Thursday 18th February, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 2 ذو القعدة



جمال الحياة
د, فهد حمد المغلوث

الحياة رغم ما فيها من منغصات يومية كثيرة، ورغم ما تفاجئك به من احباطات ولحظات يأس شبه متكررة، ورغم
ما يكتنفها من تناقضات غريبة لا تعرف لها تفسيراً، إلا انها فوق هذا وذاك بها اشياء جميلة كجمال تلك
الذكريات التي تذكرك بها والمواقف الحلوة التي تجبرك على التوقف عندها والتأمل في دقائق تفاصيلها، بها
اشخاص رائعون كروعة تلك الأسماء التي يحملونها والقلوب الكبيرة التي يختزنونها بداخلهم، والتضحيات
المخلصة التي يقدمونها دون حدود, بها اجواء رائعة كروعة تلك الانفس التي تصاحبك فيها والارواح التي
تأسرك وتشدك اليها,
والإنسان منا اذا ما ادرك حقيقة ان الله سبحانه وتعالى قد خلقه لهدف سام واوجد حوله كونا هائلا ليتأمل
فيه ويتبصر في مخلوقاته ويشارك في عمارته لو ادرك الإنسان هذا كله من منظار مشرق لأيقن ان تلك مهمة
ليست بالسهلة بل ان تطبيقها يتطلب نظرة خاصة للحياة ولأيقن ايضا انه لكي يكون مهيأ نفسياً للعمل بروح
تفاؤلية فليس هناك مجال لاضاعة الوقت في التفكير في اناس لايستحقون حتى مجرد التفاته منك فما بالك
بالتفكير بهم والتنكيد على نفسك ليس هناك مجال لأن تصاب بإرتفاع ضغط او بقولون عصبي بسبب تلك الضغوط
النفسية التي تصاب بها وانت في مقتبل العمر او في مرحلة عمرية تحتاج فيها للراحة النفسية وهدوء البال
والاستقرار ليس هناك مجال لأي شيء من هذا القبيل المزعج والمحبط,
ونحن حينما نتطرق لتلك الاشياء الجميلة التي تغلف هذه الحياة وتجعلها بمثابة هدية معطاة بأجمل واثمن
الأغلفة وممهورة باروع واعذب كلمات الإهداء، ومقدمة بارق وارقى اسلوب ومصحوبة باصدق واشف ابتسامة،
حينما تكون الحياة بهذا الشكل فلانها هكذا بالفعل وان لم نرها كذلك ,,!،
وهي ليست نظرة مثالية كما قد يراها البعض مع احترامنا لرأيهم بقدر ما هي بعد عن تلك النظرة التشاؤمية
، والدعوة ايضا لتلمس مواطن الجمال في الحياة والاستمتاع بلحظات العمر التي لاتدوم طويلا حتى ولو بمجرد
التفكير فيها والعيش في أجواء صافية مع النفس اينما كنا وفي أي وقت, والحقيقة ان اكتشاف مواطن الجمال
والمتعة يحتاج لإحساس مرهف لانه كثيراً ما يكون في اللامحسوس رغم انه حولنا احيانا وفي ايدينا خذ مثلا
جميع الاشخاص الذين يمرون عليك يوميا ماذا يعنون لك؟ وما يمثلونه لحياتك ,,؟
وما هو تأثيرهم عليك ,,,؟
وفي المقابل خذ الاشخاص الاخرين وسوف تكتشف الفرق ليس ذلك فحسب بل ربما حزنت قليلاً لانك تمنيت لو كنت
تعرفهم منذ زمن!،
وحينما نتحدث عن هذه الفئة من الاشخاص فإننا سوف نعيش اجواء ممتعة لا نود ان تنتهي لاننا لا نتحدث عنهم
او نبالغ في وصفهم ومدحهم فحسب، بل نتحدث عن تلك المتعة التي نشعر بها نحن كونهم هم من اوجدوها بداخلنا
وهم من علمونا معناها الحقيقي وهم من علمونا قيمتنا الحقيقية واشعرونا بأهميتنا ومكانتنا في الوقت الذي
ربما اعتقدنا اننا افتقدناها أو ضاعت منا!،
