|
وعدوان على خارطة الطريق..!!
|
مع كل عملية استشهادية في فلسطين المحتلة يتسابق الرئيس الامريكي وأركان حكومته الى التنديد بها واستعداء دول العالم على المنظمات الفلسطينية وبعض قيادات السلطة..
وتتصاعد وتيرة الموقف الامريكي المناصر لإسرائيل من خلال التصعيد غير المبرر في اتخاذ الكثير من الاجراءات المضرة بحقوق ومصالح الشعب الفلسطيني فضلاً عن الإضرار بعملية السلام.
* * *
وبافتراض ان الولايات المتحدة الامريكية طرف نزيه وعادل ويُعتمد عليه للتوصل الى سلام دائم وعادل في المنطقة يقوم على الاقرار بحقوق الشعب الفلسطيني والاتفاق على اقامة دولة للفلسطينيين الى جانب دولة اسرائيل..
فإن مثل هذا الافتراض مالم يستند من الولايات المتحدة الامريكية إلى تعامل متوازن بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي وعلى موقف واحد من كل الخروقات سواء من هذا الطرف او ذاك، فإن مثل هذا الافتراض لايكون له معنى ولا يعتد به لأنه بذلك يفتقر الى المصداقية والى الشعور بالمسؤولية.
* * *
وخلال فترة الهدنة بين الجانبين لاحظنا التزاماً في تطبيق ماتم الاتفاق عليه من جانب الطرف الفلسطيني فقط، فيما نكث الجانب الاسرائيلي بكل التزاماته وتعهداته وواصل عمليات الاغتيال والاجتياح وهدم المنازل والزج بالمزيد من الفلسطينيين في أقبية سجون العدو..
ولم يكن الموقف الامريكي من الصراع ومن التطورات المتلاحقة بين الطرفين مقنعاً او مثار ارتياح للفلسطينيين تحديداً، لأن جدية ومصداقية راعي عملية السلام في إلزام كل طرف بتطبيق ماتم الاتفاق عليه كانت مثار شك طالما ان الولايات المتحدة الامريكية تتعامل بمعيارين وتكيل بمكيالين في موقفها من الطرفين..
* * *
ولاشك ان شارون واعضاء حكومة الحرب في اسرائيل هم من اغتالوا الهدنة بين الجانبين بعدم التزامهم بإيقاف مسلسل قتل قيادات وكوادر ورموز المنظمات الفلسطينية، وهم دون غيرهم من استثمروا تعليق الجانب الفلسطيني للعمليات لمواصلة العدوان والاجتياح والاعتقال والقتل والتملص مما اتفقوا عليه..
وكنا نعتقد ان الادارة الامريكية بحكم متطلبات رعايتها للسلام في المنطقة وما قطعته على نفسها من وعود، ومن خلال مبادرة الرئيس بوش لعقد قمتي شرم الشيخ والعقبة، وماتم التوصل اليه من اتفاق بين الاطراف المعنية، كنا نعتقد انه لن يسمح لأي طرف بالتأثير السلبي على ماتم الاتفاق عليه، فإذا بنا امام موقف امريكي متعاطف مع اسرائيل يعيدنا الى حلبة الصراع بأكثر مما كان عليه ومن دون بارقة أمل بخارطة الطريق.
++
خالد المالك
++
|
|
|
رؤية نسائية لمستقبل العراق
|
* إعداد محمد الزواوي:
الوضع الأمني والسياسي والاجتماعي في عراق ما بعد الحرب، يثير الكثير من الجدل، ويدعو إلى طرح العديد من التساؤلات حول ما ستؤول إليه هذه الحقبةالحاسمة في تاريخ العراق الجديد، فهي حقبة التحديات، والاختبار الحقيقي لقدرات العراقيين ورؤاهم.
فالهم المتعلق بإعادة اعمار العراق ما زال يسيطرعلى أذهان أهل الرأي والفكر، وتصبح التحديات أكبر وأقسى حينما يتعلق الأمر بالمرأة ومشاركتها التي ظلت غائبة لفترات طويلة، كما أن الاضطرابات الأمنية وعدم الاستقرار حاليا اضطر الكثير من النساء للمكوث في منازلهن في وقت تتزايد فيه الحاجة لحضور فاعل للمرأة العراقية، في هذا الصدد شاركت مجموعة من العراقيات، صحافيات، وأكاديميات بآرائهن في هذا التحقيق، الذي نشرته صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور»، حول مستقبل المشاركة النسائية وضبابية الوضع الحالي بعد سقوط نظام صدام وانعكاساته على المرأة بشكل عام.
