Thursday 18th February, 1999جريدة الجزيرة 1419 ,الخميس 2 ذو القعدة


قضية للنقاش
الصهيونية أزمة اليهود في إسرائيل
رضا محمد لاري

يثبت التاريخ تصادم اليهود مع عقيدتهم الدينية السماوية منذ ان كان نبيهم موسى عليه السلام يكلم الله،
ويبلغ قومه بني اسرائيل بتعاليم السماء التي تقرر انفراد الله بالعبادة، وخالفوها بعبادة العجل,, تدني
احساسهم الديني جعلهم في مراحل لاحقة يحرفون الكلام عن مواضعه ليشتروا به ثمنا قليلا، الذل في الدنيا
والعذاب في الآخرة، وقد فضحهم الله بآيات بينات أوحى بها الى سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم,
غير ان كل هذا التحريف لكلام الله من قبل احبار اليهود في المراحل الزمنية المختلفة، بعد حادثة عبادة
العجل، انصرف الى شؤون الحياة في الدنيا ولم يمس وجود الخالق وانفراده بالعبادة والايمان بالحياة
الاخرى بعد الموت مما حافظ للديانة اليهودية انتماءها على الرغم من التحريف فيها؛ الى الديانات
السماوية لايمان اتباعها بالغيب,
التحريف من قبل اليهود، في نصوص التوراة المستندة الى ما قاله الله سبحانه وتعالى لنبيه موسى عليه
السلام، كان يروم حكم الحياة قبل الموت بما يراه احبار اليهود الذين يتصورون قدرة آرائهم على تحقيق
السؤدد والمجد لبني اسرائيل فوق الارض، ناسين او متناسين ان النعيم في الآخرة مرتبط بالالتزام الديني
الذي فرضه الله على عباده في اثناء حياتهم الدنيوية لينجوا بأنفسهم من عذاب يوم القيامة,
واستطاع احبار اليهود الذين يطلقون على انفسهم اللقب الديني الجديد حاخام ابتداء من العصور الوسطى،
التفاهم مع القساوسة المسيحيين لانهاء الجدل الدائر بين العامة من اليهود، وبين حاخاماتها علمائها، عن
طريق ربط الديانتين في كتاب واحد مقدس لهما، فظهر الى الوجود كتاب مقدس يشمل النص القديم التوراة والنص
الجديد الانجيل بتوجه يرمي الى حماية الناس من الاسلام الذي كان يشرق شفافية باحكامه، وازدهارا
بانتشاره، في نفس المرحلة التاريخية التي كان يتعثر فيها الانسان المسيحي بتسلط الكنيسة عليه باحكام
جائرة من خلال محاكم التفتيش، ويتوه فيها الانسان اليهودي بين النصوص من صنع الاحبار وتنسب الى الله
بكل ما في ذلك من تناقضات المسلك الحياتي اليومي مع البعث بعد الموت فعاش في سدم فكري يفرض عليه الغربة
عن عقيدته الدينية، من خلال الافكار الالحادية التي بثها حكماء صهيون,
الالتحام بين الديانتين اليهودية والمسيحية في كتاب مقدس واحد جاء ليتصدى للقرآن الذي تلامست احكامه
وتعاليمه مع نفوس الناس بعد الفتح الاسلامي للاندلس والفشل في تحقيق النجاح ضد معطيات الفكر الذي جاء
به كلام الله في القرآن الكريم، قد دفع مارتن لوثر كينج وجون كالفن الى حركتهما التي تعرف باسم الاصلاح
الديني فأوجدا مذهبا مسيحيا جديدا يعرف بالبروتستنتينية التي استقت بعض احكامها من الدين الاسلامي على
الرغم من نكران مارتن لوثر كينج وجون كالفن اطلاعهما على القرآن الكريم، ويدحض هذا النكران ما يتضمنه
المذهب البروتستنتي من احكام تجد اصولها في القرآن وليس لها اية جذور في المسيحية,
وعلى الجانب الآخر واكب حركة الاصلاح الديني المسيحي، حركة اصلاحية للدين اليهودي قام بها الحاخامات
المتشددون وتوصلوا الى وضع قواعد جديدة للديانة اليهودية تحاول التوفيق بين المسلك الحياتي اليومي،
وبين ما هو ثابت في صحف موسى عن الحياة من بعد الموت,
هذا المنحنى الفكري اظهر الى الوجود اليهود الارثوذكس للوقوف ضد موجة الالحاد التي انزلق عليها نفر من
اليهود خرجوا عن الملة وحاولوا ان يخرجوا معهم منها، غيرهم من ابناء الملة نستطيع ان نقول، الخروج على
اليهودية اخذ مسارين شيوعي ملحد ينكر كل الاديان وصهيوني علماني يسفه كل الاديان,
قاد التيار اليهودي الملحد، اليهوديان كارل ماركس من بريطانيا وفردريك انجليز من المانيا، واستطاع
اليهودي الملحد فلاديمير لينين تطبيق نظريتهما الشيوعية في روسيا القيصرية سنة 1917م وطبقها للمرة
الثانية بعد ثلاثة وثلاثين سنة الناكر لوجود الله ماوتس تونج في الامبراطورية الصينية سنة 1950م لم
يستطع التطبيقان الشيوعيان استقطاب اليهود اليهما بل دفعاهما الى النفور منهما لانهما اقاما كيانين
سياسيين ينكران اصلا كل الاديان ويحجبان عن اليهود الوطن القومي لهم، لان ركائز الاوطان في الفكر
الشيوعي ينكر الدعامتين الدينية والقومية في بناء الاوطان,
وتزامن مع هذا الفكر الالحادي الشيوعي بركائزه اليهودية، فكر الحادي آخر علماني يرتكز ايضا على قواعد
يهودية، غير ان الطرح العلماني بثوبه الصهيوني استطاع استقطاب اليهود اليه لان تيودور هرتزل فيلسوف
الصهيونية رفع شعار الوطن القومي اليهودي على ارض الميعاد,
ادى التعاطف مع الوطن القومي اليهودي على ارض الميعاد، الى دمج الفكر الملحد الصهيوني مع الفكر الملتزم
اليهودي ليخدما معا دولة اسرائيل ليحجبا عنها اخطار العداء الاقليمي ضدها حتى يتم بناء اركان الدولة
الجديدة القادرة على مواجهة التحديات القائمة ضدها من جيرانها العرب,
تطفلي على العقيدة اليهودية لم يأت من فراغ وانما جاء لايضاح اسباب التقارب في مرحلة نشوء الدولة،
والنفور بعد بناء اركانها، حتى افضح التناقض الحاد بين اليهود الملتزمين والمتشددين لعقيدتهم اليهودية
تحت مظلة الانتماء الى الارثوذكس المذهب الديني الذي جاء نتيجة لحركة الاصلاح الديني وبين اليهود
المنحلين من الصهاينة العلمانيين الكافرين بالله والرافضين لكل ما جاء في صحف موسى,
من الطبيعي ان يتأثر البناء الاجتماعي في داخل اسرائيل بهذا الصراع الدائر الذي فرض التصادم بين اليهود
الذين يبحثون عن هويتهم في داخل وطنهم القومي، وبين الصهاينة الذين يسعون الى طمس معالم هذه الهوية
اليهودية لتستمر اسرائيل في مسارها العلماني الذي حقق لها الوجود والاستمرار والعديد من الانتصارات
العسكرية والسياسية على جيرانها العرب الرافضين لوجودها في داخل اقليمهم الشرق الاوسط,والصدام بين
الاصوليين اليهود الارثوذكس وبين الصهاينة العلمانيين، في داخل مدينة القدس لم يكن مفاجئا لنا لانه جاء
نتيجة صراع حاد على السلطة والحكم بينهما، وتناقض بين الايمان والكفر بالله بكل ما يؤدي اليه ذلك من
تحد للحكومة العلمانية الصهيونية برئاسة بنيامين نتنياهو الذي لجأ الى ضرب خصومه اليهود الملتزمين
باعفائهم من الوظائف العسكرية بعد ان اساءوا استخدام سلطاتهم في اجبار اصحاب الدكاكين التجارية على
اغلاقها في ايام السبت بقوة السلاح لان ممارسة التجارة في يوم السبت فيه اثم عظيم يعاقب عليه الله,
وقابل الاصوليون الارثوذكس هذا الاجراء الحكومي القاضي بابعادهم من مناصبهم العسكرية بمهاجمة
الصهيونية ذات التوجهات العلمانية الرافضة للعقيدة اليهودية لان اصحاب الفكر الصهيوني لاينتمون بمحتدهم
الى السامية وانما يأتون من اصول متعددة بسبب حياتهم في الشتات لسنوات طويلة اختلط فيها محتدهم السامي
باصول عرقية اخرى بجانب الفكر العلماني الصهيوني لايشترط الديانة اليهودية لكل من يرغب في الانتماء
اليه, ورفع هذا الموقف الى الحاخام الاكبر رابي بوريتس رئيس حركة اليهود الارثوذكس في اسرائيل الى
مطالبة اليهود المؤمنين بممارسة العلمانية الصهيونية الرافضة للعقيدة اليهودية والكافرة بالله وغير
المؤمنة بما جاء في صحف موسى عن البعث والحساب الذي يسبق النعيم او العذاب في الآخرة, وبرر الحاخام
الاكبر في اسرائيل رابي بوريتس الحرب ضد الصهيونية والثورة على الحكومة العلمانية بضرورة تطهير ارض
الميعاد اليهودية من الكفرة الناكرين لوجود الله والمعارضين لرسالة موسى فوق ارض خص بها الله شعبه
المختار من اليهود وقرر رابي بوريتس بصورة علنية ان الصهيونية بفكرها الاحادي واسلوبها العلماني في
الحياة اخطر بكثير من الاغيار غير اليهود الذين يعيشون معنا في ارض الميعاد لان الصهيونية تلون نفسها
باليهودية وهي من اعدى الاعداء لها، بينما الاغيار نتعامل معهم من مواطن الريبة فيهم، فلا يخدعونا
بيهوديتهم الزائفة كما يفعل الصهاينة,
الصراع الدائر في اسرائيل بين الصهيونية العلمانية وبين اليهودية الارثوذكسية، الذي اتخذ مظاهره
العلنية فوق ارض القدس لايتم في ظل غياب دولي لان العالم يتفاعل معه، بمساندة احد طرفيه ضد الآخر
والعداء اليهودي للاغيار وتميز انفسهم عن بقية خلق الله جعل من يؤيد اليهود المحافظين في توجهاتهم
الدينية، اليهود الارثوذكس الذين يعيشون في خارج اسرائيل، اما بقية العالم شعوبا وحكومات فنجدها تقف
الى جانب الفكر الالحادي الصهيوني لان التعامل معهم ايسر واسهل من التعامل مع اعدائهم اليهود المؤمنين
بعقيدتهم الدينية,
تقف امريكا الى جانب الصهاينة في داخل اسرائيل ليس فقط بسبب تأثر القرار السياسي الامريكي بالدهلزة
الصهيونية المتعاطفة مع العلمانية الصهيونية القائمة في اسرائيل، ولكن ايضا بسبب ما حققته العلمانية
الصهيونية من خدمات استراتيجية للولايات المتحدة الامريكية في داخل الاقليم، كان آخرها واهمها الحلف
العسكري بين تركيا واسرائيل ولولا التقاء العلمانية العسكرية التركية، مع العلمانية الصهيونية في
اسرائيل لما تحقق هذا الحلف العسكري بنتائجه الاستراتيجية بالرؤى الامريكية لاقليم الشرق الاوسط, لا
يصح ان يقف العرب على الحياد من هذا الصراع الدائر بين الصهاينة العلمانيين وبين اليهود الارثوذكس،
فكلاهما يكن عداء للعرب والمسلمين، وهو الامر الذي يفرض على العرب دفعهما الى مزيد من الخلاف والصدام
ليقضي كل منهما على الآخر او على الاقل ليضعف كل منهما الآخر، فيتعذر عليهما من مواطن هذا الضعف فرض ما
يريدون على العرب في ظل غياب احكام القانون الدولي العام، سواء بقي في السلطة الصهاينة العلمانيون او
صعد الهيا اليهود الارثوذكس,ولا يفوتنا ان نقول بان اضعاف الفريقين المتصارعين الصهاينة واليهود يزيد
من قوة العرب في مواجهة اسرائيل بالصراع المسلح في داخل شوارعها اذا لم تجنح للسلم، او بالحوار معها
بمنطق الحق والعدل اذا جنحت الى السلام,
backtop
الاولــــى
محليـــات
فنون تشكيلية
مقالات
المجتمع
الفنيـــة
الثقافية
الاقتصـــادية
المتابعة
منوعــات
شعر
عزيزتي
الرياضية
مدارات شعبية
العالم اليوم
مئوية التأسيس
الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved