القلم الأبيض أين تقع وزارة الثقافة
|
هذه الوزارة التي لم تولد بصفة رسمية يشعر الكاتب السعودي بوجودها المشتت في أكثر من موقع,
فهي مستأجر محدود الدخل, فقد حصلت على عدة غرف في وزارة الإعلام ومثلها في الرئاسة العامة
لرعاية الشباب اضافة الى بعض التواجد في وزارة المعارف, وهذه الوزارة يطالبها المالك الحقيقي
بالرحيل عنه والبحث عن مكان آخر يضم هذا الشتات تحت سقف واحد,
الآثار والمتاحف والمكتبات العامة كل تلك الادارات تحتل موقعاً كبيراً في الحيز المكاني
لوزارة المعارف كما تحتل جانبا كبيرا من تفكير الوزارة التي يحاول وزيرها المتفاني الدكتور
محمد بن أحمد الرشيد ان يعمل كل ما في وسعه لتطوير المناهج ورفع مستوى التعليم وتأكيد ملازمة
التربية للتعليم في سائر مراحله الدنيا وفق فلسفة حديثة يستحدث من خلالها نظريات لبناء
المجتمع على اسس اكثر قوة وعطاء, ومن هذا الخضم الهائل من البرامج والنظريات والفلسفات تشق
وزارة المعارف طريقها الذي ينتهي ببلوغ الفرد السعودي مرحلة الكمال مما يؤكد طول هذا الطريق
وضرورة التزود بالوقود لقطع مراحله ومسافاته,
ان التعليم في حد ذاته شاغل اكبر من كل الشواغل وهموم مجتمعه تعادل كل الهموم وواجب اكبر من
كل الواجبات فهو بحاجة الى وزير لا يفكر الا به ولا يتحدث الا عنه ولا ينظر الا من خلال آمال
التعليم وطموحات التربويين,
لقد اخذ منا الروتين مأخذه - فنحن على تلك الحال لن نغير اثاث بيتنا منذ امد بعيد, فلا زال
ذلك المتكأ مبللا بعرق اللاهثين الذين يكدحون طوال اليوم يريدون ان يستولوا على كل المشاكل
استيلاء لكنهم في الواقع يجمعونها في خزانات ذات ثقوب تسمح بمرور ذلك المخزون حتى اذا بدأوا
يومهم الجديد يلاحظون تلك المشاكل في انتظارهم قد تسربت من مخازنها فلابد من جمعها من جديد,
نعم انهم يجمعون المشاكل ولا يستطيعون حلها فهي مشاكل كثيرة وكبيرة ومتنوعة ومتعددة مثل
الوزارة بكل تنوعها واشكالاتها واختلاف مهامها وحجمها الكبير اللا متناهي,
اما وزارة الإعلام في عصر الاتصالات و المنافسة التي سلبت الاضواء, وطوحت بجمهورسعودي وراء
الحدود يبحث عن الجديد فان مهامها اكبر من الثقافة والكاتب, بل ان همومها الآن تنصب على
تنويع البث واتاحة المجال للقدرات الفاعلة داخل الوطن بالعمل في اجهزة كان لابد ان تظهر الى
حيز الوجود منذ ان بدأت طلائع ثورة الفضائيات,
ان التعامل مع الكتاب والمؤلف وتوجيه الحركة الثقافية في البلاد سياسة تنبع من ارادة الدولة
وحرصها على ان تكون الثقافة احدى اساسيات وجودها وتكوينها واستمرارها وسط شباب متجدد لا يمر
بمرحلة الشيخوخة,, ومن اجل ضمان هذا الشباب يمكن للثقافة ان تتحول الى مصل تتعاطاه كل
المؤسسات الفاعلة عبر مؤسسة وزارة مختصة به رعاية وتنمية,
والرئاسة العامة لرعاية الشباب تضم بين جنباتها المكتبات العامة وجمعيات الثقافة والفنون
والاندية الادبية وتظل المسألة المهنية للرئاسة تتركز في ادارة الاندية الرياضية وسياسة
التحفيز التي ترمي الى تربية الاجيال عبر الاندية الرياضية لتتحول هذه الاندية الى مدارس
مستمرة العطاء ومع تزايد العالم واهتمامه بشتى الالعاب الرياضية ونشوء اكثر من اولمبياد
رياضي جهوي او اقليمي او دولي يمكن القول بان هذا الجانب يحتاج الى رعاية دائمة واشراف مستمر
من وزارة معنية بشؤون الرياضة في حين يبقى الفن والادب جزءا من تلك المؤسسة الثقافية التي لم
تولد بعد تهيئة مستقلة,
ان حركة الكتابة بالمملكة واعمال الابداع في مجالات الادب والقصة تحيط بها الآن حالة من
الضعف نتيجة عدم وجود وسائل مساندة للكاتب يضمن من خلالها سلامة المسار وضمان الدعاية
والاعلان لجهوده واعماله وتسليط الضوء على ما يكتب قبل ان تظهر الرواية أو القصة او اي عمل
ابداعي على هيئة جسد له مقوماته وحيزه الذي يسير فيه ذلك ان تعهد هذه الاعمال منذ البداية
يفرض على الكاتب التحقق من وجود وحضور الملكة فيما يكتب كما تعطيه المتابعة حقه في الظهور
امام الاضواء ككاتب تحولت مكتبته الخاصة وجهده المركز الى مصنع ليقوم هذا المجتمع بدوره
بالاستفادة منها وتوجيه مؤشراتها الى كل مقوماته وآلياته,
ان وزارة الثقافة جاهزة كما وكيفاً وتحتاج فقط الى الاذن بوجودها على ارض الواقع الذهني
والعملي ان التحدث عن وجود وزارة معنية بشؤون الثقافة نابع من تفكير كل مواطن فالثقافة
للجميع وليست حكراً على الكاتب او الموظف او الوزير المسؤول,, بل ان حجر الاساس للثقافة هو
كل متلقي انواع الثقافة وكل العارفين بمنابعها وكل واحد منا تلميذ من تلاميذ الثقافة التي
يجب ان تعطيه وأن يأخذ منها ولقد تحولت الآن الى مادة حياة فبدونها لا يمكن للمجتمع ان يعيش
حياة طبيعية,, وبغيابها او بعدم اخذ جرعة متكاملة منها يصبح المجتمع ضعيفا تتوارد على جسده
الامراض كلما تغيرت الاجواء,
اننا نلاحظ جميعا مشاعر مجتمعات الدول الفقيرة والدول النامية وكيف يبدو افراد تلك المجتمعات
وهم شاحبو الوجوه ممتلئة اجسادهم مادة دسمة لا نفع فيها سوى ملء الفراغ داخل جسد تنقصه
الكثير من مقومات الحياة,, ذلك ان هؤلاء لا يجدون ما يعطي عقولهم مقدرة على التنامي,, فالعقل
هو المدبر الحقيقي لتوابع الانسان وفي الادارة تكمن معاني الحياة من حيث القوة والضعف,
اننا بحاجة الى ان نقول لانفسنا لماذا لا تتحرك بسرعة مع ان الميدان واسع والارجاء رحبة هل
نطلب من الجميع ان يتقدم علينا لانه اكبر منا سناً ام نترك الميدان له اولاً لأن من حق
الكبير ان يتنازل لمن هو اصغر منه بحكم الرعاية واتاحة الفرصة,
في مجال السباق بين الامم لا توجد تلك الموروثات الاخلاقية ذات الطابع العشائري فليست هناك
امة مسؤولة عن امة اخرى وليس هناك صغير لابد من ان يتنازل لمن هو اكبر منه او كبير يجب ان
يحيط بعطفه صغار الامم, انه ميدان سباق واسع,, فاين موقعنا في هذا الميدان وهل نحن من يشيد
بموقعنا وهل ينصت الآخرون الينا عندما نتكلم عن ابداعاتنا, لنترك كل هذه الاسئلة والتساؤلات
لوزارة الثقافة التي يجب ان تجيب على كل سؤال او تساؤل سواء ما هو وارد او جديد او تليد,
عبد العزيز المهنا
|
|
|