شخصية الشاعر الفذ (ابن الرومي) تبدو لي الآن كما لو أنها (شخصية) في رواية ل(عبدالرحمن
منيف) سقطت سهوا, يقال إنه لما بلغ الخمسين قال له احد اصحابه ذلك,, فتحسر بعمق ولوعة,
قائلا: إنه لو علم أنه بالغ الخمسين لاعتصر لذاتها حتى يرتوي! ولكن شاعرنا المسكين ظل طوال
هذه الخمسين ينتظر (الموت) يلوذ له بالطرقات,, متشائما, متطيرا، وكأنما هو طريدة الموت,,
وانا ازعم انه هو الذي اخترع (العين السحرية) التي نركبها في ابوابنا لننظر من الطارق,, لا
بتشاؤم (ابن الرومي) ولكن لقلة الكرم التي سادت الجميع,, بعد أن كانت امتنا العربية المجيدة
مثلا للكرم,, وليست (العين السحرية) فقط هي وسيلتنا للتعرف (بهذا الشكل البوليسي) على الزوار
فقد عرفت (اليابان) هذه الخصلة فينا فصنعت لنا كاميرات صغيرة جدا توضع مكان الجرس فتنقل
صورة الطارق اليك عبر (مونيتور) بجانبك, شديد الوضوح لأن هذه الكاميرا تلتقط الصورة في اسوأ
الاحوال الجوية,, وفي الظلام شبه الدامس,, وبدأت هذه الخدمات تمضي قدما في تقنيات (التلصص) ،
حتى وصلت (التليفون), فمقابل رسوم رمزية اصبح بإمكانك معرفة الرقم الذي (دق) عليك,, وساعتها:
انت وضميرك! فهو لماذا يضع السماعة حين جاوبته؟ ثم (وش) معنى ما يغلط الا برقمي,, وقد تطول
الحكاية وتدخل في (سين) و(جيم), واثباتك,, ورخصتك, و,,, و,,
ما السر وراء ذلك؟ (ولندع عمنا ابن الرومي قليلا),!،
هل هو خوفنا القديم من المدن,؟ حيث كانت رمزا للغربة والخوف والذل؟ هل هو (صدمة) العيش مع
آخرين مختلفين لا يلقي الواحد منهم السلام على الآخر؟ هكذا واجه (احمد عبدالمعطي حجازي) ،
القاهرة لأول مرة, فأسماها بديوانه الجميل (مدينة بلا قلب)!،
ومع كل تشاؤم (ابن الرومي) فقد كان شاعراً (كاريكتوريا) اتذكر انني قرأت له منذ سنوات موغلة
بيتين يصف بهما (ذا) أنف طويل,! لا احفظهما,, ولكنه قال فيهما (ان الرجل إذا اراد ان يلقي
على ذي الانف السلام, قال: السلام عليكما,, فترد أنت ويخرس!),،
ألا تحس احيانا ان الزمن ينفلت منك,؟! أيراودك هذا حقا؟!, إذن أنت على حق مثلي! لأنني حتى
الآن اخاف من الطائرة والمصعد والسلم الكهربائي لأنه كان يجب اخطاري بموعد اختراعها لكي
استعد,, واكون مواكبا,
وهناك كثيرون من فئة (ابن الرومي) يعيشون في عصرنا,, ضائقين من تلوث الهواء، متأففين، لا
يشغلون (الدفاية) وهم نيام، يتحممون ب(الديتول)، يتأتئون في حضرة رئيسهم بالعمل، يكرهون سماع
كلمة (موت) حد الذعر, لا يمكن ان يأخذوا (حقنة) لأنهم يعتقدون انها ستنكسر في لحمهم، فأية
حياة تلك هذه التي عاشها (ابن الرومي) ويعيشها احفاده؟!،
ليست لدي وصفة شافية من (التشاؤم والتطير), ولكني ازعم ان الذي يعيش متفائلا في هذا الزمن
ولا يعلق كبير أهمية (للغبار الذري) ولا (ثقب طبقة الأوزون) ولا أغاني (حكيم) ولا مسلسلات
،(سمية الألفي) ولا هل كانت (البرازيل) قد باعت مباراة كأس العالم 1998م,, أزعم انه سيرتاح
ولن يحتاج أكثر من قرص (فاليوم)!،
،
|