|
جد.. وهزل!!
|
هل نحن شعب جاد في حياته؟..
لا يُحسن حبْك النكتة..
ولا يُجيد فن الكلام الساخر..
تعجزه القدرة على الكتابة بالأسلوب والعبارة والكلمة بغير إغراق في الجدية..
بينما هناك شعوب وأمم أخرى مذهلة في ابتكار ما لا يخطر على بال إنسان من نقد لبعض أوضاعها وهمومها بصيغ مختلفة من المداعبات.
***
جميل أن يتحول المرء إلى إنسان فكه غير مبالٍ بما يجري حوله أحياناً..
كما لو أنه استسلام لقدره ومصيره وحظوظه في هذه الحياة..
بدلاً من أن يعاني من آثار المحن والمشاهد المتكررة أمامه في كل يوم دون أن تكون له حيلة في التعامل معها بما يريحه ويرضيه.
***
إذ إن الإنسان حين يتجاهل همومه وهموم غيره..
وينشغل عن تراكمات كثيرة من المآسي المدمرة في هذا الفضاء الواسع..
بابتسامة منه..
وبلا حزن أو كآبة..
ومن غير أن يكون هناك أي كلام عن شكوى أو تذمر، فكأنه قد هزم كل أسباب ذلك بإرادته وحكمته وبصيرته وحسن تصرفه.
***
والتعاطي الساخر مع الشارع بكل تداعياته وتطوراته..
والتعامل المرح مع ما يستجد في عالمنا مما لا ترتاح له النفس بمثل تلك التعابير غير الجادة في بعض الأحيان هو تصرف أشبه ما يكون بمبادرة جميلة تتلمس أسباب القدرة على الخروج من هذه الأنفاق المظلمة في حياة الناس.
***
فهل جربنا أن نتعامل مع الكلمة الساخرة؟..
ونتعايش مع النقد الذي يتسم بشيءٍ من المداعبات البريئة؟..
وهل تَعَاملْنا مع هذا النوع من الأسلوب بروح سوية تتقبله النفس دون أن يترك أثراً من ألم أو مسحة من حزن؟.
***
من وجهة نظري أن المواطن مهيأ ليوازن بين الجدية وخلافها..
بين السخرية ونقيضها..
مع ما يفضي إلى أسلوب المداعبات ولا يقضي أو يغيّب الجدية في حياتنا.
***
فحين انهار سوق الأسهم منذ بعض الوقت، على سبيل المثال.. وتأثر المواطن من هذا الانخفاض في الأسعار..
ولم يكن أمامه من حيلة لمعالجة الوضع المفاجئ..
لاحظنا كثافة غير معتادة في تبادل الرسائل (الجوالة) بين المواطنين، وفيها ما فيها من المداعبات والفكاهات الشيء الذي لم نعتد عليه من قبل.
***
وحين انهزم المنتخب السعودي بالأربعة، على سبيل المثال أيضاً وتضاءلت حظوظه في بلوغ النصف الثاني من كأس العالم..
عادت الرسائل الساخرة من جديد تتناقلها أجهزة الجوال بعد فترة توقف إثر تعافي سوق الأسهم بوصول أسعار الشركات إلى مستويات سعرية مشجعة ومتفائلة بما هو أفضل.
***
وليس عندي أدنى شك بأن الهواتف الجوالة ساهمت في إظهار هذا المخبوء من أسلوب الناس الساخر في التعبير عن همومهم..
وفي تعميمه..
وسعة انتشاره..
ومحاكاة الناس بعضهم للبعض الآخر بمثل هذه الأساليب غير المعتادة من قبل.
***
والكلام الساخر ليس كله سيئاً..
أو أنه بكامله غير مقبول..
ففيه ما هو جيد ومفيد ومطلوب، حتى إن بلغ درجته القصوى في السخرية والإثارة..
في مقابل الاعتراف بأن هناك تجاوزات تصل إلى الحد الذي تنفر منه النفس ولا يقبل به العقل، وينبغي أن نتجنبها.
***
أخلص من كل هذا إلى القول: إنه ما من أحد منا عاش حياته ولم تضحكه نكتة من هذا أو ذاك..
أو أن هناك تعليقاً طريفاً عبّر به أحدنا عن همٍ من همومنا فلم يلق الاستحسان والقبول..
وليس فينا - بحسب اعتقادي - من أنكر كل ما استمع إليه من كلمات وعبارات ساخرة على قائلها أو مصدرها أو مؤيدها..
ولكن مع كل هذا فهناك من الأساليب والكلمات التي تُقال في غير مكانها الصحيح، وبالتالي فهي مرفوضة مني ومنك ومن الآخرين.
خالد المالك
|
|
|
معارك فلسطينية لكن.. عبر الأثير!
|
* إعداد - أشرف البربري
بعيداً عن الضجيج الذي تثيره القنوات الفضائية العربية التي ملأت موجات الأثير خلال السنوات القليلة الماضية هناك تجربة إعلامية مثيرة ومختلفة في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ حيث يوجد عدد كبير من المحطات الإذاعية الخاصة التي تحولت إلى عنصر أساسي من مكونات الحياة اليومية الفلسطينية.
