|
ما الحل..؟!!
|
على مدى سنوات كثيرة..
ومنذ زمن طويل..
نادى من نادى بأهمية دمج المؤسسات الصحفية الضعيفة في المؤسسات الصحفية ذات الإمكانيات المادية والتحريرية الأفضل..
بأمل إنقاذ الصحف المتواضعة في مستواها من المعاناة التي تعيشها وتطوير الصحف الأقوى بإضافة إمكانات جديدة لها..
***
وكانت لهذه الفكرة من يناصرها ويؤيدها ويتحمس لها بإثارتها من حين لآخر..
في مقابل من يشكك في جدواها ومن يحذر من نقل المرض من هذا الجسم العليل إلى الجسم المتعافي والصحيح..
وظل هذا التجاذب والحوار لسنوات دون أن يُفعَّل أو يُطوَّر أو يتم التوصل إلى نقطة التقاء..
إلى أن لاذ الجميع بالصمت ولم تعد مثل هذه الفكرة مطروحة للنقاش من جديد..
***
وظلت الصحف الضعيفة تترنح على مدى أربعين عاماً، وتحديداً منذ قيام المؤسسات الصحفية وصدور الصحف عنها دون أن يطرأ أي جديد عليها..
فيما تواصل المؤسسات الصحفية القوية والأقوى جهودها في تطوير إصداراتها سعياً نحو بلوغ أهدافها المحددة..
والسؤال: وماذا بعد..؟
***
يرى البعض أن هذه الصحف أعطيت بما فيه الكفاية من الوقت لتطويرها، وأنه آن الأوان لتدخل من الدولة لمعالجة أوضاعها المتردية..
ويقول آخرون، اتركوها لحالها إلى أن تموت أو تتطور مهما احتاج ذلك إلى مزيد من الوقت وفترات أخرى من الزمن..
***
والرأي الحكيم الذي أميل إليه، أن على الجمعيات العمومية ومجالس الإدارات في المؤسسات الصحفية المعنية أن تدرس أوضاعها دراسة متأنية للخروج بتصور كامل يساعد على أخذ القرار المناسب والمفيد لها..
وأن تكون القرارات التي يتم التوصل إليها حازمة ومقبولة ومناسبة للاطمئنان على أنها تصب في مصلحة هذه المؤسسات وتنقذها من الوضع الذي تمر فيه بعد أن طال الانتظار..
***
والخطوة الأهم، الأكثر أهمية..
أن على وزارة الثقافة والإعلام أن تتدخل وبشكل جدي للمساهمة في العلاج المناسب والمطلوب والملح اليوم قبل الغد..
ولسنا في حاجة إلى تذكير الوزارة بأن المهدئات والمسكنات التي اعتادت أن تقدمها لهذه المؤسسات لم يكن لها أي تأثير أو فائدة أو نصيب في خروجها من النفق المظلم..
وهو ما يعني أن على الوزارة مشكورة أن تتحمل جزءاً من المسؤولية وأن تقف إلى جانب هذه المؤسسات وتساعدها...
***
فهذه صحف لها تاريخ..
ولها ريادة..
وتصدر في دولة ذات إمكانات مالية وبشرية وعلمية كبيرة..
ولا ينبغي أن تترك للمجهول، أو أن تبقى على الحال الذي لا يسر.
خالد المالك
|
|
| width="68%" valign="top" align="center" dir="rtl">
الممثلة التي ناهضت حرب فتنام جين فوندا: أعترف بأنني (حرباء) * إعداد إسلام السعدني
|
من هي جين فوندا؟.. هل هي تلك الممثلة الشهيرة التي سحرت الملايين منذ أن ظهرت لأول مرة على الشاشة الفضية في عام 1960م؟.. أم هي الناشطة السياسية التي أذهلت مواطنيها من الأمريكيين حينما رفعت لواء المعارضة ضد الحرب التي شنتها بلادها على فيتنام في ستينيات القرن الماضي؟.. أم ربما هي تلك السيدة الجميلة الجذابة التي أصبحت رمزاً للرشاقة في العالم بأسره من خلال الأشرطة التي ظهرت فيها تمارس لعبة (الإيروبيك)، تلك اللعبة التي صارت في فترة ما الأكثر انتشاراً بين ملايين النساء في مختلف بلدان الأرض؟.
***
قد تبدو الإجابة الأدق أنها خليط ساحر من كل هؤلاء.. لاسيما وأنها تعد إحدى العلامات الفنية البارزة في الولايات المتحدة على مدار العقود الأربعة الأخيرة، مما جعلها دائما حديث وسائل الإعلام خاصة لتعدد زيجاتها التي كانت كما كل شيء في حياتها مثار جدل وموضع اهتمام.
وبينما كانت جين مثار غيرة وحسد العديد من السيدات اللواتي كنّ يحلمن بأن يصبحن في مثل جمالها ورشاقتها.. كانت أيضا محط أنظار آخرين لم يُكِنُوا لها سوى العداوة والبغضاء لا لشيء إلا لموقفها المعادي للحرب في فيتنام.. وكان أغلب هؤلاء بالطبع من المحاربين القدماء الذين باتوا يعارضون أي خطوة تخطوها منذ قامت بجولتها الشهيرة في فيتنام الشمالية نفسها أوائل سبعينيات القرن العشرين تحت قصف أمريكي وحشي لإعلان معارضتها الحازمة لتلك الحرب.
جين فوندا صارت الآن في السابعة والستين من عمرها ولكنها مازالت متألقة، فاتنة، وتشغل وقتها حيث تعيش في ولاية أتلانتا الأمريكية بالإشراف على برنامج يستهدف توعية المراهقات بشأن خطورة الحمل المبكر، كما يشمل البرنامج أيضا توعية الأمهات صغيرات السن كيف يقمن بدورهن بشكل جيد ويربين أطفالهن بأسلوب سليم.
وربما يرجع اهتمام تلك النجمة اللامعة بهذا الموضوع بالذات إلى أنها تتمنى لو كانت قد تلقت مثيلا له عندما أنجبت أول أطفالها، لأنها لم تكن ? بحسب قولها (أماً جيدة).. وهو ما دفعت ثمنه فيما بعد.
طفولة معذبة
ولا تقتصر أسباب اهتمام جين بتدريب الأمهات الصغيرات على كيفية أداء واجبهن حيال أطفالهن بكفاءة على مجرد فشلها في القيام بنفس الدور عندما كانت في سنهن، ولكن أيضا لأنها عانت كثيرا من المعاملة التي لاقتها، وهو ما دفعها للقول إنه (من الضروري أن يكون لكل إنسان أبوان حانيان، أو ناصح أمين، أو مربٍ يحبه ويعطف عليه ويرشده إلى مواطن الصواب ومكامن الزلل).
وكان من الطبيعي أن تفكر صاحبة مثل هذه الحياة الحافلة في سرد كل ما مرت به من خلال كتابة مذكراتها ونشرها في كتاب، وأيضا كان من المنطقي أن يلقى هذا الكتاب اهتماماً إعلامياً كبيراً يتسع نطاقه بمرور الوقت.
المذكرات تحمل اسما لافتاً للنظر (حياتي حتى الآن)، وهو ما يعبر عن دقة صاحبته في اختيار ألفاظها بدقة، فهي ترى أن الكتاب لا يحوي كل شيء من منظور أن أعواماً قادمة لم يُسبر غورها بعد لا يصح لها أن تغفلها إذا قدر لها أن تعيشها، إلى جانب ذلك تخلّف العديد من المقاطع الواردة في المذكرات شعوراً بالأسى والمرارة في النفس من فرط وضوحها وصراحتها في استعراض المواقف التي مرت بها.
مرض الإرضاء
وعلى نفس الدرب الذي سارت عليه جين فوندا في الكتاب، جاء حوارها مع الصحفي ليزلي ستال، ذلك الحوار الذي نعرض تفاصيله في السطور التالية، والذي فجرت فيه النجمة الأمريكية عدة مفاجآت منها تقديمها اعتذاراً عن بعض الأنشطة التي قامت بها في إطار معارضتها للحرب في فيتنام، كما كشفت تفاصيل جديدة عما مرت به خلال زيجاتها المتعددة والملابسات الغريبة التي أحاطت بتلك الزيجات.
ولعل الاعتراف الأول الذي يطالع قراء هذا الحوار.. ذاك المتعلق بما تسميه جين (مرض إرضاء الآخرين).. وهي حالة لا تصيبها سوى مع الرجال فحسب وليس مع النساء..
مما جعلها تتقلب وتتلون على حسب شخصية كل من أزواجها الثلاثة من منطلق الرغبة في إسعادهم وإرضائهم.
وأشارت إلى أن هذه الحالة التي تعتبرها مرضا فريدا من نوعه أصابتها نتيجة كل ما مرت به في حياتها من أحداث، مؤكدة أن النجاح الكبير الذي حققته في حياتها العملية لا ينفي أنها كانت على النقيض تماما على الصعيد الشخصي.
وفي حوارها مع ستال تشير النجمة الأمريكية إلى نقطة الضعف الرئيسية في شخصيتها قائلة: (إنني شجاعة للغاية في حياتي العامة.. يمكنني أن أذهب لفيتنام على سبيل المثال.. بوسعي تحدي الإدارة الأمريكية، ولكن مع رفيق حياتي لا أجدني كذلك على الإطلاق، فلا أستطيع مواجهته لو كان ثمن هذه المواجهة أن يتركني لأُصبح وحدي تماماً).
وهكذا تعترف جين فوندا أنها سمحت لكل زوج من أزواجها الذين بدأتهم بالمخرج الفرنسي روجيه فاديم، بإعادة تشكيل شخصيتها.
الحافية.. بداية الانطلاق
وتستعرض جين في سيرتها الذاتية مشوارها السينمائي منذ البداية خاصة فيلم (حافية في الحديقة) الذي يعد العمل الأول الذي لفتت من خلاله أنظار الجماهير وشاركها في بطولته النجم روبرت ريدفورد عام 1967م وشكل نقطة انطلاق كبيرة في حياتها الفنية لتصبح نجمة شباك من الدرجة الأولى، وبلغ عدد أفلامها أكثر من أربعين فيلما حتى الآن.
وفي العام التالي مباشرة التقت جين فوندا بزوجها الأول روجيه فاديم عندما أخرج لها الفيلم الشهير (بارباريلا)، وهو الفيلم الذي أثار ضجة كبيرة خاصة وأنه يعد من بين الأعمال السينمائية القليلة التي تصنف كأفلام خيال علمي إباحي ! وعندما سألها ستال حول ما إذا كانت تشعر بالإحراج عندما تشاهد هذا الفيلم الآن، ردت فوندا نافية ذلك، ولكنها أقرت في الوقت نفسه بأنها ظلت لفترة طويلة لا تستطيع مشاهدة هذا العمل. وأردف المحاور معلقا على إجابة النجمة الأمريكية بقوله: إنه يعتقد أن ذلك الفيلم يتبنى رؤية غير صائبة، مشيرا إلى أنه لا يمكنها تجاهل أن الشخصية الرئيسية في الفيلم التي قامت بتجسيدها أصبحت رمزا للمرأة المتحررة لحد الانفلات، وهو ما ردت عليه فوندا بالقول (نعم ولكنني أستطيع مشاهدة الفيلم الآن وأضحك من قلبي بل وأجده فاتنا).
خيانة القلب
وعلى أي حال فبالرغم من أن جين تحدثت عن علاقتها بفاديم في إطار العمل كمخرج وممثلة بشيء من المرح، إلا أن حياتهما الخاصة كزوج وزوجة كانت أمرا مختلفا تماما، وهي الحياة التي كشفت العديد من أسرارها في كتابها الأخير.
وبررت جين هذا الأمر في حوارها مع ستال بالقول إنها أدركت وهي تسرد مذكراتها أن تجاهل مثل هذه التفاصيل سواء كانت مهمة أو تافهة سيجعل صورة حياتها التي حرصت على رسمها بكل ما فيها من رتوش صورة منقوصة. وأشارت إلى أنها كانت مصرة على أن يوضح كتابها كم كانت في بعض الأوقات تسلك سلوكيات على عكس ما تهوى أو ترغب، وهو ما تصفه بأنه كان بمثابة خيانة لقلبها.
وبعد انهيار زواجها من فاديم ألقت جين فوندا بنفسها في المعترك السياسي لتصبح ناشطة يشار إليها بالبنان، ومع ذلك فقد قالت في مذكراتها: إنها تجفل حاليا عندما ترى أشرطة الفيديو التي تصورها خلال مشاركتها في المؤتمرات والنشاطات الجماهيرية ذات الطابع السياسي التي جرت في تلك الفترة.
وأشارت إلى أنها عندما ترى نفسها في تلك الشرائط تكاد أن تصرخ قائلة: (ألا يوجد من يمكنه أن يخبر تلك المرأة (تقصد نفسها) بأن تصمت)!
إلى كوخ هايدن
وكانت هذه الفترة المفعمة بالحماس السياسي هي التي التقت خلالها جين مع توم هايدن أحد أبرز رموز حركة مناهضة الحرب في فيتنام، والذي أصبح زوجها الثاني، لتدخل جين الجميلة معه عالما مختلفا بشكل صارخ عن ذلك الذي اعتادت العيش فيه. فقد انتقلت النجمة الشابة وقتذاك للعيش في منزل متواضع، كان أبوها يطلق عليه اسم (الكوخ) لكونه يفتقر للعديد والعديد من الضروريات المنزلية، لدرجة عدم وجود غسالة ملابس على سبيل المثال!
