|
هذه الإصدارات.. لمصلحة من؟!
|
بين يديَّ كمٌّ هائل من الإصدارات الحكومية الصحفية، أغلبها مجلات شهرية أو فصلية تتم طباعتها بأناقة على ورق صقيل وبألوان لكل صفحاتها..!
توقفت عند الرقم مائة وخمسين إصداراً ولم أستطع أن أكمل رصد العدد الإجمالي لهذه الإصدارات، وتساءلت مع نفسي: لمصلحة من تصدر هذه المطبوعات؟
أعرف أن هناك من سبقني إلى مثل هذا التساؤل، وآخرهم زميلنا العتيد عبدالرحمن العمر، ولكن هل هناك من تكرم بالإجابة على هذا التساؤل مقنعاً أو مقتنعاً..؟
أسأل من جديد: من أعطى الحق لبعض أجهزة الدولة لتقوم بمثل هذه الإصدارات وهو عمل لا علاقة لها به ودون أن تسأل عن محتواها وجدواها ومصادر تمويل إصدارها..؟
***
لست ضد إيجاد نوافذ جديدة نطل منها على المزيد من مجالات المعرفة، والتعرف على علوم جديدة قد لا نعرف الكثير عنها، ولكن هل بعض هذه الجهات الحكومية بحكم التخصص مؤهلة للقيام بهذا الدور..؟
***
لا بأس أن تصدر كل وزارة وكل جهة حكومية مجلة أو أكثر إذا كان ما ينشر فيها يقتصر على التخصص الدقيق لهذه الوزارة أو تلك الجهة الحكومية..
لكن ما لا أفهمه بالطبع أن تصدر وزارة ما مجلة تتحدث عن القصة وعن الشعر وتجري حوارات سياسية وما إلى ذلك، بينما تكون أعمال وتخصصات هذه الوزارة أبعد عن ذلك بكثير.
***
ومرة أخرى من المسؤول عن ذلك..؟
سألت بعض هذه الجهات وعلمت أنها تحصل على تراخيص من وزارة الإعلام لإصدار هذه المجلات، ولا أعتقد أن وزارة الإعلام إذا صح ذلك تعطي ترخيصاً للجهات الحكومية بإصدار مجلات لتنشر فيها كما تريد وتبيعها في أي مكان وتسعى للحصول على إعلانات لها من أي جهة ومن أي مكان..
إذ أن مثل هذه التراخيص يفترض أن تشترط عند صدورها باقتصار ما ينشر فيها على نشاطات الوزارة لتوعية الناس وتثقيفهم في مجال عمل الوزارة وإحاطتهم إخبارياً بالمستجدات فيها، وإلا عد ذلك خروجاً عن الهدف من إعطاء الترخيص لمثل هذا الإصدار.
***
وما يقال من أن مقاولاً من الباطن يتولى إصدار بعض هذه المجلات مقابل مبلغ يدفعه للجهة الحكومية، على أن يسمح له بالحصول على إعلانات لها ويبيعها لصالحه ودون أن يكون للوزارة دور في مادة المجلة ومنهجها.. هذا الزعم يعد لو صح أسوأ من فكرة تبني الجهات الحكومية لإصدار مثل هذه المجلات.
وفي ضوء هذا، لابد من إيجاد نظام صارم، يعتمد على قواعد سليمة لإصدار مثل هذه المجلات، التي ربما لو كانت نشرات تتناول نشاط الجهة الحكومية مع اقتصار توزيعها على موظفيها والمتعاونين والمتعاملين معها لكان أفضل، ففي هذا توفير لهدر مواد طباعية كثيرة تؤثر بشكل أو بآخر سلباً على اقتصاد الوطن دون أن تكون هناك فائدة مرجوة منها.
خالد المالك
|
|
|
بعد توقعات حول سقوط البترول من«عرشه» الأبدي: حضارة الهيدروجين».. عما قريب!!
|
*إعداد محمد يوسف/عصام عمران
منذ الهجمات الإرهابية على مركز التجارة العالمي ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في سبتمبر 2001م والعالم يمر بحالة غير مسبوقة من الرعب والخوف بحيث انعدم تماما الشعور بالأمان في أي مكان على سطح المعمورة، ويأتي في مقدمة تلك المخاوف الصراع المحموم من أجل السيطرة على مصادر البترول والطاقة في مختلف بقاع العالم، وعلى الأخص في منطقة الشرق الأوسط.
فمنذ بداية الخلق والإنسان لا يستخدم سوى الوقود الحفري fossil fuels كالفحم أو البترول أو الغاز الطبيعي لتوفير الطاقة اللازمة لتدفئة المنازل والمكاتب وإنارة المدن وطهي الطعام وتشغيل المصانع وإنتاج المواد البتروكيميائية لصناعة الملابس والأجهزة المنزلية وغيرها من أوجه الحياة المختلفة.
لقد كان البترول ولا يزال أهم مصدر من مصادر الطاقة حيث قامت عليه الكيانات الاقتصادية العملاقة وكان سببا رئيسيا في وجود المجتمعات العمرانية الحديثة على مدار القرن العشرين وما تلاه، والسؤال الذي يفرض نفسه الآن وبإلحاح شديد:«هل سيشهد القرن الجديد تراجعا حقيقيا للبترول وإسقاطه من عرشه الأبدي مع إيجاد مصدر آخر للطاقة؟»، علامة استفهام في غاية الخطورة والتعقيد، ومكمن الخطورة حقيقة أن الأنظار العلمية، وبالتبعية الأنظار السياسية، بدأت مؤخرا تتجه نحو الهيدروجين، ذلك العنصر الكيميائي الأساسي الذي يدخل في تكوين أي مادة على وجه الأرض، ذلك العنصر الفعال الذي يتميز بخفة الوزن وبأنه من أفضل وأنظف أصدقاء البيئة على الإطلاق!
في الفترة الأخيرة، كانت الحكومة الأمريكية قد التفتت بكل كيانها وحواسها إلى مصادر البترول بمنطقة الشرق الأوسط كنتيجة طبيعية لتدهور الأوضاع السياسية وتصاعد موجات العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين، علاوة على قرع طبول الحرب ضد العراق بزعم امتلاكه لأسلحة دمار شامل، مع مزاعم أخرى بقيام تنظيم القاعدة بهجمات إرهابية جديدة في مناطق مختلفة من العالم، هذا من ناحية.
من ناحية أخرى، يرى بعض الخبراء أن حجم البترول الخام الموجود بباطن الأرض قد يكفي لمدة تتراوح بين أربعين وخمسين سنة على أقصى تقدير، إلا أن علماء الجيولوجيا والبترول أكدوا على أن حجم إنتاج البترول بالعالم سوف يصل إلى أقصى حد له خلال مدة لن تتعدى العشر سنوات القادمة ليبدأ بعدها في الانهيارالسريع، الأمر الذي يصاحبه ارتفاع جنوني في أسعار الخام ذاته، إذاً، مستقبل العمران البشري والمدنية الحديثة يلفه الظلام، والخطر قادم لا محالة.
وتشير الدلائل إلى أن الدول غير الأعضاء بمنظمة «أوبك» قد اقتربت بالفعل من الحد الأقصى لإنتاج البترول الخام مما يهدد المخزون الإستراتيجي للبترول تهديدا مروعا سينجم عنه حتما زلزلة الحالة السياسية والاقتصادية في منطقةالشرق الأوسط بأسرها.
كل هذه العوامل، ومع تفاقم الأوضاع وزيادة حدة التوتر في العالم، أدت إلى شعور عارم بالقلق من احتمالات صعوبة الحصول على البترول الخام، وهي احتمالات سيصاحبها حتما صراعات تذيق البشرية أهوال الحروب من جديد، من زاوية أخرى، سوف يؤدي الارتفاع المرتقب في أسعار البترول إلى عدم فكاك الدول النامية من أسر الديون وسقوط دول العالم الثالث برمتها في غياهب الفقر لعقود قادمة، والأكثر إحباطا أن الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الدول الغربية الأخرى سوف تضطر إلى استخدام مصادرأخرى للطاقة مثل الفحم والقطران والمازوت الأمر الذي يهدد العالم بكوارث بيئية لن يحمد عقباها، أدناها ارتفاع درجة حرارة الأرض نتيجة لزيادة انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، وأقصاها انتشار الأمراض المستعصية التي تنجم عن تلوث البيئة.
إشكالية الأمن القومي
لا يوجد أدنى شك في أن الضربة الموجعة في الحادي عشر من سبتمبر 2001م قد حققت أهدافها المرجوة في تشويه الرموز الاقتصادية والتقليل من شأن القوةالعسكرية فضلا عن زعزعة الأمن القومي الداخلي للولايات المتحدة الأمريكية، فالكابوس الحقيقي الذي يقلق قادة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي يكمن في الخطر المتمثل في احتمالات قيام منظمة القاعدة أو غيرها من التنظيمات الإرهابية بتوجيه فوهة المدفع نحو صميم الكيان الاقتصادي بهدف إلحاق أكبرالخسائر الاقتصادية وشل مسيرة التقدم بتلك المجتمعات العمرانية.
لقد باتت المنشآت الاقتصادية الموجودة بأمريكا الشمالية ومعظم الدول الأوربية من أهم الأهداف الحيوية التي تسعى المنظمات الإرهابية للهجوم عليها، لدرجة أن المسؤولين الأمريكيين أعربوا عن مخاوفهم من احتمال قيام المنظمات الإرهابية بضرب محطات توليد الطاقة وأنابيب نقل البترول بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية لأجهزة الاتصالات.
ففي عام 1997، أصدرت لجنة حماية البنية التحتية الحساسة في إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون وثيقة رسمية تحذر فيها كافة الجهات المعنية بتوخي الحذر خشية قيام المنظمات الإرهابية المعادية للولايات المتحدة بهجوم شامل على الأنظمة الإلكترونية لشبكات الحاسب الآلي بالمحطات المركزية لتوزيع الطاقة الكهربائية في مختلف أرجاء الولايات المتحدة، وعلى نفس المنوال، حذر ريتشاردكلارك، رئيس جهود مكافحة الإرهاب الإلكتروني في إدارة الرئيس جورج بوش، من أن الحرب الجديدة والتي أطلق عليها اصطلاح«واقعة بيرل هاربر الإلكترونية» الجديدة سيكون لها تداعيات خطيرة ومؤثرة على الاقتصاد القومي الأمريكي، وفي سياق هذه الظروف الداعية للقلق والترقب، لا ينبغي تجاهل حقيقة أن المسؤولين الأمريكيين يدركون تماما حجم الخطورة المحتملة المحيطة بهم، لكن دون أن يدركوا على وجه التحديد سبل حماية أجهزة التحكم المركزية ضد أية هجمات إرهابية محتملة.
ولهذه الأسباب جميعها، أوضح «كرستوفر فلافين» رئيس معهد ورلد ووتش في واشنطن أن المستقبل الحقيقي للطاقة يكمن في إيجاد مصدر طاقة متجدد ولامركزي، ورغم اعتراف الجميع بأن الوقود الحفري سوف يظل واحدا من أهم مصادر الطاقة، وأن البنية التحتية الخاصة بعمليات نقل الوقود وتوزيعه ستظل بنفس قدرها من الأهمية، فإن خبراء الطاقة يصرون على رؤية المستقبل من منظور مصدر طاقة متجدد، في هذا الجانب، يقول فلافين ان سوق النفط يتزايد بمعدل 5 ،1 في المائة سنويا على أقل تقدير، في حين يتزايد حجم أسواق الأنواع الأخرى من الطاقة بمقدارالضعف كل ثلاث سنوات.
الوقود الأبدي
في نفس الوقت الذي تنحسر معه شمس الوقود الحفري ويقل استخدام البترول كوقود أساسي، يشهد العالم ولادة مصدر آخر للطاقة سيكون له القدرة على إعادة صياغة شكل الحضارة الإنسانية على وجه الأرض، إنها حضارة الهيدروجين، هذا العنصرالذي يمثل أحد المكونات الأساسية للمادة، أجل، سيكون الهيدروجين بحق الوقود الأبدي الذي لا ينفد مع مر العصور، كما أنه العنصر الوحيد الذي لا ينتج عنداحتراقه أي انبعاثات ضارة للبيئة، بل إن الانبعاثات الصادرة عنه هي كل مانسعى إليه مثل الكهرباء أو الحرارة أو الماء النقي! إننا على أعتاب انقلاب اقتصادي وسياسي جديد قوامه الهيدروجين، انقلاب سيحدث تغييرا جذريا في طبيعة الأسواق المالية والظروف السياسية والاجتماعية، تماما مثلما فعل الفحم والبخارعند بداية عصر الصناعة.
في كتابه الذي ظهر مؤخرا بعنوان (طاقة الغد: الهيدروجين وخلايا الوقود.. من أجل كوكب نظيف خال من التلوث)، يقول الكاتب «بيتر هوفمان»:«بواسطة الهيدروجين، نستطيع تشغيل الطائرات والسيارات والقطارات والسفن والمصانع وتدفئة المنازل والمكاتب والمستشفيات والمدارس وغيرها، ويستطيع الهيدروجين، في حالته الغازية، نقل الطاقة كالكهرباء لمسافات بعيدة وعبر أنابيب النقل وبكفاءة عالية وبأقل تكلفة ممكنة، وباستطاعة الهيدروجين اعتمادا على تقنية وقود الطاقة أو الآلات الأخرى المولدة للطاقة أن يوفر لجمهور المستهلكين الكهرباء والماء النقي الصالح للشرب، والهيدروجين، بوصفه عنصرا كيميائيا، له استخدامات وتطبيقات متنوعة خلاف الطاقة الكهربائية».
علميا، يتوافر عنصر الهيدروجين في أي مكان بالأرض ويدخل ضمن مكونات معظم المواد مثل الماء والوقود الحفري وجميع الكائنات الحية، ولكن الخاصية المدهشة التي يتميز بها الهيدروجين هو استحالة توفره في الطبيعة بصورة منفردة، بل يجب استخراجه من مواد أخرى مثل الماء والمكونات الهيدروكربونية أو الكربون المهدرج، ولك أن تتخيل أن ما يقرب من نصف الهيدروجين المنتج بالعالم يتم استخراجه من الغاز الطبيعي وذلك من خلال إجراء تفاعلات كيميائية بين الغازالطبيعي وبخار الماء وتعريضه لعوامل أخرى محفزة، حيث يتم في النهاية فصل ذرات الهيدروجين عن ثاني أكسيد الكربون الذي يلعب دورا أساسيا في ارتفاع درجة حرارة الأرض أو ما يسمى بظاهرة الاحتباس الحراري.
ومن الممكن أيضا الحصول على الهيدروجين من خلال طريقتين رئيسيتين، تعتمد الطريقة الأولى على تحويل الفحم الحجري إلى الحالة الغازية، وفي حين تقوم الثانية باستخراج الهيدروجين من البنزين أو الميثانول، لكن لهاتين الطريقتين عيوب كثيرة، أهمها التكلفة الباهظة وزيادة انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون.
وللتغلب على مشكلة الانبعاثات الصادرة مثل غاز ثاني أكسيد الكربون الضارللبيئة، ابتكر العلماء تقنية جديدة مازالت قيد الدراسة والبحث تسمى تقنية«عزل الكربون» carbon sequestration بعد استخراج الهيدروجين.
وعلى الرغم من أن عملية استخراج الهيدروجين من الغاز الطبيعي تعد أرخص تلك الطرق على الإطلاق، فإنه من المتوقع أن تبلغ ذروة الإنتاج بهذه التقنية مع حلول عام 2030م، وهذا الأمر في حد ذاته ينذر بكارثة اقتصادية أخرى تتمثل في استنفاد مخزون الغاز الطبيعي.
ومع كل، من الممكن عمليا وعلميا إنتاج الهيدروجين بدون استخدام الوقود الحجري في أي مرحلة من مراحل الإنتاج، وأصبح بالإمكان الآن استغلال عنصر الهيدروجين لإنتاج جهد كهربائيphotovoltaic PV عند تعريضه لطاقة مشعة مثل الضوء أوالحرارة المستنبطة من باطن الأرض ثم تستخدم الكهرباء المتولدة لتحليل الماء electrolysis وفصل الهيدروجين عن الأكسجين، وبذلك يتم حفظ الهيدروجين تمهيدالاستخدامه مرة أخرى في خلايا الوقود لتوليد الكهرباء.
ودائما ما يبادر كثيرون بالتساؤل: ما الداعي إلى توليد الكهرباء مرتين، مرة لإنتاج الهيدروجين، وأخرى لإنتاج الكهرباء والحرارة داخل خلية الوقود؟السبب في ذلك هو عدم إمكانية تخزين الكهرباء إلا في بطاريات، وهي وسيلة تخزين تسبب متاعب في نقلها فضلا عن بطء عمليات شحن تلك البطاريات، في حين أن الهيدروجين يمكن تخزينه بأقل تكلفة تذكر.
مصادر خلايا الوقود
شهد منتصف القرن التاسع عشر الميلادي اختراع تقنية خلايا الوقود الهيدروجينية في إنجلترا على يد السير وليام روبرت جروف، ولكن نظرا لعدم جدوى استخدامه في تلك الفترة، ظل هذا الاختراع حبيس الأدراج لأكثر من 130 سنة تقريبا، وعادت خلايا الوقود مرة أخرى للحياة في عقد الستينيات، وذلك عندما طورت شركة «جنرال إليكتريك» خلايا تعمل على توليد الطاقة الكهربائية اللازمة لإطلاق سفينتي الفضاء الشهيرتين «أبوللو» و«جيمني»، بالإضافة إلى توفير مياه نقية صالحة للشرب، كانت الخلايا في تلك المركبتين كبيرة الحجم وباهظة التكلفة، لكنها أدت مهامها دون وقوع أي أخطاء، واستطاعت أن توفر تيارا كهربائيا وكذلك مصدرا للمياه النقية الصالحة للشرب.
ومن الممكن أن نعقد مقارنة بين تقنية خلايا الوقود الهيدروجينية وبطارية السيارة، من حيث فكرة دمج عنصري الهيدروجين والأكسيجين لإنتاج الكهرباء، لكن في حين أن البطاريات تتولى تخزين الوقود والعامل المؤكسد بداخلها مما يستوجب إعادة شحنها من حين لآخر، فإن خلايا الوقود تعمل بصفة مستمرة لأن وقودها والأكسجين يأتيان من مصادر خارجية، كما أن خلايا الوقود في حد ذاتها ليست سوى رقائق مسطحة تنتج كل واحدة منها فولطاً كهربائياً واحداً، وهذا يعني أنه كلما زاد عدد الرقائق المستخدمة كلما زادت قوة الجهد الكهربائي.
فكرة خلايا الوقود
تعتمد تقنية خلايا الوقود على ضخ غاز الهيدروجين النقي إلى قطب الآنود anode(أحد قطبي الخلية) مما ينتج عنه فصل الشحنات السالبة elec
trons عن ذرات الهيدروجين وتحويلها إلى أيون ion
هيدروجيني متعادل ثم يمرر بواسطة مادة الإلكترولايتelectrolyte (مركب كيميائي يتأين عندما يتحلل ويصبح وسيطا موصلا للكهرباء)، وينتج عن حركة الشحنات السالبة electrodes تيار كهربائي تختلف شدته قوة وضعفا تبعا لحجم وعدد أقطاب الخلية، وتتحد بعد ذلك الشحنات السالبة مع الأكسجين، وينتج عن هذا الاتحاد المادة الرئيسية وهي الماء، أما المادة الأخرى فهي الحرارة التي يتم امتصاصها وإعادة استخدامها في أغراض أخرى مثل تدفئة المنازل والمكاتب والمستشفيات وغيرها.
عدالة ومشاركة
بدأت في الآونة الأخيرة تتشكل ملامح تقنية خلايا
الوقود وتظهر في الأسواق لاستخدامها بالمنازل والمكاتب والمصانع، حيث خصصت كبرى الشركات المصنعة للسيارات أكثر من اثنين مليار دولار أمريكي من ميزانياتها للإنفاق على تطوير السيارات والحافلات والشاحنات التي تعمل بالهيدروجين، ومن المنتظر أن يتم طرح باكورة هذه الأنواع من السيارات بالأسواق العالمية في الشهور الأولى من العام الجاري.
إن الاقتصاد الهيدروجيني سيوفر بلا شك إمكانات عريضة تعمل على إعادة توزيع الكهرباء، وهو أمر سيكون له تبعات في غاية الأهمية على المجتمعات العمرانية، لعل أهمها على الإطلاق هو دخول البترول كمصدر طاقة مركزي غير متجدد إلى حيز الإهمال،
ليحل محله عصر وحضارة جديدتين يستطيع الإنسان فيهما أن يحصل على الطاقة والكهرباء من أي مكان وفي أي وقت.
وفي ظل الثورة الهيدروجينية، سيكون مصدر الطاقة بمثابة المستهلك والمنتج في آن واحد، بمعنى آخر، عندما يقوم ملايين المستهلكين بتوصيل خلايا الوقود لديهم بشبكات الطاقة الهيدروجينية المحلية أو الإقليمية أو الدولية، يبدأ الطرفان المستهلك والشبكة المشاركة في الطاقة من خلال إنشاء شكل جديد من التوليد والاستخدام اللامركزيين لمصادر الطاقة، إن المستقبل يحمل بين طياته ثورة اقتصادية واجتماعية هائلة يشترك فيها جميع الأفراد والهيئات في عملية استهلاك وإنتاج وبيع الطاقة الهيدروجينية، وإن صح التعبير ستحقق ثورة الهيدروجين مفهوم «الطاقة الديمقراطية». ولنأخذ مثالا عمليا يوضح لنا حيوية تلك المعادلة، فعندما يصبح لديك سيارة تعمل بخلايا الوقود فأنت بالتأكيد تمتلك محطة كهرباء متنقلة تستطيع توليد25 كيلو واط من الكهرباء، ودعنا نتخيل ما سيحدث في المستقبل القريب عندما تذهب إلى العمل بواسطة سيارتك المجهزة بالخلايا الهيدروجينية، فبدلا من تركها بساحة الانتظار مهدرا للوقت والمكان بدون فائدة، ما عليك إلا توصيلها بمخرج الغاز الطبيعي الموجودة بالمبنى، وعند انتهاء الدوام تستقل سيارتك بعد شحنها وهي محملة بحوالي 25 كيلو واط من الكهرباء التي تصلح لتشغيل السيارة أو لإضاءة أو تدفئة أي مكان آخر، وتشير الإحصائيات الحديثة أن السيارات تقف بأماكن الانتظار بدون حركة لأكثر من 96% من إجمالي الوقت، وبالتالي يمكن الاستفادة القصوى من هذا الوقت الضائع في شحن السيارات بالطاقة الهيدروجينية وتحقيق الأرباح أيضا.
وقد أثبتت التقارير والدراسات الحديثة أن هذه الطاقة الجديدة تستهدف خدمة المستهلكين، وبالأخص صغار المستهلكين وعامة الشعب نظرا للتكلفة البسيطة والكفاءة العالية لتوفير طاقة إضافية، وهذا بدلا من الاعتماد الكلي على مصدر طاقة مركزي مثل البترول، ولعل أكبر دليل على التوجه السريع نحو تلك التقنية هو عدم قيام شركات الكهرباء الأمريكية بعمل أية توسعات أو تطويرات استثمارية بمحطاتها الحالية تفاديا لإثقال المستهلك بأعباء مالية كبيرة بالإضافة إلى رفض تلك الشركات تخصيص أموالها الاحتياطية لتمويل مشروعات جديدة، ومن ناحية أخرى تكرس تلك الشركات جهودها نحو تكنولوجيا توزيع مصادر الطاقة وبخاصة خلايا الوقود في محاولة منها لمواجهة التحديات المستقبلية وتقليص اعتمادها على البترول كمصدر محوري للطاقة.
وطبقا لآخر التطورات العلمية، فإن الثورة الاقتصادية للطاقة الجديدة تتقدم بخطى واثقة لتحقيق أهدافها حيث بدأت بالفعل في تجهيز كافة المرافق لتأمين خدمات شبكة توزيع الطاقة مع تسخير آخر ما توصل إليه العلم من تكنولوجيا الحاسب الآلي وبرامج الاتصالات، إلا أن عملية توصيل الآلاف بل الملايين من خلايا الوقود إلى شبكات التوزيع الرئيسية تستلزم تجهيز وحدات إلكترونية معقدة للتحكم في الطاقة أثناء فترات الذروة ولمواجهة أية مشكلات طارئة.
حيوان غريب الأطوار
وعلى الرغم من نظرة التفاؤل التي تسيطر على الأوساط العلمية لدى حديثها عن ثورة الطاقة المرتقبة، فإن الطاقة الهيدروجينية ارتبطت لدى أذهان الناس ومنذ زمن بعيد بسمعة غير طيبة نظرا لبعض الإخفاقات التي حدثت على فترات متقطعة عبر التاريخ، ومن هذه الكوارث ذلك الحريق الهائل الذي اندلع بالمنطاد الألماني«هندنبيرج» عام 1937م وأودى بحياة 36 شخصاً ألمانياً كانوا على متن المنطاد في ذلك الوقت.
في هذا الصدد، يؤكد «أديسون بين» المهندس السابق بوكالة الفضاء الأمريكية بعد أن قضى عدة سنوات في البحث والتنقيب عن حطام المنطاد والمواد المتبقية التي صنع منها تبين أن الهيدروجين لم يتسبب إطلاقا في اندلاع الحريق، بل كان مجرد عامل مساعد فقط، وأشار إلى أن السبب الرئيسي كان نتيجة احتكاك مادةالسليلوز (القابلة للاشتعال) المستخدمة في تبطين قماش المنطاد.
على النقيض من ذلك، يؤكد بيتر فوينتزي الباحث بشركة أبحاث الطاقة قائلا:«إن استخدام الهيدروجين في تشغيل السيارات يعد أمرا في غاية الخطورة، لأن الهيدروجين وببساطة شديدة ما هو إلا حيوان غريب الأطوار، وتجب السيطرة عليه في جميع الأحوال، فالهيدروجين يتسرب من أي مادة، ومن غير الممكن رؤيته بالعين المجردة عند احتراقه».
وبين التفاؤل المفرط والتشاؤم الحذر، هناك حقيقة علمية لا ينكرها أحد وتتمثل في تفوق الهيدروجين على البنزين في الكثير من الخصائص، وخصوصا من حيث الجوانب المتعلقة بالأمان، فالهيدروجين أكثر أمانا في الاستخدام من البنزين، وعندما ينسكب على الأرض، يتبخر للطبقات العليا بدون إحداث أي خطورة مثلما يفعل البنزين، ويتميز الهيدروجين أيضا بأنه عديم الرائحة ولا تنبعث منه حرارة شديدة عندالاحتراق، والحرارة الناجمة عن احتراق الهيدروجين لا تؤذي الإنسان إلا عند الملامسة الفعلية، وعلينا أن ندرك تماما أن السيارات التي تعمل بخلايا الوقود الهيدروجينية لا تعتمد على تقنية حرق الوقود في التشغيل، وهذا ما لا يتصوره كثيرون لدى حديثهم عن الهيدروجين وجوانبه السلبية في استخدامه كمصدر للطاقة.
إن خزانات الهيدروجين في السيارات تمثل أحد الاعتبارات الهامة، وبالذات من ناحية حوادث السيارات، لذلك، ليس من قبيل الحكمة التهوين من شأن مشاكل الأمان في استخدام الهيدروجين كمصدر للطاقة، ولا التهويل من مخاطره بحيث يهمل من أي اعتبارات تحول ترويضه مستقبلا، باختصار، من الممكن أن يصبح الهيدروجين بنفس خطورة البنزين، هذا إذا لم نتخذ الاحتياطات الأمنية اللازمة.
