|
ثرثرة.. ومناسبتها..!
|
أحاول أن أكتب لكم شيئاً هذا الأسبوع..
وفاءً لالتزام عوّدتكم عليه..
لا ادعاءً مني بأني أكتب لكم ما أزعم أنه يمثل هواجسكم أو يقترب منها..
غير أن ما هو أهم عندي من هذا الالتزام إن لامس أصلاً شيئاً من رضاكم أو بعضاً من قناعاتكم هو ثبات الكاتب عندما يكتب على المبادئ والتزامه بالقيم وشعوره بالمسؤولية، وهذا ما لا ينبغي أن يساوم الكاتب عليه..
***
أحياناً قد لا تملك الوقت للكتابة بأدبيات جميلة..
في بعض الأحيان ربما اخترقت وقت الكاتب مؤشرات تعيق مولد الكلمة المؤثرة ..
وفي أحسن الأحوال قد تنزل الكلمات وتتوالد الأفكار كغيمة حطت رحالها وماءها وهواءها عليك..
لكن في مثل هذا الجو الجميل..
الملبّد بالغيوم..
بمطره المدرار..
وهوائه العليل..
أين هو اليوم منا..؟
متى نحتفي به جميعاً..؟
ويسعد به كل إنسان..
دون أن يغيب عنه أحد..
أو يحرم منه فرد..
أين هو اليوم..؟
***
كل كلمة..
وكل سطر..
كل رأي..
أو وجهة نظر..
محسوبة على الكاتب..
باعتبارها مرحلة من عمره..
ومحطة في حياته..
وهي جزء من تاريخه..
بمعنى أن عليه أن يكتب ما لا يؤذي هذا التاريخ أو يشوهه..
بالتزامه بهذه القيم..
وتلك المبادئ..
دون أن يشط عن هذا الخط..
أو ينحرف عن مثل هذا السلوك الحسن..
***
أتلهى بمثل هذه الثرثرة..
لأفي فقط بالتزامي معكم..
ولأتشاغل بها عن هذا الجو المأساوي الذي نعيشه الآن..
حيث يواجه شعب العراق هذه الحمم من نيران أمريكا وبريطانيا..
في هجمات مدمرة وقاتلة وغير مبررة..
إنهم يقتلون كل شيء يتحرك على الأرض..
بلارحمة..
ولا شفقة..
ولا تأنيب للضمير..
ومن دون استثناء لقصر أو جسر أو شجر أو حجر..
***
أعتذر..
فلا شيء يمكن أن يُكتب..
في مثل هذا الجو المشحون بكل ما يكدر الخاطر ويؤلم النفس، فيما العرب يتفرجون ويختلفون ويقرأون مستقبلهم بشكل خاطئ.
خالد المالك
|
|
|
ضربت بالقوانين والمواثيق الدولية عرض الحائط أمريكا دخلت «المستنقع» العراقي!!
|
* مجلة الجزيرة خاص
على الرغم من التفوق الكاسح للقوات الأمريكية من حيث قوة النيران والأسلحة البالغة التطور، إلا أن العديد من المحللين يعتقدون أن الحرب الحالية لن تكون نزهة للأمريكيين وسيواجهون مواجهة شرسة على وجه الخصوص عند محاولتهم اقتحام المدن العراقية الرئيسية.
ومهما كانت تطورات المعركة البرية التي تجري حاليا في العراق فهناك حرب أخرى ربما تصبح أكثر أهمية بالنسبة للنتيجة النهائية للصراع في العراق. وهذه الحرب هي «حرب الرأي العام»، فالنظر إلى الحرب الحالية باعتبارها حربا بهدف تحرير الشعب العراقي وتحقيقا للأمن الدولي أو باعتبارها نوعا من الاحتلال الجديد كجزء من حرب جديدة سوف يؤثر جدا على تشكيل الإطارالأمني العالمي والعلاقات الدولية ورؤية العالم للولايات المتحدة الأمريكية على مدى سنوات قادمة.
وعلى المدى القصير فإن النظرة إلى هذه الحرب سوف تحدد الجانب الذي يمتلك الحق في هذا الجدل الدبلوماسي الذي قسم العالم بشأن العراق. أما على المدى الطويل فإنها سوف تؤدي إلى المزيد من التدهور في صورة الولايات المتحدة في العالم مع استمرار مواصلة أمريكا لما تسميه «الحرب ضد الإرهاب».
بدلا من المعارك الدفاعية ضد عدو معلن ونمطي كما كان يحدث في الماضي، فإن هذه الحرب ضد تهديد تم تجميعه وتجسيده من جانب إدارة الرئيس بوش، لذلك فإن إدارة الرئيس بوش في حاجة ماسة إلى إقناع العالم برؤيتها للأمن العالمي من خلال نزع أسلحة وتغيير أنظمة الحكم في الدول «المارقة» على حد تعبير واشنطن.
وسوف يتوقف ذلك أيضا على ردود الأفعال في العالمين العربي والإسلامي على وجه التحديد. وهذا يمكن أن يقود إلى أن يتلاشى احتمال «صدام الحضارات» الذي زادت احتمالاته منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 أو تنتعش هذه الاحتمالات مرة أخرى بقوة أكبر.
يقول دافيد دافنبورت المحلل السياسي والدبلوماسي في معهد هوفر بمدينة ستانفورد الأمريكية: الحروب القديمة كانت دائما بين دولة ضد دولة، وكانت العلاقات بين أحد طرفي الحرب وشعوب باقي العالم غير موجودة بصورة كبيرة، ولكن هذا تغير الآن.
حرب «الرأي العام»
يقول الخبراء إن هناك عدداً من النقاط الأساسية التي سوف تحدد نتيجة حرب «الرأي العام» وهي على النحو التالي:
الخسائر: وبخاصة بين المدنيين العراقيين والتي يمكن أن تثير غضب الشعوب العربية، وكذلك الخسائر الجسيمة في صفوف القوات الأمريكية في الوقت نفسه والتي يمكن ان تؤدي إلى تراجع التأييد الشعبي الأمريكي للحرب.
الأسلحة الكيماوية والبيولوجية: أولا هل سيستخدمها صدام حسين أم لا؟! وثانيا هل ستتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من العثور على مثل هذه الأسلحة لدى العراق بالفعل؟ فأي من الاحتمالين سواء تم استخدامها أو تم العثور عليها سوف يساعد أمريكا في دعم رؤيتها بأن صدام حسين يشكل تهديدا للأمن العالمي.
الثروة البترولية العراقية: على المدى القصير هل سيدمر صدام حسين حقول بتروله أم لا وهو ما سيؤدي إلى تأكيد صورته السلبية لدى شعوب العالم الأخرى؟
وعلى المدى الطويل كيف ستتم إدارة هذه الثروة البترولية، بمعنى آخر هو كيف ستصمد اتهامات مناهضي الحرب للإدارة الأمريكية بأنها تضحي بدماء العراقيين والأمريكيين من أجل البترول؟!
طول مدة الحرب: فالحرب الخاطفة القصيرة يمكن أن تزيد دعم الأمريكيين للتدخل العسكري في العراق، ولكن بعض منتقدي المواجهة المستندة إلى مبدأ «الحرب الوقائية» الذي أعلنته إدارة الرئيس بوش يخشون من أن يؤدي أي «نجاح» أمريكي سريع في العراق إلى تشجيع هذه الإدارة على تكرار السيناريو في دول أخرى بنفس السرعة والاندفاع نحو استخدام القوة.
رد فعل الشعب العراقي على الغزو الأمريكي: يقول باتريك كلاوسون نائب مدير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إنه لا يمكن لأحد أن يتوقع تأثيرات الحرب الحالية ولا نظرة العالم لها على المدى الطويل.
بين الفشل والنجاح
فإذا ما استمرت الحرب لفترة طويلة ولم تعثر القوات الأمريكية على كميات كبيرة من أسلحة الدمار الشامل لدى العراق وارتفعت الخسائر البشرية فسوف ينقلب الأمر ضد الولايات المتحدة، ولكن إذا ما انتهت الحرب بسرعة مع العثور على أسلحة دمار شامل والكشف عن علاقات بين نظام صدام حسين والإرهابيين وأظهر الشعب العراق حماسا في العمل مع الأمريكيين لإعادة بناء الديموقراطية في العراق فإن النتيجة النهائية لهذه الحرب ستكون مختلفة تماما.
التحدي الكبير الذي يواجه الولايات المتحدة الأمريكية هو الرأي العام السلبي تجاهها حول العالم وأنها فشلت في إقناع الأمم المتحدة بعدالة قضيتها أو بمبرراتها لضرب العراق.
ويقول ريتشارد ستول خبير الشؤون الدولية في جامعة رايس الأمريكية إن إدارة بوش تقوم حاليا بمهمة مزعجة كما فشلت في تقديم سبب محدد لهذه المهمة حيث كانت كل يوم تقدم سببا جديدا وهو ما أدى إلى إثارة المزيد من الشكوك حول حقيقة هذه الأسباب.
ويضيف دافنبورت أن ما يحدث في العراق حاليا أقل أهمية بالنسبة لمحكمة الرأي العام العالمي من طريقة الوصول إليه.
أبواب جهنم
أما طاهر المصري رئيس الوزراء الأردني الأسبق فيؤكد أن الشك في دوافع الولايات المتحدة الأمريكية يسود أغلب شعوب العالم ويزداد قوة في المنطقة العربية.
ويضيف أنه بغض النظر عما تقوم به أمريكا بالفعل فإنها بإصرارها على شن الحرب ضد العراق بدون دعم من الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن الدولي فإن أي نيران تستخدمها ضد الشعب العراقي والآثار طويلة المدى لهذه الحرب تثير القلق بصورة حادة، فأمريكا قد فتحت على نفسها وعلى العالم باب الصراعات والتناحر.
وعلى الرغم من ادعاء الإدارة الأمريكية وجود أكثر من أربعين دولة في التحالف المؤيد لها في هذه الحرب فإن استطلاعات الرأي العالمية مازالت تشير إلى التدهور الكبير في نظرة العالم للولايات المتحدة.
وفي استطلاع جديد للرأي أجرته مؤسسة بيو للأبحاث في تسع دول فإن نسبة من ينظرون إلى الولايات المتحدة بصورة إيجابية تقلصت إلى 12 في المائة فقط في تركيا وإلى 48 في المائة في بريطانيا.
ولكن استطلاع رأي بيو وجد شيئا آخر وهو تقبل فكرة الخير الذي يمكن أن يتحقق من خلال نزع أسلحة العراق والإطاحة بصدام حسين من خلال الحرب حتى في تلك الدول المعارضة بقوة للحرب مثل ألمانيا.
يقول أندريو كوهت مدير مؤسسة بيو إن النجاح في تحقيق هذين الهدفين سوف يلعب دورا مهما في إصلاح العلاقات بين أمريكا وشعوب العالم ويعالج الصورة المتدهورة لها.
ويضيف أن الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع الأمم المتحدة سوف تؤدي إلى استمرار رؤية العالم للطريقة الهمجية التي تستخدم بها الولايات المتحدة قوتها.
وقد ظهرت مؤشرات أولية بالفعل حول مدى تأثير ما يحدث في أرض المعركة على تحول نظرة العالم إلى الحرب. فعلى سبيل المثال تقول فرنسا الآن والتي عارضت بشدة صدور قرار من مجلس الأمن يسمح لأمريكا باستخدام القوة ضد العراق تقول إنها سوف تنضم إلى الولايات المتحدة في المعارك إذا ما استخدم صدام حسين أسلحة دمار شامل ضد القوات الغازية، كما أن الولايات المتحدة أعلنت بوضوح عن تحول في رؤيتها بالنسبة للقضية الفلسطينية وهي القضية الأكثر أهمية بالنسبة لأوروبا.
والحقيقة أن مدينة البصرة العراقية وهي الهدف الأول للحملة العسكرية الأمريكية والتي يراهن عليها المسؤولون العسكريون الأمريكيون حيث يأملون في أن يبثوا عبر وسائل الإعلام صور الاستقبال والترحيب الحار بهم من جانب العراقيين.
ويقول المسؤولون الأمريكيون إن مناظر الانتصار في هذه المدينة يمكن أن تدمر الروح المعنوية للقوات العراقية وتهدئ من الانتقادات الدولية لكل من أمريكا وبريطانيا.
ولكن هاشم كاظم صاحب مجلة «كايرو تايمز» التي تصدر في القاهرة باللغة الإنجليزية يقول إن هذه الاستراتيجية يمكن أن تنجح في منطقة أخرى من العالم وليس في المنطقة العربية. ويزعم كاظم أن التدخل الأمريكي في المنطقة العربية ستكون له آثار إيجابية على المدى الطويل ولكنه يعترف بأن رؤيته تلك لا يؤمن بها الكثيرون من العرب بل إن العكس هو الصحيح حيث يزداد الغضب العربي تجاه أمريكا.
غزو الشعوب العربية
أما المحلل السوري عماد فواز شعيبي الأستاذ في جامعة دمشق فيقول إن الغضب المتصاعد ينطلق من الشعور بأن الولايات المتحدة تهاجم المنطقة العربية كلها وليس مجرد دولة واحدة.
ويقول إننا لا نستطيع أن نتحدث عن العراق فقط، فالعراق مجرد مسرح للعملية الأمريكية والأمريكيون جاءوا ليغزوا كل الشعوب العربية.
وفي حين كشف استطلاع للرأي عن وجود بعض الأسس التي يمكنها ان تساعد أمريكا في الانتصار في معركة الرأي العام العالمي فإن بعض المحللين يرون أن هذا ينطبق أيضا على المنطقة العربية.
يقول كلاوسون إن التعاطف الشعبي مع صدام حسين في المنطقة العربية ضعيف جدا، فالشعوب العربية أصبحت تعلم الكثير عن صدام حسين لذلك فإن التعاطف الشعبي الذي كان موجوداً معه من قبل لم يعد قائما. وبالنسبة لأغلب المراقبين فإن الشعور السائد بين العرب حاليا هو شعور الشك في الدوافع الأمريكية، وهذا يعني أن حسم معركة الرأي العام لن يتم إلا مع سقوط آخر قنبلة في المعارك الحربية.
يقول كلاريس تريب خبير التاريخ العراقي في مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية بلندن إنه إذا ما شاهدت الشعوب العربية جهودا حقيقية لإغاثة العراقيين وإعادة بناء بلادهم على أسس ديموقراطية بعد رحيل صدام حسين فقد تنجح أمريكا في هذه المعركة، ولكن هذا لا يعني أن العراقيين سيشعرون بالامتنان للأمريكيين ولكن هذا سيتوقف بصورة كبيرة على ما سيحدث خلال الشهور التالية.
يقول ريتشارد بيتس مدير معهد دراسات الحرب والسلام بجامعة كولومبيا أن شن الولايات المتحدة هذه الحرب ضد العراق يرتكز على خطأين أساسيين:
أولا: الاستهانة بالمخاطر الناجمة عن الحرب ضد العراق؛ مثل تلك المتعلقة بأن يقوم صدام حسين بشن هجوم مضاد على المدنيين الأمريكيين.
ثانيا: الاعتقاد ان لا بديل لهذا الخيار؛ حيث إن العراق ربما يشن هجوما من طرف واحد مستقبلا حتى لو لم يتم استفزازه.
ويضيف قائلا: «هذه الحرب إذا أصبحت أكثر دموية فإن الثمن سوف يدفعه إما العسكريون على الأرض وإما شعوب المنطقة، أما إذا ما نجح الغزو الأمريكي، فلن يجد صدام حسين بداً من استخدام آخر أوراقه التي في يديه»، ويحذر بيتس: «قد تكون من خياراته نشر أسلحة الدمار الشامل داخل الأراضي الأمريكية نفسها، وإذا ما حدث هذا الهجوم المضاد ضد المدنيين الأمريكيين، فسوف ينسينا ذلك ضحايا 11 سبتمبر، وسوف يبدو عدد قتلى تلك الأحداث قليلا جدا مقارنة بضحايا أسلحة الدمار الشامل».
