Sunday 28th February, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأحد 12 ذو القعدة



أمان الخائفين
فتش عن الغضب المكبوت
د, هناء المطلق

هل تعاني أحيانا من أمراض جسدية، تثبت التحاليل الطبية بأن جسدك سليم من الامراض فتحتار في
سبب العلة؟
تشنج القولون والتهابه، الصداع التوتري وآلام الجسد الاخرى وما إلى ذلك من الامراض الجسدية
ذات المنشأ النفسي (السيكوسوماتية) تقول ان العلة في النفس وليست في الجسد, وان ما يحدث
للجسد ليس إلا لغة واشارة ووسيلة يعبّر بها الجسد عن احباطات النفس,
ان كنت تعاني من أي من هذه الامراض فعليك بما يلي:
فتش عن الغضب المكبوت,
فالغضب المكبوت وليس مثل الغضب المكبوت مسؤول عن احداث الامراض النفسجسمية رغم ان بعض
العلماء يعزونها الى شعور الانسان بالعجز امام ما يجري في حياته من احداث, ولكنني لا ارى
فرقا بين هذا وذاك لان حالة العجز سوف تؤدي بالانسان إلى كبت الغضب والعكس صحيح ايضا, فهو
عاجز لا يقدر ان يعبر عن غضبه اما خوفا من العقاب او من فقدان مميزات او يخاف ان يستاء منه
الآخرون ان اظهر الغضب فهو حساس لا يريد ان يؤذي احدا حتى حين يؤذى, هذا ما يقوله الكثيرون
عن انفسهم,
فالغضب طاقة كما قلت دائما والطاقة تدمر الجسد ان بقيت فيه, لذا يجب ان تجد قناتها الصحية
التي تخرجها الى الخارج بهدوء وحكمة,
فالغضب المكبوت يرتد نحو الذات أي انك سوف تشعر بالحنق والغضب على نفسك ولا تدري لماذا؟
والسبب ان غضبك حين وجد الابواب مسدودة عكس طريقه وعاد إليك مثل كرة تصطدم بجدار,
ويبدو لي ان الجسد يجد صعوبة في تخزين الطاقة العاطفية للغضب لذا فهو (يعالج) هذه العاطفة
المتفجرة ويحولها إلى عاطفة اخرى, يحولها إلى حزن لان الحزن اكثر مطاوعة في التخزين, وهنا
نسقط في الاكتئاب او ما يسمى بالحزن اليائس والذي اميل إلى تعريفه (غضب مرتد نحو الذات),،
لذا فقد (لاتعي) بانك غاضب بل حزين، حزين على نفسك ولكنك في الواقع غاضب, وهذا هو السبب في
ما يطلق عليه الامراض السيكوسوماتية,
فلقد لاحظت اثناء العلاج ان بعض النساء وخصوصا الشخصيات الحساسة فوق العادة والتي فرضت على
نفسها - او فُرضت عليها - حدود لكي لا تحتج او لا تعبر عن نفسها بالغضب, تجدها تنقلب من مزاج
الى اخر في خلال نفس الجلسة العلاجية, ولكنها لا تقرب الغضب,
وعادة ما انتظر هذه التقلبات حتى تأخذ حقها حينها اضع اصبعي - في مرحلة من العلاج - على نقطة
معينة في الرقبة، من المعروف ان الطاقة المكبوتة تختزن بها فتصير مثل غيمة تصلح بجدارة لمسمى
الغامت هذه النقطة ما ان تضغط عليها بين اصبعين حتى يتفجر الغضب ويتصاعد بقوة وبعنف,
تتم هذه العملية بشكل يلفت نظرك إلى ان طبقة الحزن التي اتت بها إلى العيادة ليس الا غطاء
للغضب الذي تجلد وتكثف في تلك الخلايا ولم تعد الحالة تعيه, ولكنه ما ان لُمس حتى ذاب وعصف
مثل زوبعة غير متوقعة وما عليّ في هذه المرحلة الا ان اجلس في انتظار ان يفرخ الجسد من افراخ
مخزونه المضني,
فالجسد يعرف جيدا كيف يحاور آلامه, هو فقط يريد من المعالج ان يضعه في المواجهة مع هذه
الالام,