ولا تنكر جين فوندا صعوبة تلك الفترة، وتقول لستال: إنها كانت حقبة أظهرت فيها عمق إيمانها بأفكارها السياسية من خلال قبول الحياة في ظروف عصيبة مثل هذه، إلى حد أنها كانت حينما تحاول تثبيت صورة أو لوحة في جدار غرفة نومها تجد المسمار قد نفذ من الجهة الأخرى للجدار في إشارة إلى مدى تواضع حالة المنزل.
وكان من المنطقي أن يسألها ليزلي ستال عن أسباب هذه الحياة المتواضعة في ضوء أنها كانت تجني الكثير من الأموال من عملها السينمائي في تلك الفترة، وهو ما ردت عليه جين بتوضيح أنها كانت تخصص هذه الأموال لدعم حركة مناهضة الحرب في فيتنام، مشيرة إلى أنه كان من العبث أن يفكر المرء في نفسه في وقت يفقد فيه مواطنوه حياتهم، وتواصل آلة الحرب الجهنمية حصدها للأرواح بدون رحمة وأردفت فوندا قائلة: إن جانبا من تلك الأموال خُصص لتمويل الجولات التي قامت بها مع هايدن في أنحاء مختلفة من الولايات المتحدة، لكسب التأييد لحملتها ضد الحرب والإلتقاء بالمحاربين الأمريكيين العائدين من فيتنام، وكذلك لتمويل رحلتها الشهيرة عام 1972م إلى هانوي عاصمة فيتنام الشمالية وقتذاك التي كانت تُعد العدو اللدود للولايات المتحدة.
في معسكر الأعداء
ولم تقتصر نتائج هذه الرحلة على أن يصبح اللقب الأشهر لجين آنذاك هو (جين هانوي) ولكنها أدت أيضا إلى أن تصبح هذه النجمة اللامعة محل مقتٍ أبدي من قبل المحاربين في فيتنام خاصة بعد أن تفقدت خلالها موقعاً فيتنامياً للمدافع المضادة للطائرات، والذي كان يوجه نيرانه بطبيعة الحال للمقاتلات الأمريكية.
ولكن يبدو أن الأعوام التي انقضت منذ إقدام جين فوندا على تفقد هذا الموقع والتقاط صور مع المقاتلين الفيتناميين المرابطين فيه قد أثبتت لها أنه لم يكن يجدر بها القيام بتلك الخطوة حتى ولو كانت تعارض الحرب الأمريكية على فيتنام.
ولذا أعربت فوندا في الحوار عن ندمها حيال هذا الأمر قائلة: (سأظل حتى مماتي أشعر بالندم لأنني تركت هذا يحدث.. أن تُلتقط صورة لي. وأنا جين فوندا ابنة هنري فوندا.. النجمة السينمائية المعروفة.. على مدفع مضاد للطائرات في موقع للعدو.. إن ذلك من قبيل الخيانة).
وأضافت (لقد بدا الأمر وكأنني أتحدى الجيش الأمريكي، ولكن التفكير في ذلك كان خطأ كبيرا في التقدير لا يمكن لي تصوره، إذ إنني أهتم بشدة بالجنود الأمريكيين، ولا يمكنني أن أتحدى بلداً منحني كل هذه الشهرة والمكانة المرموقة).
ولكن اعتذار جين لم يشمل كل ما قامت به في فيتنام، فعندما قال لها ستال: إن العديد من المحاربين القدامى أكدوا أنهم لن يغفروا لها أبداً زيارتها لسبعة من أسرى الحرب الأمريكيين ممن كانوا محتجزين وقتها لدى السلطات الفيتنامية، باعتبار أنهم رأوا ذلك وكأنه كان محاولة من جانبها لاجتذاب مزيد من الأضواء على حساب هؤلاء الأسرى، أكدت فوندا أن ذلك لم يكن صحيحا، وأن مئات الوفود الأمريكية التي زارت فيتنام الشمالية خلال الحرب قامت بزيارات مماثلة لأسرى الحرب، وهو ما جعل تلك الزيارات تبدو أمراً شائعاً وليس مستغربا على الإطلاق.
ولكن لم يكن هذا الرد كافيا بالنسبة لستال الذي عاد ليسألها عما إذا كان قيام المئات من الوفود بمثل هذه الزيارات يعد أمرا كافيا لدحض أي جدل حولها خاصة في ظل استغلالها دعائيا من جانب الفيتناميين لإظهار أنهم يعاملون الأسرى بإنسانية، فأجابته جين مؤكدة أن طرفي الصراع كانا يستخدمان الأسرى في الدعاية. وتابعت بقولها (لا أرى أنني اقترفت إثما أعتذر عنه) في هذا الصدد.
تحريض الطيارين
زيارة الأسرى لم تكن الأمر الوحيد المثير للجدل فيما يتعلق بزيارة جين إلى فيتنام، بل يمكن القول إن من أهم بواعث هذا الجدل تلك الأحاديث الإذاعية التي سجلتها لإذاعة هانوي، وهي الأحاديث التي تبررها جين بالقول: (إن الإدارة الأمريكية كانت تكذب علينا، وهناك الكثيرون لقوا حتفهم نتيجة لهذه الأكاذيب، ولذا شعرت بأن من واجبي القيام بأي شيء ممكن من أجل فضح تلك الأضاليل بهدف إنهاء الحرب تماما) ويحتفظ الأرشيف القومي في الولايات المتحدة بأشرطة للتسجيلات التي قدمتها جين خلال زياراتها المتعددة لإذاعة هانوي، تلك الزيارات التي بلغ عددها عشر زيارات على الأقل.
وأثارت هذه الأشرطة التي سجلتها جين فوندا بعد جولاتها في الريف الفيتنامي المدمر، وعقب زياراتها للمستشفيات الغاصة بالجرحى، وخاطبت فيها بني وطنها من الطيارين، حفيظة ستال الذي سألها عما إذا كانت قد حاولت آنذاك تحريض هؤلاء الطيارين على وقف الغارات وعصيان أوامر قادتهم، مستشهداً بما قالته في هذا الشأن (أتوسل إليكم أن تتدبروا عواقب ما تقومون به، المستشفيات صارت غاصة بالأطفال والنساء وكبار السن. هل لديكم أي تبرير لما تفعلونه؟)
إلا أن جين أكدت أنها لم تكن ترمي من وراء نداءاتها تلك إلى التحريض على العصيان، لأنها تدرك أنها لن تكون من يتحمل عواقبه، مضيفة بالقول (لقد طلبت منهم فقط أن يفكروا ملياً في ما يقومون به).
الرد دفع مُحَاورَها إلى لفت نظرها للرؤية التي يتبناها الجنود الذين أطلقوا عليها (جين هانوي) والذين لا يزالون يشعرون بالغضب حيالها، تلك الرؤية التي تستند إلى الاختلاف الكبير ما بين رفع لواء معارضة الحرب في داخل أمريكا واتخاذ الموقف نفسه خارجها، بل والذهاب إلى (معسكر الأعداء).. تلك الأرض التي تحارب عليها القوات الأمريكية في ظروف شديدة الصعوبة.
وأضاف ستال قائلاً: ( بلغة أخرى، هناك فارق ما بين أن تقولي توقف ل(الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت) ريتشارد نيكسون، وأن تقوليها للطيارين). هنا ردت جين قائلة: لقد قلناها كثيرا لنيكسون.. لما يقرب من ثمانية أعوام كاملة، وشارك في الاحتجاجات على تلك الحرب ملايين الأشخاص، تعلم أنه تم فتح النار على الطلاب المتظاهرين بولاية كينتاكي ولكن المظاهرات استمرت على الرغم من ذلك. وأضافت (الأمر كان يستلزم القيام بما بات يبدو الآن غريباً ومثيراً للجدل إلى حد لا يصدق.. وهذا ما شَعرتُ أننا كنا بحاجة إليه) في تلك الحقبة.
فيتنام نعم.. العراق لا!
إلا أنه كان هناك الكثيرون ممن لم يكونوا على استعداد لتفهم رؤية جين فوندا في هذا الشأن وهو ما أثار غضباً عارماً ضدها، ذلك الغضب الذي سألها ليزلي ستال عن رد فعلها الأوليّ حياله، فقالت: إن ذلك أصابها بالحزن من منطلق أنه غضب في غير موضعه.
ولكن الموقف المبدئي الذي اتخذته جين حيال الحرب في فيتنام وتمسكت به في هذا الحوار، اختلف تماماً حينما وصل النقاش إلى قضية الحرب على العراق، فعندما سألها ليزلي ستال عما سيكون عليه موقفها إذا قامت إحدى النجمات الأمريكيات الحاليات بالاتصال بالمقاومة العراقية وتوجيه نداءات للجنود الأمريكيين المنتشرين في العراق، أكدت أنها لن تؤيد مثل هذه الخطوة في حالة حدوثها، قائلة: إنه لا تجوز المقارنة ما بين ذلك الاحتمال وبين ما قامت هي به في فيتنام.
وأضافت (عندما ذهبت إلى فيتنام كنا منخرطين في قتال مرير هناك منذ ثمان سنوات، وكان غالبية الأمريكيين، وكذلك غالبية أعضاء الكونجرس يعارضون هذه الحرب كان المناخ حينذاك باعثا على اليأس).
ولا تتوقف التناقضات عند هذا الحد.. ف( جين فوندا) تلك المناضلة الصلبة من أجل حرية فيتنام، والتي تستطيع مواجهة جماهير غفيرة في أي ملتقى عام كانت أقرب إلى الجبن حين تتعامل مع زوجيها الأول والثاني فاديم وهايدن. كما أن جين الفاشلة بامتياز في علاقاتها الشخصية كانت تحقق النجاح تلو النجاح في المجال العملي كنجمة متألقة لا سيما بعد أن أطلقت عام 1979م شريط فيديو يتضمن تمرينات للسيدات الراغبات في الرشاقة وبناء جسد رياضي سليم يحافظن من خلاله على جاذبيتهن.
وحقق هذا الشريط الذي كان مرفقا بكتاب يتناول الموضوع نفسه نجاحا ساحقا حتى بيع منه نحو 17 مليون نسخة، وبدأت جين من خلاله نشر رياضة (الإيروبيك) التي باتت رمزا لها في ما تلا ذلك من سنوات وحتى اليوم.
وتقول جين فوندا: إنها استغلت الأرباح التي حققها هذا الشريط لمساندة العديد من القضايا التي كانت تدعمها هي وهايدن.
وعلى الرغم من النجاح الذي حققته في حياتها العملية إلا أنها ظلت لوقت طويل لا تمتلك مؤسسة تجارية ما أو شركة إنتاج أو ما إلى ذلك، وتركت هذا الأمر للحركة السياسية التي أنشأتها مع زوجها الثاني، والتي موّلتها بقرابة 17 مليون دولار كلها من أرباح مبيعات شريط (الإيروبيك) الأول، وبرغم ذلك إلا أن هايدن ? بحسب ما تقول جين لم يكن سعيدا به بل بالعكس كان يكن له مشاعر عدائية باعتبار أنه ليس إلا عملا تافها.
طلاق فزواج
ولم يشفع لذلك الشريط الأموال التي ضختها مبيعاته في شرايين الأنشطة السياسية لهذين الزوجين، بل ربما صار أشبه بحاجز يفصل فيما بينهما، وهو ما أدى بهما فيما بعد إلى الطلاق الذي حدث بشكل دراماتيكي للغاية.
وفي الحوار، تسترجع جين هذه اللحظات المريرة بقولها: (في ليلة ذكرى ميلادي الحادي والخمسين أخبرني هايدن بأنه وقع في حب امرأة أخرى، وهنا تقوضت حياتي بالكامل).
وتضيف أنها أصيبت بانهيار عصبي حاد (لدرجة أنني لم أكن أستطيع الكلام ولم أكن أقوى سوى على الهمس، كما كنت في تلك الفترة لا أقدر على المشي بسرعة.. كنت أشعر كما لو كان الدم ينبجس من جلدي. شعرت كما لو كنت قد ولدت للتو وأنني بحاجة إلى من يتبناني ويرعاني) وهكذا انتهت الزيجة الثانية لجين فوندا بعد سبعة عشر عاماً كاملة أنجبت فيها النجمة اللامعة طفلا.
ولكن القدر كان يخفي في جعبته مفاجأة سارة للممثلة والناشطة المصدومة، ففي اليوم التالي لإعلان نبأ الطلاق في الصحف، فوجئت جين باتصال هاتفي من الثري تيد ترنر يحدثها بصوته المدوي ولهجته التي تغلب عليها لهجة أبناء الجنوب الأمريكي.
وأشارت إلى أن ترنر بدأ الاتصال بطريقة غاية في الغرابة قائلاً: (هل هذا صحيح؟)، فأجابته على الفور (ما الذي تسأل عنه؟). فرد عليها (هل انفصلتما أنت وهايدن؟)، وهو سؤال لم يكن بوسع جين التي كانت تعاني من الانهيار العصبي في ذلك الوقت الإجابة عليه.
ولكن الرجل لم يشعر باليأس، وتقول جين: إنه عاد للحديث في ذات الموضوع بعد ثلاثة أشهر، إلا أنه وقتها اختار أسلوبا ساحرا حيث (طاردني وجثا على ركبته وقرأ عليّ شعرا نظمه خلال دراسته الثانوية.. كان أمرا لا يقاوم ).
