|
الافتتاحية لقد آن الأوان! |
مثلما أننا نهتم بمظهر المدينة من حيث الشكل والنظافة في المبنى والطريق والألوان بما في ذلك المجسمات الجمالية..
ومثلما أن أي إخلال بذلك سوف يكون مصدر إزعاج لكل القاطنين في المدن والمستخدمين للطريق والساعين أبدا للبحث عن الصور الجميلة..
فإننا في مقابل ذلك نطالب الأمانات والبلديات والمجمعات القروية بشيء من الاهتمام والحرص على تحقيق المزيد مما نتمناه.
***
ذلك أن أي مظهر لايراعي أذواقنا ولايحترم رغباتنا سوف يقابل من المجتمع بالنفور والملاحظة والنقد المتواصل ضمن التعبير الحر بعدم الرضا او القبول بهذه الحالة التي نتحدث عنها..
بما يعني أن هاجس الجهات المسؤولة يجب أن يكون في الحرص على التواصل مع شرائح المجتمع للتعرف على اهتمامات أفراد المجتمع ومتطلباتهم وتحقيقها لهم.
***
وبافتراض أن العناية بمدننا وقرانا قد قطعت مرحلة متقدمة من حيث الشكل العام والمواصفات التي تنسجم مع اهتمامات المواطنين..
وعلى افتراض أن الملاحظة قد انحصرت في أضيق حدودها في ظل إصغاء الجهات المسؤولة إلى صوت المواطن والإبلاء لإنجاز الكثير من تطلعاته..
فإن هذا لايلغي أو يوقف تواصل المواطن بالجهة المسؤولة للمطالبة بالمزيد ضمن جدولة تأخذ بالأهم قبل المهم من اهتماماته.
***
هذه خاطرة..
أحاول بها ومن خلالها أن تكون مدخلا لأقول شيئا عن موقف المرور من سيارات تؤذي العين بمظهرها ومستوى نظافتها الخارجية ومدى توفر متطلبات السلامة فيها..
فيما هي تجوب الشوارع جيئة وذهابا بمظهرها هذا وفي بطء شديد يعرقل حركة السير ويعرض المارة ومن هم في سياراتهم للخطر.
***
وأنا هنا لا أستثني في هذه الخاطرة من ملاحظتي تلك السيارات الفارهة ذات الموديلات الجديدة والألوأن الزاهية التي ربما تصور أصحابها أنهم غير معنيين بهذا الكلام..
مثلما أنني لا أستهدف بها السيارات القديمة من حيث الجودة والسعر والموديل، إذ إن المقصود والمعني من إثارة هذا الموضع كل سيارة تتخلى عن شروط السلامة وتستعرض في الشارع بما هي عليه من افتقار لعنصر النظافة والاهتمام بالمظهر العام.
***
وبذلك فإن حجم الغضب سوف يكون أكبر ويتضاعف أكثر حين تتكاثر الملاحظات وتمتد إلى قطاعات أخرى كالمرورمثلا بفعل الإهمال أو عدم المبالاة..
كما أن غياب المحاسبة هو ما عرض هذه القطاعات إلى الكثير من التشويه، وهوبالتالي ما أخفى ذلك الذي يريح العين ويسر الخاطر من الجماليات المطلوبة.
***
ليت إدارة المرور إذًا توقف السيارات التي تخلو من توفرمتطلبات السلامة..
وتلك التي تبدو في مظهرها مؤذية للآخرين..
بوضع غرامات محددة وتصاعدية لمن لا يلتزم بقواعد المرور..
فقد آن الأوان لذلك.
خالد المالك
|
|
|
في ظل سياسة فرض الامر الواقع هل خيار ( الدولتين) في فلسطين مازال ممكنا ؟! |
* إعداد: د. سيد محمد الداعور
دب الرعب في أركان الكيان الصهيوني عندما أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني احمد قريع مؤخرا ان الفلسطينيين ربما يتخلون عن المطالبة بالدولة المستقلة، ويتوجهون نحو المطالبة بالبقاء في دولة واحدة (ثنائية القومية) على كامل ارض فلسطين التي تمتد من نهر الاردن إلى البحر المتوسط، وبالحقوق ذاتها التي يتمتع بها الإسرائيليون، لأنه لم يبق أمامهم غير ذلك الخيار في ظل إصرار حكومة إسرائيل المتطرفة بزعامة أرئيل شارون على استغلال الوضع الدولي الراهن والدعم الأمريكي الأعمى، والتملص من استحقاقات عملية التسوية السلمية المتمثلة بقيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفرض الأمر الواقع على الأرض بتسريع بناء الجدار الفاصل بين الكيان الصهيوني والضفة الغربية، في مسار لا يلتزم بما يسمى بالخط الأخضر بل يتوغل ويتلوى كالأفعى داخل الأراضي الفلسطينية مقطعاً أوصالها، مع مواصلة وتكثيف بناء المستوطنات والطرق الالتفافية، وتصعيد وتيرة إرهاب الجيش الإسرائيلي، وسياسة التصفيات والاغتيالات والتقتيل ضد الشعب الفلسطيني وانتفاضته الباسلة.
