* إعداد - محمد الزواوي
انفتحت شهية الهند أمام السوق العالمي للتصنيع، وتوافدت الشركات العالمية اليها، بدءًا من هوندا إلى هوليت باكارد، التي بدأت في إنشاء خطوط تجميع جديدة في الهند، وقفز التصنيع إلى 11.3 في الربع الأول من عام 2006، وهو ما يمثل أكبر نسبة نمو في الربع الأول للبلاد منذ عشر سنوات من 8.9%.
وفي تقرير لصحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) من مدينة سريبيرومبودور الهندية جاء فيه:
لا تزال بعض المشاكل القديمة موجودة، لذا لم تستطع الهند بعد أن تقترب من ريادة الصين كأكبر دولة في التصنيع العالمي.
فالهند بها 250 مليون نسمة يعيشون على أقل من دولار واحد يوميًا، ولكن التصنيع بدا أنه يمكن أن يقدم ما لا تستطيع التقنية العالية أن تقدمه، وهو نشر الأمل والرخاء إلى ما تحت الطبقة المتوسطة الصغيرة التي تعيش في المدن الهندية.
وفي مدينة شيناي، ووسط أدغال من الأكواخ ذات أسقف من قش، فإن مصنعين من المصانع العالمية أحدهما لشركة نوكيا والآخر لشركة تصنيع السيارات الكورية هيونداي ربما يقدمان أملاً جديدًا للهند.
ويتساءل جوكا لتيلاي، مدير العمليات بشركة نوكيا بالهند: (هل يمكن أن يسير التصنيع بصورة جيدة في الهند؟). ويقول سابينفيلد معد التقرير إنه بينما يسير المشهد خارج تلك المصانع كما هو في كل أرجاء الهند، فإن داخل أسوار تلك المصانع شيء جديد تمامًا على الهند: عمل دؤوب ومنظم لصناعة الهواتف المحمولة لشركة نوكيا، وقد تم تصميم المصنع بنفس طريقة تصميم المصانع في الشركة الاسكندنافية في كل أنحاء العالم بدءًا من الوطن الأم في فنلندا إلى مناطق أخرى بعيدة مثل الصين وتكساس وما وراءها.
ويؤكد التقرير أن تلك المصانع الكبيرة تمثل باكورة الأمل الهندي في التصنيع، بينما يمثل التصنيع في الصين 55% من إجمالي المنتجات المحلية، فإنه يمثل فقط 17% في الهند؛ ما يشير إلى تجاهل التصنيع بالهند بصورة كبيرة.
ويقول راميش مانجاليزواران من مكتب مومباي لشركة (ماكانزي وشركاه)، وهي مؤسسة استشارات عالمية: في التسعينيات فقدنا الرؤية فيما يتعلق بالتصنيع كقطاع مهم، بعد أن أدت أضواء القطاع الخدمي إلى إحداث كسوف كلي للتصنيع في الفترة الماضية، كما كان هناك نقص في الإرادة الهندية لجعل التصنيع ممكنًا وحيويًا في الهند.
الركض وراء الصين
وقد أحرزت الحكومة الهندية بعض التقدم بتعديل قوانين الضرائب وإنشاء مناطق صناعية خاصة ببنية تحتية مجهزة وبإعفاء ضريبي، ولكن بالرغم من ذلك فإن البضائع الصينية لا تزال أرخص بنسبة30%، كما لا تزال لدى الصين بنية تحتية أفضل وطرق معبدة سريعة متفوقة على الهند بسبعة أضعاف كما تشير بعض الإحصاءات.
وربما أن الحافز الأكبر للهند للتقدم إلى الأمام في مجال التصنيع هو السوق الهندي الداخلي ذاته، فيشير التقرير إلى أن الطلب المحلي وليس التصدير هو المحرك الأساسي وراء النمو الهندي في مجال التصنيع؛ فالسوق الهندي يعد واحدًا من أسرع الأسواق العالمية نموًا في مجال الهواتف المحمولة، بأكثر من مليون هاتف يباع أسبوعيًا.
وبحلول عام 2016، فإن مبيعات السيارات في الهند يمكن أن تتضاعف إلى أكثر من 4 أضعاف، لتصل إلى 145 مليار دولار كما تشير التقديرات الحكومية.
كما تشير إحصاءات شركة (دل) العالمية إلى أن الهنود سوف يشترون 5.6 مليون حاسب آلي في العام المالي الحالي، بزيادة مليون حاسب عن السنة المالية السابقة.
وطبقًا لتلك الأرقام، فإنه من غير المستغرب أن تقوم شركات مثل (سامسونج) و(موتورولا) و(دل) و(هيوليت باكارد) بإنشاء مصانع لها في الهند.
وكانت شركة (نوكيا) قد درست بناء مصنع لها في الهند عام 1995، ثم أعادت التفكير عام 2001، ولكن لم يكن الوقت مناسبًا لذلك قبل عام 2004، وهو العام الذي أنشأت فيه نوكيا أول مصانعها بالبلاد.
وفي الأسابيع القليلة الماضية حشدت شركات تصنيع السيارات قدراتها في الهند، والدليل هو التالي:
* شركة هوندا التي أعلنت عن نيتها لمضاعفة مبيعات سياراتها 3 أضعاف لتصل إلى 150 ألف سيارة بحلول عام 2010.
* من المقرر أن تستثمر شركتا تويوتا ودايهاتسو 86 مليون دولار في مصنع ببنجالور لتصنيع مائة ألف سيارة سنويًا، ورفع الإنتاج إلى مائتي ألف بحلول عام 2010م.
* قررت شركة جنرال موتورز إنفاق 300 مليون دولار لبناء مصنع ثان يمكن أن يزيد قدراتها بالهند إلى 140 ألف سيارة سنويًا بعد أن كان العدد 60 ألف سيارة فقط.
* شركتا تصنيع السيارات الألمانية فولكس فاجن وبي إم دبليو يبنيان مصنعهما الأول في الهند.
وفي كل الحالات السابقة باستثناء شركة بي إم دبليو التي تصنع السيارات الفاخرة فإن الهدف الأساسي هو حصة أفضل من سوق السيارات الصغيرة الهندية، الذي يمثل 70% من مبيعات السيارات بالهند.
وكل الشركات الكبرى للسيارات أعربت عن حاجتها إلى إنشاء مصنع لها بالهند، ولكن لعدة أسباب، كانت شركة هيونداي هي الأسرع إلى ذلك الطريق باقامة مصنع لها في الهند.
ويعمل في المصنع 9 آلاف موظف ومتعاقد وعامل موزعين على شيفتات كل منها ثماني ساعات، وهو المصنع الوحيد لهيونداي في شبكته حول العالم الذي يعمل 24 ساعة يوميًا.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن العمال يعملون في مختلف موديلات السيارات على نفس خط التجميع، ويتنقلون بين موديلات سانترو وسوناتا والموديلات الأربعة الأخرى التي تصنعها هيونداي في الهند.
نجاح هيونداي
في البداية كانت لدى شركة هيونداي مشكلات تتعلق بإقناع العالم الخارجي بأن فرعها بالهند لم يكن أقل من مثيلاته، فالتجار الأوروبيون أرادوا تخفيضًا على السيارات التي تأتي من الهند، وحجتهم في ذلك أن السيارات تصنع بسرعة كبيرة ومن المنصف تقليل السعر للمستهلك الأوروبي الذي يعلم ذلك جيدًا.
وبناء على طلب شركة هيونداي أتى التجار ليلقوا نظرة على العمل في المصنع، ولم يطالب أحد منهم بتخفيضات بعد ذلك.
وقد كان المصنع ناجحًا جدًا لدرجة أن هيونداي قررت مؤخرًا أن تجعل الهند (قبلتها الأولى لتصدير السيارات الصغيرة إلى بقية دول العالم)، كما يقول ليم، فالمنشأة أضافت مصنعًا ثانيًا إلى مجمعها لمضاعفة قدراتها إلى 600 ألف سيارة سنويًا، نصفها للاستهلاك المحلي بالهند والنصف الآخر للتصدير.
وبالجوار جاء 16 موزعًا كوريًا هرعوا لدعم عمليات هيونداي بالهند ولإمداد السوق بكل قطع الغيار بدءًا من دواسات الفرامل إلى عجلات القيادة، ومن المقرر أن يأتي خمسة وعشرون آخرون عند افتتاح المصنع الجديد.
ويقول جاريل ريس الخبير بصناعة السيارات بكلية التجارة بجامعة ويلز: (إنها واحدة من أكبر التأثيرات في الاقتصاد، وهذا هو أحد الأسباب في أن الدول ترغب في صناعات السيارات كثيرًا).
ديترويت الهندية
وهذا أيضًا أحد الأسباب أن شيناي أصبحت تسمي نفسها (ديترويت الهندية) بولع شديد لمدينة السيارات الأمريكية.
فبالإضافة إلى استضافتها لمصانع هيونداي وفورد وبي إم دبليو، فإن شيناي أصبحت مركزًا لصناعة أجزاء السيارات الهندية، التي من المتوقع أن تنمو إلى 25 مليار دولار في عام 2015 صعودًا من 10 مليارات فقط في الإنتاج لهذا العام.
وتقدم كل تلك الشركات المزيد من الوظائف كما هو واضح في مصنع هواشين بالمنطقة.
وبعكس مكان الإنتاج لشركة هيونداي المكيف هوائيًا، حيث تستطيع القفازات البيضاء التقاط أي شيء من على الأرض بدون مشقة، فإن هواشين يعج بالنشاط والأصوات المزعجة للمعدن المتحطم.
نعمة الشباب
والشباب الهندي هو نعمة وتحد للدولة في الوقت ذاته، حيث ان القوى الشابة في الهند غير تلك الموجودة في الصين، التي أدت سياسة الطفل الواحد هناك إلى قوى عاملة أكبر سنًا وأقل جذبًا للمستثمرين الأجانب.
ولكن الضغوط الوظيفية التي تسببها تلك الصناعات لا يمكن حلها بالتقنية العالية وحدها، فقد قفز الاقتصاد الهندي من كونه اقتصادًا زراعيًا غير عصري إلى اقتصاد خدمات الوظائف المكتبية، متجاهلاً خطوة اقتصادية أساسية، وهي طبقة العمال، فتشير الأرقام إلى أن 70% من الهنود لا يزالون يعملون في القطاع الزراعي.
ولذلك فإن الاقتصاد الهندي عندما بدأ في النمو بمعدل 6% سنويًا في الفترة ما بين عامي 1995 و2005 فقد تخطى ذلك الاقتصاد تلك الطبقة، وقد أشارت دراسة أعدتها منظمة الإحصاء القومي الهندية إلى أن الفقر انخفض في الهند بمعدل 0.8% فقط.
ويقول مانجاليزواران من شركة ماكينزي إنه لا شيء يستطيع ملء تلك الفجوة سوى قطاع التصنيع الذي يستطيع أن يضيف 4 ملايين وظيفة سنويًا، ويضيف: (لا تستطيع أن تقتلع الناس من المزارع وتضعهم في مركز للاتصالات مرة واحدة، ولكنك تستطيع وضعهم في مصنع كخطوة انتقالية).
وفي شركة هيونداي، فإن العمال يأتون من مسافات تصل إلى 30 ميلاً، يتكدسون في الحافلات التي تصطف وجهًا لوجه مثل أطفال المدراس الذين ينتظرون في طابور.
وبالعمالة الهندية منخفضة التكاليف والمصادر الطبيعية الوافرة، فإن الهند لديها الكثير من المقومات التي من الممكن أن ترشحها لمجال التصنيع مع حل المشكلات التي تتعلق بالبنية التحتية والمواصلات.
وقد بدا أن الحكومة تضع رهانها على صناعة السيارات الصغيرة، فقد قللت الضرائب الداخلية على السيارات الصغيرة من 24% إلى 16% فقط في أوائل هذا العام.
يقول سوجاتو سين، مدير مجتمع مصنعي السيارات الهندية في نيودلهي: (إننا لا نستطيع أن نعتمد على المجال الخدمي فقط في ظل وجود مليار نسمة يجب علينا إطعامهم، فنحن بحاجة إلى التصنيع، وهو ما تدركه الحكومة حاليًا، وصناعة السيارات هي واحدة من أهم الصناعات التي تستطيع أن تحدث فرقًا).
وعندما رأت شركة نوكيا للهواتف المحمولة أن الوقت قد حان لبناء مصنع لها في الهند حدث شيء أثار فضولها، وهو أن العديد من طلباتها لاستكشاف أفق الاستثمار لم يتم الإجابة عليها، بعكس أي مكان آخر في العالم؛ فإذا أرادت أكبر شركة تصنيع هواتف محمولة في العالم أن تنشئ فرعًا لها في أي دولة فنجد أن السياسيين يصطفون على الفور لتلبية مطالبها أملاً في الفوز بذلك الجواد الرابح في السوق العالمي وما يستتبعه من أرباح اقتصادية كبيرة.
ولكن في الهند لم يردوا على طلبات الشركة في البداية، وحتى بعدما استجاب بعض المسؤولين فإن شركة نوكيا وجدت أن أمامهم وثائق كثيرة كلها يجب أن تكون مدموغة وثلاث نسخ لكل وثيقة.
وبعد فترة اتصلت شركة نوكيا بمكاتب ولاية تاميل نادو بجنوب الهند، وهنا وجدت استجابة من المسؤولين المحليين الذين عاودوا الاتصال ثانية وبسرعة تم عقد لقاء، ولم يمض وقت طويل حتى وقعت نوكيًا عقدًا مع الولاية وافتتحت أول مصانعها في الهند، وأصبح فرع الهند أسرع الفروع افتتاحًا في تاريخ الشركة.
فقد حاولت الهند التي دخلت العولمة إبعاد نفسها عن الروتين الحكومي والبيروقراطية التي أورثتها إياها بريطانيا التي ظلت الهند تقتفي أثرها لعدة عقود، وقد أصبحت ولاية تاميل نادو أنموذجًا في التخلص من البيروقراطية.
ولا تزال الهند لديها تتمتع بسجل حافل بالروتين الحكومي أكثر من أي دولة أخرى في جنوب آسيا، طبقًا لأرقام مؤسسة التمويل العالمية، وتقبع في الربع الأخير من لائحة المنظمة كأسهل المناطق لإجراء الأعمال.
ولكن تاميل نادو من ضمن أولى المناطق من بين حفنة من الولايات الهندية التي اتخذت أجرأ الخطوات لتصبح صديقة للمستثمرين، كما يؤكد المسؤولون التنفيذيون والخبراء.
يقول ت.س.ر. سوبرامانيان، الذي كان يعمل كمستشار سابق في مركز التجارة العالمية بجنيف: (تلك الولايات قد تعلمت تلك المهارات الآن)، التي لا تعد مهارات ثورية في دنيا العولمة.
وقد ظلت الولاية على قمة صناعة الكهرباء بالهند؛ ما يعني أنها تستطيع إمداد طاقة يمكن الاعتماد عليها، بعكس ولايات الشمال، كما قامت بإنشاء طرق سريعة وحدثت من مينائها وهاجمت الروتين الحكومي بمقصات كبيرة بحجم الصناعات ذاتها.
ففي الهند فإن الشركات الأجنبية بحاجة إلى تصريحات مما يقرب من 70 مكتبًا وسلطة فقط لفتح أعمالهم؛ ما يمكن أن يستغرق ثلاثة أشهر أو أكثر.
ولكن تاميل نادو وبعض الولايات الأخرى أنشأت ما يمكن تسميته (تصريح النافذة الواحدة)، وهو مركز واحد فقط لكل تصريحات الأعمال المطلوبة.
وتلك هي بعض الأسباب التي جعلت من شركة ماهيندرا الهندية لتصنيع السيارات تختار تاميل نادو عندما أرادت أن تبني منشأة صناعية لها، وذلك لتمتعها بتخفيضات ضريبية وبنية تحتية أفضل، كما جذبت تلك المنطقة شركة بي إم دبليو وشركة إنفوسيس عملاقة التقنية الهندية التي تمتلك أكبر مجمع في العالم لتطوير البرمجيات.
وقد صرح أنيتا أرجونداس، كبير مسؤولي العمليات ب (المدينة العالمية) لشركة ماهيندرا التي تقع خارج شيناي قائلا: (إن المشروعات بتلك الطبيعة العالمية تتطلب دعمًا من مسؤولي الولايات لتحسين مصداقيتها وأيضًا لضمان وجود عمليات سهلة وخالية من التعقيد).
وهناك مقياس آخر لنجاح تاميل نادو، وهو الطريق السريع الذي يمتد من شيناي إلى مصنع نوكيا في سريبيرومبودور.
والمدهش ليس فقط الطريق وحده، ولكن المشاهد الجميلة.
فقيادة السيارة عبر الطريق الممتد لثلاثين دقيقة يأخذ المسافرين عبر ما لا يقل عن 10 كليات للهندسة، إحداها مصممة على صورة (تاج محل).
فقد تم اتخاذ قرار تاريخي منذ عقد من الزمان لبدء التعليم الخاص الذي أدى إلى إنشاء 660 مؤسسة للتدريب الصناعي، و250 كلية للهندسة، و234 كلية للعلوم الفنية والتطبيقية.
ويقول راجان أناندان، نائب رئيس شركة (دل) بالهند: (إن معيار الموهبة وغزارتها) كان سببًا أساسيًا في أن شركة (دل) قررت بناء أول مصانعها هنا.
ولكن استجابة تاميل نادو السريعة كانت هي التي أدت إلى إبرام الصفقة.
فيقول أناندان إنه عندما عبرت (دل) عن قلقها من أن مساحات الأراضي لها وللشركات المعاونة لها التي تمدها بلوحات المفاتيح والشاشات وخلافه صغيرة جدًا، قام المسؤولون بتخصيص قطعة كبيرة من الأرض لنا.
وفي السابق لم تكن الحكومة هي دائمًا التي تتخذ المبادرة، ولكن يقول ك.
راجارامان وزير الصناعة للولاية: (إننا نركز الآن على ملاحقة المستثمرين، وليس مجرد الانتظار حتى يأتوا لنا).
وهذا يعني أنه عندما اتصلت شركة نوكيا، فإن تاميل نادو أجابت.