عشتار جاسم يساري تقف في مكتبها الضيّق في جريدتها «حابس بوز» وقد توقف المكيف الهوائي فجأة عن العمل، ودرجة الحرارة في الخارج تبلغ 54 درجة مئوية مما جعل الجو في الداخل خانقا، خاصة عندما يكون هناك العديد من الصحفيين الذين يتحركون في غرفة ضيقة تحتوي على محررين لأربعة صحف حديثة النشأة، ظهرت إلى الوجود في فترة ما بعد الحرب في بغداد، والسيدة يساري هي المرأة الوحيدة بين جميع المحررين.
وهناك صحفيات أخريات في العراق، ولكن حالة انعدام الأمن في فترة ما بعد الحرب أجبرت العديد من النساء العاملات على البقاء في المنازل، ولكن عشتار تستهين بذلك الوضع بعزم وتصميم، وقالت إن ذلك لن يوقفها بالرغم من أن أباها أو أخاها يرافقانها متى خرجت من المنزل، وهو الشيء الذي لم تألفه في فترة ما قبل الحرب.
وهي تقول: لا توجد أي فئة لها أي حق في أن تملي علينا ماذا نفعل حتى الآن، ولهذا نحن نصدر هذه الجريدة، فبعد ثلاثة أشهر من الإطاحة بنظام صدام حسين، تقلبت العراق بين قوى التجديد وقوى التمرد.
وفي خضم تلك الفوضى تريد بعض النساء أن تستغل الفرصة من أجل إحداث أثر في المجتمع بطرق لم تكن محتملة من قبل، وفي المقابل هناك البعض الآخر الذي فقط يريد أن يظل طافيا ولا يؤثر في تلك الأحداث التي جعلت من الحياة أصعب مما كانت عليه في ظل نظام حزب البعث، وهناك آخرون يشعرون بالقلق بعدما وجدوا أن العديد من الحريات بدت تتلاشى سريعا تحت ثقل العنف المستمر.
إعادة إحياء صحيفة
قال أحدهم موبخا صديقا حول عمليات النهب المستمرة في بغداد: لقد قلت لك في السابق أن تسرق، ولكنك اكثر عنادا من أن تستمع إلي! وفي مكان آخر مدح الناس جارهم الذي سرق مولدا كهربائيا ليشرك معه العديد من المنازل التي بلا كهرباء.
هذا النوع من السخرية الممزوجة بالانتقاد للأوضاع الاجتماعية يملأ صفحات واحدة من الصحف الساخرة الجديدة التي خرجت إلى شوارع بغداد، والصحف الساخرة تعد نادرة بين طوفان المطبوعات التي صدرت حديثا، تلك الجريدة هي «حابس بوز»، وهي جريدة أسبوعية ساخرة تتهكم على الحياة في ظل حكم صدام وفي فترة الاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة، كما أنها تعد حالة شاذة أيضا لأن مؤسسها ورئيس تحريرها امرأة هي عشتار اليساري وتبلغ من العمر 24 عاما.
وغالبية المطبوعات العراقية الجديدة تحاول أن تصلح الأمور، ولكن عشتار بدأت جريدتها بمهمة أخرى: وضع مرآة أمام المجتمع العراقي وإجبار الناس على الضحك على صورتهم المنعكسة في المرآة.
تقول يساري: طبقا للظروف التي نعيش فيها فإن كل شيء حولنا يبدو ساخرا، والوسيلة الوحيدة التي نستطيع بها الحياة هي أن نضحك على هذا الواقع.
لون صحفي جديد
وأحيانا تكون المشاكل الأمنية هي محور المقالات الجادة في الجريدة، وقد حكت عشتار في إحدى المقالات قصة رجل قبضت عليه المخابرات العراقية في أواخر عهد صدام وسجنته وعذبته لمدة عام ونصف العام، ثم بعد ذلك أطلقوا سراحه بعدما اكتشفوا أنهم قد قبضوا على الرجل عن طريق الخطأ بسبب تشابه اسمه مع شخص آخر.
وتفضل عشتار سرد مثل تلك القصص لأنها كانت في السابق عبارة عن همس في آذان الناس بين بعضهم البعض، أو ببساطة لم يكن يعلم بها أحد.
وتضيف عشتار: كل الصحف بعد سقوط بغداد كانت تعكس قضايا سياسية، ولكن جريدتنا تعكس إلى جانب ذلك المشاكل الاجتماعية، فقد كتبنا عن مشاكل المياه وخطوط النفط وحالات النهب، وكل ذلك لم يكن مسموحا به في الماضي.
تقول عشتار: ليس كل ما تعلمناه يمكننا أن نطبقه في الواقع، معترفة بأن الواقع أسوأ بكثير، ففي أثناء دراستها لتاريخ الإعلام تعرفت على تاريخ جريدة «حابس بوز» الأصلية التي كانت تصدر في الثلاثينيات، وفي دراسة ظروف إغلاق الصحيفة وجدت أن نظام الحكم قبل عام 1968م في ذلك الوقت رآها قد تجاوزت حدودها للغاية، وقد اكتشفت أنه كانت هناك تهمة لم تعد موجودة في الحياة العامة العراقية بعد الآن، وهي تهمة: عدم الوقار.
ولكن ربما كان أكثر شيء خدمها في مجال عملها هو سنوات الدراسة التي قضتها في أثناء الجامعة، وتدريبها في جريدة «الزوراء»، وقد قابلت هناك السيد عابد حسن عبدالكريم، وهو واحد من أشهر رسامي الكاريكاتير العراقيين، وعندما أفصحت له عن رغبتها في إعادة إحياء جريدة «حابس بوز» وافق على الفور على المساعدة، لأنه قدر رغبة عشتار في إزالة القيود والحواجز.
ويضيف عابد: معظم الرسومات التي أرسمها الآن لم أكن أستطيع رسمها في السابق، فقد كنت أشعر وكأن هناك شرطيا بداخلي.
قيود أمريكية
وتخشى عشتار من أن تؤدي القيود التي فرضتها القوات الأمريكية على الصحافة إلى إحداث عوائق في طريقها، وقد أرادت القوات الأمريكية بتلك القيود أن تحرم استخدام وسائل الإعلام العراقية في التحريض على العنف، ولكن عشتار تعتبرها صورة من صور الرقابة، وتضيف: إذا ما قام الأمريكيون بفعل أشياء خاطئة، فيجب على الناس أن يعلموا بذلك.
أما المحررون الآخرون في بغداد فيرون أن عشتار لديها شيء متفرد؛ يقول نعمة عبدالرازق، المحرر في جريدة الصباح: إن عشتار صحفية جيدة تعمل في مجال التحقيقات، ولكن الجريدة تتعامل مع الأوضاع بطريقة الإغراق في النكات، بصورة أكثر من اللازم، ولكن عشتار تأمل في أن تمد القراء بأكثر من مجرد الضحك.
وتقول: دائما هناك وسيلة ما بين السطور لتحذير الناس بأن الوضع قد أصبح مختلفا عما كان عليه في الماضي.
مأساة «علية»
قبل الحرب ألقت «علية خلف» نفسها في خضم حب جانح طالما كان جواز مرورها إلى عالم آخر: وهو حب الأدب الإنجليزي، ووقتها كانت تجلس في شقتها الصغيرة المواجهة لجامعة المستنصرية حيث تدرس الطلاب، ثم وصلت الحرب إلى غرفة نومها؛ فقد أطلق الجنود العراقيون صاروخا مضادا للطائرات على إحدى الطائرات، ولكنه اخترق سقف حجرتها واستقر مباشرة في قلب أختها نادية التي كان لها مستقبل أكاديمي واعد، وماتت على الفور، واستبدلت علية فستانها الملون بعباءة سوداء اللون رمزا للحداد على أختها لمدة عام، وقد كانت تستمتع بتدريس قصائد ومسرحيات شكسبير إلى الطلبة، ولكن تلك القصائد اتخذت نبرة أكثر إيلاما وبصفة شخصية إليها بعد موت أختها.
وكانت علية تقرأ من مسرحية هاملت لشكسبير، الفصل الثالث المشهد الأول: هل من الأفضل على العقل أن يعاني من القذائف والسهام الغاضبة، أم من الأفضل أن يواجه المرء طوفان المشاكل ويقاومها حتى النهاية؟
وتضيف علية موضحة لتلامذتها: إن هاملت قد تحطم الآن، فهو يتساءل ما إذا كان يجب عليه أن ينهي حياته أم لا، وتقول لهم انه من الأفضل أن نتحمل صعوبات ما نعلمه عن أن نواجه صعوبات وآلام ما لا نعلمه.
لهيب الصيف
وتصل درجة الحرارة في الفصل الضيق المليء بالطلبة إلى 46 درجة مئوية، وأخذت مروحة تدور فوق رؤوسهم ولكن بلا فائدة، وقد أدت الحرب إلى تجميد التعليم العالي لأكثر من شهرين، وبدلا من أن يدخل الطلاب الامتحانات في شهري أبريل ومايو حيث تكون درجة الحرارة معتدلة، جلس الطلاب يستمعون إلى المحاضرات في لهيب شهر يوليو، وتشير علية إلى أن هاملت أراد أن يلوم أوفيليا ويحملها مسؤولية مشاكله.
وتضيف: نحن نرى أنه يعتقد هنا أن كل النساء فاسدات وبلا أخلاق. قالتها في لغة إنجليزية سهلة ولكن بنبرة عالية، في حين كان الطلاب يستخدمون المراوح الورقية لتهوية أنفسهم.
ويبدو أن شيئا ما عن هذا الموضوع قد قفز من نصوص الأدب الإنجليزي إلى العراق في وضعها الحالي، ففي مجمع الطلاب ظهرت لوحات تحث النساء على ارتداء الحجاب، وتقول علية: إن الناس جميعا الآن قد أصبحوا أحرارا للدرجة التي لا تسمح لهم فقط بإبداء آرائهم، ولكن أيضا بفرضها على الآخرين.
وقد بدا أن طلاب «علية» يقدرونها ا لدرجة كبيرة، فأسلوب تدريسها يتعلق بالإلهام والإيحاء أكثر منه مجرد إملاء على الطلاب، والكثير منهم كتبوا خطابات تعاطف معها باللغة الإنجليزية، تعزية لها بسبب ما حدث لأختها.
الوضع الجديد
وعلية التي لا تزال تستكمل التحضير لنيل درجة الدكتوراه هي نوع من المدرسين المتميزين الذين يلتف حولهم الطلاب ليتحدثوا إليهم بعد انتهاء المحاضرة.
ولكنها ليست سهلة المنال، ففي ذات ليلة استوقفها أحد الطلاب عندما كانت تعطي المحاضرات بالليل ولكن الآن الوضع أصبح خطرا لفعل ذلك ليسألها أن تعطي لهم تلخيصا لما يمكن أن يكون عليه شكل الاختبار، ولكنها ردت عليه في حسم: لا، يجب عليك أن تقرأ الكتاب كاملا ثم بعد ذلك تأتي إلى الامتحان، قبل أن تنتقل إلى أسئلة الطالب الآخر من بين الطلاب الملتفين حولها.
يقول أحد الطلاب واسمه جورج نيكولا وهو من النصارى العراقيين، والذي يحضر دروسها في الشعر الإنجليزي: حتى لو طالبتنا بفعل شيء فإنها تفعل ذلك من أجل مصلحتنا، وقد اعتقدت أنها لم تتجاوز بعد محنة وفاة أختها، ولكن دهشت عندما رأيتها قادمة إلينا بعد بضعة أيام من وفاة أختها قائلة: يجب أن نبدأ فأمامنا الكثير من القصائد لنتعلمها.
ولا يزال أمام الجامعة الكثير من التغيرات التي يجب أن تتم، فالجامعة بحاجة إلى إصلاح مبانيها المحطمة بسبب الحرب وحالات النهب، كما يجب استبدال عناصر حزب البعث السابقين الذين كانوا يحتلون مناصب رفيعة بآخرين، كما تقول علية ان واحدا من أكبر التحديات هو إعادة الطلاب ثانية إلى التعليم الحقيقي بعد سنوات من الدكتاتورية التي كانت فيها المحسوبية والواسطة أهم بكثير من القدرات والكفاءات.
وتضيف: كما أن الرغبة والطموح إلى المعرفة لا يزالان محدودين بين الطلاب، فبعض الطلاب لديهم تلك الرغبة، ولكن الكثيرين يتوقعون أن نطعمهم المعرفة بالملعقة في أفواههم.
ويبدو أن كل شيء قد أصبح صعبا أمام علية، ولكن في عيون قلة من الطلاب، فإن علية قد وجدت أسبابا للاستمرار في عملها.
عودة إلى المحاماة
وفي الحياة الحقيقية لا يستطيع المرء أن يستعيد كل ما خسره، ولكن يمكن تعويضه بشكل آخر، فالمجرمون على سبيل المثال يمكن معاقبتهم، كما يمكن معاملة الناس بصورة متساوية أمام القانون.
وتلك كانت هي مبادئ السيدة زكية حقي عندما قررت أن تخوض في مجال المحاماة منذ نصف قرن مضى، كما كانت تلك المبادئ هي ما آمنت به عندما قررت أن ترحل عن الولايات المتحدة وتعود إلى العراق لإعادة بناء النظام القضائي في ذلك البلد الذي فرت منه في يوم ما.
وقد كانت السيدة زكية تعمل في بغداد كمحامية وقاضية لمدة عشر سنوات، ورحلت عن العراق عام 1996 بعدما دفعت رشاوى على هيئة سجاجيد فاخرة وبمساعدة أفراد من عائلتها الذين كانوا قد هربوا قبلها إلى الولايات المتحدة، ولكن بالنسبة للسيدة زكية فإن المعاناة بدأت منذ وقت أطول حتى قبل أن يأتي نظام حزب البعث إلى السلطة.
فعندما تخرجت في كلية الحقوق عام 1957 كانت واحدة من ضمن خمس نساء فقط في القاعة التي كان بها 350 رجلا، وبعد ذلك كانت دائما تمثل أقلية داخل أقلية.
وتقول: عندما تكونين أنثى فهذه جريمة ضدك، وعندما تكونين من أحد الأعراق فهذه جريمة أخرى، وعندما تكونين مذهبية فهذه جريمة ثالثة، أي ثلاث جرائم ضدها.
والآن تتعجب كيف استطاعت النجاح في أن تشق طريقها إلى مهنة المحاماة، واحتلت مكانة بارزة في السياسات الكردية العراقية.
وتقول وهي مبتسمة: ربما كنت شابة ولم أهتم بهذه الأخطار، ربما كنت أكثر جنونا من الآن وأرجعت ظهرها إلى الوراء وهي جالسة على كرسي فخم في أحد القصور الرئاسية العراقية السابقة.
وذلك المبنى الفاخر أصبح الآن مقرا للإدارة الأمريكية بالعراق، كما يحوي أيضا مقار الوزارات العراقية المؤقتة، وتقول: لم أكن أتخيل في أكثر أحلامي تفاؤلا أنني سأعمل في ذلك القصر في يوم ما. وزكية تعامل الجميع في حب وتستخدم مصطلحات تعبر عن الود في أثناء مخاطبتها للجميع.
وتعمل الآن السيدة زكية كمستشار لوزارة العدل التابعة للمجلس العراقي لإعادة إعمار العراق، وهو مجلس تموله الولايات المتحدة يتكون من عراقيين أمريكيين، وهي تراقب عملية اختيار القضاة الجدد وفريق الوزراء، وسوف تشترك في صياغة الدستور العراقي، والذي سوف يكون مسودة ثم ترسلها بعد ذلك إلى الشعب العراقي في استفتاء قبل الانتخابات.
وتتذكر السيدة زكية حالات التفرقة العنصرية ضدها من زمن الطفولة عندما كانت صغيرة، فقد كان هناك أحد الأسئلة الصعبة في حصة اللغة العربية، ولم يستطع أحد معرفة الإجابة إلا السيدة زكية، مما دفع المدرس بتوبيخ الطلبة الآخرين، قائلا: كيف سمحتم لفتاة كردية أن تجيب على هذا السؤال؟!
وفي الخمسينيات سربت زكية وثائق إلى السفارة الأمريكية حول معاملة الأكراد في العراق، ثم بعد ذلك اشتركت في الحزب الديموقراطي الكردستاني، أملا منها أن تلفت إليها انتباه الغرب.
وتضيف: لقد حاولنا أن نخبرهم أن هناك شعبا كرديا، ولقد أردنا أن نتساوى جميعا أمام القانون، وبعد ذلك أصبحت السيدة زكية قاضية، ومؤسسة ورئيسة اتحاد المرأة الكردية في منتصف السبعينيات، وأصبحت المرأة الوحيدة في قيادة الحزب الديموقراطي الكردستاني.
ولكن النظام وضعها قيد الإقامة الجبرية في منزلها، وبعد ذلك قامت هي وقادة آخرون من الحزب الديموقراطي الكردستاني بالهروب إلى إيران، وكانت تتذكر أنها لم تكن تريد أن تعيش على «إعانات»، فقالت لنفسها: فلأذهب إلى بغداد وأنال عقابي، وبعد عودتها لم تنخرط في النشاط السياسي بصورة كبيرة، وظلت سنوات تعمل في قضايا المرأة والقانون المدني، وعن طريق عملها استطاعت أن تعلم أن الصورة المرسومة لحزب البعث الاشتراكي ما هي إلا خرافة، مع شعاراته التي تدعو إلى إعطاء حقوق متساوية للمرأة؛ فالمرأة التي تقتل زوجها بدافع الغيرة والغضب تنال عقوبة الإعدام، أما الرجل في الموقف ذاته فسوف يتم تبرئته بحجة أنه «قتل من أجل الشرف»، كما أن المرأة لا تستطيع أن تنال حضانة أطفالها في حالة الطلاق، كما وافق نظام صدام حسين على قانون يسمح للرجل بأن يضرب زوجته، وعندما غادرت العراق منذ سبع سنوات، تشير حقي إلى أنها اضطرت لأخذ ابنها معها ليرافقها، فلم تكن تستطيع أن تسافر وحدها.
المساواة للجميع
وزكية تحمل معها أوراقا ووثائق كتبتها باللغة الإنجليزية، تحدد فيها الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه الحكومة الجديدة، فقد أرادت أن ترى نظاما فيدراليا يجمع بين العراقيين في الشمال والوسط والجنوب، وتوازنا في السلطات بين الأفرع المختلفة للحكومة، ومحكمة عليا تحكم الجميع، ويبدو أن النظام الفيدرالي سوف يخدم الأكراد أكثر من غيرهم، ولكن لم يتضح بعد إذا كانت الولايات المتحدة سوف تفضل النظام اللامركزي في السلطة أم لا.
وتضيف حقي: أنا هنا لست لأني كردية، ولكن لأني عراقية أعمل لصالح الجميع، وأنا أشكر هؤلاء الذين مارسوا التفرقة العنصرية ضدي، لأن ذلك جعلني أكافح وأقاتل من أجل المساواة للجميع.
ويقول دونالد كامبل، وهو قاض من المحكمة العليا في ولاية نيوجيرسي ويعمل في العراق مستشارا لوزارة العدل، إن زكية تحمل سلطات غير عادية كامرأة عراقية أتت من الولايات المتحدة، ولكنها في الوقت ذاته امرأة لم تقض معظم حياتها في منفى اختياري.
ويضيف: هناك بعض المقاومة من جانب العراقيين الذين بقوا في العراق ضد هؤلاء الذين جاءوا من الولايات المتحدة ليتخذوا دورا فعالا، ولكنها لديها مصداقية هائلة، وهي ليست أقل من أسطورة عراقية بسبب نشاطاتها السياسية كامرأة تخرجت في النظام القضائي السابق هنا في العراق، فقد عاشت في الولايات المتحدة ويمكنها أن توضح للعراقيين شكل النظام الذي نريد جلبه لهم، فزكية تحمل خبرات العيش في ظل كلا النظامين، وبالرغم من أن الحياة خطرة هنا في العراق، فإن زكية تقول إنه من الأخطر أن تجلس سلبيا وتشاهد الناس وهم يفقدون السلام، وتتذكر عندما أتى نظام حزب البعث إلى الحكم عام 1967، فقد تم إعدام عشرات الأشخاص في ميادين بغداد.
وتضيف: لم يتساءل أحد: ما هي جريمتهم؟ أو أين تمت محاكمتهم، فبالنسبة لي كان ذلك يعني أننا نحن العراقيين من صنعنا هذا الطاغية صدام حسين، لأننا بقينا صامتين.
السياسية الصاعدة
لينا عبود ليست من النوع الهادئ، بالرغم أنه من السهل أن تظنها كذلك؛ فهي ناعمة الحديث، واثقة رزينة، وتبدو أنها تتمتع باتزان وهدوء جاكلين كينيدي في شبابها، ولا يمكن أن تظن أبدا أنها تتمتع ببسالة السياسي الذي يعاني الصعود والهبوط في حياته السياسية.
وبعد شهر واحد من نهاية الحرب ساعدت السيدة لينا في تنظيم أول مظاهرة تجمع النساء اللاتي يطالبن الولايات المتحدة بفعل المزيد لتحسين الأمن في بغداد.
وقد تقابل بول بريمر، مسؤول الإدارة الأمريكية في العراق مع بعض قادة المظاهرة، وبينهن ظهرت لينا كواحدة من أفصح وأنشط النساء كما وصفها المسؤولون الذين يعملون مع بريمر في سلطة التحالف المؤقتة، وتم إدراجها من ضمن المرشحين لمجلس الحكم العراقي، وتم تعيينها بالرغم من أنها لم ترشح نفسها، فقط كان هناك ثلاث نسوة جلسن في هذا المجلس، وهو ما يعد خيبة أمل للأصوات النسائية في العراق التي طالبت بوجود 30% من النساء في الهيئات السياسية.
ويقول تشارلز هيتلي المتحدث باسم مجلس الحكم الانتقالي: لقد كنا نحاول أن نوسع من علاقاتنا ولقاءاتنا من أجل إدراج النساء، وفي آخر مرة حضر قليل منهن، ولكن السيدة لينا برزت كواحدة من النساء الفصيحات للغاية، ومن المؤكد أنها لم تخش الموقف أو تهابه، ومن الأفضل مقابلة لينا قبل أن تعود إلى منزلها بعد يوم طويل من العمل، وقبل أن يبدأ حظر التجوال في الحادية عشرة مساء، فعندما لا تكون لينا تناقش سياسات فترة ما بعد الحرب، فإنها تعمل كطبيبة في عيادة في واحدة من أفقر مناطق المدينة، وتقوم بعمل جولات طوارئ في مستشفى في حي آخر.
ولينا لديها أفكار واضحة عن كيفية التحرك تجاه حكومة عراقية انتقالية، وتقول: إنه من الصعب أن ننشئ حكومة ونجعلها تستمر، لأنه لا توجد موافقة عامة على شكل تلك الحكومة، وبالنسبة للوقت الحالي فإن وضع مجلس سياسي كهيئة استشارية يعد خطوة جيدة، طالما أننا سوف نعقد الانتخابات سريعا في خلال عام على الأكثر.
الأمن قبل الديموقراطية
ولينا يمكن أن تكون بمنزلة الجسر بين العراقيين الذين يقولون إن سلطات الاحتلال يجب أن تسلم السلطة إلى العراقيين بأسرع وقت، وبين أولئك الذين يقولون إن العراق ليست مستعدة بعد لتحكم نفسها، فتقول لينا: الديموقراطية يمكن أن تكون أهم شيء، ولكنها ليست كل شيء، فهناك العديد من المباني التي دمرت، كما أن الاقتصاد قد انهار، ونحن بحاجة إلى اتخاذ خطوات حقيقية تجاه إعادة بناء تلك الأشياء أولا.
وفي أثناء سنوات طفولتها اعتادت لينا على ألا تقوم بنشاط كبير وذلك لأن عائلتها كانت تتنقل كثيرا، ففي عام واحد عاشت عائلتها في خمسة أماكن مختلفة، وأبوا لينا كانا من المعارضين لنظام صدام حسين، وظلا يتنقلان فرارا من المضايقات والاعتقالات من الشرطة السرية العراقية.
وتضيف متذكرة: لقد كان الأمر رهيبا فقد كانوا في أعقابنا طوال الوقت، والآن فإن العراقيين يعيشون في نوع آخر من الخوف، والنصيب الأكبر كان من حظ النساء، فقد تراجعت الحريات حتى فيما يتعلق بأبسط الأشياء التي تقوم بها المرأة، وتضيف: أهم شيء هو جلب الأمن للناس، وجعل العالم يستمع لأصوات المرأة العراقية التي في الداخل، وليس فقط النساء العراقيات في الخارج، مشيرة إلى العراقيات اللاتي كن يعشن في الخارج.
وقد أدت الجريمة وأعمال العنف المضادة لقوات التحالف إلى جعل العديد من الرجال يصرون على أن المرأة يجب أن تبقى في المنزل، وأحياء بغداد تعج بالإشاعات التي تتحدث عن الاغتصاب، وكان يجب على لينا في النهاية أن توافق على أن يصاحبها أبوها أو أخوها إلى العمل.
وتأمل لينا في أن توفق في الضغط من أجل تحسين الحياة للنساء العراقيات الفقيرات، وأن تستطيع الحصول على حماية متساوية مع الرجال أمام القانون، وتضيف: إن المرأة البسيطة في المناطق الريفية تعاني بشدة، فهي تواجه العنف، كما أننا نحتاج إلى شيء بسيط آخر، وهو أننا لا يوجد لدينا مركز أو مأوى للنساء العراقيات اللاتي يعانين من العنف يمكنهن اللجوء إليه من أجل المساعدة.
ففي ظل نظام صدام حسين لم يكن هناك متنفس للقيادة خارج نطاق حزب البعث، وتقول لينا: الآن أنا أشعر أنني أستطيع أن أفعل شيئا للمرأة العراقية ومن أجل بلادي، وتقول انها إذا ما دخلت في الحلقة السياسية فإنها تتوقع مواجهة بعض التحديات.
وتضيف: إن الأمر صعب بالنسبة لمجتمعنا لأنهم يرون أن المرأة يمكن أن تكون طبيبة عائلة على سبيل المثال، ولكن من المستحيل أن يروها على أنها يمكن أن تعمل كطبيبة جراحة في مجال القلب المفتوح مثلا، فهم لا يؤمنون أن المرأة تستطيع أن تفعل شيئا من ذلك.
أهل الفن
من جانبها، تأمل مايسة جومار في الشيء ذاته، وهي واحدة من أشهر الممثلات في بغداد، تلك المدينة التي كان لها نشاطها المسرحي المميز قبل الحرب، ولكن مجيء الحرب قد أسدل الستار على كل ذلك، وفي المنزل في المساء وهي تجلس في الظلام المعتم في البيت المزدحم بأختها وأمها وزوجها لاعب كرة القدم في المنتخب العراقي، تقول جومار ان العرض المسرحي لن يبدأ إلا إذا تحسنت الأحوال الأمنية، وتقول: نحن نعيش في مجتمع شرقي، وهنا ينظرون إلى الفنانة بطريقة مختلفة و سلبية.
والمسرح ليس شائعا للغاية في هذه البقعة من العالم العربي، وكانت أفكار حزب البعث العلمانية قد أعطت مساحة لبعض أنواع الفنون للازدهار، ولكن بسبب أن الحكومة كانت تدعم هذه المسارح فكان بعض العراقيين ينظرون إلى الممثلين على أنهم موالون لنظام صدام حسين.
وفي آخر مرة خرجت فيها جومار من المنزل غطت شعرها المصبوغ بلون أصفر فاقع بحجاب، ولكن تم إيقافها بالقرب من مظاهرة للجنود العراقيين الذين تم تسريحهم من الخدمة، وتضيف: لقد تعرف عليّ الضابط وكانوا يضربون السيارة بشدة ويقولون: أخرجي وساعدينا على أن تصل أصواتنا إليهم، فأنت فنانة معروفة. لقد كنت خائفة، والناس لا يدرون كيف يعبرون عن حريتهم، لأنهم لم تكن لديهم فرصة للتعبير عن ذلك من قبل.
وقد هربت العديد من الممثلات المشهورات من البلاد، في حين يعتقد أن ممثلة أخرى اسمها رنا شاكر قد قتلت، وقد فكرت جومار نفسها في الرحيل، وتقول: من المستحيل بالنسبة لفنانة أن تعمل في مثل هذه الظروف، فمنذ بدء الحرب تغيرت المقاييس المعيشية، كل شيء قد تغير، وقد كان من الصعب عليها أن تقول ان الأمور قد تغيرت إلى الأفضل، في الوقت الذي كانت تجلس فيه في بيتها في المساء، في الظلام الحالك ليلة بعد أخرى، ولكن بالرغم من ذلك فإن الحياة تدب في مسرح بغداد القومي في العراق، فهناك يتقابل الممثلون والمخرجون، يزيحون الزجاج المكسور والحطام المنهوب جانبا، من أجل مناقشة عمليات إنتاج الأفلام في المستقبل، كما تستعد الفنانة منى السفر زميلة جومار لبطولة مسرحية جديدة تتألف من ممثلة واحدة، وسوف تمثل فيها خمس شخصيات تكافح من أجل العيش في ظل الحرب، وقد تعرضت الممثلة منى أيضا إلى حادث آخر، وهي أيضا شقراء، فقد كانت تمشي في السوق فاستوقفها رجل وأخرج مطواة من جيبه ودسها في بطنها.
وتضيف: قال لي: ألست أنت التي كنت تمثلين في النظام السابق؟ فهم يظنون أننا من حزب البعث وقد استخدمت منى مهاراتها في التمثيل لكي تخرج من تلك الورطة التي كان يمكن أن تطعن فيها بالمطواة، وكان يجب عليها أن تتشاجر مع عائلتها ليسمحوا لها بالتمثيل، وقد توسلت إلى أحد أعمامها لكي يأخذها إلى المسرح حينما كان مقررا أن يذهبوا إلى حديقة الحيوانات، ولكن يبدو أنها لم تكن تستسلم بسهولة، وتضيف ضاحكة وهي تقلد لهجة شوارزنيجر: أنا أحب الإثارة التي تكون في المسرح، أنا لست خائفة، أنا مثل أرنولد شوارزنيجر، وهي لن تستسلم للضغوط من أجل الابتعاد عن المسرح.
العراق الجديد
في ظل حالة عدم الاستقرار في عراق ما بعد الحرب، فإن ذلك الوضع يعد اختباراً لصلابة العديد من العراقيين، ولكن التحديات تكون أقسى ضد المرأة، وبين ما تؤدي حالات العنف المستمر إلى إجبار بعض النساء على المكوث في منازلهن، فإن البعض الآخر يشققن طريقهن إلى الحياة العامة وينتهزن الفرص من أجل إعادة تشكيل وجه بلادهن.
وبالنسبة للكثيرين في عراق ما بعد الحرب، فإن العنف وانعدام الأمن يمثلان أكثر من مجرد مخاطر، ولكنها مخاطر من أنواع أخرى غير تلك التي كانت موجودة في ظل نظام صدام حسين، وفي تقرير نشر مؤخرا، تقول لجنة مراقبة حقوق الإنسان ان حالة عدم الاستقرار التي تضرب بغداد والمدن العراقية الأخرى لها أثر بارز يؤدي إلى التأثير سلبا على الحياة اليومية للنساء والبنات العراقيات، ويمنعهن من المشاركة في الحياة العامة في تلك الفترة الحاسمة من تاريخ بلادهن، وقد صرحت لجنة مراقبة حقوق الإنسان التي مقرها مدينة نيويورك أن غياب الأمن قد أدى إلى انتشار الخوف من الاغتصاب والاختطاف وجعل المرأة ملازمة لمنزلها، وهي مشكلة ربما يكون لها أثر عميق على كيفية عمل النساء العراقيات فيما يتعلق بدورهن في تشكيل العراق الذي يتغير سريعا يوما بعد يوم.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|