قراءات سردية في نظرية الرواية حسين المناصرة
|
ما زالت السرديات بمجملها من أهم الأجناس الأدبية اشغالا للنقاد المعاصرين، وتعد الرواية
سيدة السرديات،لكونها بنية سردية منفتحة من جهة ومستوعبة لأجناس ابداعية كثيرة من جهة أخرى،
واضافة الى الرواية تشغل القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا حيزين مهمين في فضاء كتابة النصوص
السردية الحديثة, كما لم تخل الساحة النقدية والابداعية الجديدة من اهتمامات موجهة الى حقلي
الحكاية الشعبية، والمقامة، بأشكالهما القديمة، وبتوظيفهما في الكتابات السردية الجديدة,
وكذلك تعد السيرة الذاتية من أبرز السرديات احتفالا بالشخصية الخاصة بالمبدعين في سياق
السرديات الجديدة الأكثر تطورا، إذ اصبحت هذه الكتابة السيرية مقصدية كل مبدع أو كاتب تجاوز
الخمسين عاما من عمره، مما يؤكد على ان الكتابة السردية اصبحت هما يقصده حتى الشعراء، وربما
من هذه الناحية نفسر رواج الكتابة السردية قياسا الى كساد سوق الشعر,
ما بين الرواية والقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا والسيرة الذاتية والنقد السردي ستتحرك
اشكالية قرارات سردية لإبراز بعض القضايا التقنية الفنية الجمالية التي يجسدها كتاب
السرديات ونقادها، مما يساهم في إثراء الحركة النقدية الصحفية المتواصلة ثقافيا مع عموم
القراء,
وليس القصد من وراء عنوان في نظرية الرواية الحديث عن نظرية الرواية الفن الأكثر اشكالا في
الثقافة العربية الأدبية النقدية المعاصرة، وانما هو محاورة لكتابين صدرا أواخر عام 1998 في
هذا الموضوع، وهما: نظرية الرواية: دراسة لمناهج النقد الأدبي في معالجة فن القصة للسيد
ابراهيم وفي نظرية الرواية: بحث في تقنيات السرد لعبدالملك مرتاض,
والكتابان من الناحية المبدئية، بشكل عام، تعرّيا من التفاعل بطريقة أو بأخرى مع المساهمات
العربية الحديثة الفاعلة سرديا منذ مطلع القرن الى اليوم بمستوياتها الثلاث، النص الروائي
المنتج عربيا، والتجربة النقدية الروائية العربية، وتجربة الروائيين العرب في حواراتهم
وشهاداتهم,, وبسبب تغييب الكتابين لهذه المستويات عولا في قراءة النظرية الروائية على
النظرية النقدية الغربية؛ وكأنها بداية نظرية الرواية ونهايتها، مع ميل واضح عند عبدالملك
مرتاض الى محاورة التراث في تأصيله لتقنيات كتابه,
فقد انغمس الكتابان في النقد الغربي على اعتبار انه مصدر نظرية الرواية، بل المصدر الوحيد،
بحيث راح عبدالملك مرتاض في مقدمته يسلب الثقافة العربية المعاصرة من أية فاعليات في هذا
الجانب، ويحيل كل شيء الى الغرب في مجال نظرية الرواية دون ان يغفل بطريقته النقدية المعروفة
المستطردة ما يمكن ان يقال في مجال التراث فيما يخص السرديات على سبيل الاستطراد لا أكثر ولا
أقل,
فجمهور مظان تساؤلاته مرتاض في فضاء نظرية الرواية، كما يقول، هو المصادر الأجنبية بلغتها
الاصلية، مبديا رفضه لجل المترجمات الى اللغة العربية لهزال لغتها، ولضعف صياغاتها الأسلوبية
من وجهة نظره، ويعترف انه قرأ على مضض بعض النصوص الروائية العربية، فوجدها ضعيفة اللغة بشكل
عام، مع ايجاده متعة ولذة في قراءة بعضها, لهذا برر ضرورة بحثه في مجمل نظرية الرواية في
فضاء المصادر الاجنبية، وكأنها المصادر الوحدية المتاحة بين يديه، يقول في المقدمة:وقد
اضطررنا الى التعويل في كتابة مادة هذا الكتاب على جمهور من المؤلفين الغربيين مستقين مواد
مقالاتنا من تلك الكتابات المطروحة في اللغة الفرنسية، تأليفا فيها أو ترجمة اليها من
الأسبانية والروسية والألمانية والانجليزية والايطالية, وما تراه من نصوص مستشهد بها من تلك
المراجع باللغة العربية هو من صميم ترجمتنا الشخصية, ولا نحسب اننا عولنا إلا على ترجمة أو
ترجمتين لأننا لم نعثر على النص الاصلي فذكرنا ذلك في موطنه ص8 ,
وكأن كلام الدكتور عبدالملك مرتاض هنا يريد منه ان يشعر بأنه المعرب الفاتح للثقافة النقدية
في مجال نظرية الرواية في سياق الثقافة العربية، فهو يخوض هذا الغمار، كما يزعم بعروبية
منفردة، ليخرج بهذا الكتاب الذي يقدمه للقراء العرب بعد تجربة ثقافية في مجاله زادت على
عشرين عاما، لم يستفد فيها،كما يرى، من الكتابة الروائية العربية المعاصرة نقدا أو ابداعا
إلا من عدة كتب لاتتجاوز العشرة جاء توظيفها في إنساق هامشية غالبا، مما يعني إغفالا تاما
لما كتب في الثقافة النقدية العربية عن نظرية الرواية, وهذا بحد ذاته قصور واضح لا مجال
لتفنيده، علما بأن ما كتب في فضاء النقد الروائي العربي يتجاوز المائة كتاب على اقل تقدير،
معظمها في تقنيات الرواية واشكالياتها الجمالية,, فهل هذا التغييب للمصدر العربي الحديث فعل
متعمد لإبراز الذات على حساب الآخر؟ أم أنه إنكار لما أنجزه الآخر لتكريس الذات؟ أم أنه
تكرار لما قيل في هذا الفضاء بطريقة غير حيادية وغير علمية؟! ربما كل ذلك! وربما لا!!,
ومن ناحية اخرى يعد كتاب نظرية الرواية للسيد ابراهيم الخالي من الاستطرادات التي وقع فيها
مرتاض، ذا فاعلية منهجية اكاديمية اكثر من كتاب مرتاض، رغم اشارة المؤلف في المقدمة الى انه
سعى في كتابه، وهو ثمرة ثماني سنوات الى محاولة التخلص من النهج الاكاديمي الراطن باللامعنى
بعدا عن النصوص، لكن المتن في الكتاب، لم يخل حقيقة من لغة التنظير المقتبسة من نصوص الآخر,
يضاف الى ذلك ان الكتاب لم يحفل اطلاقا بأية تأسيسات للنظرية النقدية العربية في فضاء
الرواية، قديما أو حديثا، ويكفي ان تكون مراجعه كلها أجنبية باستثناء مرجعين لنبيلة ابراهيم،
كانت وظيفتهما في الكتاب هامشية,
من المؤكد، ألا ينكر أي ناقد عربي كون النقد الغربي هو الأساس في التأسيس للنظرية الروائية
وللنظرية النقدية المعاصرة بمجملها في الأجناس الأدبية كافة، ولكن لا يعني هذا الموقف ان
ننكر الكثير من المنظرين العرب في هذا المجال، فنغيب النظرية النقدية العربية الكلاسية كما
جاءت عند عبدالمحسن طه بدر، ومحمد يوسف نجم، ومحمود حامد شوكت, ونغيب ايضا النظرية النقدية
السردية المؤسسة للنقد السردي الواقعي، أو النفسي، في كتابات محمود أمين العالم، وفيصل دراج،
ومحمد برادة، ونبيل سليمان، وجورج طرابيش، وان نغيب الاستفادة من النقد الجديد في كتابات
ادوارد الخراط، وحميد الحمداني، وفخري صالح، وسعيد يقطين، وكثير من النقاد غيرهم, بل ان
حوارات الكثير من الروائيين العرب وشهاداتهم وقراءاتهم هي مؤسسة لنظرية نقدية سردية تطبيقية
عربية مهمة,
وليس المأخذ الكبير المشير الى سوء تغييب المرجعية العربية المعاصرة في نظرية الرواية يُفقد
هذين الكتابين كونهما رائدين على مستوى التسمية في نظرية الرواية في النقد العربي المعاصر،
إذ انهما كتابان مهمان في معالجة قضايا السرد: تقنيات السرد عند عبدالملك مرتاض، ومناهج
النقد الأدبي في معالجة فن القصة عند السيد ابراهيم,
وبنظرة سريعة الى العناوين الرئيسة في الكتابين، نجد عناوين كتاب في نظرية الرواية تنحصر في
تسع مقالات على النحو التالي: الرواية ماهية النشأة والتطور أسس البناء السردي في الرواية
الجديدة الشخصية: الماهية البناء، الاشكالية/ مستويات اللغة الروائية وأشكالها/ الحيز
الروائي وأشكاله /أشكال السرد ومستوياته/ علاقة السرد بالزمن/ شبكة العلاقات السردية/ حدود
التداخل بين الوصف والسرد في الرواية,
وهذه العناوين كما يتضح تعالج حركية الرواية،وبنائها، وشخصياتها، ولغتها، وامكنتها،
وأزمنتها، وطرق عرضها، والقارىء للثقافة السردية النقدية العربية، لا يجد غير هذه الأفكار في
أي كتاب نقدي مطروح في فضاء السرد، والفضل الذي انجزه مرتاض هو انه اشتغل بطريقة ذاتية،
وبرؤية ثقافية في هذا الفضاء، فكانت كتابته ذات لغة نقدية ابداعية مميزة، مليئة بالاستطرادات
والأفكار الحاملة لفكرة خاصة، ووجهة نظره المدعمة ببعض الشواهد,
ومن هذه الناحية يعد كتاب نظرية الرواية أكثر قربا من نظرية الرواية، لكنه اكثر اغراقا، الى
حد الاختناق باقتباس النصوص والرؤى، وطرائق التحليل المبثوثة في الكتب النقدية الاجنبية, وقد
جاء الكتاب في ثلاثة فصول، هي: نحو الرواية/ بويطيقا الرواية/ النص الكلاسيكي الواقعي والنص
الحديث، وفي كل فصل من هذه الفصول الثلاثة، عناوين عديدة، لا تشعر المتلقي بأنها مألوفة في
وعيه النقدي، كما هو حال ألفة عناوين مرتاض,
فنحو الرواية كما يعرفه المؤلف هو الجهد المبذول للكشف عن اللغة الباطنة أو العميقة المخفية
وراء شكل الكلام أو بنيته السطحية، في حين تتعلق البويطيقا ببحث التقنيات في العمل الادبي
وتصنيفاتها، وليست المفارقات بين النصوص الكلاسية والجديدة بعنوان غير أليف، وفي المحصلة
النهائية، فإن المفارقة بين عنواني في نظرية الرواية ونظرية الرواية تكمن أولا في حرف في
اذ كان مرتاض موقنا ان ما يقوله في هذا المجال هو مساهمات جزئية بوجهة نظر منهجية خاصة،
وليست شاملة، في حين نعتقد ان الكتاب الآخر كان أكثر شمولا واستيعابا لكثير من اشكاليات
الرواية لتعددية المناهج التي استقرأها، هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى فقد تركزت الكتابة عند
عبدالملك مرتاض على تقنيات السرد، في حين اضاف اليها السيد ابراهيم طرق استنباط الدلالات
والمعاني العميقة, وسنعالج الكتابين في قراءتين منفصلتين للتعرف على ابرز القضايا المحورية
فيهما,
|
|
|