Sunday 28th February, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الأحد 12 ذو القعدة



هكذا
تشظي,,
فهد العتيق

،(ريموت) القنوات الفضائية، طفايات السجائر المبعثرة، ورق اللعب، قصاصات الاوراق، جهاز الهاتف
الذي (يرن) في مكان غير معلوم، كاسات الشاهي، حافظة نقود خاوية، ورقة صغيرة سقطت سهوا من
جيبه معبأة بمواعيد مؤجلة وهموم كثيرة,
يرى كل هذه الاشياء من البُعد، من علوٍّ يليق بطير منتوف الريش، يراها بعينين باليتين، وروح
تقطر ألماً، وجسد مرهق يشعر بذيل في مؤخرته لا يعرف كيف نبت,
لم ينم كثيرا، حين افاق على هذه الصورة,
كان يريد ان يصف احلامه، او يصف كيف كان شعوره هذا المساء قبل غفوته الصغيرة، وقبل ذلك كان
يريد ان يكتب عن كل هذه الآلام التي يشعر بها بسبب ضعف الحيلة، وبسبب انكماشه على نفسه بهذا
الشكل,
في مساء سابق، أفاق من نومة قصيرة فشعر هكذا، فجأة، انه تحول الى شيء غير حقيقي، وربما انه
لم يفق تماما، إذ انه لحظة فتح عينيه كان يشعر ان أطرافه ليست معه، زحف على بطنه قليلا، اكمل
زحفه، حتى وجد نفسه يزحف ايضا اسفل جدار طويل، ثم اصطدم بفتحة مظلمة وصغيرة في احد الجدران،
فدفع بكامل جسده فيها واستكان هناك الى الابد,
كان قبل هذا التحول المفاجىء ، يشعر بحالات غير واضحة، اذ كان يرى انه اكثر خشونة مما يجب،
كان ذلك حين تجاوز عمر المراهقة، كفا يديه ذواتا ملمس خشن وتصرفاته ايضا، وكان يقلق في نومه
كثيرا، ففي احدى الليالي رأى ان قدميه تضمحلان ثم تذوبان، ثم اخيرا يكبر بدلا منهما شيء ما
يشبه الذيل، وكان في تلك الفترة يكثر التلفت الى الخلف، ليس خوفا من ضربة مفاجئة على مؤخرة
رأسه فقط، وإنما لكي يتأكد من عدم وجود ذيل في مؤخرته,
في طفولته المتأخرة تلقى ذات مساء، حين همَّ بكتابة ذكرى على جدار، صفعة على مؤخرة رأسه، من
كف ثقيلة لا يعرفها، وفي تلك اللحظة التي هرب فيها الى غرفته المظلمة كتم بكاءه وانفاسه ونام
متأثرا بآلامه,
في الاسبوع الماضي قال لصديق حميم له، انه يجد صعوبة في القبض على فكرة واحدة ومحددة، أية
فكرة، مهما كانت بساطتها، ويعتصر رأسه كثيرا بكل ما يملك من تركيز، ولكن في النهاية تسيل
الافكار على ملابسه ثم تذهب بعيدا، اما بخصوص ذاكرته، فإنه يعد من الواحد الى العشرة كلما
داهمته الحالة وبدأ يظن ان الذاكرة تغادره,
الآن تجهض الكتابة والكلمات,,
تظل غائما ومرتبكاً، تصطدم بنفسك وبذاكرتك الضعيفة في الطرقات، تصطدم بوجهك الاخضر وروحك
التي تأمل في الانطلاق مثل طلقة مكتومة,
تدوّن في ذاكرتك اشياء جديدة,, تدوّن الالم,,
تدوّن الأماكن الرطبة والضيقة التي نمت فيها,
تدوّن الصورة التي امامك الآن
،(ريموت) القنوات الفضائية، ورق اللعب، قصاصات الأوراق، جهاز الهاتف الذي (يرن) منذ زمن طويل
ولا تعرف مكانه، حافظة نقودك الخاوية,,,
الى آخر الصورة, تدوّن النسيان,,
تدوّن قصيدك القديمة
وتهيىء لنفسك هذا الصباح، جسدا جديداً وروحا مرممة ,, وظل لا يراقبك طوال اليوم,
هكذا، تتشظى من جديد في الامكنة، لكي تملأ الفراغ القليل الذي بقي لك,
backtop
الاولــــى
محليـــات
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
القرية الالكترونية
المتابعة
منوعــات
عزيزتي
الرياضية
تحقيقات
مدارات شعبية
العالم اليوم
الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved