* إعداد - وليد الشهري
ماذا يمكن أن يصنع الإنسان إذا ما واجه عاصفة ومذهباً فكرياً متعصباً وجاحفاً ببقية البشرية من حوله وهو يقف ساكناً لا يقوى على الحراك للوقوف في وجه هذا الطغيان والشذوذ في الفكر والعقيدة؟؟. الولايات المتحدة الأمريكية رغم ضخامة أجهزتها الأمنية ومراكزها الاستخباراتية إلا أنها تواجه مخاطر جمة من قبل نشوء العديد من المذاهب والعقائد الجديدة التي غالباً ما تكون عنصرية متعصبة ومتطرفة إلى أبعد ما يكون التطرف والعصبية والتمييز العرقي بين أبناء البشر.
وقضيتنا لهذا الأسبوع ستتحدث عن شخصية لطالما كان وجهها غلافا لمعظم المجلات وبرامج البوليس الواقعية لما تحمله هذه الشخصية من عينين تمثلان خلاصة الشر والحقد، وهي شخصية (تشارلز مانسون) القائد الروحي لعائلته المجرمة.
البداية
قبل أن نتكلم عن شخصية هذا المجنون لا بد أن نوضح أن تشارلز مانسون لم يقاضَ يوماً بسبب جريمة قتل مباشرة بل حُكم بدلائل ظرفية ومادية مختلفة أدت إلى إدانته على الرغم من يقين المحققين بتسببه في قتل وذبح عشرات الأشخاص، ويتوقع أن يخرج هذا المجرم المجنون سنة 2007 لانقضاء المدة التي حكم بها، ولكن هذا يبدو مستبعداً؛ إذ يجب عليه الوقوف أمام لجنة إطلاق السراح المشروط التي بالتأكيد اعتمادا على تاريخه وماضيه لن تقوم بإطلاق سراحه مطلقا، ومن المرجح أن يرجعونه إلى زنزانته التي خرج منها ليتعفن فيها حتى يموت.
بالطبع شخصية مثل مانسون لم تكن لتحظى بالحياة المثالية أبدا فقد ولد تشارلز ميلز مادوكس (وهو اسمه الحقيقي) من أم شابة تبلغ من العمر 17 سنة فقط تدعى كاثليين مادوكس، وقد عرف عنها مجونها كمدمنة لشرب الكحول وامتهانها الدعارة كمكسب للرزق. وبعد فترة وجيزة قامت أمه بالزواج ولم يستمر زواجها طويلاً حتى قامت بإيداع ابنها إحدى المدارس الخاصة للبنين التي لم يستمر فيها طويلاً حتى هرب خارج أسوارها قاصداً أحضان أمه الضائعة.
ولكن أمه صدت عنه غير مهتمة بما يحدث له فهجرته إلى مكان لم يعرف عنه شيئاً حتى الآن، هذا إذا لم يكن مانسون قد قضى عليها كضحاياه الذين سنسلط عليهم الضوء في موضع متأخر من قضيتنا هذه. ولم يكن أمام مانسون سوى طريقة واحدة للبقاء على قيد الحياة.
طفولة الشوارع
قام مانسون باتخاذ الشارع بيتاً له، ومن الأزقة غرفاً للنوم، ومن السطو والجريمة مكسباً للعيش كأفضل بيئة معيشية له بحكم الظروف التي كان يعيشها. بالطبع لن يصفو لمثل هذا الجو طويلاً، وهو ما أدى به إلى قضاء الكثير من الوقت في السجن. وما أن بلغ الـ(17) عاماً حتى كان قد قضى أكثر من نصف عمره خلف القضبان. وفي عام 1955م قام مانسون بعد خروجه من السجن بالزواج من فتاة تعيسة الحظ لم يتجاوز عمرها 17 عاماً وانتقل معها إلى كاليفورنيا. ولم يمض وقت طويل حتى حملت زوجته، ولكنه لم يصبر كثيراً فعاد إلى طريق الإجرام حيث امتهن سرقة السيارات، وفي العام 1956م زج به في السجن بعد أن تم القبض عليه بسبب جنح متعددة.
وظل زائراًً منتظماً للسجن، وفي ظل فترات خروجه المتعددة التي غالباً ما تكون تحت إشراف ومتابعة الشرطة والمراقبين امتهن العديد من المهن القذرة كالسرقة والدعارة وكل ما كان يوفر له المال والسيولة السريعة وصولاً إلى توزيع الشيكات المزورة التي أدت إلى إيداعه السجن عشر سنوات في سجن جزيرة ماكنيل المحصنة التي بدأت تظهر فيها المشاعر المظلمة والشريرة التي تسكن داخل روح هذا الشخص الخبيث، فكان أول جرم يرتكبه هو اغتصاب زميل له في السجن مهدداً إياه بواسطة موس للحلاقة، وكان خلال عشر سنوات يتعلم قراءة الموسيقى وتعلم العزف على الجيتار خلال فترة السجن.
نضوج الروح الخبيثة لمانسون
وبعد خروجه سنة 1967م وتحديداً في 21 مارس ما كان أحد يتوقع أن يصبح مانسون من أشهر الشخصيات في تلك الحقبة على مستوى العالم بفعل جرائمه المخيفة. وبعد سنة من خروجه انضم مانسون لعدد من الحملات العقائدية الحديثة والمتخلفة التي اختص بعضها بالتمييز العنصري والعصبية الوطنية، وكانت فترة الستينيات خصبة لنشوء مثل هذه الحركات التي ظلت نشطة حتى يومنا هذا.
وكان مانسون أيضاً يحضر بعض المحاضرات في الكنائس ليسمع عن أهوال يوم القيامة ونهاية العالم ومعركة (هرمجدون) التي ستحدث بين قوى الخير وقوى الشر في آخر الزمان والتي كانت كفيلة بتحويل قواه وأفكاره الشريرة ومحورتها في اتجاه واحد وهو القتل لسبب، فما كان مانسون سيتورع أبداً في أن يقتل إنسانا منذ البداية فما بالك إذا أصبح لديه سبب يبلغه بقدرته على القتل لإنقاذ الأرض بحسب المعتقدات المنحرفة لبعض الحملات التي ذكرناها مسبقاً. كما أصبح مدمناً للمخدرات وبخاصة مخدر (LSD) المهلوس وأنواع من فطر الهلوسة. وكان في العام 1967م قد كون عدداً من الأتباع حوله الذين يحملون نفس الفكر العقائدي المنحرف ولجؤوا إلى مزرعة مهجورة بمدينة سان فرانسيسكو وتحديداً في وادي سان فريناندو. وكان أتباعه يبلغون المئة تقريباً، وكان من بينهم فتيات صغار في السن يؤمنّ بما يقوله مانسون بأنه المسيح وبتنبؤاته حول قيام حرب عرقية في العالم.
انطلاقة تنبؤات مانسون المرعبة
وكان مانسون حاقدا على مجتمعه الذي كان قد أدار ظهره له في شدة عوزه له وأراد الانتقام، فجمع حوله أشد أتباعه ثقة وشراسة للقيام بخطته الأولى، وكانت في العام 1969م، وكان أول سلسلة الضحايا ضيوف لمنزل المخرج الشهير رومان بولانسكي، وكان من بين القتلى زوجته شارن تايت التي كانت وقت وقوع الجريمة في شهر حملها السابع.
ومن ثم أمر مانسون في اليوم التالي بالقيام بهجوم دموي آخر هذه المرة على منزل الزوجين لينو لابيانكا وزوجته روز ماري. وعندما تفحص المحققون مسرح الجريمة الأولى تبين لهم أن القتلى خلوا من السيد رومان بولانسكي الذي كان وقتها في العاصمة البريطانية لندن لتصوير فيلمه الجديد ولم يجد المحققون أي دليل لاشتراك مانسون في عمليات القتل تلك، ولكنهم كانوا على يقين بأنه كان يترأس العملية ويطلق إرشاداته لوحوشه في عمليات قتلهم.
وكان أغلبهم قد قتل أما طعناً بالسكين أو بالرصاص ومن بينهم السيدة تايت التي قتلتها سوزان اتكينز التابعة لمانسون حيث قالت لتايت وهي تطعنها في بطنها (انظري أيتها السافلة أنا لا ملك أي رحمة لك وأنت الآن ستموتين وعليك أن تعتادي على ذلك).
وبعد ذلك قاموا بفعلتهم الثانية بالزوجين لينو لابيانكا وروز ماري. ولبيان فظاعة ما قاموا به وجد المحققون واحدة من الضحايا قد سحبت نفسها للخارج فينتبه لها القتلة ويطعنونها حوالي 28 طعنة في الصدر والظهر لتلفظ أنفاسها بوحشية غير مشهودة من قبل.
يوم القبض عليهم
وأسماء القتلة المختارين من قبل مانسون هم تشارلز واتوسن، وسوزان واتكينز، وباتريشيا كرينوينكيل، وليندا كازبيان. والأخيرة كانت قد فلتت من عقوبة السجن بعد أن منحت الحصانة لموافقتها في أن تكون شاهدة رئيسية للقضية.
وكانت جرائمهم على قدر كبير من العنف والبشاعة فلم يتركوا طفلا ولا فتاة ولا عجوزا إلا وقتلوهم جميعاً. كما كان هناك عدد من المشاركين في هذه الجرائم لا يتسع المجال لذكرهم لكن سنبقي على ذكر أهمهم.
وكانت الشرطة قد قبضت على المجرمين في نفس الليلة بتهمة أخرى ليس لها علاقة بجرائمهم التي قاموا بها بل لعبثهم بالممتلكات العامة، ولولا اعترافات اتكينز داخل الزنزانة التي كانت في حالة ذهنية غير مستقرة غالباً وهي الوحيدة من بين القتلة التي أكدت على عدم ندمها في جرائمها التي قامت بها وأنها مستعدة لتكرارها متى ما طلب مانسون ذلك منها.
بدأت المحاكمة الكبيرة التي شهدها معظم العالم سنة 1969م في الثامن عشر من شهر نوفمبر، وتوصلت في نهايتها بأحكام الإعدام على القتلة باستثناء كازبيان التي كانت شاهدة ومتعاونة مع الشرطة والمباحث الفيدرالية خلال المحاكمة، ومن المصادفة أن ولاية كاليفورنيا قد منعت أحكام الإعدام في الولاية وأسقطتها عن كل المحكومين السابقين ومنهم بالطبع المتوحش مانسون الذي ينتظر الإفراج عنه خلال الأيام القليلة المقبلة، وهناك احتمال، وإن كان ضئيلاً، أن يكون قد تم إطلاق سراحه وأنت تقرأ هذه الصفحات.