يا سبحان الله هناك اشخاص لديهم بالفعل قدرة عجيبة على ان يحيلوك الى إنسان آخر لم تعهده من قبل لديهم
قدرة على ان يحيلوا حياتك الى حديقة غناء محاطة بالورود والزهور الرائعة والى واحة غناء مليئة بالأحلام
الوردية التي يحلم بها كل إنسان يبحث عن الصفاء الحقيقي وينشد الراحة النفسية,
هؤلاء الاشخاص لديهم موهبة فطرية في كسب قلوب الآخرين والأخذ بلباب فكرهم ببساطة متناهية وخفة روح غير
طبيعية,
سبحان الله لمجرد ان تسمع صوتهم لاول مرة تشعر انهم الاشاخص الذين ترتاح اليهم وتثق بهم لمجرد ان
تقابلهم من اول وهلة يتأكد لديك الشعور بانهم هم الاشخاص الذين تبحث عنهم منذ زمن بل انك حينما تقترب
منهم اكثر وتلازمهم عن كثب تشعر في قرار نفسك ان الحياة تستحق ان تحياها وتسعد بها كونهم فيها ويزداد
اعجابك بهم وحبك لهم اكثر حينما تشعر بحزنهم لانهم على حد قولهم لم يستطيعوا ان يسعدوك كما ينبغي او ان
يقدموا لك ما يجعلهم في نظرك اهلا لمحبتك وصداقتك, وربما شعرت بالتعب النفسي بسببهم او الشعور بالذنب
البالغ فيه احياناً لمجرد ان تحس - مجرد إحساس - انك جرحت مشاعرهم او أسأت فهمهم رغما عنك ويزداد هذا
الشعور لديك حينما تدرك ان هؤلاء الاشخاص هم في منتهى الحساسية بل هم الاحساس الصادق نفسه بكل معانيه
الشفافة هم الرقة المتناهية بأعذب معانيها وهم الذوق الرفيع بارقى درجاته واسمى صوره,
تخيل هذه الحياة بحيرة صافية مغطاة بالزهور والورود المتناثرة من كل نوع وصنف ولون لدرجة لم تعد ترى
ماءها وحين تقترب منها يزداد جمالها وبهاؤها تبهرك تلك الزهور برائحتها الزكية وتلك الورود بلمساتها
الندية وكأنها ورود فل قد قطعت لتوها لتنظم على شكل عقد رائع يطوق به عنق عروس في يوم فرحها,
وحينما يشدك هذا المنظر المبهر يزداد فضولك اكثر فتقترب من تلك الزهور والورود وتمد يدك لتباعدها عن
بعضها ولترى سر ما تغطيه بداخلها وحينئذ تذهل! لا تصدق ما ترى لانك من اللحظة الاولى التي تزيح بيدك
تلك الازهار عن الماء تجد امامك وجها لوجه جمالاً من نوع آخر هو من يمثل حلمك في شكل انسان تجده ينظر
اليك بابتسامة لم تر عينك اروع منها وفوق هذا وذاك ترى هذا الجمال يمد اليك يديه، يدعوك للابحار معه في
عالمه والغوص في اعماق درره النفيسة وقبل ان يدع لك الفرصة في التفكير يشدك اليه ليأخذك معه في اعماقه
وحينئذ تشعر انك تمر بمدن كثيرة عبر تلك الشعب المرجانية التي تبهرك بالوانها الأخاذة وغصونها الطرية
المتمايلة التي تكاد تلامسك وانت تمر بالقرب منها او محاذاتها واوراقها التي تكاد تحدث بعضها البعض,
نعم إنها رحلة اشبه برحلات الف ليلة وليلة الخيالية لانك وانت تبحر مع حلمك تمر بكائنات ومخلوقات
غريبة من اسماك بحرية متنوعة كلها تنظر اليك وتلوح لك مبتسمة وكأنها تقول لك هنيئالك بشهر العسل الذي
تقضيه بصحبة حلمك وسط تلك الأجواء الرائعة الخيالية المحررة من القيود التي لا يعرف قيمتها سوى نحن,
تكون في قمة السعادة والمتعة وانت في هذه الرحلة الرائعة غير التقليدية ولا يفسد عليك متعتك سوى احساسك
