تلويحة الهوى والأمة عبدالعزيز مشري
|
،* قال زيد لعمرو، وهما يتحاوران، وكان زيد قد مضى على مفهومه وفكره قروناً من الزمان,, بينما
كان عمرو يحيا في زمانه بإيقاع عصره دونما معاركة في القول والرأي والحجةُ أو اعتماد مثالي
ومفاوضات في قوانين العلم,
،- تعال يا عمرو لنتجاذب الحديث من أطرافه في مسائل الهوى، ماذا نقول في الصبابة وأين مكانها
من العشق,,
ثم من الوله، والمودة ثم المحبة والهيام؟
لم يجب عمرو جوابا يشفي جرح صاحبه زيد في موقع الهوى من مواقع الهوى,, بل سأله عن موقع هذا
التقسيم ومجتمعه وسلوكيات وزمان القول، إذ إنه ربما عرف بهذه المعطيات تحديد أو عدم تحديد
مكان الصبابة,
رد زيد بنوع من التشفي والقناعة التي يرى بها الحياة والكون,
،- طبعا في كل زمان ومكان إلى يوم يبعثون,
أجاب عمرو باندهاش:
،* هذا غير صحيح يا زيد,
وأوضح له العلة والملابسات والظرف الاجتماعي مكانا وزمانا غير أن زيدا أنكر على عمرو تمكنه
من الجواب، ورماه بقلة المعرفة لأنه لم يتعرف على ما كتبه ابن حزم من كتابه الشهير طوق
الحمامة ، ولا عرف ما كتبته أو قالته قبيلة بني عذرة ومجانينهم في الهوى والغرام، ثم نصب
نفسه معلماً وفقيها في هذا الشأن دون أن يبتلع ريقه أو يريح صوته قائلاً:
،- هيا,, خذ عني يا علماني ما ذكره الأوائل، فالهوى له تسع درجات متتاليات أولها العلاقة
وآخرها اليتم أو (التأله) والعياذ بالله، وتكمن الصبابة في الدرجة الخامسة بعد المودة وقبل
العشق,
ثم وقف في العراء رافعا يديه إلى السماء هابطا بهما على جانبي رأسه مردداً: (الفضيحة حلت بك
يا عمرو العلماني) لكن عمرو الذي كان هادئا سأل محاوره مستفسرا عن كيفية العلاقة التي يكون
عند بدايتها أول الهوى، وهل كان ليس بد منها وأين، وهل يمكن أن تكون سمعية هاتفية مثلاً، أو
بصرية بالصورة أو أنها بكلاهما في لقاء مثلاً,
أجاب زيد بكلام تحشوه السخرية:
،- ألم تسمع قول بشار بن برد : والأذن تعشق قبل العين أحيانا؟,
أجاب زيد:
،* بلى، وربما طبقت أنا هذا على المذيعة المونتكارلوية السيدة هيام فصوتها آسر في
،(الراديو)، أو على المذيعة اللندنية سهام الجراح لأنني لم اتعرف عليهما بصرياً، أما اليوم
قد تم اختيار المذيعات البصريات حتى ولو لم يملكن أصواتا لائقة أو ناطقة جيدة أو لديهن أية
معرفة بالإذاعة والمايكرفون وإنما الآن الفضائيات بصرية أولاً وثانيا وعاشراً فقد فتحت
امامهن المحطات و(الموضات),,
وكل ماهو آت آت، أما بشاراً فكان لا يبصر، ونظر من أذنيه في ذلك الوقت مع أنه قالها مجاملة
في واحدة لا تتصف حتى بالصوت الذي يؤدي إلى درجة العشق مرة واحدة,
،***
غضب زيد من هذا الجواب شبه التحليلي واعتبر عمراً غير لائق بالمخاطبات والحفظ والروي, بل لا
يحسن القول!،
لم يأبه عمرو بمثل هذه القياسات والموازين، معتمداً على أن منطق الحوار لا يجيز المهاترات
والقذف في شخص المحاور وإنما بمنطقه وقوله، وأكتفى بقول على هذه الهيئة:
،(ماذا يعني الأمة إذا قذفنا مصيرها بأمر قديم خاص وذاتي في الهوى)؟!هبت عاصفة صغيرة باردة,,
هدأت بعدها سخونة الحوار، وبقي للتفاصيل أوقات آتيات,
|
|
|