|
السياحة إلى أين؟!
|
مع بدء إطلالة الأيام الأولى من شهر ما يسمى بطباخ التمر..
حيث فصل الصيف اللاهب، وأكثر شهور السنة حرارة على مدى العام..
وحيث إجازة الطلاب والطالبات، وتزامنها مع استحقاق الموظفين بالدولة والعاملين بالقطاع الخاص لإجازاتهم..
ومع ما يصاحب ذلك من رغبة جماعية لدى كثير من الأسر في سياحة خارجية يشرّق بعضها ويغرّب بعضها الآخر..
يبدأ النفير أفراداً وجماعات، إلى بلاد الله الواسعة.
***
نفتش عن الأقرباء والأصدقاء في المدن التي يقيمون فيها..
فيقال: هذا في لندن، وذاك في باريس، والثالث في القاهرة أو دبي، بينما هناك من اختار أمريكا أو توجه إلى الشرق، فيما بقي خيار غير هؤلاء في السفر إلى إسبانيا أو سويسرا أو إلى غيرهما..
ولنا الحق في أن نتساءل: لماذا تكون رحلة الصيف وجهتها إلى خارج المملكة لا إلى داخلها، حيث تنوع الطقس في بلادنا من منطقة إلى أخرى، فضلاً عن الطبيعة في بعض المناطق التي توفر حداً مقبولا من متطلبات المهتمين بالسياحة وتلبي شيئاً من رغبات المصطافين الذين يقصدون المناطق ذات الطقس المناسب لقضاء إجازاتهم صيفاً؟
***
إن الطبيعة التي تتميز بها بعض مناطق المملكة، وما تتمتع به من طقس معتدل في الصيف، لا يكفي - على أهميته - أبداً لإلقاء اللوم على من يشرّق أو يغرّب شاداً رحاله إلى الخارج سواء أكان اختياره لدول بعيدة أو قريبة من المملكة لقضاء إجازته السنوية..
إذ يجب علينا أن نؤمن للمواطن ولأفراد أسرته ما يحقق لهم رغباتهم ويستجيب لاهتماماتهم، كل وحسب عمره واهتماماته وإلى ما يميل إليه، لقضاء كل وقته بما يريحه ويسعده ويجعله يمضي ساعات يومه دون أن يشعر بالملل أو الشعور بأنه لا يستفيد من إجازته كما يريد وكما ينبغي.
***
ولا أعني بذلك، ولا أقصد بمثل هذا الكلام، أن نحاكي الدول الأخرى - أو بعضها - في كل برامجها وخطواتها وتوجهاتها لإقناع المواطن بالبقاء في المملكة وعدم حزم حقائبه والسفر متجهاً نحو إحدى الدول العربية أو الأجنبية لتمضية بعض الوقت في مناطقها السياحية..
إذ إن المملكة لها وعليها التزامات دينية وأخلاقية - يطول الحديث عنها - ضمن ثوابتها الكثيرة التي يتفق الجميع على احترامها وعدم الخروج عليها، وبالتالي فما أطرحه للحوار والنقاش يأخذ في الاعتبار أهمية احترام كل ما أشرت إليه، وفي ذات الوقت لا يغفل تلك العناصر والأفكار المحفّزة والمشجّعة للسياحة الداخلية التي لا تتعارض مع الثوابت التي يتفق الجميع على التمسك بها.
دعونا إذن نفكر بهدوء ونسأل أنفسنا: هل لدينا تلك الخدمات الضرورية والمناسبة بدءاً من السكن مروراً بالمواصلات وانتهاء بكل مجالات الترفيه، وكذلك التسوق بما يماثل بعض ما نجده في الخارج، حتى يرضى المواطن ويصل إلى قناعة بالقبول بفكرة السياحة الداخلية؟
قد يأتي من يقول - رداً على هذا الكلام - بأن لدينا مهرجانات صيفية توفر فرصا للترفيه البريء، وأنها تتنوع وتتوسع من عام إلى آخر، على أمل أن تلقى أفكار المنظمين لهذه المهرجانات القبول والاستجابة، وبالتالي تحريك بوصلة وجهة هؤلاء من الخارج إلى الداخل.
***
وحتى نعالج الحالة القائمة، باختراق قناعات الناس والتأثير في توجهاتهم، علينا أن نقتنع أولاً بأن المهرجانات الصيفية لا تكفي وحدها، وأنها لا تلبي ولا تستجيب بما فيه الكفاية لرغباتهم، وعندئذٍ ربما قادنا هذا الاعتراف إلى التفكير بشكل صحيح وبالأسلوب الأمثل لجذبهم للتمتع بالسياحة الداخلية عن طريق وضع متطلبات السياحة وعناصرها موضع التنفيذ.
أقول هذا، لأن الشعور بأن لدينا كل ما يريده السائح، وأننا وفرنا له ما لا يجده في الخارج، ثم إلقاء اللوم عليه، بينما نبالغ في الأسعار، ولا نجد ما يكفي من الفنادق، ويتعذر أن تجد حجوزات بالطائرة في المواعيد المناسبة، ولا يوجد للأطفال ما يشبع رغباتهم، ومثلهم الكبار، من ترفيه وأماكن تسوق، وهكذا يمكن أن نتحدث عن قائمة طويلة تعيق السياحة الداخلية، وتشجع على هروب المواطنين إلى الخارج لقضاء إجازاتهم السنوية، وسوف تكون القائمة أطول لو أردنا استقطاب من ليسوا سعوديين ليزوروا المملكة ويتمتعوا بأجوائها وطبيعتها على مدى أيام سعيدة من حياتهم.
خالد المالك
|
|
|
ثلاثة ملايين مواطن تم تهجيرهم داخليا لاجئو كولومبيا يشعرون بالحنين لحياة القرية
|
* إعداد - محمد الزواوي
تعد كولومبيا في المرتبة الثانية عالميًا من حيث عدد النازحين داخليًا بعد السودان، وذلك بسبب الحروب المستمرة بين المتمردين والقوات الحكومية، وبسب أباطرة المخدرات الذين كانوا يسخرون السكان في العمل في جني أوراق الكوكا والخشخاش لصناعة المخدرات.
ولكن في السنوات الأخيرة تمكنت الدولة من فرض سيطرتها على مناطق شاسعة وفرضت تعويضات لأولئك المهجرين لمساعدتهم في العودة إلى ديارهم ثانية بعد سنوات من الهجرة الداخلية.
وعن مأساة أولئك اللاجئين كتبت دانا هارمان تقريرًا لجريدة (كريستيان ساينس مونيتور) تحكي فيه معاناة أولئك الفلاحين الذين نزحوا من أرضهم وتركوا ديارهم وراءهم خوفًا من الحرب الطاحنة بين الميليشيات والقوات الحكومية، وتسجل رجوعهم إلى تلك الأراضي، التي افتقدها كثير من الفلاحين الذين قضوا سنوات مشردين في طرقات العاصمة والمدن الكولومبية الأخرى بحثًا عن الغذاء والعمل.
تشير الأرقام إلى وجود ما يقرب من 3 ملايين مشرد تم تهجيرهم داخليًا في كولومبيا، التي تعد ثاني دولة في العالم من حيث عدد المشردين داخليًا بعد السودان.
وقد هرب أولئك النازحون من الحرب الأهلية الطاحنة التي خلفت وراءها عشرات الآلاف من القتلى، وتركوا قراهم ليزحفوا إلى المدن والأحياء الحضرية بحثًا عن الوظائف التي ليسوا مؤهلين لشغلها، ويعيشون على الإعانات الحكومية ورعاية أقربائهم في المدن، الذين كانوا غير مهيئين لتلقي تلك الأعداد من النازحين.
مساعدات حكومية
ويقول مدير وكالة (أكسيون) الاجتماعية الحكومية المسؤولة عن المهجرين إن الرئيس ألفاروا أوريبي ركز في السنوات الثلاث الماضية على بناء الجيش والدخول في مفاوضات سلام مع جميع أطراف النزاع، وقد أثمرت تلك المجهودات في تحسين الظروف الأمنية في البلاد، كما قامت الحكومة بإنشاء برنامج للمساعدات قام بإعادة بناء 7 آلاف مسكن و150 قرية؛ ما سمح بعودة نصف مليون مهجر إلى ديارهم. ويضيف أن الوضع بالفعل لا يزال مأساويًا ولم يتم تدارك الأمور بالكامل، لكن الحكومة تسير على الطريق الصحيح وحققت الكثير من النتائج.
وقد شهدت ولاية قرطبة العديد من النزاعات بين المتمردين والميليشيات المسلحة في تلك المنطقة الغنية بالأراضي الزراعية، التي تعد ممرًا مهمًا لتجارة الأسلحة غير المشروعة وزراعة نبات الكوكا التي تستخدم أوراقه في صنع الكوكايين.
وقد استطاعت منطقة ديامانتي أن تنجو من تلك النزاعات حتى اجتاحتها عصابات المخدرات والميليشيات المسلحة. ويحكي اثنان من أحفاد أدريانو كونديز كاسا الذي أنشأ تلك المدينة كيف شهدا تلك الأحداث عندما كانا يزوران المدينة في ذلك اليوم، وقد بدأ إطلاق النار في ذلك الصباح وهرب الاثنان بأطفالهما تجاه الكهوف أعلى الجبال، وقامت عصابات الجيش الثوري الكولومبي بتدمير قرية ديامانتي تدميرًا كاملاً، وتركوا وراءهم عشرات الجثث المحروقة والممزقة؛ وذلك لأنهم كانوا يشكون في أن القرويين أهالي المدينة كانوا يساعدون القوات المعادية لهم.
وقد هرب كونديز دون أن يتمكن حتى من تغيير ثيابه، وترك وراءه كل شيء من أوان ودجاج وأبقار، ويقول إنه كان مرتبكًا للغاية حتى أنه نسي أن يأخذ صور آبائه الذين أنشؤوا تلك القرية، ولا يمتلك صورًا لهم غيرها.
وقد وصل إلى قرية تييرا ألتا المجاورة بعد عدة أيام من السير، وذلك في عيد ميلاده السبعين، وهناك حاول أن يبدأ حياة جديدة.
ويقول كونديز الذي أسس والده مدينة ديامانتي عام 1959، الذي استقر هناك مع زوجته وأبنائه السبعة عشر: (لم أستطع أن أحصل على بيسو واحد لكي أستقل الحافلة، وعندما ذهبت هناك حاولت أن أعمل مساعدًا لنجار، ولكن تلك المهنة لم تناسب تكويني كمزارع، وشعرت بالخجل لأنني تركت أرض آبائي التي ورثتها وفررت من القرية). ثم قضى هناك ستة أشهر يعيش على الإعانات الحكومية والمساعدات العائلية.
وطالما شعر بالحنين إلى حياته السابقة عندما كان يعيش مع أخيه الأكبر فرانشيسكو خافيير أو (باتشو)، وكونديز كاسا، وقد عاد إلى ديامانتي بعد ستة أشهر من رحيله منها، وكانت القرية في صورة مذرية، وقد نمت الأعشاب ودمرت المنازل والمدرسة والمخازن وتم محو الطريق الرئيسي من الوجود؛ ما جعلها تبعد مسافة 3 ساعات على ظهر الحمير من أقرب قرية لها. ويقول باتشو الذي فضل ابنه أن يظل في تييرا ألتا: (في البداية لم يرغب أحد في الرجوع إلى القرية بسبب الذكريات المؤلمة التي كان يحملها الجميع الذين لا يزالون خائفين حتى اليوم، فإذا رجعوا إليها فسوف يبدؤون من الصفر من جديد، وهذا ليس شيئًا سهلاً على الإطلاق).
وفي كثير من أنحاء كولومبيا هناك بعض المهجرين الذين اعتادوا على حياة المدينة والإيقاع السريع والتنوع والفرص الاقتصادية الكبيرة بها.
وبالرغم من أنهم يعيشون بين أكوام القمامة في بعض الأحيان، وبالرغم من أن هناك الكثير من الوظائف التي لا تناسبهم، وبالرغم من المعاناة اليومية التي يمرون بها، إلا أن الكثير منهم فضل البقاء في المدينة ورفض العودة إلى القرية، ويفسر ذلك هويوس مدير برنامج أكسيون الاجتماعي بأنهم ربما يخشون من العودة ثانية إلى قراهم.