بقرب الوصول وبقرب نهاية المطاف وبتحديد اكثر حينما ترفع تراسك لتجده خارج الماء خارج تلك البحيرة
ولكن عزاءك هو شعورك بتلك الزهور والورود تطوق عنقك من كل جانب تهنئك بسلامة الوصول,
هل تتذكر تلك الزهور ,,؟ وهل تتخيل هذا الموقف حينما تلتفت في كل جانب فلا ترى الا جمالاً متناثراً
هنا وهناك؟
هذه السعادة قد لا نعيشها كما هي بكل احداثها وتفاصيلها على ارض الواقع ولكن هناك واقع آخر يشعرنا بمثل
تلك السعادة او قريب منها ذلك الواقع بإمكاننا ان نرسمه بايدينا، ان نحتضنه بقلوبنا ونسقيه بحناننا
وعطفنا ذلك الواقع هو زرع الحب في الآخرين وكسب ثقتهم والوقوف بجابنهم واذا ما تحقق ذلك بصدق وصفاء
فحينئذ تصبح الحياة اكثر من جميلة لاننا نشعر ان هناك من هو متشوق الينا من يتذكرنا من يطمئن علينا من
يدعو لنا بالتوفيق فماذا اكثر من ذلك؟!،
ان جمال هذه الحياة ليس في كوننا نسعد لان شيئا ما تحقق لنا فقط بل ان نسعد لسعادة الآخرين وبالذات
اولئك الذين يحتلون منزلةكبيرة في قلوبنا فكم هي جميلة تلك الحياة حينما نسمع اخبارا سارة حلوة عن اعز
الناس الينا تجعلنا نطير من الفرحة ونرمي ما في ايدينا عاليا في السماء بكلتا يدينا كطفل صغير تحقق له
ما يريد نكون في قمة السعادة عندما نسمع خبرا سعيدا يتعلق بهم او امنية غالية تحققت لهم لانها امنيتك
انت وفي نفس الوقت تحزن من اجلهم حينما يتضايقون من شيء ما تلك هي السعادة في الحياة التي تعني
المشاركة من القلب في كل شيء,
بل كم تصبح الحياة اكثر جمالاً وقيمة ومعنى حينما نخر ساجدين لله عز وجل مع كل موقف يحدث لنا أو كل حلم
يتحقق لنا بل ومع كل ابتلاء يحدث لنا كنوع من الشكر والامتنان لله وكنوع من الاعتراف بان ما أصابنا
مقدر لنا ومكتوب علينا,
إن متعة الحياة وسعادتها ليست في تحقيق الاماني والرغبات فحسب بل بشعورنا بالرضا عن انفسنا بعد شعورنا
برضى الله عنا, فالكثير منا لديه مايريده واكثر، ولكن هل هو راض عن نفسه؟ هل سعيد بحياته؟ هذا ما ينبغي
ان نسأله انفسنا وهذا ما ينبغي ان يكون الخطوة الاولى للطريق نحو المتعة الحقيقية للحياة التي ينشدها
كل منا,
وينبغي ان نتذكر ان الشرود بالذهن والتفكير في الاشياء التي تحلم بتحقيقها هو متعة بحد ذاته ودليل على
سعادتك فانت حينما تفكر كيف تحقق حلمك وكيف تحصل على ما تحلم به وتخطط لذلك الشيء معناه انك تريد
الهروب من الواقع الذي تعيشه، تريد ان تنساه قليلاً او لنقل تمرداً للواقع المفروض عليك والذي لا
نستطيع تغييره ذلك الواقع الذي يشعرك بالنقض والعجز تريد من كل ذلك ان تبحث عن السعادة فالحياة تعج
بالجمال والاشياء الرائعة وما عليك الان وانت تقرأ هذه الكلمات سوى ان تتلفت حولك لتجده وان لم تجده
حولك وأصريت على ذلك، فالتفت لنفسك وسوف تراه!,
همسةإذا كانت الحياة رائعة في نظري,,
فلانها انعكاس لروعتك,,
وإذا كانت الاشياء جميلة من حولي,,
فلأنك جزء منها,,
وإن كنت تلقيت هدية في حياتي,,
فأنت أجمل وأغلى هدية,,
backtop
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
شعر
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved