في قصص (الآنسة أولين) لفهد المصبح: 2-2 فضاء السرد,, حديث للأصابع وجهر بالإشارة عبدالحفيظ الشمري
|
لم ينقطع الحديث بين الراوي المثقل بهمومه، وبين واقع لا يمنحه الا مزيدا من العناء الذي يتراكم مخلفا
هذا التل الكبير من الاستدراكات والاستفهام عن مآل هذه الهواجس التي ما زالت تفتش في اليقين عن شيء من
الحلول المناسبة للوقوف امام هذا المآل وتجاوزه,, لنلمح هنا ان الكاتب استطاع ان يضيق خصوصية الهم الى
حدود دقيقة كما في قصتي (الثوب) ص 44 و(المعجون) ص 50,, في محاولة منه لأن يوازي بين عناء يضيق به
الافق وهموم تسكن حجرات القلب المسلول,
،* مفردة السرد تستقصي الحدث:
في احداث قصة (المهاجر) المجموعة ص 54 تعاود المفردة السردية تناميها الحاد لحظة ان يصبح الراوي امام
حدث هائل ومصيري يتمحور في الصراع الواقعي بين رجل يهم بالسفر والهجرة نحو عالم غامض مجهول,, ومجتمع لا
يقوى على مفارقته واستبداله,, ليؤسس القاص المصبح سرده على منطلق فلسفي يبرر السقوط,, ولا يلتفت الى
نوازع الوعي الذي يلح عليه بفكرة الرحيل دون ان يقدم له وصفا لمعطيات هذه الطرق الطويلة نحو عالم مجهول,
تلح على (البطل) في قصة المهاجر جملة اخرى من اللواعج,, ربما يتلخص اهمها في ازمته مع من حوله,, فقر
يتمثل في اهله وعناء يتمثل في ضياع الاحلام، تجربة حب فاشلة، مطاردة السراب، غدر البحر، وتلاشي
الاصدقاء، الحارات المتربة، جدران البيوت المهدمة, الى ما هنالك من المفردات واللواعج التي اثقلت على
كاهله حتى جعلته في حيرة الموقف أهو مسافر الى المجهول ام عائد الى ضياع يفوق الغربة هماً واذى,
،* شخصية الراوي,, رهينة الوعي الحاد:
اذا تأملنا قصص المجموعة,, ودور الراوي بها تحديدا سنلمح تنامي الوعي المفرط في شخصيته تلك التي اثرت
على سياقات القص ليصبح هذا الدور اقرب الى اشكالية الوعظ بل ربما النزوع بها نحو التجلي في اتخاذ
القرارات وتدوين المعطيات التوفيقية التي تكفل للعمل توازنه السردي الا ان هذا الامر يلغي مهمة (النص) ،
في المكاشفة وتلمس الطريق الحقيقي نحو فضاء المنجز الوصفي والحيادي المطلوب,, وهذا ما تمثله قصص
،(شموخ)، (المأزوم)، (المهاجر) في المجموعة,
من هنا يمكن ان نستدرك على القاص (المصبح) تساهله في اقامة الدور المطلق للراوي الذي يختلق الذرائع
احيانا ليضع الاحداث في محيطها المنطقي دون ان يترك للتعليل والحدس والتأمل فرصة النمو في مخيلة
القارىء,
،* التوقيعات,, توالي الزمان:
فيما أسماها المؤلف (توقيعات الزمن الآتي) يستخدم نفس الاشارة,, تلك التي تلوب المكان بحثا عن ممكن,,
لترسم الاصابع بعد كتابة الاحداث فضاء زمانيا مكتملا الا انه يلغي في توهجه متوالية المكان اللازمة
فنراه يفصح في هذا النوع المتميز من السرد في تعامله مع الاحداث,, وملامسة الوقائع ليظل (المكان) بلا
دلالة لازمة تؤكد وصول الرسالة الى ذهن المتلقي,
لغة (التوقيعات) في الفن الادبي تكون في الغالب شعرية النزعة والهوى,, لتكون في القصة اكثر غموضا,,
فالتوطئة في قصة (توقيعات) (ص 60، 61، 62) كانت ملمحا فلسفيا متجذرا، غاب عن المشهد إلا في صورة الجسد
الذي انقسم الى قسمين,, فيما جاء التوامض المشهدي موقعا في زمانيات مسلم بها,, كالفجر والظهر والعصر
فيما الاستهلال اشد قلقا وتحفزا لقول الحقيقة,,
مشاهد القصة لوحات تأملية تستجمع صورة الانسان البائس الذي يقف على شفير هاوية الهذيان عن مكان لا
يوائم بين اهله,, وحده العناء هو الذي جعل (الراوي) يرتب الزمن بمنطقية معهودة دون ان يترك لحديث
الاستهلال في بداية القصة فرصة التخلق والبحث عن معالجة لازمة لصور هذا العناء, الذي رسمه الكاتب
مستعينا بوهج حزن لاذع افرغه في ثنايا السرد ليكون اكثر تأثيرا وبقاءً في الذات,
،* الآنسة أولين,, نضج المنجز:
آخر قصص المجموعة وسمها المصبح بعنوان (الآنسة أولين) مثبتا للقارىء قدرته المتميزة في صياغة هذا
المنجز القصصي المتكامل لنقف على صورة (الحالم) وقد تحول عنه العالم ليدرك وبفطرية شفيفة ان الحلم يظل
حلما حتى وان رواه الانسان على هيئة واقع محتمل ومؤكد,
وحدها قصة أولين (المجموعة ص 72) هي التي تشير الى انعطاف الحلم الانساني نحو القياس المقنع والمحاكاة
الفعلية بين الانسان والآخر في محاولة للعب جميع الاوراق لاثبات المشهد الحقيقي الذي يدوي في ذات
الانسان العادي كأولين مثلا,
أثار القاص المصبح في سرد تفاصيل هذه القصة اغتراب الراوي عن احداث منطقية واردة الحصول ليصف لنا حجم
هذا التغيير الذي ألغى الانسان دوره الفاعل كإنسان ليتحول عن بناء ذاته الى قشور وتفاصيل مادية مجردة
تتمثل بالازياء والمآكل المستوردة لتلغي هذه الهجمة الحضارية الضاربة وجه محبوبته (أولين) في جانبه
الشكلي,, بل لم تقف حمّى التغيير والتحول عند هذه الحدود,, بل اصبحت هدفا لتغريب النفسي والمعنوي
والغاءً سافرا للانسانية ذاتها حتى تتوج بإخفاء اسمها الاصلي وراء اسم مستعار في رؤية مشهدية واعية تصف
وبصدق هذا الزمان,
،** اشارة:
،- الآنسة اولين (قصص)،
،- فهد احمد المصبح,
،- نادي جازان الادبي - 1418ه,
|
|
|