|
الإخبارية |
كتبت عن (الإخبارية) في أيامها الأولى مشيداً بميلادها...
وأشرت في هذا المكان إلى ما تميزت به من حضور إعلامي كبير..
وتمنيت حينها أن يتواصل هذا العطاء، وأن يتطور إلى ما هو أفضل..
وكنت أرى في مذيعيها ومذيعاتها وهم وهن في مرحلة الشباب ملامح الوجه التلفزيوني الجذاب والمقبول..
***
واليوم أعود للكتابة عنها ولها..
بعد شهور قليلة على ولادتها..
حيث المتابعة السريعة منها للأحداث..
والتواجد في موقع الحدث..
لنقل تطوراته ومستجداته بالكلمة والصورة إلى المشاهد..
من خلال شبكة مراسليها الكثيرين في العالم..
وحيث هذا الانتقاء وحسن الاختيار لهذه الوجوه والأصوات الجميلة من المذيعين والمذيعات..
***
ربما حرّك رغبتي بالكتابة عنها عاطفة شخصية نحو فرحي بكل هذه النجاحات التي حققتها القناة في برهة زمنية قصيرة..
وقد يكون سبب عودتي للكتابة عنها معرفتي بما يُنفق عليها وهو محدود مقارنة بماتقدمه من عمل إعلامي كبير وهو كثير كثير..
أحياناً يكتب الإنسان لأنه يسعده أن يرى النجاح، ويرى حينئذ أن الأمانة تقتضي منه أن يقول للمحسن أحسنت، وللحق فقد أحسن طاقم القناة الإخبارية كثيراً بما قدموه ويقدمونه حتى الآن..
***
مناسبة هذا الكلام..
ودواعيه وأسبابه..
وحماسي للبوح بشيء مما في نفسي عن قناتنا الجديدة..
هو ذلك التميز ل(الإخبارية) في تغطيتها لحادث تفجير مبنى المرور..
وتفرد (هذه القناة) الوليدة بما لم تستطع فضائيات أخرى ذات الإمكانات الأكبر أن تقوم به..
وذلك السبق الإعلامي (للإخبارية) بتغطيتها الحية والفورية ، وقد أصبحت بذلك مصدراً للقنوات العربية والعالمية في نقل تتابع الأحداث والتطورات لمشاهديها عن هذا الانفجار الهائل..
***
شكراً لطاقم الإخبارية وربانها على هذا النجاح غير المسبوقين إليه..
بانتظار المزيد من الخطوات والإنجازات المماثلة..
وهي لا تحتاج لتحقيق ذلك إلاّ إلى القليل من الشجاعة..
وإلى شيء ولو كان محدوداً من تحمل المسؤولية وتبعاتها..
ضمن التأكيد وعدم إغفال الأهمية للمشاهد وقنوات التواصل المستمرة معه..
وهذا يتحقق بمثل ما عملته الإخبارية وتعاملت معه حين غطت بنجاح كبير التفجير الإرهابي الأخير فأصبحت بذلك المصدر وحديث الناس..
خالد المالك
|
|
|
في ظل نمو المارد الصيني وتوسع العملاق الاوروبي تحديات اقتصادية هائلة تنتظر القادم للبيت الأبيض |
* إعداد اسلام السعدني
في تلك المرحلة التي يبدو فيها أن العوامل الرئيسية التي تتحكم في السياسة الخارجية الأمريكية تنحصر في الحرب على العراق وقضية مكافحة الإرهاب ومسألة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، تتراجع القضايا الاقتصادية لتحتل مرتبة متأخرة في أولويات هذه السياسة. ولكن في الواقع، ربما يتعين علينا هنا التأكيد على أن السياسة الاقتصادية هي عنصر لا غنى عنه لوضع أية سياسة خارجية ناجحة.
كما أنه من الضروري القول بأن هناك صلات وثيقة بين القضايا ذات العلاقة بالاقتصاد وعدد من أبرز الهواجس المتصلة بصميم الأمن القومي الأمريكي، إذ ان هناك علاقة بين الاقتصاد وبين مسألة تجفيف منابع تمويل الجماعات الإرهابية على سبيل المثال، كما أن هناك علاقة بينه وبين الجهود المبذولة لتوفير الأموال اللازمة لعمليات إعادة الإعمار في العراق أو أفغانستان.
ولا يقتصر الارتباط بين الاقتصاد والأمن القومي على هاتين المسألتين فحسب بل يمتد الأمر إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير، فغالبية دول العالم غنية كانت أو فقيرة، كبيرة أو صغيرة تعتمد بشكل كبير على حركة الاقتصاد العالمي من أجل تحقيق الرفاهية وإرساء الأمن على أراضيها، ولذا يحتل الاقتصاد المرتبة الأولى على سلم أولوياتها، ومن هذا المنطلق فعلى الولايات المتحدة أن تولي اهتمامها بشكل فعال بالجوانب الاقتصادية إذا ما كانت راغبة في أن تظل على صلة بباقي دول العالم وما تموج به من أحداث.
يقول المحلل الاقتصادي سي. فرد بيرجستين في تحليل نشرته دورية فورين افايرز: (على الرغم من أن أمريكا باعتبارها صاحبة القوة العسكرية الأكبر في عالمنا تمتلك القدرة على اتخاذ إجراءات انفرادية للحفاظ على أمنها القومي، إلا أن الأمر يختلف بالقطع إذا ما كنا بصدد الحديث عن الاقتصاد إذ ان الإجراءات الانفرادية في هذا الشأن، لا تعد خيارا مطروحا على الإطلاق، فلا توجد أية دولة في العالم بما فيها الولايات المتحدة تستطيع تجاهل تأثير قوى السوق).
ويتابع قائلا: فإذا نظرنا إلى العالم اليوم سنجد أن الاقتصاد الأوروبي بات يماثل الاقتصاد الأمريكي من حيث الحجم، كما أصبحت العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) حاليا تشكل منافسا لا يستهان به للدولار في أسواق المال العالمية.
في الوقت نفسه، تعتمد أمريكا في مساعيها لتغطية العجز الخارجي الهائل الذي تعاني منه على المستثمرين الأجانب بشكل كبير، ومن بين هؤلاء بعض الدول الآسيوية دون أن يعني ذلك الاعتماد خروج هذه الدول من حلبة المنافسة الاقتصادية، كما تعتمد واشنطن أيضا في هذا الشأن على واردات البترول التي تتحدد أسعارها وفقا لرغبات الدول المنتجة للنفط وليس لرغبات الولايات المتحدة بطبيعة الحال، ولذا يبدو التعاون بين أمريكا ودول العالم فيما يتعلق بشئون الاقتصاد العالمي أمرا حيويا.
ويضيف سي. فرد بيرجستين قائلا: يمكن القول هنا إن الارتباط الوثيق بين الاقتصاد وغيره من القضايا المهمة على الصعيد الدولي قد شكل كابحا لجماح اتجاه السياسة الخارجية الأمريكية في بعض الأحيان لاتخاذ إجراءات انفرادية.
إلى جانب ذلك يعد انتهاج سياسات اقتصادية سليمة على المستوى الخارجي أمرا ضروريا لسلامة السياسات الاقتصادية المتخذة داخلياً أيضا، فعلى مدار العقود الماضية بلغ نصيب التبادل التجاري مع دول العالم نحو 30% من الدخل القومي الأمريكي، وخلال السنوات العشر الماضية فقط ارتفع مستوى الانتاجية بداخل الولايات المتحدة بشكل دراماتيكي بفعل زيادة الحوافز التنافسية بسبب ظاهرة العولمة الاقتصادية، وهو ما أسهم في تحقيق نمو اقتصادي سريع في أمريكا أدى إلى توفير المزيد من فرص العمل.
وفي نفس الوقت تسهم الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة والتي تبلغ قيمتها نحو 500 مليار دولار سنويا في تغطية العجز التجاري الهائل في الميزانية الأمريكية وكذلك في تعويض معدلات الادخار المنخفضة في البلاد، علاوة على كل ذلك فإن تقليص الحواجز التجارية من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة خلال نصف القرن الماضي قد أدى إلى زيادة متوسط دخل الأسرة السنوي في أمريكا بمقدار ألفي دولار.
مأزق العم سام
إلا أن المراقب للسياسات الاقتصادية التي تنتهجها الولايات المتحدة على الصعيد الخارجي سيرى أنها باتت خلال العقد الماضي وكأنها تتخبط في مأزق لا فكاك منه، فعلى مدى ثمانية أعوام رفض الكونجرس منح تفويض للرئيس الأمريكي يمكنه من إجراء مفاوضات حول إبرام اتفاقيات تجارية مع دول العالم، وعندما وافق الكونجرس أخيرا على منح هذا التفويض عام 2002، فقد كان ذلك يرجع فقط إلى عدد من التنازلات التي قدمتها إدارة الرئيس (جورج بوش) فيما يتعلق بحماية المنتجات الوطنية.
وفي هذا السياق أيضا يمكن أن نتذكر ما جرى بالنسبة للتشريع الخاص بإعادة تمويل البنك الدولي والذي تعثر في أروقة الكونجرس في ذروة الأزمة التي عصفت بالأسواق الآسيوية، ولم يقله من عثرته سوى تحالف بعض أصحاب المزارع الذين كانوا يرغبون في توفير مخصصات مالية تمكنهم من تصدير منتجاتهم الزراعية إلى الأسواق الخارجية.
وربما تكمن أسباب المأزق الراهن في تلك التطورات التي حدثت على صعيد الاقتصاد العالمي، والتي ربما أضرت بمصالح البعض من الأمريكيين كأفراد ولكنها عادت بالنفع على الاقتصاد الأمريكي ككل، تلك التغيرات التي حدثت بفعل التقدم التكنولوجي وظاهرة العولمة،والتي أزعجت العديد من الشركات والمؤسسات الأمريكية بالإضافة إلى آلاف العمال الذين يعانون من انخفاض دخولهم بشكل ملموس، ونقل المصانع التي كانوا يعملون بها إلى أماكن أخرى.
إن على صناع السياسة الأمريكية أن يعملوا بحزم على تجاوز ردود الفعل الداخلية المناهضة للعولمة وذلك من أجل وضع أسس ودعائم قوية لسياسة اقتصادية خارجية بناءة ومستمرة، وذلك على الرغم من أن الصورة في هذا الشأن تبدو محفوفة بالكثير من عوامل القلق، ففيما يرى البعض مؤشرات على حدوث انتعاش اقتصادي في الولايات المتحدة خلال الفترة الراهنة، إلا أن التجارب التاريخية تثبت أن أسعار الصرف المرتفعة والعجز التجاري الهائل اللذين يشكلان أهم سمات الاقتصاد الأمريكي حاليا سيؤديان على الأغلب إلى تراجع مناخ الانفتاح الاقتصادي الأمريكي على العالم.
جهود فاشلة
من ناحية أخرى يمكن القول بأن الجهود التي قامت بها إدارة (بوش) من أجل تحرير الاقتصاد العالمي قد باءت بالفشل تقريبا، فعلى سبيل المثال تعثرت جولة المفاوضات التي عقدتها منظمة التجارة العالمية في (كانكون) بالمكسيك خلال شهر سبتمبر من العام الماضي لمناقشة هذا الأمر،ولم يكن حظ المفاوضات التي عقدت في ولاية (ميامي) الأمريكية في شهر نوفمبر من نفس العام لإقامة منطقة تجارة حرة في الأمريكتين أفضل حالا، إلى جانب هذا وذاك تواجه اتفاقات التجارة الحرة الثنائية التي أبرمت بين الولايات المتحدة والعديد من الدول عقبات متعددة من قبل الكونجرس تهدد بتجميدها ووضعها على الأرفف، علاوة على ذلك تهدد الخلافات الناشبة بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية باندلاع حرب تجارية على جانبي الأطلنطي، وتخيم على الأجواء أيضا تلك الانتقادات الحادة التي وجهتها أمريكا للصين خلال العام الماضي بشأن السياسات الاقتصادية التي تنتهجها بكين، وأدى كل ذلك إلى أن تصبح سياسة الولايات المتحدة التجارية، وكذلك حركة التجارة العالمية بمجملها في خطر داهم مما قد يقودنا إلى مرحلة يعاني العالم خلالها من الآثار السلبية للعولمة.
العولمة والأمركة
ينبغي التأكيد على أن وقف تقدم العولمة سيكون ذا أثر خطير على السياسة الخارجية الأمريكية، لأن هذه الظاهرة أصبحت القوة الأكبر من نوعها التي تؤثر على التغيرات التي تجري على الصعيد العالمي وذلك بشكل غير مسبوق، فتأثير تلك الظاهرة يفوق كثيرا التأثيرات التي خلفتها ظاهرة الإرهاب، أو التأثيرات التي نجمت عن انتهاء الحرب الباردة، ويساوي الكثيرون في أغلب بقاع العالم بين العولمة والأمركة بغض النظر عما إذا كان ذلك صحيحا أم لا.
ومن هنا تتمحور المناقشات التي تتناول دور العولمة على الصعيد الدولي غالبا حول الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة نفسها، ولذا فإن أي انتكاسة أو تراجع تصاب به العولمة، أو أي توقف في حركتها المستمرة نحو الأمام ستعني هزيمة كبرى لأمريكا على الصعيد العالمي.
ومن هذا المنطلق يتعين على الإدارة الأمريكية القادمة أن تدرك مدى أهمية وضع سياسة اقتصادية خارجية سليمة، وأن تتصدر مسألة وضع هذه السياسة أولويات عملها.
فشيئا فشيئا تدخل مجموعة من الأسواق الصاعدة التي يمكن أن نذكر منها هنا الهند والصين على سبيل المثال حلبة المنافسة الاقتصادية العالمية في العديد من القطاعات، وهذا يتطلب تحسين مهارات العمال الأمريكيين بشكل سريع، وزيادة درجة المرونة التي تتحلى بها الشركات التي تتخذ من الأراضي الأمريكية مقرا لها.
كما تتطلب مواجهة هذه الظاهرة توفير المزيد من الإجراءات لحماية المتضررين من التحولات التي ستجريها تلك الشركات لمواكبة هذه المنافسة المحتدمة، إلى جانب إصلاحات متواصلة في السياسات الأمريكية لضمان قدر أكبر من الميزات التنافسية للولايات المتحدة، بالإضافة إلى ضرورة اهتمام الإدارة الأمريكية بإجراء مفاوضات متعمقة حول التجارة والمسائل الدولية الأخرى لتهيئة المسرح العالمي بما يلائم المصالح الاقتصادية للبلاد.
في الوقت نفسه يوفر المنافسون الجدد القادمون من تلك الأسواق الناشئة فرصا مهمة للمصدرين الأمريكيين وللاستثمارات الأمريكية، كما يقدمون سلعا متطورة زهيدة الثمن في آن واحد، وإذا ما اندمج هؤلاء في الاقتصاد العالمي، وتزامن هذا مع اتخاذ الإدارة الأمريكية سياسات اقتصادية أكثر فاعلية على الصعيد الداخلي، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة في النمو العالمي، وأيضا إلى تحسين مستوى الانتاجية الأمريكية وهو ما سيزيد من المكاسب التي تعود بها العولمة على الولايات المتحدة.
إلا أن أصعب التحديات التي ستواجه الإدارة الجديدة في البيت الأبيض إنما تتمثل في التغيرات الجذرية التي شهدتها بنية الاقتصاد العالمي خلال الفترة الماضية.
فمنذ الحرب العالمية الثانية كان بوسع الولايات المتحدة التحكم في الاقتصاد العالمي حتى في تلك الأوقات التي كانت أمريكا تنتهج خلالها سياسات لا ترضى عنها باقي دول العالم، وكانت تلك السيطرة ترجع إلى أن واشنطن ظلت القوة الاقتصادية الأكبر في العالم، إلى جانب أن القوة العسكرية الكاسحة التي تمتلكها أمريكا قد أسهمت أيضا بدور مهم على هذا الصعيد في بعض الأحيان.
أما القوى الدولية الأخرى كاليابان مثلا فلم يكن لها على الإطلاق أي دور رئيسي على الساحة الاقتصادية العالمية، وكذلك كانت القارة الأوروبية حتى بعد إنشاء الاتحاد الأوروبي، حيث فشلت دول القارة في اتخاذ موقف موحد إزاء القضايا الاقتصادية الدولية، وربما كان مجال التبادل التجاري هو الاستثناء الوحيد والأبرز في هذا الشأن حيث استطاعت أوروبا انتهاج سياسة موحدة في هذا الصدد أجبرت الولايات المتحدة أن تعاملها معاملة الند للند. ولكن كل ذلك يتغير الآن بإيقاع متسارع، فعندما يتوسع الاتحاد الأوروبي في مايو القادم ليصبح عدد أعضائه 25 دولة، سيصير لديه ناتج كلي يفوق ذاك الذي تمتلكه الولايات المتحدة، وسيضاف ذلك إلى المميزات التي يتحلى بها الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي بالفعل، إذ انه يشكل الآن أكبر منطقة للتجارة الداخلية في العالم، إلى جانب ذلك أصبح اليورو عملة رئيسية على المستوى العالمي مثله مثل الدولار، وبالرغم من أن أوروبا لم تتمكن حتى الآن من بلورة موقف اقتصادي موحد، إلا أنها ستفعل ذلك حتما مع مرور الوقت.
ولا يقتصر الأمر على أوروبا وحدها بل توجد تغيرات دراماتيكية أخرى ولكن هذه المرة في منطقة المحيط الهادي، حيث يتوقع أن تواصل الصين نموها الاقتصادي لعقدين قادمين على الأقل لتصبح قوة اقتصادية عظمى، بالإضافة إلى ذلك تواصل دول شرق آسيا مساعيها لتشكيل كتلة اقتصادية يمكن أن تشتمل في نهاية المطاف على منطقة للتجارة الحرة، وصندوق للنقد الآسيوي، وستمثل هذه الكتلة نحو خمس الاقتصاد العالمي، و20% من حجم التجارة العالمية، وما يقرب من 1.5 تريلون دولار من الاحتياطيات النقدية وهو ما يقارب عشرة أضعاف الاحتياطيات التي تمتلكها الولايات المتحدة، وستصبح هذه الكتلة الآسيوية حال تكوينها ثالث أكبر قوة اقتصادية في العالم.
مشهد اقتصادي جديد
ومن شأن مثل هذه العوامل مجتمعة أن تؤدي إلى تغيير المشهد الاقتصادي العالمي بشكل جذري من اقتصاد أحادي القطب كما كان الحال خلال نصف القرن الماضي إلى اقتصاد ثنائي القطبية أو ثلاثي الأقطاب، وهو ما سيجبر واشنطن على الحياة في ظل مناخ اقتصادي يحفل بمفردات لم تألفها على الإطلاق، وفي هذه الحالة ستضطر السياسة الاقتصادية الخارجية للولايات المتحدة إلى العمل على تجاوز التحديات التي ستنجم عن اندماج الاقتصاديات الجديدة الصاعدة في الهيكل الحالي للاقتصاد العالمي، كما سيتعين على تلك السياسة في مثل هذه الحالة أن تتقبل فكرة إدارة هذا الاقتصاد بشكل جماعي وليس بطريقة انفرادية كما كان الحال في الماضي.
وفي حالة حدوث مثل هذا التطور سيكون ضروريا على الولايات المتحدة أن تسعى لابتكار سبل تمكنها من التعاون اقتصاديا مع الآخرين باعتبارهم شركاء على قدم المساواة، إلى جانب وسائل تساعدها على دخول حلبة منافسة اقتصادية شرسة على الصعيد العالمي.
كما أن ذلك سيجعل من الضروري على أمريكا أن تعتمد على علاقاتها الوثيقة بكل من أوروبا وآسيا تلك العلاقات التي تعد أكثر قوة من العلاقات الأوروبية الآسيوية ذاتها وذلك بهدف ضمان المصالح الأمريكية، وتأمين الدور الحيوي الذي تضطلع به الولايات المتحدة في تشكيل ملامح الأنظمة الاقتصادية الجديدة متعددة الأقطاب.
التحدي القادم
إن الرئيس الأمريكي القادم سواء كان جورج بوش الابن أو من سيخلفه سيكون عليه وضع وتنفيذ مبادرات للتعامل مع التحديات الاقتصادية المستجدة على الصعيد الدولي من خلال توفير دعم داخلي قوي لمساندة مبادئ العولمة، ولتحسين الوضع المالي الخارجي للولايات المتحدة والإبقاء على هذا الوضع، وإحياء سياسات تحرير التجارة، وتحرير الاقتصاد العالمي من عمليات المناورة والتلاعب التي تشهدها أسواق الطاقة على وجه الخصوص بقيادة كبار المنتجين.
وسيكون على الرئيس الأمريكي القادم أيا كان السعي لتحقيق تلك الأهداف في ظل سياق عالمي اقتصادي جديد، سنجد فيه أوروبا موحدة وأكثر قوة، وسنجد فيه أيضا الصين تواصل نموها الاقتصادي، كما يمكننا أن نرى كتلة آسيوية جديدة تقوض الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي.
ويزيد من تلك التحديات حقيقة كون الولايات المتحدة تعاني من أكبر عجز تجاري في العالم وأكبر دولة مدينة في العالم، وهو ما يجعل اقتصادها وسياستها الاقتصادية الخارجية محفوفة بالمخاطر على الدوام في ظل إمكانية انهيار النظم والإجراءات التي تكفل حماية المنتجات الوطنية، أو غيرها من العوامل التي ربما تقود الولايات المتحدة إلى موقف لا تحسد عليه على الإطلاق، إذ ان تراكم الديون الخارجية على البلاد من شأنه أن يؤدي إلى تآكل الدخل القومي الأمريكي بمرور الوقت ولذا يتعين على الإدارة الأمريكية القادمة العمل من أجل ضمان وضع مالي جيد ومستقر وثابت لأمريكا على الصعيد الدولي.
ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال تقليص العجز الخارجي بمقدار النصف تقريبا، حيث تبلغ هذه الديون حاليا 550 مليار دولار وهو ما يقدر بأكثر من 5% من الناتج المحلي الإجمالي.
وسيكون لهذه الخطوة أثر مهم على تثبيت نسبة الدين الأجنبي الذي يزيد حاليا على ثلاثة تريليونات دولار أمام الناتج المحلي الإجمالي، ويعد السبيل الأمثل في هذا الشأن هو رفع معدلات الادخار في الولايات المتحدة بشكل كبير، وهو ما سيحول دون أن تؤدي تدفقات رأس المال الأجنبي إلى رفع سعر الدولار مما يتسبب في حدوث عجز تجاري كبير.
ولكن للأسف الشديد ليست هناك سياسة واضحة أثبتت كفاءتها فيما يتعلق بزيادة معدلات الادخار، ولذا ينبغي على الإدارة الأمريكية السعي إلى تحويل عجز الميزانية الذي تعاني منه إلى فائض بسيط، على الأقل في الفترات التي تشهد نموا اقتصاديا ملموسا كما يحدث حاليا.
من ناحية أخرى ساعد تحرير التجارة الذي كان على مدار نصف القرن الماضي أحد العناصر المكملة للعولمة الاقتصادية الاقتصاد الأمريكي وأسهم في تعزيز الموقع القيادي لواشنطن على صعيد الاقتصاد العالمي.
ولهذا السبب فإن بذل المزيد من الجهود على هذا المضمار سيعود بالمزيد من المنافع على الولايات المتحدة، ومن هذا المنطلق فإن أي سياسة خارجية تتبعها أمريكا على الصعيد الاقتصادي خلال المرحلة القادمة يجب ألا تحيد عن ذاك الطريق الذي سارت عليه الإدارات الأمريكية المتعاقبة طوال السبعين عاما الماضية وهو الطريق الهادف إلى تقليل الحواجز التي تحول دون تنشيط عمليات التبادل التجاري على مستوى العالم إلى جانب العمل على تطوير نظام تجاري مقنن يقوم على أسس تدعمها منظمات اقتصادية دولية قوية.
ولا يمكن لأحد أن يشكك في أن للولايات المتحدة مصالح جمة في العمل على إزالة الحواجز التي تحول دون فتح مزيد من الأسواق الدولية حتى تقترب بقدر الإمكان من إقامة سوق عالمي للتبادل التجاري الحر تتعزز فيه الآليات والقدرات التي تمتلكها منظمة التجارة الدولية. وسيكون من الضروري أن تقوم الإدارة الأمريكية القادمة بمراجعة السياسات التجارية من خلال الاتفاقيات الثنائية المبرمة حاليا مع عدد من دول العالم، حيث تبدو قائمة الدول التي اختارتها إدارة (بوش) لتوقيع مثل هذه الاتفاقات معها ومن بينها استراليا وبوليفيا والإكوادور وبيرو وتايلاند وكأنها اختيرت بشكل عشوائي، إذ انها لا تجلب سوى القليل من الفوائد على أمريكا، وهو ما يجعلها لا تحظى سوى بدعم محدود من قبل الكونجرس أو من جانب رجال الأعمال الأمريكيين، بل ان عدة اتفاقات من هذا النوع تواجه حاليا معارضة قوية في داخل الكونجرس تجعل من العسير إقرارها على الأقل خلال العام الحالي وهو عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية كما هو معروف.
كما ارتكبت إدارة (بوش) نفس الخطأ الذي ارتكبته إدارة (كلينتون) من قبل فيما يتعلق باختيار الدول التي يتم التوقيع على اتفاقيات تجارة حرة معها، وهو ما يتطلب من الإدارة القادمة أن تجري مشاورات مكثفة مع الكونجرس من أجل وضع معايير واضحة يتم على أساسها اختيار الدول التي يمكن للولايات المتحدة أن تبرم معها اتفاقا للتجارة الحرة، وينبغي أن تضمن هذه المعايير أن يحقق مثل هذا الاتفاق فوائد اقتصادية ملموسة لأمريكا وأن يكفل تحقيق إصلاحات اقتصادية حقيقية في البلد الذي تم توقيعه معه، وأن يكون توقيع هذا الاتفاق مفيدا بالنسبة للسياسة الاقتصادية الأمريكية وللسياسة الخارجية لواشنطن بوجه عام.
الوجه الآخر للصورة
وعلى الرغم من هذا المشهد القاتم ، إلا أن هناك حقيقة أساسية لابد من الاعتراف بها ألا وهي: الولايات المتحدة ستظل قوة اقتصادية عظمى، حيث ان اقتصادها سيبقى رغم كل شيء الأكبر عالميا، إلى جانب ذلك من المتوقع أن تستمر معدلات النمو في الإنتاجية الأمريكية والتي شهدت ارتفاعا كبيرا خلال العقد الماضي على هذه الوتيرة خلال الأعوام القادمة بل ربما تشهد هذه المعدلات تزايدا ملموسا، وهو ما سيعني مزيدا من التوسع الصناعي في البلاد بشكل سريع للغاية.
ومن بين العوامل الإيجابية بالنسبة للاقتصاد الأمريكي أن النمو الصناعي في البلاد يفوق مثيله في أية دولة صناعية أخرى من دول العالم.
إلى جانب ذلك، من المنتظر أن يظل الدولار الأمريكي العملة الرئيسية الأولى على مستوى العالم لبعض الوقت، إضافة إلى أن النموذج الرأسمالي المطبق في الولايات المتحدة سيظل مهيمنا على الفكر الاقتصادي في مختلف أنحاء العالم. لكن ذلك لن يعفي الرئيس الأمريكي المقبل من مواجهة تحديات غير مسبوقة على صعيد السياسة الاقتصادية الخارجية، وهو ما يتطلب منه العمل على دعم العولمة الاقتصادية بشتى الطرق بالإقناع.. بالقوة.. بالإلحاح.
وفي الوقت الذي يمكن أن يفشل فيه الرئيس الأمريكي في نيل الدعم الداخلي لسياساته الاقتصادية إذا ما انتكست مساعيه الرامية لتوفير شبكات أمان لمن تتضرر مصالحهم بسبب التغيرات الاقتصادية المرتقبة، وكذلك إذا ما أخفقت محاولاته لوضع برامج تستهدف تحسين المهارات المختلفة للقوى العاملة الأمريكية في الوقت نفسه يمكن أن تفشل الولايات المتحدة أيضا في الحصول على الدعم والمساندة الدولية في المجال الاقتصادي حال إخفاق البيت الأبيض في تبني استراتيجية تؤكد على الفوائد الاقتصادية التي ستعود على الدول الأخرى من السياسات التي تنتهجها أمريكا، أو في حالة فشل الإدارة الأمريكية في وضع سياسة اقتصادية تراعي من خلالها مخاوف وهواجس الدول الأخرى.
ومن المؤكد أن نتيجة الفشل في ذلك ستعود بأوخم العواقب وستكلف الولايات المتحدة ثمنا باهظا.
إذ ان اقتصاد البلاد سيعاني في هذه الحالة من قيود ستطبق على التجارة الأمريكية، وستؤدي إلى هبوط قيمة الدولار وذلك على المدى القريب، أما على المدى البعيد فسيعاني الاقتصاد الأمريكي من انخفاض معدلات نمو الإنتاج في البلاد، ولن تقتصر الخسائر التي ستمنى بها أمريكا في هذه الحالة عند هذا الحد بل ستمتد إلى مجال السياسة الخارجية للبلاد والتي ستكون معرضة للخطر حالما تراجعت الإدارة الأمريكية عن سياساتها القائمة على التعاون البناء مع الدول الأخرى بشأن القضايا محل الاهتمام المشترك.
الأهم من كل ذلك أن السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة على الصعيد الاقتصادي الخارجي يمكن لها أن تشكل طوق نجاة للسياسة الخارجية الأمريكية برمتها، إذ ان من أعقد المشكلات التي تواجه أمريكا في المحافل الدولية ميلها لانتهاج سياسات انفرادية إزاء العديد والعديد من القضايا، ومثل هذه السياسات الانفرادية ليس لها أي قيمة على الإطلاق بالنسبة للمجال الاقتصادي.
وهكذا فإن السطور السابقة قدمت رؤية مستقبلية للسياسة الاقتصادية الخارجية للولايات المتحدة من منظور يحافظ على المصالح القومية للبلاد، تلك السياسة التي نرى أنها ينبغي أن تحظى بترتيب متقدم على سلم أولويات الرئيس الأمريكي القادم.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|