* إعداد - محمد الزواوي
اتسم أسلوب الرئيس بوش تجاه إيران مؤخراً بنبرة التصعيد، وتزامن هذا التصعيد مع إرسال أمريكا أنظمة دفاع جوي من طراز باتريوت وحاملة طائرات ثانية إلى الخليج العربي، وكل ذلك دلائل متزايدة على أن إدارة بوش تبدو راغبة في حل الأزمة النووية الإيرانية بضربة عسكرية وقائية، حيث ينذر التوتر في العلاقات الأمريكية الإيرانية بالدخول في طور الانفجار.
ولكن هذا التصعيد يقلق الكثيرين داخل الولايات المتحدة، وخاصة موجهي الرأي العام في الإعلام الأمريكي، الذين يرون في مثل هذا التوجه نذر خطر على المصالح الأمريكية في المنطقة.
وفي هذا الاتجاه نشرت صحيفة كريستيان سيانس منيتور الأمريكية تحليلا أعده باحثون من جامعة ستانفورد انتقد فيه معدو التقرير توجهات الإدارة الأمريكية لتوجيه ضربة إلى إيران، واصفين مثل هذا الموقف بأنه سيؤدي إلى تقوية المتشددين داخل النظام الإيراني، وسيتيح لهم فرص الحصول على تعاطف الرأي العام الإيراني والرأي العام الإسلامي خارج إيران؛ ما يشكل خطورة على الموقف الأمريكي الذي يترنح مسبقا من مغبة تورطه في العراق.
افتتحت الصحيفة تحليلها بقولها إن وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس ربما كان محقًا عندما صرح مؤخرًا بأن إيران (تتصرف بصورة سلبية للغاية) في الشرق الأوسط؛ فهي في نظر الولايات المتحدة تدرب حزب الله وحماس وتدعمهما، كما أنها تمد الميليشيات الشيعية في العراق بالدعم والمتفجرات لكي يهاجموا الجنود الأمريكيين هناك.
ولكن الأكثر إقلاقًا للولايات المتحدة هو أن إيران تبدو عازمة على تطوير القنبلة النووية, الأمر الذي يشكل تهديدًا كبيرًا على المنطقة كلها، وخاصة إسرائيل. وبالإضافة إلى ذلك تعتقد أمريكا أن المسؤولين في طهران يمثلون خطرا على مواطنيهم، وبخاصة الجماعات المؤيدة للديمقراطية.
ورغم ذلك تقول الصحيفة إن الهجوم على إيران لن يزيل أيًا من تلك المخاطر، بل قد يفاقمها؛ وذلك لأن الضربة العسكرية قد تفشل في حين أن سياسة الاحتواء والمفاوضات الشاملة قد تنجح في الوصول إلى حل.
ويعتقد معدو التحليل أن الرئيس محمود أحمدي نجاد، بخلاف نظرة الولايات المتحدة التقليدية إليه، ليس هو المسؤول الأقوى في إيران، كما أنه ليس الأكثر شعبية بين الشعب الإيراني.
فالنظام الإيراني ليس متوحدًا خلف أحمدي نجاد وسياساته، ولكنه منقسم ومتشكك حول أي من الأجنحة المتصارعة على النفوذ سيكتب له النجاح. فصاحب النفوذ الحقيقي في إيران في نظر كاتبي التقرير هو القائد الأعلى آية الله علي خامنئي، ولكن بسبب صحته المعتلة دخل خلفاؤه المحتملون حلقات من الصراع لخلافته.
ويقف في أحد جانبي هذا الصراع أحمدي نجاد في تحالف مع مجموعة من قادة الحرس الثوري وقادة الباسيج (ميليشيات النظام).
وحماقته، ويشمل هذا التحالف الجيل الجديد من الشباب ورجال الأعمال والتكنوقراط والإصلاحيين وحلفاء الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني والمحافظين من حزب (المؤتلف) الإيراني.
وتتابع الصحيفة تحليلها بقولها إن أحمدي نجاد، بعد عام من تصاعد نجوميته،
بدأ يخسر صراعه على السلطة؛ إذ لم يستطع أن يحقق شيئًا من وعوده الانتخابية، سواء في مكافحة الفساد أو تحسين الأحوال المعيشية لغالبية الشعب من القوى العاملة
والفقراء؛ ما جعله هو وحلفاؤه يصابون بالهزائم في الانتخابات البلدية الأخيرة وفي
انتخابات مجلس الشورى الذي يتكون من ثمانين عضوا، ويتمتع بالنفوذ، ويناط به مهمة اختيار القائد الروحي القادم.
ويمضي التحليل في هذا الاتجاه ليقول إن أحمدي نجاد، من أجل إنقاذ شعبيته المتدنية، حاول صرف الانتباه عن فشله الداخلي بتحويل الأنظار إلى مغامراته الخارجية؛ فهو يعلم أنه ليس هناك من موقف يمكن أن يكسبه تعاطف الشعب الإيراني أكثر من ضربة عسكرية أمريكية ضد إيران.
ولذلك فهو يستهدف بتصريحاته المثيرة عن إسرائيل ومغامراته النووية استفزاز أمريكا لتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران، وهي الضربة التي يمكن أن تخلق ظروفًا مأساوية تتيح لجناحه الاستيلاء على كامل السلطات بالبلاد.
وتحذر الصحيفة الإدارة الأمريكية من أن مثل هذه الضربة العسكرية قد تقوي موقف المتشددين داخل النظام وتضعف قدرة المعارضين المحدودة أصلاً.
فإذا كان أحمدي نجاد يرحب بالحرب مع أمريكا في الوقت الذي يخشاها المعارضون الإيرانيون، ألا ينبغي أن يدفع ذلك الإدارة الأمريكية إلى أن تفكر مرتين بشأن التداعيات غير المقصودة لهذا التحرك العسكري المتوقع؟ وترى الصحيفة أن إيران، في
حالة نجاح أحمدي نجاد في دعم سلطته، ستكون أكثر سلبية في تحركه، بل ربما تتحرك بدعم لا نظير له من جميع شعوب العالم الإسلامي؛ لأن الضربة العسكرية الأمريكية سترفعه إلى وضع البطل.
ويذهب تحليل الصحيفة إلى أن مثل هذه الضربة من شأنه أن يؤدي إلى ازدياد طموحات جناح أحمدي نجاد لبسط هيمنته على المنطقة وأن يرفع معدل الدعم الإيراني للمنظمات الإرهابية وتركز الإرهاب والاستقطاب والعنف الطائفي في العراق ولبنان وفلسطين وأفغانستان.
ورغم أن كاتبي التحليل يريان أن القصف الأمريكي قد ينجح في تعطيل البرنامج الإيراني لصنع الأسلحة النووية لبعض الوقت، فإنهم يشيرون إلى أن النظام المتشدد في إيران، الذي سيحظى بدعم جديد، ربما يصبح أكثر جرأة في الحصول على الأسلحة النووية.
وقد تدفع الضربة الوقائية التي ربما تفتقد الشرعية الدولية إيران إلى الانسحاب بصورة كاملة من منظومة الحد من انتشار الأسلحة النووية، كما هدد بعض حلفاء أحمدي نجاد من قبل، في الوقت الذي ستغري فيه إيران حلفاءها الذين يجلسون خلف السياج روسيا والصين لدعمها بدون تردد.
ويطرح التقرير بديلا لهذا السيناريو، وهو أن تمارس الولايات المتحدة توجهًا أكثر ذكاء باحتواء عملاء إيران في المنطقة، مع عرض إجراء مفاوضات غير مشروطة مع إيران في جميع القضايا المصيرية.
فالمفاوضات الشاملة في رأي كاتبي التقرير يمكن أن تقدم إغراءات قوية، مثل رفع الحظر الاقتصادي وتقديم حزمة من الاستثمارات الأجنبية، وهي كلها أشياء أساسية لإقناع إيران بوقف عمليات التخصيب النووي.
وإذا ما رفض المتشددون الإيرانيون هذا العرض فعليهم مواجهة الشعب الإيراني الذي ستزداد ضغوطه ضد تعنتهم. وقد يكون مثل هذا النزاع الداخلي أفضل للمصالح الأمريكية من أن تتوحد الجمهورية الإسلامية ضد القوة الأمريكية المهاجمة.