|
ثقافة السفر
|
حبُّ السفر يمكن لي أن أصفه بأنه أشبه ما يكون بغريزة حب عند الإنسان..
إذ لم أجد أحداً يكرهه أو ينكره على غيره..
بما في ذلك أولئك الذين يحبذون - دون كره - عدم السفر..
وبعيداً عما يقال: سافر ففي الأسفار سبع فوائد..
فالسفر متعة وثقافة..
والسفر راحة واسترخاء..
والسفر علم وتعلّم..
والسفر علاج واستشفاء..
وبالسفر من الفوائد الكثير مما يميل إليه كل مسافر، أو بما يتوافق وطبعه واهتماماته، وبالتالي ما يشجعه إلى شد الرحال كلما وجد ما يحفزه إلى ذلك.
***
السفر رحلة استكشافية، لا يمكن لها إلاّ أن تتفق مع القائلين بأنها تفضي إلى ثقافة ضرورية للإنسان قبل أي شيء آخر..
وليس مهماً أن نحدد نوع هذه الثقافة..
أو نختلف حول مفهومها الواسع..
فليأخذ كل منا ما يناسبه منها، ويلتقط ما يفيده أو يضيف إلى معلوماته شيئاً مما يراه..
وكلما كانت نظرتنا إلى السفر تنطلق من الشعور بالحاجة إلى المزيد من المعرفة، كان السفر يعطي للمسافر الكثير مما يختزنه من ثقافة لا يحتاج للحصول عليها إلى دراسات أكاديمية.
***
ففيه تَتَعرّف على الناس..
وتَعَرْف عنهم ما كانت تخفيه عنك محدودية اللقاءات بهم وتباعدها..
تصطفي في السفر أصدقاء لم تكن لك صلة بهم من قبل، لكن السفر حببك بهم، وقرَّبك إليهم وعرَّفك عليهم..
في السفر تلتقط ما يناسبك من ثقافة الشارع..
ومن سلوك المجتمع..
دون أن يلزمك أحد بشيء منها وأنت لا تريده، أو يمنعك من شيء آخر قد تتجه إليه محبذاً إياه، وكل هذا ضمن ثقافة السفر.
***
نعم، كل المتناقضات قد تراها في دول الغرب والشرق على حد سواء..
وبينها مشاهد مؤذية أحياناً..
وصور غير لائقة في بعض الأحايين..
وهذا جزء من ثقافة السفر، وأعني أن المرء لا يغيّب عن الجانب المعتم في حياة الإنسان هناك..
لأن معرفة حقيقة الدول والشعوب والمؤسسات من خلال السفر إلى الخارج تمكِّن المرء بأن يكون أقرب إلى تطبيق مشاهداته والاعتماد عليها في تحليل آراء الآخرين بما يقرؤه لهم.
***
لا شيء من وجهة نظري يمكن أن يرسخ الثقافة ويضيف إليها في عقول البشر اعتماداً على القراءة فقط طالما فضلوا الانكفاء وعدم الرغبة في السفر..
إذ إن الجمع بينهما يفتح الطريق أمام العقول نحو مزيد من الثقافات المتنوعة، ويعرّف الإنسان بما كان يجهله، فيساعده ذلك على انتقاء ما هو مفيد له والانصراف عما عداه..
نحن لا نختلف على أهمية السفر من أجل تلمس العلاج في كبرى مصحات الغرب..
ومثله عند السفر من أجل مواصلة التعليم في تخصصات مهمة لدى دول متعددة..
وينبغي أن نتفق أيضاً لا أن نختلف على أن في السفر لغير هاتين المهمتين فوائد كثيرة ومهمة لا ينبغي إغفالها.
***
هذه ليست دعوة مفتوحة مني للسفر..
وليست تشجيعاً للسياحة في الخارج..
وإنما هي تأكيد على أن في السفر فوائد كثيرة..
من بينها - وأهمها - ثقافة السفر التي قد تستحضرها من جلسة في مقهى أو من زيارة لمتحف أو من خلال من يتعامل معك في المطار وفي الشارع وعند التسوق وأثناء متابعة وسائل الإعلام..
بما لا ينبغي أن نتعامى عنه، أو نتجاهله، أو نحاول أن ننقصه شيئاً من الإنصاف والموضوعية التي يجب أن نقولها عنه، وهذا بعض ما أردت أن أشير إليه في عُجالة وباختصار شديد، ونحن على أبواب صيف حار، وبانتظار أن نجد حجزاً يؤكد سفرنا وسفركم على خطوطنا أو على أي طيران آخر إن استطعنا، لنعود إلى الوطن أكثر نشاطاً وحيوية وقدرة على العطاء والعمل.
خالد المالك
|
|
|
الطاقة النووية مفيدة في السلم ومرعبة في الحرب
|
عند الحديث عن الطاقة النووية ينصرف التفكير على الفور نحو التسلح النووي والقنبلة النووية، ولكن الطاقة النووية، مثل غيره من أنواع الطاقة، لها العديد من الاستخدامات المفيدة.
وقد لا يعلم الكثيرون أن 17% من كهرباء العالم مصدرها الطاقة النووية، وأن بعض الدول تعتمد على الطاقة النووية في الحصول على الكهرباء أكثر من اعتمادها على المصادر الأخرى. فحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية تولد فرنسا نحو75% من احتياجاتها الكهربائية من الطاقة النووية.
وفي الولايات المتحدة توفر الطاقة النووية حوالي 15% من الكهرباء، وهناك ما يزيد على450 محطة طاقة نووية في مختلف أنحاء العالم.
وسوف نحاول فيما يلي تقديم تعريف مبسط عن المادة الأساسية في توليد الطاقة النووية، أي مادة اليورانيوم، ونتحدث قليلا عن خصائصه وعن الانشطار النووي.
***
اليورانيوم
نسمع كثيرا عن اليورانيوم وعن تخصيبه
وإنتاج الطاقة النووية منه، ويدور حول ذلك الكثير من التحليلات في وسائل الإعلام، والكثير من المفاوضات بين الدول، وقد تدار الحروب بسببه، فما سر هذه المادة العجيبة؟ ومن أين لها كل هذه الأهمية؟
يقول العلماء إن اليورانيوم فلز ثقيل موجود في الطبيعة في القشرة الأرضية وفي ماء البحر في أشكال مختلفة تسمى النظائر، أهمها نظيران هما اليورانيوم-238 واليورانيوم-235، يشكلان حوالي 99% و0.7% من اليورانيوم الموجود في الطبيعة على التوالي.
وهذه النظائر كلها نظائر مشعة، ونعني بذلك أنها غير مستقرة، بل تنحل بالتدريج مطلقة
أشعة مختلفة مثل جسيمات ألفا وجسيمات بيتا وجسيمات غاما لتتحول في النهاية إلى نظائر مستقرة، وتسمى الفترة التي تستغرقها نصف الذرات المكونة لأية كمية من مادة مشعة لتنحل إلى حالتها المستقرة بالعمر النصفي.
والعمر النصفي لليورانيوم-238 طويل جدا (حوالي 4.5 بليون سنة)، ويعني ذلك أن قدرته الإشعاعية ضعيفة جدا، ولكن اليورانيوم-235 ذو خاصية فريدة تجعله صالحا للاستخدام في إنتاج الطاقة النووية، بل في إنتاج القنبلة النووية أيضا.
هذه الخاصية هي خاصية الانشطار، ونعني بذلك أن نواته تنشطر في الطبيعة عادة خلال فترة زمنية وجيزة، وبالإضافة إلى ذلك فإن اليورانيوم-235 من المواد القليلة التي يمكن شطر نواتها صناعيا فيما يعرف بالانشطار المستحث.
فعند قذف نيوترون حر داخل النواة تمتص النواة هذا النيوترون بسهولة وتفقد استقرارها ومن ثم تنشطر على الفور.
***
الانشطار النووي
كما ذكرنا سالفا تنشطر نواة اليورانيوم بقذفها بنيوترون حر، حيث تنشطر في هذه الحالة إلى ذرتين خفيفتين بالمقارنة بالذرة الأم، وينتج عن الانشطار انطلاق نيوترونين جديدين أو ثلاثة (يتوقف عدد النيوترونات المطلقة على الكيفية التي يحدث بها الانشطار)، ولدى استقرار هذه النيوترونات في وضعها الجديد يصدر عنها إشعاع غاما، وهناك ثلاث حقائق مهمة عن هذا الانشطار المستحث تستحق الوقوف عندها:
- قدرة ذرة اليورانيوم -235 على الإمساك بالنيوترون الحر عند مروره قريبا منها كبيرة جدا، وفي المفاعلات التي تعمل بكفاءة عالية ينتج انشطار جديد عن كل نيوترون منطلق من
كل انشطار.
- عملية الإمساك بالنيوترون، ومن ثم الانشطار، تحدث بسرعة فائقة.
- تنتج عن انشطار الذرة الواحدة طاقة هائلة في شكل حرارة وأشعة غاما، وتأتي هذه الطاقة من حقيقة أن وزن النيوترونات ومنتجات الانشطار معا أقل من وزن ذرة اليورانيوم -235 الأصلية، ويتحول هذا الفارق في الوزن مباشرة إلى طاقة بمعدل محكوم بالمعادلة: ط = ك س?، حيث ط يمثل الطاقة، بينما يمثل ك الكتلة وس سرعة الضوء، وهي معادلة النسبية الشهيرة التي توصل إليها أينشتين، وينتج عن انحلال كل ذرة من ذرات اليورانيوم-235 كمية قليلة من الطاقة، ولكن رطلا واحدا من اليورانيوم، على سبيل المثال، يحتوي على بلايين الذرات.
وبمقارنة بسيطة فإن الرطل الواحد من اليورانيوم المخصب تخصيبا جيدا تساوي الطاقة الناتجة عنه كمية الطاقة الناتجة عن مليون جالون من الجازولين، وعندما تتذكر أن الرطل من اليورانيوم أصغر من حجم كرة البيسبول، في حين أن المليون جالون من الجازولين يملأ حجما قدره 50 قدما مكعبا (50 قدما يساوي ارتفاع مبنى من خمس طوابق) يمكنك تقدير كمية الطاقة المختزنة في كمية قليلة من اليورانيوم.
ولتحقيق الاستفادة القصوى من هذه الخصائص يقوم العلماء بتخصيب اليورانيوم في المفاعلات النووية، ونعني بالتخصيب زيادة معدل اليورانيوم-235 بحيث تكون كمية اليورانيوم المخصبة محتوية بعد التخصيب على حوالي 2% أو 3% من اليورانيوم-235، وهو معدل يكفي للاستخدام السلمي، بينما يتطلب الاستخدام لأغراض التسليح النووي وإنتاج القنبلة النووية التخصيب إلى معدل90% من اليورانيوم-235.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|