أزمة الفقر
صدق أو لا تصدق !!! هناك ما يقرب من 65% من سكان العالم لا يستخدم الهاتف، وثلثه أيضا لا يستخدم الكهرباء أو أي مصدر آخر من مصادر الطاقة الحديثة، وطبقا لآخر الإحصائيات، فإن متوسط استخدام الطاقة لكل فرد في جميع دول العالم يبلغ خمس الطاقة المستخدمة للفرد في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، ومن المنتظر أن تتفاقم مشكلة الطاقة على مستوى العالم خلال الخمسين سنة القادمة مع زيادة عدد سكان العالم من 2 ،6 مليارات نسمة حاليا ليصبح تسعة مليارات نسمة تقريبا، مع الأخذ في الاعتبار أن معظم هذه الزيادة سوف تتركز في الدول النامية حيث معدلات الفقر أعلى وقفزات التنمية أقل.
إن عدم توافر وسائل الطاقة، وبخاصة الكهرباء، يعتبر عاملا رئيسيا في تفريخ الفقر وزيادة معدلاته في مختلف أرجاء العالم، فالكهرباء هي الوسيلة الأساسية التي توفر الطاقة اللازمة لتشغيل المعدات بالمزارع والمصانع والشركات وإضاءة المنازل والمدارس وغيرها من المرافق الحيوية، ويرى خبراء الاقتصاد أن التحول القادم في مصادر الطاقة وتطبيق التقنية الجديدة للهيدروجين سوف يفتح باب الأمل لانتشال ملايين البشر من الفقر، وبذلك يضيق الفارق بين القادر وغيرالقادر، بين الغني والفقير، بين الدول المتقدمة والدول النامية، بين الشمال والجنوب، لقد بات الهيدروجين بصيص الأمل لدى الدول المتخلفة للبدء في إنشاء البنية التحتية التي تعبر من خلالها خط الفقر والظلام نحو آفاق مستقبل أفضل وأكرم.
نظرة مستقبلية
قد يتخيل البعض أن الحصول على هذه الطاقة الجديدة هو أمر في غاية الصعوبة، هذا غير صحيح، فهذه التقنية ستكون في متناول الجميع كما كان الحال مع أجهزة الترانزستور والحواسب الآلية والهواتف الخلوية، من منا كان يتخيل أو يحلم في يوم من الأيام أن يكون لديه مثل هذه الأجهزة والاختراعات التي بدت في بداية ظهورها كأنها «ألعاب الحاوي» العجيبة، الهدف واضح أمامنا وعلينا تحقيقه حتى يعم الرخاء بكافة أنحاء المعمورة، وعلى الدول المتقدمة أن تساهم وبفاعلية في بناء شبكات توزيع الطاقة عبر الخلايا الهيدروجينية لكي تستفيد منها الدول النامية والفقيرة للحصول على الكهرباء والماء، خاصة وأن هناك مناطق كثيرة بالعالم يصعب فيها الحصول على الماء الصالح للشرب.
لقد أحدث عصر الوقود الحفري الذي نعيش فيه بنية تحتية مركزية أدت بدورها إلى خلق ثورة اقتصادية ضخمة كان لها الفضل في تميز ورقي أقلية من الشعوب على غيرها من بقية الأمم، أما الآن، صرنا على مشارف عصر جديد يطالب الجميع بتحقيق نوع من عدالة التوزيع في مصادر الطاقة للأفراد، ودعونا نرجع بذاكرتنا قليلا للوراء، وتحديدا مع بداية عام 1990م الذي شهد بزوغ عصر الإنترنت حيث تضاعفت الاحتياجات للاطلاع على المعلومات والتقنيات الحديثة حتى وصل العالم إلى ما آل إليه الآن من تكنولوجيا المعلومات و«الإنترنت» التي يستطيع أي فرد أن ينهل منها ما يشاء في أي وقت وفي أي مكان على الأرض، ذاك هو الحال تقريبا مع بداية عصر الهيدروجين، فنحن الآن في بداية الرحلة التي قد تستغرق بعض الوقت، إلا أننا وبكل تأكيد سوف نصل إلى نهايتها، علينا أن نتحرك سريعا وأن نتفاعل مع الأحداث ونؤثر فيها لا أن نترك الأحداث تحركنا وتعصف بنا، فالاقتصاد الهيدروجيني على مرمى البصر، والكل معني بثورة ستقلب الأوضاع رأسا على عقب ..فماذا نحن فاعلون؟
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|