الانحلال الفضائي د, فهد بن إبراهيم آل إبراهيم |
عندما بدأ البث التليفزيوني في منتصف الثمانينات الهجرية، كان الوالد - رحمه الله - وكيل
امارة منطقة مكة المكرمة - آنذاك - وكان بيتنا في حضن جبل من جبال مكة، مما حال دون وصول
البث التليفزيوني صافياً، فاستدعي طامي وأحسب ان اسمه اشهر من ان يُعرّف، لما لديه من خبرات
في موجات الأثير، قديمة قدم البث الاذاعي، فعمل بطريقته الفنية على رفع جهاز الاستقبال فوق
قمة الجبل، وتوجيهه التوجيه الملائم، فبدأت موجات البث تنساب عبر هذه التمديدات ناقلة برامج
التليفزيون السعودي التي شاهدناها لأول مرة، تلك البرامج التي ما زلت أذكر منها: سر الغريب
ومجالس الايمان وجحيم المعركة ومن كل بحر قطرة ودعونا نتعلم الانجليزية فكانت مزيجاً من
برامج دينية وثقافية وتعليمية واجتماعية وترفيهية، روعي في اختيارها حسن التوجيه وانسجامها
مع ثوابتنا وقيم مجتمعنا، وما زال تليفزيوننا بحمد الله مستمراً على هذا النهج من الرصانة
والاتزان.
وبالرغم من المتعة التي نجدها عند إناخة الركاب في ذاكرة الطفولة لهذه البدايات، فإننا نشعر
بالاسى يعتصر قلوبنا ونحن نشاهد ما تبثه اغلب القنوات الفضائية اليوم من مستوى اعلامي هابط
يندى له الجبين، ويخلو من أدنى درجات الاحترام لعقلية المشاهد، وليس فيه اي مراعاة لقيم
المجتمع الاسلامي الدينية والخلقية والاجتماعية, ان هذا الانحلال الفضائي الذي وصلت اليه
بعض هذه القنوات يثير لدينا القلق والوجل، حتى ليشعر المرء بعدم الأمان على أبناء الجيل، في
حاضره ومستقبله، في ظل ضعف الوعي الديني والثقافي لدى بعضهم.
ولقد بلغ الاستهتار ببعض هذه القنوات مداه، (إذ لم تسلم المواسم المباركة من هذا الفسق
الإعلامي، فصأبحت (خيم الشيطان) سمة ليالي رمضان عند تلك القنوات الفضائية.
وإن المتتبع لمسيرة القنوات الفضائية يجد ان بعضها مملوك لرجال اعمال سعوديين والبعض الآخر
يمول بأموال سعودية عن طريق الاعلان التجاري، فإذا كنا نحمّل المسؤولين عن تلك القنوات
مسؤولية الاهتمام بتوجيه قنواتهم الى احترام القيم الدينية وعادات وتقاليد مجتمعنا الاسلامي،
فإننا كأفراد ممولين ومشاهدين نشارك في المسؤولية، لما نملكه من قوة تأثير، خصوصاً ونحن نعلم
ان هذه القنوات موجهة للمشاهد في دول الخليج عامة، والمملكة بخاصة، فلدينا إذاً بعض القدرة
على تحويل مسار تلك القنوات الى ما يخدم مصلحة المجتمع، ويتماشى مع قيمه، وخصوصاً في ظل وجود
برامج على الهواء مباشرة، يتم فيها الاتصال بين المشاهدين ومقدمي البرامج، فيجب استثمار تلك
الاتصالات، في تأكيد الرغبة على الارتقاء بمستوى البرامج، والتعبير عن عدم الرضا على البرامج
الهابطة، ولا تترك فرصة الاتصال للعابثين والمستهترين الذين لا يعبّرون الا عن انفسهم.
|
|
|