وأغلب المحطات الإذاعية تابعة للفصائل الفلسطينية المختلفة التي تترجم مواقفها وخلافاتها السياسية والميدانية من خلال برامج تلك الإذاعات.
وقد رصدت صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية هذه التجربة من خلال تقرير موسع عنها بعنوان: (برامج الراديو الحوارية صوت للفلسطينيين).
تقول الصحيفة إن الساعة كانت تشير إلى السابعة وخمس دقائق من صباح يوم الاثنين حين أعطى مهندس الصوت في محطة إذاعة الشباب الفلسطينية إشارة البدء لتنطلق مقطوعة موسيقى عسكرية صاخبة بدت كما لو كانت جزءا من الموسيقى التصويرية لأحد أفلام الحركة التي تنتجها عاصمة السينما الأمريكية والعالمية هوليوود.
كانت هذه الموسيقى مقدمة لبرنامج (الطبعة الأولى) وهو برنامج يذاع مرتين أسبوعيا ويعتمد على الاتصالات الهاتفية ويعد أكثر البرامج الإذاعية نجاحا وشعبية في قطاع غزة.
يقدم هذا البرنامج يوسف الأستاذ وهو مدرس سابق، وفي بداية الحلقة الجديدة طرح قضية للمناقشة وهي الأزمة الاقتصادية في قطاع غزة وكيف يعيش الفلسطينيون الذين لم يحصلوا على أجورهم منذ أكثر من شهرين، ثم قال الأستاذ (إذا أردت قول أي شيء عن هذه القضية) ثم يتحدث يوسف الأستاذ بصوت يبدو أكبر سنا من صوته الحقيقي فيقول (إذا أردت أن تدلي برأيك وإذا كان لديك سؤال لضيفنا في الاستديو يمكنك الاتصال بنا).
وقد تزايد التوتر بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة فتح بشأن تقاسم السلطة بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في يناير الماضي وأسفرت عن حصول حماس على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي.
في ظل هذا التوتر أصبحت البرامج الإذاعية الحوارية التي تعتمد على الاتصالات الهاتفية مثل برنامج (الطبعة الأولى) ذات دور مهم في التعبير عن مشاعر الشارع الغزاوي.
ويعاني هذا الشريط الضيق الممتد على ساحل البحر المتوسط من الفقر والعنف والفوضى التي أصبح تملأ الفراغ الناجم عن انهيار الحكومة المركزية، ولذلك أصبحت البرامج الإذاعية المعتمدة على الاتصالات الهاتفية الوسيلة المثالية أمام الفلسطينيين ليعلنوا مواقفهم من السياسيين الفلسطينيين.
ويقول محللون إن المحطات الإذاعية أصبحت بمثابة المتنفس الديموقراطي في مجتمع تتزايد فيه سلطة السلاح على سلطة السياسة.
يقول عمر شعبان وهو مستشار اقتصادي بقطاع غزة (الراديو يحمل كل الألوان السياسية وهو وسيلة قوية ومؤثرة، ولا يجد الناس في غزة وسيلة للتعبير عن آرائهم لذلك فمثل هذه البرامج الإذاعية تمثل لهم فرصة للحديث والتعبير عن الآراء ومهاجمة السياسيين والمسئولين).
وأضاف أن هذه الإذاعات العديدة في الأراضي الفلسطينية توفر فرصة جيدة لكي يتعلم الفلسطينيون الديموقراطية وحرية التعبير.. فعندما يبدأ الناس الحديث والتعبير عن آرائهم يصبحون أكثر وعياً وإدراكاً بما يجري على الأرض.
وكان ممثلون لحركتي حماس وفتح قد وقعوا قبل أيام اتفاقا لوقف المواجهات المسلحة بين الجانبين في غزة بعد أن قتل ثلاثة مسلحين وأصيب 12 شخصا بجراح في هذه المواجهات التي استمرت يومين جنوب غزة.
وقد كانت أسوأ أعمال عنف منذ وصول حماس للسلطة مطلع العام الحالي. ومنذ انطلاق الانتفاضة الفلسطينية في سبتمبر عام 2000 تزايدت أهمية المحطات الإذاعية الفلسطينية الخاصة التي تديرها الفصائل الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي وحركة فتح، حيث أصبحت هذه المحطات تقدم تغطية حية للهجمات الإسرائيلية المستمرة وردود أفعال الفصائل الفلسطينية.
ولم يتم فرض أي قيود على هذه الإذاعات الخاصة بعد تأسيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية التابعة للسلطة وكذلك بعد ظهور القنوات الفضائية العربية مثل الجزيرة والعربية التي تفرد مساحات واسعة لتغطية الأحداث الفلسطينية، فهذه الإذاعات تقدم للمستمع المحلي ما لا يمكن للإذاعة الرسمية ولا القنوات الفضائية تقديمه.
وبالعودة إلى استديو إذاعة الشباب وهي الإذاعة التي أسستها حركة الشبيبة التابعة لحركة فتح، فنجد الاتصالات الهاتفية تنهال على الإذاعة التي أوقفت إرسالها المباشر للحظات حتى تذيع أذان العشاء.
يقول أحد المستمعين ويدعى عبدالمجيد في اتصال هاتفي مع برنامج الأستاذ (ليس لدينا أموال لدفع إيجار المسكن ولا سداد ديوننا المستحقة لمتجر التجزئة.. وأنا أطالب الحكومة بصرف الأجور، وإذا لم تكن قادرة على هذا عليها الدعوة لإجراء انتخابات جديدة).
ثم جاء اتصال من مستمع آخر حيث اتهم وزير المالية الفلسطيني السابق سلام فياض ببذر بذور الأزمة المالية الحالي التي تعاني منها الحكومة الفلسطينية (حيث تبنى سياسة مالية فاشلة وتوسع في الاقتراض من البنوك وضخم نفقات الوزارة).
وقد حقق العاملون في الإذاعات الفلسطينية المحلية مثل يوسف الأستاذ شعبية وشهرة رغم أن المجتمع الفلسطيني اعتاد قصر الشهرة والمجد على نشطاء الفصائل المسلحة سواء الذين استشهدوا أو الذين تطاردهم القوات الإسرائيلية. ورغم ذلك يقول يوسف الأستاذ إن شهرته بدأت تسبب له الضرر حيث تلقى خلال الأيام القليلة الماضية عدة تهديدات بالقتل بسبب القضايا التي يطرحها في برنامجها والآراء التي يسمح للمستمعين بإعلانها.
وفي مكان مثل غزة لا يمكن التعامل باستهانة مع مثل هذه التهديدات بالقتل. لذلك فإن حرس المحطة الإذاعية مسلحون بالرشاشات والقنابل اليدوية.
أما يوسف الأستاذ فيحمل مسدساً شخصياً معه باستمرار ويحتفظ بمدفع كلاشينكوف في منزله.
ويقول الأستاذ: (من الطبيعي بالنسبة للصحفيين في غزة أن يحملوا مسدسات شخصية).
ويضيف أن هناك أصوات تتهم برنامجه بصب الزيت على النار بسبب الآراء والانتقادات التي يبثها (لكنني أرى أنني أبث فقط مشكلات المجتمع والشارع الفلسطيني).. ففي أعقاب الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي جرت في يناير الماضي تحول اهتمام برنامج يوسف الأستاذ من الاحتلال الإسرائيلي إلى التنافس الحاد بين حركتي فتح وحماس.
يقول فتحي طوبيل رئيس هيئة الاستعلامات الفلسطينية وهي مركز أبحاث تابع للحكومة الفلسطينية: (بسبب الموقف السيئ للسلطة الفلسطينية هناك رغبة ملحة لدى الشعب لكي يطرح أسئلته ومطالبه، ولا توجد هناك قيود من جانب الحكومة على حرية التعبير عكس الحال في أغلب الدول العربية الأخرى، حيث لا توجد سيطرة حكومية فعلية على محطات الإذاعة الخاصة).
ووفقاً لاستطلاع رأي فإن إذاعة الأقصى التابعة لحركة حماس تحتل المركز الثالث من حيث الشعبية بعد محطتي إذاعة تابعتين لحركة فتح.
ويقول رياض أبوداير مدير محطة الأقصى: إن حركة حماس تعتزم إطلاق قناة تلفزيونية فضائية، ويقدم أبودير برنامجا حواريا خاصا به أيضاً على إذاعة الأقصى.
يقول أبوداير إنه (لا يعتبر نفسه صحفياً يجري وراء الأخبار المثيرة التي تحقق سبقاً صحفياً وإنما يتطلع إلى خدمة الإعلام الإسلامي، ونحن نحاول الدفاع عن أنفسنا في هذه المعركة الصحفية.. ولكي نقدم وجهة نظرنا من خلال منظور إسلامي).
وليست مفاجأة أن تجد الانتماءات السياسية والحزبية للمستمعين الفلسطينيين تلعب الدور الرئيسي في تحديد هوية مستمعي كل إذاعة والتعاطي مع ما تبثه هذه الإذاعات.. ففي أحد المقاهي بقطاع غزة يقول زياد أبوضيف أحد عناصر الحرس الرئاسي الفلسطيني: إن الأستاذ هو المذيع المفضل بالنسبة له لأنه يعمل في (الإذاعة الخاصة بنا، فهي إذاعة شباب حركة فتح)، ومع ذلك فهذا لا يعني أن الفجوة بين إذاعة حركة حماس الإسلامية وحركة فتح العلمانية لا يمكن تجاوزها، فالمذيع الفلسطيني ناصر أبوهون انتقل من العمل في إذاعة الحرية التابعة لحركة فتح إلى العمل في راديو القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، وهو لا يناقش من خلال برنامجه في راديو القدس المواجهات بين حماس وفتح لأنه يرى من وجهة نظره أن (الفلسطينيين لم يصلوا بعد إلى درجة النضج اللازمة لمناقشة مثل هذه القضايا عبر الأثير.. ففي هذه اللحظة يمكن أن يلجأ الفلسطينيون للسلاح لمجرد المساجلة والجدال عبر إحدى المحطات الإذاعية).
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|