أقول هذا رجوعا إلى تجربتي في العلاج في فترة التدريب على هذا النوع من العلاج النفسي في
لندن ولم أكن اعرف نقاط اختزان الطاقة بشكل يتيح لي السيطرة عليها, ولكنني لاحظت شيئا عجيبا,
فما ان يصل الاسترخاء مرحلة معينة ومعه النكوص إلى المواقف المؤلمة التي بلغتها الحالة في
وقتها دون ان تحتج, ما ان نبلغ قمة الدراما في تلك المرحلة حتى تبدأ الحالة بالسعال الذي كان
يصل من الشدة إلى ان نضطر احيانا إلى انهاء الجلسة او تقليصها,
عرفت بعد ذلك ان هذا السعال ليس إلا وسيلة الجسد لفتح الطاقة المخزونة في الرقبة,
فسبحان الله تعالى الذي علّم هذا الجسد ان ينقذ نفسه بنفسه ودون وعي من صاحب الجسد,
لان الحالة تنزعج جدا - وكنت اشاركها الانزعاج - من نوبة السعال التي نتعجب من حدوثها لانها
في نظرنا قد عرقلت جلسة العلاج, ولم نكن نعرف انها هي العلاج لانها تثيرالطاقة المختزنة في
تلك الاماكن وتفجرها ولا ازال حتى الان مضطرة في مواقف معينة إلى قبول نوبات السعال حين تحضر
لانني اعرف ان الحالة سوف تنام بعمق لم تخبره منذ خمسة عشر عاما,
أحد هذه المواقف حدث حين كنت في زيارة علاجية لاحدى مناطق المملكة، ونظرا لضيق الوقت فقد
ادخلت سبع عشرة امرأة في قاعة واحدة في علاج جمعي معظمهن يعانين من امراض نفسجية طلبت الى كل
واحدة منهن ان تغطي وجهها (حتى لا تتعرف عليها جارتها في الكرسي) وتدخل الى نفسها ويبدو لي
ان غطاء الوجه قد منح النساء حريات كبيرة في اقتحام انفسهن وساعد كثيرا في تهيئة اجواء
النكوص فأحدث ما لن انساه لا أنا ولا الاخوات المشاركات معي من الممرضات والاخصائيات فما ان
انتصفت الجلسة حتى ارتفع السعال من كل انحاء القاعة,
ففي وقت كنت انا والممرضات مشغولات بتفجر الحالات الحادة عرفت بقية النساء طريقهن الى
التفجير بشكل سليقي فضجت القاعة بالسعال المتواصل,
نقف وسط القاعة في عاصفة من السعال سألتني احدى الاخصائيات (وكانت مستثارة حول خروج الغضب) ،
سؤالا ذكيا: ماذا لو أوصلنا سعال هذه القاعة باسلاك كهرباء هل ستشعل طاقة الغضب مصباحا؟
فعلا,, سؤال مهم,
وهذا في الواقع اقتراح على وزارات الكهرباء في العالم العربي كله: لماذا لا تستفيدوا من
طاقات الغضب لدى شعوبكم؟
فتستخدمونها في الاضاءة بدلا من اهدارها, فعلى الاقل سوف نجد مصدرا جديدا - محليا - للطاقة
يبهر الغرب (الذي نصر على ان نبهره ولا نعرف كيف), ولماذا نهدر طاقات الغضب؟ لماذا لا
تستخدموا مصادر الطاقة التي نتفوق بتوفرها لدينا,
فياكثر غضب الشعوب العربية، فما يميز الانسان العربي انه غاضب من اهله ومن عمله ومن مجتمعاته
ومن حكوماته ومما يحصل في العراق وفي تركيا وفي فلسطين,, والشكوى لله, فلماذا لا تتاجروا
بغضبه يا وزارات الكهرباء؟
لماذا لا توصلوا بالمسكين الغاضب اسلاكا تنقل الطاقة مثل بايبات النفط وتوصولونها للغرب
وتبيعونها بالعملة الصعبة؟ تفيدون وتستفيدون,
اقتراح رائد,,,
لا لا أرجوكم لا تفعلوا فلقد غيرت رأيي عن الموضوع كلية وقد خطر في بالي انكم ان فعلتم
وذاقت الدول الكبرى حلاوة اغضابنا فانها سوف تتسابق إلى اغضابنا طمعا في عناقيد الغضب,
backtop
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved