|
من منزل إلى آخر..! |
لا أعتقد أن ظاهرة تغيير المنازل هي عند غيرنا كما هي هنا في المملكة..
وأكاد أشك إن وجدت هذه الظاهرة عند غيرنا أن تكون بحجم ما هو موجود عندنا..
فالذي أراه هنا من تبديل وتغيير للمواقع والأماكن القديمة..
ومن انتقال من حي إلى آخر ومن شارع إلى غيره ومن جيران إلى آخرين..
هو شيء لافت وغريب ويحتاج إلى تقصي الأسباب والمبررات..
***
ومثل غيري..
وككل الآخرين..
ممن لفت نظرهم ذلك..
وفكروا ملياً في أسبابه ودواعيه..
فقد حاولت أن اشخص الدافع لذلك..
وأقترب من المبررات..
وأتفهم الأسباب..
***
وقد تبين لي أن تغيير المواقع أشبه ما يكون بالعادة..
وأن الإنسان وما تعود عليه..
وأن بعضنا الكثير منّا قد ارتهن إلى ما شجع غيره فحاكاه على الدفع والدعم بما يساعد على تنامي هذه الظاهرة..
بحيث لم تعد موضع نقد أو استغراب أو رفض من المجتمع..
***
التغيير بالانتقال من الأماكن القديمة إلى الجديدة..
قد يكون سببه زيادة النمو في عدد أفراد الأسرة..
فيما بقي المسكن بحاله دون القدرة على استيعاب هذا النمو ومواجهة متطلباته..
وهذا له ما يبرره..
وقد يكون الانتقال لأن متطلبات ومواصفات السكن الحالي لا تلبي الحياة في حدودها المعقولة التي يرغب المرء وأسرته أن يتمتع بها..
وهذه أيضاً وجهة نظر يمكن أن نسلم بها..
***
لكن ما نتحدث عنه..
هو تحول الكثير من البيوت والفلل والعمائر السكنية إلى أطلال..
إلى أشباح مخيفة بعد أن هجرها سكانها الأصليون..
إلى هياكل غريبة عن النمط العمراني في المدن بلا استثناء..
وإلى مبانٍ آيلة للسقوط مع أن عمرها لا يتجاوز العشر أو العشرين سنة..
ما يعني أنها بلا سكان..
أو أن سكانها من العمالة التي اضطرها وضعها المادي إلى السكن فيها..
***
واللافت أكثر..
المثير للانتباه أكثر..
أن الكثير من المباني يتم إزالتها بالكامل ليقام على أنقاضها مبانٍ جديدة..
وليس لهذا من تفسير عندي إلاّ أن التخطيط المستقبلي لهذه المباني عند تنفيذها من أصحاب الشأن كان مفقوداً..
والاّ لما أزيل هذا المبنى بعد سنوات قليلة على إقامته..
***
في الدول الكبيرة في الشرق والغرب يبقى المبنى مئات السنين..
تشاد المباني لتبقى قروناً من الزمن..
دون أن تشوّه أو يساء إليها..
فتصبح بذلك جزءاً من تاريخ المدينة..
ومن مظهرها ونسقها العمراني..
أما نحن، ومع الطفرة فلم نبق شيئاً من قديمنا..
ومازالت الآلة تمارس هوايتها على ما تبقى.
خالد المالك
|
|
|
الأولوية لبناء المدارس تشاد نموذج إفريقيا الجديد في استغلال الثروة النفطية * إعداد محمد الزواوي |
مع اكتشاف النفط في بعض البلدان الإفريقية والذي أصبح يحدث كثيراً هذه الأيام تكشفت طبيعة جديدة للأشياء، فقد بدأت كميات ضخمة من الأموال تتدفق على البلاد، ولكن في الوقت ذاته تم تحويل معظم تلك الأموال إلى الحسابات البنكية الخاصة بالمسؤولين الحكوميين، مما أدى إلى عدم تحسن حالة المواطنين وظلوا كما كانوا في السابق: فقراء؛ ولكن ما جدّ عليهم هو أنهم أصبحوا أكثر حنقًا.