وقد أصدرت المحكمة الدستورية الكولومبية حكمًا في 2004 يؤسس للإطار القانوني لحماية حقوق المهجرين، وأمرت الحكومة بتوفير المزيد من المصادر المادية لإدماجهم في حياة المدينة. وهذا القانون - الذي اعتبرته الأمم المتحدة واحدًا من أكثر القوانين تقدمًا في العالم - يقول إنه لا يجب إجبار أي مهجر على العودة إلى دياره، ولكن في حالة رغبة أي مهجر في العودة والإقامة هناك، وإذا ما سمحت الظروف الأمنية بمثل تلك الخطوة، فإن الحكومة مجبرة على مساعدتهم. وقد صرح مانويل خوسيه سيبيدا القاضي الذي أصدر الحكم قائلاً: (إن المهجرين لهم الحق في الرجوع إلى موطنهم أو البقاء في أي مكان آخر، وعلى الحكومة ضمان هذا الحق لهم. وسوف نتعهد بتطبيق حق العودة الطوعية لكل مواطن تم تهجيره).
2.2 مليار دولار
لمساعدة المهجرين
وكرد على حكم المحكمة الدستورية، خصصت الحكومة مبلغ 2.2 مليار دولار حتى عام 2010 لحماية ومساعدة المهجرين، سواء لهؤلاء الذين في المدن أو لأولئك الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم.
وقد قام برنامج أكسيون الاجتماعي في العام الماضي بإعادة بناء المدرسة هناك، كما قام البرنامج بإعادة توظيف ودفع رواتب المدرسين الذين تم استقدامهم من تييرا ألتا للتدريس هناك، وتوفير وجبتي الإفطار والغداء للطلاب، كما تم إعادة بناء استراحة الفلاحين التي يقضون فيها وقت الظهيرة، إضافة إلى إعادة بناء عشرات المنازل المهدمة، كما تم إنشاء برنامج زراعي يتم تعليم المزارعين فيه كيفية حماية مزروعاتهم والعناية بمختلف أنواع النباتات الأخرى غير نبات الكوكا.
وقد عاد الكثير من القرويين بعد تلك التحسينات التي تمت، وتشير الأرقام إلى أنه قبل هجمات عام 1998 كانت هناك 130 أسرة تعيش في ديامانتي و600 أسرة في المناطق المحيطة بها، والآن يقول أهالي المنطقة إن هناك 70 أسرة فقط إضافة إلى 235 يعيشون في كوريدور.
ويقول إليو ميركادو المزارع الشاب الذي لم يتزوج بعد: (ولكننا في حاجة إلى مزيد من الناس لإعادة إحياء الحياة الاجتماعية، فالمزيد من الناس يعني الأصدقاء ومزيدا من الإنتاج ومزيدا من العمل ومزيدا من الأوقات المرحة. لقد نشأت في الريف والزراعة هي حياتي)، ويقول إن ذلك هو ما أغراه إلى العودة ثانية، ويضيف: (إن الزراعة تحافظ علي وتعولني، فأنا أحب أن أرى البذور وهي تتحول إلى عيدان من الذرة أمام ناظري يومًا بعد يوم).
ويقول ميركادو إنه يريد أيضًا أن يتعرف على امرأة ليتزوجها، وفي بعض الأحيان يذهب لزيارة مدينة تييرا ألتا للبحث عن زوجة، ولكنه يقول في أسى: (لكن لا توجد امرأة تريد أن تنتقل للعيش هنا بعد أن تم محو الطريق من المنطقة). ولكن كونديز يقول: (صبرًا!، فكل شيء يأخذ وقته).
وحديث ميركادوا عن تييرا ألتا جعل الفلاحين يتذكرون حياة المدينة، وقال أحدهم: (إنني أفتقد الأضواء وبهجة المدينة)، وهو يمرر يديه على الحشائش الخضراء، ويقول آخر: (إنني أفتقد المشروبات المثلجة والزحام)، ويقول ثالث: (إنني أفتقد مشاهدة التلفاز، وخاصة الآن، مع إقامة مباريات كأس العالم)، في حين صرح رجل عجوز يرتدي قبعة راعي بقر قائلاً: (ولكننا هنا لدينا نبات اليوكا).. ويضيف كونديز: (والهدوء). ووافق الرجال بهز رؤوسهم، ودخلوا في حالة طويلة من السكون.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|