أن نقوم بغزو العراق لكي نتخلص من صدام حسين، يقول ريتشارد بيتس، يهدف إلى شيء لم تقم به أي حكومة في العالم من قبل، اما فيما يتعلق بتدمير اسلحة الدمار الشامل لديه، فتجدر الاشارة إلى ان دولا قد قاتلت بعضها البعض وكل منهم لديه أسلحة دمار شامل.. ومع ذلك جاءت تلك الحرب على هيئة مناوشات فقط، مثل الصين والاتحاد السوفيتي بشأن نهر أوسوري عام 1969، ومثل الهند وباكستان بشأن النزاع على «كارجيل» في عام 2000م.
لم تفكر قيادات تلك الدول في خضم تلك الصراعات المحدودة في الانتحار باستخدام أسلحة الدمار الشامل، وهذا ما لم يفطن إليه المؤيدون لخيار الحرب داخل الولايات المتحدة، ففي أثناء المناقشات المطولة داخل الكونجرس للحصول على تخويل للذهاب إلى الحرب لم يذكر أحد أعظم تلك الأخطار التي يمكن أن تشكلها الحرب الوقائية على الأمريكيين.. كان التركيز في المقابل بصفة أساسية على أخطار أخرى أقل ضررا وأقل احتمالا وأبعد زمنا؛ فقد ركزت وجهات نظر الصقور المؤيدين للحرب على الأخطار المستقبلية التي يمكن أن يمثلها العراق في حالة حصوله على أسلحة نووية، ولكن الأسلحة البيولوجية التي في حوزة صدام حسين الآن هي بالفعل خطرة بصورة كافية.
ربما وربما
يحذر الخبير الامريكي قائلا انه حتى إذا ما نجح الهجوم العسكري الأمريكي في الإطاحة بصدام حسين، فلن يكون هناك شك في أن صدام حسين سوف يستخدم أسلحته البيولوجية في المكان الذي يعتقد أنه سوف يوجع الأمريكيين أكثر، إذاً يبقى السؤال الوحيد هو: هل ستكون لديه القدرة على تنفيذ عزمه هذا؟.. ويجيب بيتس:ربما لا يكون صدام ماكرا بصورة كافية لكي يستطيع اكتشاف كيفية ضرب أمريكا داخل أراضيها، وربما المخابرات العراقية ليست بالكفاءة التي تستطيع بها تهريب أسلحة دمار شامل داخل أمريكا ومن ثم تفجيرها، ربما لن يطيع أتباع صدام حسين أوامره في فعل ذلك، ربما سوف يخذله الإرهابيون الذين سوف يتفق معهم في السر على فعل ذلك، ربما تكتشف القوات الأمريكية ذلك وتقوم بإبطال مفعول كل أسلحة الدمار الشامل العراقية قبل أن يقوم بضربنا بها، لكنه يستدرك قائلا: (من التهور أن نعتمد على الكثير من «ربما»، وذلك لأننا قد أعطينا صدام حسين وقتا كافيا لكي يعد لانتقامه، ومن البديهي أنه يلاحظ منذ عدة أشهر أن الأمريكيين قادمون؛ فقد جعلت الإدارة الأمريكية هذه الحرب أكثر الحروب المعلنة وأكثر حرب تناقلتها وسائل الإعلام في التاريخ العسكري).
نشر الأراجيف
يتساءل بيتس: هل يعد من نشر الأراجيف أن نؤكد على أخطار هجوم العراق المضاد؟.. ومن ثم يجيب قائلا: «ربما تكون الاحتمالات ضئيلة، لكن اذا كانت التوقعات عالية بمقدار واحد لكل ستة، فإن احتمالات الإطاحة بصدام سوف تكون مثل لعبة الروليت الروسية، إن ما نأمله هو شيء واحد وهو أن نشن هذه الحرب حتى النهاية بدون أن نستجلب انتقاما مضادا فعالا من العراق».
يرى ريتشارد بيتس أن الحكومة الأمريكية لم تفعل ما هو كاف لترتيب الأوضاع على الجبهة الداخلية..
غزو الكويت
أكبر أخطاء صدام هو غزوه للكويت، ولكن كان السبب الرئيسي لحدوث هذا أن بوش الأب لم يحاول ردعه، فقد كانت الاتصالات الأمريكية قبل غزو الكويت عام 1990 بمنزلة إعطائه الضوء الأخضر لفعل ذلك، وفي المقابل وجه القادة الأمريكيون له بالفعل تهديدات رادعة ولكن في أثناء الحرب حذروه من استخدام أسلحته البيولوجية أو الكيميائية، وقد نجح هذا الرادع.
يبدو ان بوش الابن قد قارن صدام بستالين، ولكنه استشهد بالدرس الخطأ، فمثله مثل صدام، أخطأ ستالين في حساباته بشأن الموافقة على اجتياح كوريا الجنوبية في عام 1950 لأن الرئيس ترومان (مثل بوش عام 1990) لم يحاول ردعه، وقد أشار وزير الخارجية وقتها أتشيسون على الملأ أن كوريا الجنوبية «مستثناة» من نطاق الدفاع الأمريكي، ولكن لم يفكر ستالين في اجتياح أوروبا الغربية على سبيل المثال؛ وذلك لأن رادع الناتو كان واضحا، وإذا كان هناك توافق بين النظام العراقي وتنظيم القاعدة (وهو خطر مزدوج والذي حذرتنا منه خطب المسؤولين) فإن الردع لن يكون عمليا حينئذ، غير ان صدام وزمرته سفاحون علمانيون يركزون على حظوظهم وثرواتهم من هذا العالم، كما أنهم لا يستطيعون الاختباء مثل القاعدة.. إن الفرق الجوهري بين الدولة المارقة وبين الجماعات الإرهابية هي أن الدولة لها عنوان ومقر.
هجوم فوري
ما الذي يجعل الصقور متأكدين أن الرادع على المدى الطويل أكثر خطرا من الاستفزازات والهجوم الفوري؟.. يجيب بيتس بالقول: ربما يكون صدام حسين خطرا أكبر في غضون خمس سنوات، ولكنه أيضا ربما يكون قد مات! فهو يبلغ من العمر خمسة وستين عاما الآن، وبالرغم من أنه قد استطاع بمكر أن يخدع جميع محاولات اغتياله، فربما يصيب الحظ الامريكيين في يوم من الأيام، ومخزونه من أسلحة الدمار الشامل سوف يستفحل ويزيد على مر الوقت، ولكن في أي نقطة سوف يقرر صدام أن تلك الأسلحة سوف تمده بخيارات يفتقدها الآن؟.. وفي أي نقطة سوف يقرر أنه مستعد ليجلب هجوما أمريكيا مدمرا ضد نفسه وضد كل عمله السابق؟..
النماذج السابقة من الحروب الوقائية يقول بيتس أثبتت انها خاطئة تماما، فالرئيس ترومان لم يقبل الاقتراحات بمهاجمة الاتحاد السوفيتي، مثلما يشير الآن احد الصحفيين قائلا ان: «ستالين كانت لديه أسلحة نووية، وكان أسوأ خطرا وأكثر جنونا من صدام حسين.. وسجله من الانتهاكات والفظائع ضد شعبه كانت أسوأ بكثير من سجل صدام حسين»، في سنوات قلائل من التوصيات بشن حرب وقائية من مسؤول البحرية الأمريكي فرانسيس ماثيو، والسيناتور جون ماكليلان والآخرين، كان ستالين قد مات.
وحشية ماو!
وكانت هناك دراسات لا حصر لها واقتراحات لشن حرب وقائية ضد الصين في أواخر الستينيات، واليوم استطعنا بسهولة نسيان أن الزعيم الصيني في ذلك الوقت «ماو» كان يعتبر عدوانيا ووحشيا ومجنونا مثل حالة صدام حسين اليوم، وذلك لأنه بحلول السبعينيات تحولت كل من واشنطن وبكين إلى حلفاء، وينبغي على الرئيس بوش أن يفكر مليا كيف يمكن للتاريخ أن يتحول كلية إذا ما تم تطبيق خيار الحرب الوقائية على مثل تلك الحالات، ربما يكون الاعتماد على الردع وحده ليس ناجعا مائة بالمائة، وذلك لأن المخاطرالسياسية العالمية مليئة بالمعوقات والأخطار، مما يحصر الاختيار في بعض الأحيان بين الخطر والأكثر خطورة، وعادة ما يغفل الأمريكيون في عصر التفوق العسكري ويعتقدون أنه لا توجد مشاكل تستعصي على آلة الحرب، ومع وجود تلك الثقة الزائدة في قدرات الولايات المتحدة في القضاء على صدام بدون آثار عكسية مدمرة فقد نسي القادة في واشنطن تماما خيار ردع واحتواء صدام حسين، ذلك الخيار الذي كان سمة السياسة الأمريكية طوال أربعين عاما من الحرب الباردة ضد عدو أخطر وأشرس بكثير من العراق، لماذا فقد الساسة الأمل في ذلك الخيار الآن؟؟..
يجيب بيتس: (ربما تفسير ذلك يأتي من الناحية النفسية والأخلاقية؛ فالكثيرمن الناس ينظرون إلى الردع على أنه شيء يفعله الطيبون ضد الأشرار وليس العكس، وأن مجرد خوفنا من خطر الانتقام العراقي يعد سببا لجعل ألا نهاجمه بمنزلة الخزي والعار؛ وأننا قد وضعنا خوفنا في الاعتبار وأذعنا لنوع جبان من الابتزاز، كما أنه سوف يبدو وقحاً وتجاسراً من دولة مثل العراق أن تطمح في شل القوة الأمريكية وأنها مسألة تتعلق بالشرف الأمريكي ألا يردعنا عدو شرير نستطيع قمعه).
صدام حسين لا يستطيع الاعلان عن أسلحته الرادعة، وذلك لأنه طالما ظل يزعم أنه لا توجد لديه أسلحة دمار شامل؛ مثلها مثل قنابل إسرائيل النووية: رادع غير معلن عنه ولكنه معروف تماما، الرادع العراقي لا يعمل مثل الرادع الإسرائيلي بالرغم من قوى التدمير الكامنة لدى السلاحين، ولكن الأسلحة البيولوجية لا تذعر ولا تخيف مثل الأسلحة النووية.
الوقت يمضي
عندما نتأمل في مقولة بسمارك «الانتحار خشية الموت».. يشير بيتس: «ربما نتذكر حوادث تلك الفترة وعواقب استبدال بسمارك بحلفائه الذين رأوا أن المنطق والحاجة تدفع في اتجاه الحرب الوقائية، ذلك الاتجاه الذي سخر منه بسمارك، وقد أظهر رجال الدولة والساسة في ذلك الوقت من عام 1914 أنه لا بدائل أمامهم غير أتون الحرب ومواجهة أخطارها عن طريق شن هجمات وقائية، وقد اعتقدوا أيضا أن الحرب سوف تكون نزهة قصيرة، ولكن كعادة ما يحدث في فترات الحروب، جاءت التوقعات محيرة ومربكة للغاية؛ فبدلا من منع الكارثة اندفع خلفاء بسمارك في أتونها»، وربما يكون من المغالاة تطبيق نظرية بسمارك عن الحرب الوقائية الخاسرة على الحالة الراهنة مع العراق، فالانتقام العراقي لن يدمر الولايات المتحدة؛ وربما لن يقع أصلا.. ولكن مجرد حدوث أخطار متواضعة مثل وفاة عشرات الآلاف من الأمريكيين سوف يكون مكلفا للغاية، مقارنة بالخطر المبالغ فيه من أن العراق سوف يقضي بنحر نفسه باستخدام أو نقل أسلحة الدمار الشامل إلى عمق الولايات المتحدة بدون سابق استفزاز.
جنرالات الحرب
لكن ماذا يقول جنرالات الحرب السابقون والمتذوقون لكاساتها المريرة؟؟..
يقول نورمان شوارتزكوف الجنرال الذي قاد القوات الأمريكية في حرب الخليج الثانية عام 1991 ضد القوات العراقية التي كانت تحتل الكويت: أنه لا يرى أدلة كافية تقنعه بأن أصدقاءه القدامى ديك تشيني وكولن باول وبول وولفوفيتز على صواب في شن هذه الحرب.. مشيرا إلى أن عمليات التفتيش التي كانت تقوم بها الأمم المتحدة في العراق كانت خيارا صحيحا يمكن أن يستمر، في نفس الوقت يشعر الجنرال الأمريكي بالقلق بسبب عدم نضوج خطة الحرب الأمريكية وكذلك التكاليف المادية والبشرية لاحتلال العراق.
الحقيقة أن صوت قائد حرب تحرير الكويت يبدو وبصورة مفاجئة أشبه بصوت رجل الشارع العادي عندما يتحدث عن معارضته لموقف الصقور في إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش من الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين، وهو لا يخفي قلقه من الرئيس العراقي، لكنه في نفس الوقت يريد رؤية دليل مقنع بامتلاك العراق برامج أسلحة محظورة.
يقول شوارتزكوف «إن فكرة امتلاك صدام حسين لأسلحة نووية فكرة مرعبة أليس كذلك؟، ولكنني لا أعرف حتى الآن ماذا لدى المخابرات الأمريكية بخصوص العراق، لذلك وقبل أن أتخذ قرارا بتأييد موقف الإدارة الأمريكية التي تريد محاربة صدام حسين يجب أن يكون لدي قدر أكبر من المعلومات».
ولما كانت الإدارة الأمريكية لم تقدم أي دليل مقنع لإدانة صدام حسين فإن شوارتزكوف وعلى عكس أقطاب إدارة بوش كان يؤيد منح عمليات التفتيش الدولي فرصة لاستكمال مهمتها، وكان دائماً يقول «أعتقد أنه من المهم جدا الانتظار لرؤية ما سيعثر عليه المفتشون، واتمنى أن يعثروا على شيء مهم». والحقيقة أن هذه الكلمات لم ترد على لسان أي عسكري أمريكي متقاعد حتى الآن.
نورمان شوارتزكوف يرى العالم بمنظور مختلف عن منظور زملائه القدامى في حرب الخليج، وهو يقول ان الموقف في الشرق الأوسط ليس أبيض أو أسود فقط، وأنه يجب أن تتعامل الولايات المتحدة مع هذه المنطقة من العالم بأكبر قدر من التدبر والتعقل، لكن هل يرى الرجل هذا التعقل في تحركات أصدقائه القدامى في إدارة الرئيس الحالي جورج بوش؟.. يقول الرجل أنه لا يستطيع تقديم إجابة صريحة وأمينة على هذا السؤال، الحقيقة أن الرجل الذي يبلغ من العمر حاليا 68 عاما أصبح أكثر هدوءا وسلاسة في الحديث من هذا الرجل الذي كان يعقد المؤتمرات الصحفية منذ 12عاما عندما كان يقود المعارك لطرد صدام حسين من الكويت، وقد أجرى شوارتزكوف عملية جراحية في ركبته، ولا يخفي إعجابه بوزير الخارجية كولن باول ويقول انه يقوم بعمله بطريقة رائعة، ولكنه أقل إعجابا بوزير الدفاع دونالد رامسفيلد الذي يشاهد تصريحاته عبر شاشة التلفزيون.
ابن العسكرية
ويقارن شوارتزكوف بين الظهور التلفزيوني القليل لديك تشيني عندما كان وزيرا للدفاع أثناء حرب الخليج الثانية وبين الظهور المكثف لوزير الدفاع الحالي رامسفيلد منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ويقول يبدو ان رامسفيلد يستمتع بهذا الظهور، لكنه يضيف انه في أثناء الحروب يجب تجنب مثل هذه الحالة، والحقيقة أن الجنرال شوارتزكوف هو ابن بار للعسكرية التي عمل بها منذ 1956 وحتى عام 1991 وهذا يتضح في تعليقاته التي تعكس الفرق الكبير بين خدمته العسكرية وبين خدمة وزير الدفاع الحالي.
يرى البعض من كبار ضباط الجيش الأمريكي أن وزيرالدفاع رامسفيلد وكبار مساعديه من المدنيين أشبه بالقوات الجوية التي تتمتع بتكنولوجيا متطورة جدا وبقدر أقل من الإدراك لحجم المصاعب والمعاناة التي تواجهها القوات البرية، كما أن تعليقات شوارتزكوف تعكس رؤية كبار ضباط الجيش الأمريكي الذين يرون أن رامسفيلد ومساعديه يتجاهلون الكثير من مخاوف العسكريين.
يقول شوارتزكوف أنه يسمع من أصدقائه الذين مازالوا في الخدمة العسكرية تعليقات تقول ان رامسفيلد عندما يدلي بتعليقاته فإنه يبدو غير مكترث بالجيش، وأن هذا الوزير يحرص عندما يقف أمام كاميرات التلفزيون أن يظهر بمظهر الرجل الذي يقود القطار وأن الجميع يصطفون في صف واحد خلفه، هذا الموقف يثير غضب شوارتزكوف نفسه لأنه يعتقد أن رامسفيلد والمحيطين به يفتقدون للخلفية العسكرية التي تتيح لهم إصدار أحكام عسكرية صحيحة بأنفسهم، لذلك فهو يفضل الطريقة التي كان تشيني يستخدمها أثناء حرب الخليج الثانية.
يقول شوارتزكوف: «تشيني لم يكن يضع نفسه في موضع اتخاذ القرار أبدا في المسائل التكتيكية التي تدخل في نطاق القادة الميدانيين مثل نشر القوات أو تنفيذ المهام، أما رامسفيلد فهو على العكس من ذلك تماما».
ويضيف ان على رامسفيلد أن يتخلى عن هذه الطريقة، لأن هناك رجالا في وزارة الدفاع الأمريكية عملهم طوال حياتهم هو التخطيط العسكري ولديهم من الخبرات العسكرية والدراسات ما لا يجب تجاهله لكي يتولى وضع هذه الخطط أشخاص ليس لديهم أي خبرات في هذا المجال، لذلك فإن شوارتزكوف يشك في أن تنجح القوات الأمريكية في غزو العراق بالسهولة والسرعة التي يتصورها البعض. غير انه أعرب عن قلقه الشديد بالنسبة للمهمة التي ستواجهها القوات الأمريكية بعد الانتصار في العراق،
خطة شاملة
يتساءل شوارتزكوف: كيف ستكون الأمور بعد الانتصار؟!! وماذا عن الأكراد والسنة والشيعة؟، ويقول: «هذا سؤال كبير يتردد باستمرار في عقلي»، ولذلك وفقا للرجل يجب أن تكون الإجابة على هذا السؤال جزءا أساسيا من أي خطة شاملة للحرب الجارية، وقد أعلن وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد بالفعل بأن الموقف بعد الحرب مسألة مهمة جدا وتجري مناقشتها بكثافة حاليا، ولكن وزارة الدفاع الأمريكية لم تعلن حتى الآن عن أي خطط أو رؤى لهذا الموقف، مثل فترة احتلال العراق ولا القوات اللازمة لهذا الاحتلال.
يقول شوارتزكوف انه ربما تناقش الحكومة الأمريكية هذه الأمور خلف الأبواب المغلقة، ولكنه يرى أن هذه الحكومة لم تشرح رؤيتها للعالم بصورة كافية خاصة بالنسبة لفترة الاحتلال وما يلزمها من مال وأفراد، ويقول انه يأمل بالفعل لو أن أمريكا لديها من الموارد ما يجعلها قوة احتلال لأن هذا الاحتلال يعني أن الجيش الأمريكي سوف يواجه قدرا كبيرا من الفوضى ويمكن أن تكون النهاية سيئة، ورغم نجاح شوارتزكوف في قيادة القوات الأمريكية لتحقيق النصر خلال حرب الخليج الثانية فإن البعض يرى أنه مسؤول بصورة أو بأخرى عن المشكلة الحالية التي يواجهها الأمريكيون حاليا، فقد كتب ريك اتكنسون في مجلة «كورسايد» انه بعد مرور اثني عشر عاما على حرب الخليج وظهور واختفاء رئيسين أمريكيين فمازال الرئيس العراقي صدام حسين في السلطة حتى الآن، وقد بدأت القوات الأمريكية في عملية عسكرية جديدة ضد العراق، ويرى عدد كبير من الخبراء العسكريين أو الأكاديميين أن شوارتزكوف مسؤول جزئيا عن المشكلة الحالية لأنه لو كان قد أنهى العملية العسكرية المعروفة باسم «عاصفة الصحراء» بطريقة صحيحة تماما لما احتاجت القوات الأمريكية إلى العودة مرة أخرى لحرب جديدة في الخليج.
يقول عسكري أمريكي سابق شارك فى حرب الخليج الثانية ورفض ذكر اسمه لأنه يريد الالتحاق بعمل في الإدارة الأمريكية يقول إن كل واحد أثناء حرب الخليج الثانية كان مشغولا بالاحتفال بالتخلص من عقد حرب فيتنام.
ويضيف «نسينا كيف يكسب المنتصرون الحرب، وشوارتزكوف على وجه التحديد وافق على وقف إطلاق النار الذي سمح للقوات العراقية باستخدام طائراتهم المروحية لقمع التمرد الذي قام به الشيعة في جنوب العراق والأكراد في شماله، ثم ظهرت فيما بعد مناطق الحظر الجوي في شمال العراق وجنوبه لحماية كل من الأكراد والشيعة».
الانتصار الناقص
أما مايكل فيكرز ضابط القوات الخاصة الأمريكية سابقا والمحلل الحالي في مركز للدراسات الاستراتيجية فيقول: «من الواضح تماما أنه بغض النظر عن التفوق العملياتي والتكنولوجي الذي حققته قوات الحلفاء في حرب الخليج الثانية إلا أنه لا يمكن اعتبار ما حدث انتصارا استراتيجيا لهذه القوات». نفس المعنى يقوله خبير في وزارة الدفاع الأمريكية حيث يقول إن الانتصار في الحرب الماضية لم يكن كاملا لأن نتائج هذه الحرب تلاشت خلال السنوات الماضية، وقد لاحظ أحد الاساتذة في كلية الحرب الأمريكية أن ضباط الجيش الأمريكي عندما يدرسون حرب الخليج الثانية حاليا داخل الكلية فإنهم يناقشون فقط مسألة إنهاء هذه الحرب، ويضيف أنه بالنسبة للجميع تقريبا فإن مسؤولية إنهاء هذه الحرب بهذه الصورة لا يقع على الجنرال نورمان شوارتزكوف في المقام الأول وإنما يتحمل الجانب الأكبر من المسؤولية الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جورج بوش الأب ورئيس هيئة الأركان المشتركة في ذلك الوقت الجنرال كولن باول كما يقول جون ألين وليامز استاذ العلوم السياسية والمتخصص في الشؤون العسكرية في جامعة لويولا بشيكاغو.
مهمة واضحة
وفي المقابل فإن شوارتزكوف نفسه يرفض الرأي القائل بأن الحرب انتهت بطريقة سيئة، حيث يقول إن مهمته كانت بسيطة وواضحة تماما وهي طرد القوات العراقية من الكويت، ولم تطلب منه واشنطن على الإطلاق غزو العراق ولا الإطاحة بصدام حسين، ويضيف انهم ربما لم يواجهوا منذ 12 عاما ما تواجهه إدارة الرئيس بوش الابن حاليا، ويقول ربما كان قرار إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار هو القرارالوحيد الممكن اتخاذه في ذلك الوقت، على الرغم من الشهرة الواسعة التي حققها شوارتزكوف بعد الحرب حتى أصبح كنجوم السينما لا يكاد يتمكن من السير في الشوارع بسبب المعجبين الذين يطلبون الحصول على توقيعه فإن سمعته داخل الجيش الأمريكي نفسه ليست بهذه الصورة.
يقول الجنرال المتقاعد ريتشارد سينريش الذي يشارك باستمرار في الكثير من حلقات التدريب العسكري أن هناك الكثيرين داخل الجيش الأمريكي الذين يحملون شوارتزكوف مسؤولية إنهاء العمليات العسكرية أثناء حرب الخليج قبل تحقيق الانتصار الكامل، ويضيف انه يعرف الكثيرين من الضباط سواء ممن مازالوا في الخدمة أو تقاعدوا يتبنون هذه النظرة، لكن ما سبب سخط العسكريين على شوارتزكوف بهذه الصورة؟.. يقول سينريتش إن هذا بسبب المعاملة غير اللطيفة التي كان شوارتزكوف يعامل بها مرؤوسيه في حرب الخليج، كان شوارتزكوف قد أثار الانتباه إليه عندما انتقد أحد كبار جنرالاته في هذه الحرب بصورة علنية أثناء حرب الخليج وهو فريدريك فرانكس على الرغم من أن التقاليد العسكرية تفرض الاحتفاظ بأي خلافات داخل نطاق الجيش، كان فرانكس قد قام بتحريك قواته دون تلقي الأوامر وبطريقة خطيرة لمهاجمة القوات العراقية.
يقول الضابط دونالد فاند جريف أنه يرى أن مهاجمة فريدريك لم تكن تصرفا صائبا، أما شوارتزكوف نفسه فيقول إنه لم يكن يقصد مهاجمة فرانكس لكنه كان يريد إعطاء تقدير حقيقي للموقف، خاصة وأن تقاليد الجيش تحدد كيفية التحرك ثم عمل مراجعة للموقف بعد انتهائه وأنه يجب أن يتم تقييم الموقف بعد حدوثه كما هو بالفعل مهما كان ذلك مؤلما لمن نفذ هذا الموقف.
الأمر الثاني الذي سبب ضيقا كبيرا لضباط الجيش الأمريكي من شوارتزكوف هو ابتعاده الواضح عن الجيش بعد تقاعده، فالكثير من كبار الضباط يظلون على اتصال بالمؤسسة العسكرية بعد تقاعدهم من خلال إلقاء المحاضرات في الكليات العسكرية والمشاركة في مراقبة التدريبات العسكرية وغير ذلك ولكن شوارتزكوف لا يقوم بأي من هذا منذ تقاعده عقب حرب الخليج الأمر الذي جعل أصدقاءه داخل الجيش قليلين، ولكن شوارتزكوف من ناحيته يرى أنه ابتعد عن العمل العسكري في الوقت المناسب لعدة أسباب أولها أنه كانت هناك شائعات تتردد عن سعيه للحصول على منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة خلفا لرئيسها في ذلك الوقت الجنرال كولن باول، السبب الثاني أنه لم يكن لديه وقت كبير خاصة بعد انشغاله في العمل مع عشرات الجمعيات الخيرية غير العسكرية، فعقب اكتشاف اصابته بسرطان البروستاتا عام 1994 انضم إلى جمعيات دعم أبحاث السرطان حيث حصل على جوائز أكثر من عشرمن هذه المنظمات تقديرا لجهوده في هذا المجال.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|