حياة جديدة مع تيرنر
وبيد أنه كان من الطبيعي أن ينتهي هذا المشهد المغرق في رومانسيته بزواج أدى إلى نقلة جديدة في حياة جين الحافلة بالتقلبات، فرض سؤال ملح نفسه، حسبما يقول ستال، ألا وهو كيف انتقلت هذه الفنانة من الحياة في (كوخ) مع هايدن إلى الحياة في معية ملياردير كان يمتلك في وقت زواجهما 23 منزلاً دون أن تشعر أنها بذلك خسرت نفسها بالكامل؟ إلا أن جين التي قللت من شأن هذه النقلة الحادة مشيرة إلى أنها اعتادت مثل هذه التغيرات الكبيرة، وأكدت أنها عندما حاولت النظر إلى زواجها من تيرنر من الخارج وبشكل موضوعي قالت لنفسها (مرة أخرى تسمح جين فوندا لرجل بأن يغيرها).
وأوضحت في الوقت نفسه أن هذا التغيير (جاء على نحو إيجابي)، واعترفت بأنها تدرك أنها تشبه (الحرباء بعض الشيء )، مشيرة إلى أن حياتها تغيرت تماما بعد زواجها الثالث فقد بدأت تحيا في جو مغاير تماما مليء بالحفلات والاستقبالات.
وتكشف النجمة الأمريكية النقاب عن أن تيرنر أكسبها الثقة في نفسها من خلال كلمات المديح التي كان يوقظها بها كل صباح مؤكداً انبهاره بجمالها وجاذبيتها، مشيرة إلى أنها كانت تهمس لنفسها قائلة: (إنه ليس غبيا.. إذن فهو على صواب)! وحتى عندما طلب منها ترنر التوقف عن العمل السينمائي لم تتردد جين فوندا في أن تفعل ذلك بسعادة، وهو ما يؤكد أنها خلال زيجتها الثالثة لم تتغير البتة عنها خلال زيجتيها السابقتين حيث تلاشت شخصيتها أمام شخصية زوجها، حتى انصهرت حياتها تماما في حياته، وهو ما ترجعه إلى ما تحدثت عنه سابقا من داء إرضاء الآخرين، ذلك الداء الذي ترى أنها أصيبت به بسبب ما مرت به من أحداث قاسية في فترة الطفولة.
انتحار أم
وتشير جين إلى أن من أكثر هذه الأحداث وطأة على نفسها انتحار أمها، حينما كانت لم تتجاوز بعد الثانية عشرة من عمرها، موضحة أن أمها كانت مريضة نفسيا وأنها غافلت الممرضة المكلفة بالعناية بها ومنعها من إلحاق الضرر بنفسها وأقدمت على الانتحار.
ولأن الخبر كان شديد الوقع على طفلة في مثل هذه السن المبكرة، فقد أخفى الجميع عنها الحقيقة وأخبروها أن أمها توفيت جراء أزمة قلبية، حتى أن أباها لم يحدثها قط عن هذا الموضوع. ولم تكتشف جين السر سوى بعد ذلك بأعوام طويلة عندما أعطاها أحدهم نسخة من مجلة فنية نشرت موضوعا عن والدها، وورد في الموضوع أن زوجته فرانسيس سيمور (والدة جين) ذبحت نفسها.
متاعب فترة الطفولة لم تقتصر على انتحار الأم بل امتدت إلى أبيها هنري فوندا الذي كانت شخصيته في الواقع تختلف كثيرا عن شخصيته على شاشة السينما والتي حظيت بحب الجماهير.
فقد كان هنري رجلاً ذا مزاج سوداوي، حاد الطباع في المنزل، قضت جين حياتها كلها تحاول استمالته حتى بلغ بها الأمر حد إنتاج فيلمه (على البحيرة الذهبية) الذي حصل من خلاله على جائزة الأوسكار لأول مرة خلال مسيرته السينمائية. وأوضحت جين في كتابها أن علاقتها بأبيها خلال تصوير هذا الفيلم كانت قريبة الشبه للغاية بعلاقتهما في الواقع، فقد كان يتعامل معها بفتور تماما كما كان يفعل وهي لا تزال فتاة صغيرة السن.
مرض سري
سر آخر كشفت عنه جين فوندا في مذكراتها ألا وهو أنها أصيبت في سن الخامسة عشر بمرض (البوليميا) الشره المرضي الذي كان يجعلها تأكل في اليوم ثمان أو تسع مرات ثم تتقيأ ما أكلته بعد ذلك.
وتشير إلى أن أي من أزواجها أو أبنائها لم يعلموا بإصابتها بذلك المرض الذي ظلت تعاني منه حتى العقد الخامس من العمر.
وكما أنكرت جين مرضها وسعت إلى مداراته عن الأعين، أنكرت أيضا العديد من الأشياء التي مرت بها في حياتها حتى ما قبل سبع سنوات فقط عندما انتهى زواجها من ترنر بالطلاق وهي في الستين من العمر.
وبالرغم من الطلاق، إلا أن جين فوندا أصرت على البقاء في أتلانتا حيث تعيش في طابق علوي فسيح مزين ببورتريهات رسمها لها الفنان الأمريكي الشهير أندي وارهول.
كما أن الزيارات لا تنقطع من قبل ترنر الذي يزورها أحيانا في مزرعتها حيث يذهب للصيد، وتطلق عليه لقب (زوجي السابق المفضل) إلا أن هذه اللقاءات لا تتم تحت أنظار وسائل الإعلام في معظم الأوقات.
الحماة العائدة
وفي العام الماضي عادت جين إلى هوليوود لتشارك في فيلمها السينمائي الأول منذ خمسة عشر عاما والذي يحمل اسم (حماتي المتوحشة)، وهو الفيلم الذي يعرض حاليا في دور السينما الامريكية.
وقد أعطاها تصوير هذا الفيلم فرصة ذهبية لقضاء بعض الوقت مع تروي جاريتي ابنها من توم هايدن الذي يسير على نفس الدرب الفني الذي سارت عليه أمه من قبل.
من جهة أخرى، تركز جين فوندا جهودها في هذه الآونة لتعويض فانيسا فاديم ? ابنتها البكر عن إهمالها لها خلال فترة الطفولة، مشيرة إلى أنها لم تكن تراها كثيرا في تلك الفترة، حيث كانت على سفر معظم الوقت.
وتقول جين إن ما فعلته مع فانيسا لهو (أحد أكبر الأخطاء في حياتي ونعمل سويا أنا وهي في الفترة الحالية لتدارك ما فات).
وبجانب محاولة علاج الأخطاء التي ارتكبت في حق فانيسا التي لا تعرف أمها ما إذا كانت قد صفحت عنها أم لا، تقضي النجمة الأمريكية المخضرمة وقتها مع لولو التي تبنتها بشكل غير رسمي خلال فترة زواجها ب(هايدن).
ومن جانبها، تؤكد لولو معارضتها لما تقوله جين عن نفسها من أنها لم تكن أما جيدة، مشددة على أنها قامت نحوها بواجباتها كأم على أكمل وجه وبشكل مدهش، لافتة النظر إلى أنها لم تعرف لنفسها أما سواها.
اكتشاف الذات
ولكن جين لم تعد كما كانت أو هكذا تؤكد، ففي المرحلة الحالية والتي تصفها بأنها المشهد الثالث من حياتها بدأت هذا النجمة التي عاشت حياة أقل ما يقال عنها إنها حافلة بالتغيرات والتحولات في اكتشاف نفسها بعد أن تقدمت في السن وأصبحت أكثر نضجا.
وعلى الرغم من النضج الذي صارت عليه حاليا، إلا أنها لا تشعر بالارتياح إزاء تقدمها في السن، قائلة إنها تشعر بأنها باتت مثل السيارة العتيقة التي فقدت رفارفها ونوافذها، خاصة وأنها أصبحت تعاني من التهاب المفاصل، لدرجة أن (ترنر) مازحها مؤخرا بالقول: (لو كُنتِ حصانا لتخلصتُ منك بالبيع فورا)! ويبدو المشهد الثالث من حياة جين مختلفا، ليس فقط لأنها اكتشفت فيه نفسها، ولكن أيضا لأنها تحياه وحيدة دون زوج للمرة الأولى في حياتها، وهو ما جعلها تقول إنها تعيش أسعد أوقاتها على الإطلاق.
ولكن هذه السعادة لم تمنع النجمة الأمريكية المخضرمة من أن تجيب بشكل متحفظ على سؤال لستال حول ما إذا كانت تعتزم الزواج مرة أخرى أم لا، بقولها إنها تعلمت من كل ما مر بها في حياتها ألا تقول أبدا ( أنا لن أفعل ذلك مرة أخرى، وذلك ما أفعله أيضا عندما يُعرض عليّ المشاركة في فيلم ما).
وحينما أعرب ليزلي ستال في ختام الحوار عن اعتقاده بأنها لن تخوض تجربة الزواج مرة أخرى، بادرته جين فوندا بقولها ضاحكة ( حتى لو فعلت ذلك.. فلن يكون ذلك بالتغير المفاجئ)!
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|