت ومجتهد وندلل الآخر لانه قليل الانتاج كثير الكلام، حتى لا يتلبس الثاني بهذه الحالة ويقتدي به غيره وتتحول الادارة او معظمها الى بطالة مقنعة، يكدح فيها موظف او اثنان ويقطع الآخرون وقتهم في الحديث واللهو وقراءة الصحف اليومية والمجلات المصورة، والاحاديث الهاتفية وحضرة المدير صامت حتى يقال انه طيب وحبيب بينما يكون في هذه الحالة مضيعاً للامانة ظالماً لنفسه وللعاملين المجتهدين معه فاذا تعدى الأمر الى تفضيل فريق على آخر في العلاقات والترقيات وبقية المزايا فان ذلك سيؤدي في مجموعه الى نوع من الاحباط عند من لم تتحقق العدالة بالنسبة لهم مما ينعكس بصورة سلبية جادة على العمل لا سيما اذا كان المحبطون من المستحقين فعلاً للترقية بسبب انتاجهم وعطائهم لا بسبب تقادم العهد بهم في الدرجة او المرتبة، لأنه من غير المعقول ان يكون الموظفون المنتجون اول من يخسر الترقيات والمزايا ويفوز بها المقربون فيصدق على الفريقين المثل القائل جمل يعصر وجمل آخر يأكل الطخ والطخ لمن لا يعرفه هو ما يبقى من قشر السمسم او اللوز بعد عصرهما في المعاصر القديمة بواسطة الجمال والابقار!.
ولعل من المناسب تذكير الاخوة الموظفين الذين ظلموا ولم تتحقق لهم العدالة من الترفيعات ان يصبروا ويحتسبوا ما جرى لهم عند الله وسوف تكون عاقبة امرهم خيراً فان مع العسر يسرا ومن الخطأ ان يجرهم ما حصل لهم الى ردود فعل ضد عملهم او ضد من يتعامل معهم من المراجعين، لأن بعض هؤلاء المحبطين يصل الى درجة الانتقام من عمله والناس فتراه يعطل معاملات المراجعين ويسوف في انجازها ويؤذي اصحاب الحاجات بعمله ولسانه بحجة انه مظلوم ومحبط مع انه لو فكر في الأمر قليلاً لعرف انه ينتقم من ابرياء لاذنب لهم فيما جرى له او عليه، وان افعاله وتصرفاته ضد المراجعين لن تضعفه بل ربما جرت عليه مصائب اخرى تنطلق من دعوة مظلوم عطلت معاملته فيكون هذا الموظف كمن خسر الدنيا والآخرة فلا هو حصل على العلاوات والترفيعات ولا اخلص في عمله وقام بواجبه ورحم اصحاب الحاجات وكسب دعوة صالحة، ولا يجوز لنا ان نعتذر من مثل هذه الافعال السيئة في التعامل السلبي مع المراجعين بقولنا: ان الانسان من لحم دوم وعواطف ومشاعر وان من حقه ان تكون ردود فعله قاسية شاملة لان الخطأ لا يعالج بالخطأ واقراره، ولكن بالبحث عن الاسباب وعلاجها وذلك بأن تساوى بتحقيق العدالة في التعامل مع جميع الموظفين في الحقوق والواجبات واعتبار اي تميز او مجاملة في هذا المجال خيانة لأمانة العمل من قبل المسؤول الذي وضعت في يديه هذه الأمانة اياً كان مستواه الوظيفي بل ان المسؤولية امام الله عز وجل تكبر وتزداد كلما كان الموقع الوظيفي للمسؤول ارفع واعلى لأن ضرر تعامله غير العادل سيشمل فئات عديدة وشرائح واسعة!!.
ثالثاً: تقدير الظروف الخاصة بالموظفين والتفهم لها لا سيما بعد التأكد من صدقها ومعرفة حجمها، وعدم تجاهل تلك الظروف وانعكاساتها النفسية على الموظف لان العامل اذا ما شعر بأن رئيسه يشاركه في آماله وآلامه ويواسيه ويمد له يد المساعدة ويقدر ظروفه ويشعره بالاخوة الاسلامية في التعامل فان ذلك كله يجعله يطمئن الى وجود اخوة له يقفون الى جواره في المحن ويشاركونه في الافراح والاتراح وهذه الامور كلها سيكون لها اثر بالغ على عمله وعلى تعامله اخلاصاً وانتاجاً وتجاوباً ومحاولة جادة للابداع والعطاء الأفضل وكم قد ادى حسن التقدير للظروف الخاصة الى خير كبير وتحول الادارة الى مجموعة متناسقة متجانسة من العاملين المنتجين، وقادت الجميع الى النجاح واصبح الواحد منهم يغطي عمل صاحبه في غيابه القهري ويجهد نفسه حتى لا يتأثر العمل وبذلك تقضى الحاجات وينال العاملون الشكر والتقدير والأجر والثواب.
وربما يقول قائل: ان هناك من يتمارض او يدعي انه يعيش ظروفاً صعبة ليغيب عن العمل وينفلت من مسؤولياته ونحن نعلم بوجود وامثال هؤلاء المرضى! في كل مجتمع وظيفي، ولكن ما اسلفنا ذكره لا يمكن ان ينطبق على الجميع فالمقصود هو ان نقدر ظروف الصادقين المخلصين لا اولئك الذين يدعون ان امهم قد ماتت عشر مرات وان جدتهم قد ماتت خمس عشرة مرة فاذا انتهت قائمة الاقارب بدأ بالجيران واهل الحارة فاذا انتهى من ذلك بدأ يزوج اولاده العشرين وليس له الا ولد واحد او اثنان ويطلق بناته العشر وليس لديه الا ابنة واحدة في الصف الثاني الابتدائي! الى غير ذلك مما يقدمه المتلاعبون من قصص ملفقة بصورة مكشوفة دون خجل او حياء وعلى مدار ايام العام!!.
واخيراً فان السطور السابقة لا تتحدث عن امر جديد او غير معلوم ولكن هدفها كما اسلفنا التذكير بمعانيها فلعل هذه الذكرى تنفع اصحاب القلوب السليمة اما الذين لا يعجبهم ما قلناه فان بامكانهم اخراج السنتهم القانية كما تفعل الثعابين!.
,, وبعضهم عائل مستكبر!
هذا العنوان وما يأتي بعده يدخل في باب النقد الذاتي العام ولا يقصد به فئة معينة وان ذكرت فئة فعلى سبيل المثال لا الحصر وقد اوحاه لي تحقيق صحفي نشرته جريدة الجزيرة مؤخراً عن سبب تفضيل الركاب لسائق الليموزين الاجنبي على المواطن السعودي الذي يقوم بالمهمة نفسها حتى زعم بعض اولئك السائقين انه يلبس البذلة ويغير لهجته ويرطن ليظن الراكب انه غير سعودي!.
ومن خلال تجارب الذين يستخدمون سيارة الأجرة دائماً او احياناً نجد ان اهم ما يعترض عليه اولئك الركاب هو السلوك المغرور لبعض السائقين لسيارات الليموزين من المواطنين فالسائق على حد قولهم يتكلم من فوق خشمه وكأنه المنعم المتفضل ويسأل اسئلة الباحث عن عذر غير الرأغب في العمل او الرزق اين تريد ان تذهب؟ كم نفر انتم؟! وربما لا يعجبه المشوار فيترك الراكب ويسرع بسيارته الى غير ذلك من علامات الغطرسة التي ابتليت بها فئات من ابنائنا لمجرد انهم مواطنون فقط لا غير ولا اعلم من الذي اوهم هؤلاء اننا فوق الجميع وان ما نقوم به من عمل اداري او فني حتى لو كان قيادة سيارة اجرة، هو نوع من التفضل الذي يجب ان يبوس الآخرون ايدينا لمجرد ان قمنا به ولو بمستوى منخفض من الاداء اما اذا لم نقم بأي عمل فان ذلك حق من حقوق المواطنة والتميز!.
ان المسألة لا تخص سائقي الليموزين او الحافلات من السعوديين ولكنها تتعداهم الى غيرهم من الموظفين الذين قد تجد بعضهم يؤدون اعمالهم بنفس شينة معتقدين ان مايأخذون من رواتب واجور حق مكتسب كالضمان الاجتماعي وليس مقابل عمل مطلوب منهم انجازه، وما دام الامر كما ذكر فان المسألة برمتها تحتاج الى علاج طارىء يجعل الجميع يحترمون العمل ويقدرون الواجب ويفهمون ان التميز لأي شعب لا يكون بالادعاء ولكن بالانجاز والانتاج والتفاني في العطاء المخلص.
backtop
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة
الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved