نقد موازنة نقدية |
المكرم محرر الصفحة الثقافية بجريدة الجزيرة الغراء - حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
بين ايديكم هذه التجربة النقدية في مجال القصة القصيرة، حيث قرأت قصة بالأمس فقط في عدد
الجزيرة 9553 بتاريخ 1419/8/5ه وقصة تلك الأيام في عدد الجزيرة 9558 بتاريخ 1419/8/11ه وكلا
القصتين للكاتبة الرائعة حقا مها الزبيري.
،***
موازنة نقدية بين قصتي بالأمس فقط
وتلك الأيام للكاتبة مها الزبيري
،(1)،
اطلعت في صفحة (خطوات) العزيزة علينا جميعا على قصتين للكاتية مها الزبيري وهما بالأمس فقط
وتلك الأيام وقد شدني التشابه الكبير بين القصتين فنياًوإن اختلفت القضية المطروحة،
فالكتابة تعالج قضايا اجتماعية متكررة، وبطلاتها من بنات جنسها معبرة عن انفعالاتهن الداخلية
ومعاناتهن من البيئة المحيطة، متعاطفة معهن تارة ومخففة الألم عنهن تارة اخرى.
نتوقف قليلاً مع عنوان القصة الأولى بالأمس فقط الذي يشير مباشرة الى الماضي القريب,
ولكننا عندما نبدأ في قراءتها نعرف انه ليس بالأمس فقط وإنما حياة كاملة من البؤس والألم
والمعاناة فبطلة القصة امرأة عادية كغيرها من النساء ولكن ابتلاها الله - سبحانه وتعالى -
بالقبح الشكلي كما حكت عن نفسها بكل صدق وصراحة.
وقد لجأت الكاتبة في هذه القصة الى ضمير المتكلم (أنا) وهي بهذا تواجه القارىء مباشرة
بالتجربة الشخصية لبطلة القصة فنلاحظ انه ليس هناك أحداث أو حبكة قصصية محددة وإنما غوص في
دائرة البطلة والتعبير عن مشاعرها واحاسيسها ومعاناتها من الحقيقة التي تعترف بها وهي قبحها،
ومن نظرات الناس والمجتمع لها، وأيضاً من صراعها مع الزمن الذي لا يتوقف ابداً، بل هو في ركض
،( من Fiashsدائم نحو المستقبل المجهول وحلمها لا يتحقق وحزنها لا ينتهي هذه اللقطات )،
ذاكرة البطلة لاتشكل قصة محددة وإنما تجعل القارىء مؤلفاً فهو الذي يعيد ترتيب الأحداث
وعلاقتها المنطقية.
،( وكأنه حديث Internal Monologueوالجدير ذكره فإن الكاتبة قد اعتمدت على المنولوج الداخلي
)،
مباشر بين بطلة القصة والقارىء، وبدون تدخل الكاتبة أو حتى شرحها أو تعليقها على ما يدور،
ولذلك نلاحظ ان الجمل مباشرة وواضحة، وهذه الطريقة تفضي إلى نوع من الواقعية تجعل القارىء
يتعاطف مع البطلة ويحاول جاداً ان يحل مشكلتها.
وقد نجحت الكاتبة في خلق وحدة زمانية مكانية، فالمكان هو الغرفة الحبيبة والزمان لحظة عبرت
فيها الكاتبة عن معاناة حياة كاملة, لذا فإن ارتباط الأمس باليوم وثيق جداً، بل يكاد أن يكون
اليوم هو الأمس,,, لماذا؟ لأن ماهي عليه الآن من الحزن هو نتيجة الأمس والعكس بالعكس فهذا
الحزن الذي تعيشه الآن نتيجة لما حدث بالأمس من فقدها لعريسها، وما جعلها تفقد عريسها هو
ماهي عليه الآن وهو قبحها, هذا الأمر المحتوم الذي لن ينفك عنها.
فمشكلة البطلة ازلية ومهما تعاطف القارىء مع هذه البطلة إلا انه لن يجد لها حلا، فلن يزول
حزنها الا بزوال المسبب الرئيسي له وهو دمامتها فهذا هو الترتيب المنطقي للقصة ولو لم تذكره
الكاتبة.
وكما اسلفت الذكر فاسلوب القصة يعتمد على تداعي الخواطر مما يجعل القصة اقرب الى الخاطرة، بل
إن لغتها قد يطلق عليها لغة شعرية لأنها تعزف على اوتار احاسيس القارىء وتدغدغ مشاعره وتهيج
اشجانه ليتعاطف معها.
مما قد يؤخذ على الكاتبة مبالغتها في نهاية القصة، فمن النادر جداً ان تطلق امرأة لقبحها
الشكلي فقط، كما أن من اراد الزواج في مجتمعنا يستعين في العادة بأمه أو اخوانه أو أقربائه
فيكون لديه فكرة ولو بسيطة عن الفتاة التي يريد الارتباط بها.
وعلى خلاف القصة الأولى، فعنوان القصة الثانية تلك الأيام يحمل القارىء منذ الوهلة الأولى
إلى الماضي البعيد، هناك في أدغال الذاكرة، إلى تلك الأيام المليئة بالحزن والألم.
وحقيقة القول فإن قصة تلك الأيام تكاد أن تكون صورة كربونية للقصة الأولى من حيث استخدام
العناصر الفنية كالعودة إلى الماضي من خلال ذاكرة البطلة مثلاً، واسترجاع أحزانها ومعاناتها
من المجتمع الذي تعيش فيه، وهي بذلك تقارن بين حالها الآن وما كانت عليه تتذكر الماضي الذي
لا تريد ان تتذكره، ولكن ربما لتحمد الله على ما هي عليه الآن من سعادة، وحتى هذه السعادة
التي كانت حلما في يوم من الأيام يشوبها ما يشوبها من المتاعب والمشاق وكانها تريد ان تقول
ان هذاهو قدر المرأة، إلا أن بطلة القصة الأولى لا تفرق بين ماضيها وحاضرها ومستقبلها لأن
سبب ألمها قائم.
والفرق الواضح بين القصتين هو استخدام الضمير الغائب في قصة تلك الأيام حيث تركت الكاتبة
العنان لقلمها ليصف مشاعر البطلة، وهنا يظهر الفرق جلياً حيث ان الكاتبة تدخلت بشكل كبير
وشرحت وفصلت وعللت لكي تستدر عطف القارىء من خلال لغة ناعمة رقيقة وصور بيانية جذابة كقولها:
حين يحاصرها اليأس بخندق عميق من الأحزان , وبالامكان القول ان الكاتبة وضعت كامل روحها في
بطلة القصة وجسدتها تجسدياً قوياً، وهي - أي الكاتبة - بذلك تخلق جوا واقعيا يهز القارىء.
وموجز القول فإن القصتين يلفهما ثوب واحد وإن اختلفت الصور، فهي قضايا اجتماعية واقعية
متكررة ولكن براعة الكاتبة في طرح مثل هذه القضايا ومعالجتها جعلها تظهر لنا بشكل جميل وممتع
قد تكون هذه وجهة نظر خاصة، ارجو ان تنال القبول من القراء الأعزاء ولكم جزيل الشكر.
حسن الصلهبي
- جازان
|
|
|