ولكن في تشاد، بدأت الدولة في بذل جهود مخلصة جديدة، البعض يعتبرها جهود تطوير فيما يصفها آخرون بأنها خطوات رعناء تحت رقابة البنك الدولي لضمان أن مزايا وعائدات النفط الجديدة تصل إلى جميع سكان البلاد البالغ عددهم 9 ملايين نسمة.
يقول مراسل (كريستيان ساينس مونيتور) في تقرير له من نجامينا في تشاد: تراقب تلك التجربة جهات أجنبية عن كثب، ومن بينها الولايات المتحدة، والتي تهتم بإيجاد مصادر نفطية جديدة خارج منطقة الشرق الأوسط المشتعلة، وإذا ما سارت الأمور على ما يرام في تشاد والدول الإفريقية الأخرى، فمن المتوقع أن تستورد الولايات المتحدة ما يصل إلى 25% من إجمالي وارداتها النفطية من القارة الإفريقية بحلول عام 2015، أما إذا لم تسر الأمور كما هو مخطط لها فربما ينتهي المطاف بدولة تشاد مثل نيجيريا، تفشٍ للفساد وعصيان مسلح من الميليشيات التي تطمع في الحصول على العائدات النفطية للبلاد.
يقول أحد الدبلوماسيين الغربيين في إشارة إلى التجربة في تشاد: (إذا ما نجحت التجربة التشادية فسوف تكون نموذجاً عظيماً للبلدان الأخرى في القارة)، والبعض يرى أن هناك دروساً يمكن استخلاصها من تجربة العراق.
تدفق الأموال
وقد حصلت تشاد الشهر الماضي على مبلغ 38 مليون دولار من عائداتها النفطية، وعلى مر العشرين عاماً القادمة من المتوقع أن تحصل البلاد على 2 مليار دولار على الأقل، مما يمكن أن يرفع العائدات المحلية بنسبة 50% طبقاً لأرقام البنك الدولي.
ولكن على عكس الدول الإفريقية الأخرى فإن تشاد ملتزمة بإنفاق 80% من عائداتها النفطية على المدارس والعيادات وتعبيد الطرق والحاجات الأساسية الأخرى، في حين تذهب 5% من العائدات إلى صندوق للأجيال القادمة, و5% أخرى تذهب إلى تطوير مناطق النفط الغربية في البلاد بالقرب من حدود الكاميرون، أما العشرة بالمائة المتبقية فيتم ادخارها في حالة انخفاض أسعار النفط.
ويسيطر البنك الدولي على معظم تلك الأموال، ويتم وضعها في أحد الحسابات البنكية في مدينة لندن منعًا ل(تسرب) هذه الأموال، وفي حالة طلب البلاد إنفاق بعض العائدات النفطية فيجب أن يمر طلبهم عبر لجنة شعبية غير ربحية مكونة من أربعة مواطنين وخمسة مسؤولين حكوميين من أجل الموافقة على ذلك.
و في قرية ميورميول الفقيرة في الضواحي الجنوبية الصحراوية لدولة تشاد بدأ السكان في حصاد بعض من تلك المزايا حيث يتم ضخ 200 ألف برميل من النفط يومياً من أعماق قرية ميورميول والقرى المحيطة بها، وترسلها عبر أنبوب طوله 670 ميلاً عبر الكاميرون إلى الأسواق العالمية.
وفي العام الماضي منحت شركة النفط العملاقة (إسو) (في شراكة محلية مع شركة إكسون موبيل، وشيفرون تيكساكو وبتروناس الماليزية) ما يقرب من 3 ملايين دولار إلى الأفراد الذين أضيروا من ذلك المشروع.
وقد ساهمت تلك الأموال في تمويل مرافق عديدة؛ مثل بناء أسطح معدنية جديدة ومقاه للأحياء، كما أنفقت الشركة ما يقرب من 3 ملايين دولار كجزء من برنامج تعويضات المجتمع حيث خُيّر السكان بين حفر بئر جديدة أو صهريج مياه أو بناء مدرسة ابتدائية لما يقرب من 80 من أبناء القرويين في ميورميول التي يقطنها 760 من الفلاحين, وقد اختاروا بأغلبية استثمار هذا المبلغ في بناء مدرسة جديدة.
واليوم تقف المدرسة بحوائطها الأسمنتية الجديدة ونوافذها الخضراء اللامعة بين الأكواخ الطينية بأسقفها المصنوعة من القش في القرية.
يقول إيلي سولينجار، أحد مزارعي القرية، طويل القامة تعلو وجهه ابتسامة عريضة: (إن المدارس تصنع رجالاً عظماء).
ويضيف مارسيل كوردودجن أخو عمدة القرية: انه عندما يلتحق خيار أبناء القرية بالمدرسة الثانوية ثم الجامعة ثم يعودون إلى ديارهم، فإن الجميع سوف يستمع إليهم) طلباً للنصيحة ولأفكار جديدة.
ومن الناحية النظرية فإن أموال النفط التشادية سوف تقترح أفكاراً ومبادرات جديدة عبر جميع أنحاء البلاد.
يقول أوتو هونك الألماني المتخصص في شئون التطوير والذي يدير برنامج تعويضات القرية لشركة إسو: (إن الناس هنا معتادون على تقديم أمانيهم وأحلامهم إلى السلطات، ولكن بدلاً من طلب شيء ما منا، فسوف نساعدهم على التخطيط من أجل عمل ذلك بأنفسهم).
الطوب يصنع محلياً
هذا هو ما حدث في ميورميول؛ فقد تم تأجير مزارعي القرية للمساعدة في بناء المدرسة، وقد أتت المؤسسة المسئولة عن البناء بالطوب من أحد مصنّعي الطوب المحليين، وبعد انتهاء البناء أدرك القرويون أنهم لا يزالون بحاجة إلى مزيد من الفصول الدراسية، لذا قاموا بتجميع مبلغ وصل إلى 50 دولاراً من أجل تشييد مبنى مكون من حجرة واحدة بسقف معدني، وحتى عمدة القرية والذي كان عامل بناء قبل ذلك شارك معهم في البناء.
وقد أدت العائدات النفطية إلى إطلاق شعور عظيم بالمسئولية بين أبناء قرية ميورميول والقرى المحيطة بها، ولكن رغم تلك الثروة الجديدة فإن دولة تشاد لن تصبح في مصاف الدول الغنية، فدخل الفرد في البلاد يصل إلى 250 دولاراً في العام، أو ما يعادل 73 سنتاً في اليوم طبقاً لإحصاءات البنك الدولي، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 550 دولاراً في العام بحلول عام 2005م.
وفي قائمة التنمية الإنسانية التابعة للأم المتحدة لعام 2004 قبعت تشاد في المركز 167 بين 177 دولة، وذلك لقلة المرافق الكهربائية والطرق المعبدة والمياه النظيفة في البلاد، أما المتشككون فيقولون انه بالرغم من نموذج العائدات النفطية الجديد إلا أن الحياة لن تتغير كثيراً بالنسبة للمواطنين في البلاد، فسوف تتغير فقط بالنسبة للنخبة، كما عبّروا عن شعورهم بالقلق من أن تلك اللجنة المكونة من المواطنين لن تكون مستقلة عن النظام الشمولي.
وقد اكتشف البنك الدولي أن زعماء تشاد ربما يخاطرون بأشياء كثيرة نظير اختصاص أنفسهم ببعض الأموال، وحتى في ظل وجود العائدات النفطية فسوف تظل تشاد تعتمد بصورة كبيرة على المساعدات الخارجية لتمويل حتى أدنى الخدمات للسكان.
يقول جريجور بينكيرت مدير البنك الدولي في تشاد: (إذا ما حنث المسئولون في وعودهم وأخفقوا في تحقيق التزاماتهم فذلك من شأنه أن يهدد العلاقات مع البنك الدولي والجهات المانحة الأخرى).
وقد بدأت دول إفريقية أخرى في أن تحذو حذو تشاد, فعلى سبيل المثال جرت مناقشات داخلية في جزيرة ساو تومي وبرنسيب في الساحل الإفريقي الغربي حول مشروع قانون جديد يهدف إلى تحقيق الشفافية في العائدات النفطية، وقد عقدت البلاد أيضاً صفقة مع دولة نيجيريا لإصدار تقارير تدقيق محاسبية للمناطق الغنية بالنفط على سواحل كلا البلدين.
وفي دولة نيجيريا على سبيل المثال كثيراً ما قام المسلحون بمهاجمة المنشآت النفطية في البلاد التي تعد أكبر مصدّر للنفط في القارة الإفريقية، مما أجبر الحكومة على إغلاق تلك المؤسسات النفطية، وما يترتب على ذلك من تقليص الإنتاج إلى كميات تتراوح ما بين 10 إلى 40% من إجمالي القدرة النفطية لنيجيريا التي تقدر بـ(2.5) مليون برميل يومياً.
وفي دولة أنجولا الغنية بالنفط فإن الجماعات الرقابية قد حذرت من أن البلاد فقدت ما يقرب من 4 مليارات دولار بسبب الفساد أو سوء الإدارة في الفترة ما بين عامي 1997 و2002، في الوقت الذي يعاني فيه 3.7 ملايين نسمة من السكان من أمراض سوء التغذية.
وتلك الفجوات الواسعة ما بين الأغنياء والفقراء يمكن أن تهيئ البلاد لحدوث شقاقات وصراعات أهلية بين السكان.
وباعتبارنا لتلك الضغوط، فحتى المؤسسات النفطية متعددة الجنسيات التي طالما اتهمت بأنها تحرض على الفساد ربما تغير من سلوكها؛ ففي تشاد وافقت تلك الشركات على الكشف عن الأموال التي كانوا يدفعونها إلى الموظفين الحكوميين نظير عقود نفطية، وهو شيء طالما قاوموه في مناطق أخرى؛ متعللين بأن ذلك من شأنه أن يعوق قدرتهم على المنافسة مع الشركات الأخرى التي لا مانع لديها من دفع رشاوى للموظفين الحكوميين.
والآن هناك مؤشرات على دخول قرية ميورميول إلى العصر الحديث، وذلك أن سكان القرية أصبحوا يتعاملون مع مشكلتين من المشاكل العصرية التي تواجه العديد من المدن الأمريكية: الازدحام في الفصول الدراسية، ونقص المدرسين؛ فالآباء في القرى المجاورة أصبحوا يطمعون في مكان لأطفالهم في مدارس ميورميول، مما أجبر القرية على العودة إلى استخدام فصولها القديمة المبنية من الخشب والقش، كما حصل العديد من مدرسي المنطقة على وظائف في الشركات النفطية الجديدة، لذا لم يتضح بعد إذا ما كان هناك عدد كاف من المدرسين سوف يقفون أمام سبورة الشرح في الفصول بطباشيرهم في هذا الخريف.
ولكن من أجل التغلب على هذه المشكلة قام القرويون بتجميع أموال لدفع رواتب المدرسين ورفع رواتبهم عن الراتب الحالي الذي يصل إلى 36 دولاراً فقط في العام، ويقول السيد سولينجار أحد المزارعين: (إنه الحل الوحيد لإبقاء المدرسين في القرية)، مضيفاً أن ذلك يجب أن يتم لأن (التعليم هو الأولوية الأولى بالنسبة لنا).
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|