وعلى الرغم من صدور بيان عن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والقوى السياسية الفلسطينية عشية اليوم التالي للتصريح، وتراجع قريع نفسه عن تهديده وتأكيده مجددا على التزام الفلسطينيين بخطة خارطة الطريق وبخيار دولتين لشعبين، فان ردود الفعل الإسرائيلية كانت غاضبة ومحرضة في آن واحد، لان كل ردود الأفعال الصهيونية هذه إنما يكمن فهمها في سياق حالة الضيق والانزعاج من هذا التلويح الفلسطيني بالعودة إلى هذا الخيار (خيار الدولة الواحدة)، لأنه يستفز القوى السياسية الحاكمة والمعروفة بموقفها الذي يدعو إلى الفصل خوفاً من الخطر الذي يسمونه (القنبلة الديمغرافية) الفلسطينية، والذي لا يمر مؤتمر أو ندوة سياسية أو فكرية في إسرائيل إلا وتكون هذه القضية حاضرة فيه.
لقد أضاء هذا التصريح اكثر من إشارة حمراء لدى دوائر صنع القرار السياسي في إسرائيل، سواءً في الائتلاف الحاكم أو في صفوف قوى اليسار التي تؤيد قيام دولة فلسطينية لنفس الاعتبار وهو التخلص من الخطر الديمغرافي الفلسطيني الذي يهدد هوية إسرائيل كدولة يهودية. وهذا الخطر هو نقطة الإجماع الوطني الصهيوني الذي تلتقي حولها كافة القوى الصهيونية، ويأتي مرتبطاً به رفض هذه القوى مجتمعة لحق العودة باعتباره التنفيذ العملي لإحداث هذا الخلل الديمغرافي الذي لا يعني من وجهة نظرهم سوى تدمير دولة إسرائيل.
أزمة المشروع الصهيوني
ولاشك في أن الدولة الصهيونية لا تعيش حاليا مرحلة من التخبط والتوتر فحسب، بل إن المشروع الصهيوني برمته يمر بأزمة مصيرية تاريخية تهز أسسه وأركانه، وربما تعجل بانهياره وتبدد أحلامه وطموحاته التي قامت على شعارات وادعاءات غير واقعية، وبنت أحلامها على نظريات طوباوية، وروح من الاستعلاء والشوفونية القومية والدينية المتعصبة. فالفكرة الرئيسية التي قام عليها المشروع الصهيوني تمحورت حول مقولة ارض بلا شعب لشعب بلا ارض، أي يريدون فلسطين خالية من السكان وذلك بطردهم وترحيلهم إلى خارجها بالقوة، وهذه المقولة يلفها استعلاء وتبجح استعماري، يتجاهل الحقائق الثابتة على الأرض بوجود الشعب الفلسطيني كأكثرية ساحقة ومتجذرة في أرض الآباء والأجداد، ومستمدة المزيد من القوة والثبات من محيطها وعمقها العربي والإسلامي.
فالفكرة الصهيونية نشأت في البيئة الأوروبية في القرنين الثامن والتاسع عشر، التي شهدت وقتها تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية كبرى، وما صاحب ذلك من تصاعد في تيار الفكر القومي لدى شعوبها المختلفة، الذي امتزج بالروح الاستعمارية والعنصرية، مع ظهور ما يُطلق عليه الصهاينة (معاداة السامية)، أي بغض وعداء اليهود الساميين بالفطرة.
ففكرة توطين اليهود واقامة دولة لهم في فلسطين ابتدعها القادة الأوروبيون قبل اليهود أنفسهم. وكان الهدف الأول من وراء إقامة دولة لليهود خارج أوروبا، وبخاصة في فلسطين، هو حل المسألة اليهودية وذلك بالتخلص من يهود أوروبا الذين ما انفكوا يثيرون الاضطرابات والثورات هناك، وما يتبعها من ردود أفعال ضدهم تؤدي إلى عمليات قتل وتشريد لليهود. أما الهدف الثاني فكان يتمثل في استغلال هذا الكيان كرأس جسر للاستعمار والمصالح الأوروبية في المنطقة العربية.
فبريطانيا التي مكنت اليهود بموجب وعد بلفور عام 1917 باقامة وطن قومي لهم في فلسطين في عام 1948، كانت تعمل جاهدة منذ وقت مبكر لتوطين اليهود في فلسطين لخدمة مصالحها الاستعمارية في الشرق العربي والإسلامي. ففي سنة 1840 بعث وزير خارجيتها آنذاك اللورد بالمرستون رسالة إلى السفير البريطاني في استانبول (حيث كانت فلسطين آنذاك جزءاً من الدولة العثمانية) يقول فيها إنه (إذا عاد أفراد الشعب اليهودي إلى فلسطين فان ذلك سيخولنا استخدامهم كمخلب قط ضد العرب).
ولكن الحلم الصهيوني، الذي بدأ طريقه إلى التحقق في المؤتمر الصهيوني الأول الذي رعاه الزعيم الصهيوني ثيودور هرتزل في مدينة بازل السويسرية عام 1897، كان جوهره وأساسه هو إقامة ملاذ آمن لليهود، يتجمعون فيه من الشتات، ويخلصهم من الاضطهاد ومعاداة السامية، ويتمكنون فيه من إحياء دينهم وتراثهم وهويتهم المتميزة في ارض الميعاد.
وها نحن نشهد بأعيننا هذا الحلم الزائف يتبدد، وكيف اصبح هذا الملاذ الآمن شركا وجحيما بسبب الكذبة الكبرى التي ابتدعوها بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. فتفاجأ الصهاينة بصمود الشعب الفلسطيني وتشبثه بأرضه وتمسكه بحقوقه بمساندة ودعم إخوانه العرب والمسلمين المخلصين.
ونشاهد اليهودي الذي خُدع وهاجر إلى اسرائيل يغادر إلى الغرب، وتزايد هذا النزوح خلال السنوات الأخيرة بعد اندلاع وتصاعد الانتفاضة الفلسطينية، وتضاءل عدد المهاجرين الجدد بسبب المشاكل الأمنية والأزمة الاقتصادية التي تعيشها الدولة الصهيونية بسبب المقاومة الفلسطينية الباسلة.
مأزق إسرائيلي
كانت الحكومة الاسرائيلية العمالية، بزعامة اسحق رابين وشمعون بيرز، تضع نصب عينيها خيار الدولتين المنفصلتين، عندما وقعت اتفاقية اوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية في سبتمبر 1993، بحيث يقيم الفلسطينيون دولتهم في الضفة الغربية وغزة، ويتم الاعتراف بدولة اسرائيل داخل الحدود التي كانت قائمة قبل احتلال عام 1967.
وحقيقة الامر ان البراجماتيين الاسرائيليين بقيادة شمعون بيريز، تيقنوا بعد فشلهم في إخضاع الشعب الفلسطيني أو ترحيله عن أرضه، وتصاعد مقاومته وصموده، بأنه لا يمكن لاسرائيل ان تستمر كدولة يهودية بدون قيام دولة فلسطينية إلى جانبها، ولكن بالمواصفات الاسرائيلية بحيث لا تشكل هذه الدولة في المستقبل خطرا على اسرائيل، لان دهاقنة السياسة الصهيونية يدركون أن قيام دولة فلسطين كاملة السيادة والقابلة للحياة، ستقوض حتما على المدى الطويل المشروع الصهيوني على ارض فلسطين التاريخية من أساسه، لذا نلاحظ إصرار اسرائيل في مفاوضات الحل النهائي، على قيام كيان فلسطيني منقوص السيادة، ولا يتمتع بالمقومات الأساسية لدولة قابلة للحياة والنمو. والبديل الآخر أمام إسرائيل بدل قيام الدولة الفلسطينية هو الضم، مع ما يحمله هذا الخيار من أخطار. فضم الضفة الغربية وقطاع غزة إلى اسرائيل يعني إضافة 3.5 مليون فلسطيني إلى 1.2 مليون فلسطيني داخل اسرائيل. فلو تمعنا في هذا الرقم فنجده يشكل كارثة ديمغرافية بالنسبة لاسرائيل، التي ستتحول، إذا حدث ذلك، بأمر الواقع إلى دولة ثنائية القومية، ويضحى الفلسطينيون فيها خلال عقد من الزمن أكثرية واليهود أقلية.
احتدام المعركة الديمغرافية
على الجانب الفلسطيني، توقع تقرير احصائي فلسطيني أن يصبح الفلسطينيون عام 2010 أغلبية على أراضي فلسطين التاريخية، التي تضم قطاع غزة والضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948، وهذا ما وصفه خبير ديمغرافي فلسطيني بأنها (معركة حسم ديمغرافي) يخوضها الفلسطينيون مع اليهود.
ويشير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في تقريره لعام 2002، أن عدد السكان الفلسطينيين في (فلسطين التاريخية) بلغ عام 2002 نحو 4.9 ملايين نسمة، في حين بلغ عدد الاسرائيليين اليهود 5.1 مليون في العام نفسه. وأوضح أنه من بين الـ 4.9 ملايين فلسطيني، 3.7 ملايين يعيشون في أراضي السلطة الفلسطينية: في الضفة الغربية 2.3 مليون نسمة، وفي قطاع غزة 1.4 مليون نسمة، في حين يسكن في أراضي اسرائيل (فلسطين المحتلة 48) حوالي 1.2 مليون نسمة.
وتوقع التقرير أن يصل عدد الفلسطينيين بحلول منتصف عام 2005 إلى 5.1 مليون نسمة، مقابل 5.3 مليون يهودي، وذلك وصولا إلى أن يتساوى الجانبان في تعدادهم عام 2006 واشار إلى ان عدد الفلسطينيين سيرتفع في منتصف عام 2010 إلى 6.2 مليون نسمة، مقابل 5.7 مليون يهودي، مضيفا ان هذا العدد سيزداد حتى يصل عام 2020 إلى 8.2 مليون فلسطيني مقابل 6.4 مليون يهودي، ليصبح بذلك الفسطينيون أغلبية بواقع 56% من سكان فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر.
وعلى الجانب الاسرائيلي، قال الخبير الديمغرافي الاسرائيلي سيرجيو دولا بيرجو لوكالة الانباء الفرنسية في يناير الماضي (أنه مع حلول نهاية العقد الحالي سيصبح اليهود أقلية في الاراضي التي تضم اسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة)، مشيرا إلى ان (السكان اليهود اليوم ليسوا غالبية الا بشكل بسيط بين البحر المتوسط ونهر الاردن)، وأضاف بيرجو انه لدى (السكان العرب معدلات ولادة مرتفعة اكثر بكثير من السكان اليهود الذين تزداد اعدادهم بفضل موجات الهجرة التي تستمر في التراجع، واذا لم تحدث كارثة ليهود الشتات فلا توجد مؤشرات على ان هذا الاتجاه سيتغير).
قلق إسرائيلي
أدى اعلان عوزي ديان، رئيس مجلس الامن القومي في اسرائيل، امام لجنة الشئون الخارجية والامن البرلمانية، عن تقديرات ديمغرافية تفيد بأن اليهود لن يشكلوا غالبية في اسرائيل بعد 20 عاما، إلى قلق بالغ في اسرائيل على كافة المستويات. قال ديان في دراسة أعدها حول الاوضاع السكانية للعرب والاسرائيليين بحلول عام 2020: (ان حوالي 5 ملايين يهودي يعيشون حاليا بين نهر الاردن والبحر المتوسط، مقابل 4 ملايين عربي، وبحلول عام 2020 سيبلغ عدد المواطنين في المنطقة ذاتها، وفقا للتقديرات، 15 مليون نسمة، يشكل اليهود نسبة 45% منهم فقط).
وقدم ديان عدة توصيات طالب فيها الحكومة الاسرائيلية بالعمل على تنفيذ إحداها لمواجهة هذا الخطر القادم، على حد وصف صحيفة (هتسوفيه) الاسرائيلية في 136 2002، وهي:
1 دمج عرب اسرائيل في المجتمع الاسرائيلي عن طريق العمل، 2 محاربة الارهاب الفلسطيني لاحداث تغيير في المواقف الفلسطينية على المدى البعيد يساعد على التوصل لحل سياسي مبني على قيام دولتين، إسرائيلية وفلسطينية، 3 واذا لم يتحقق أي شيء من الاقتراحين السابقين، يتم تأجيل إقامة الدولة الفلسطينية إلى أجل غير مسمى.
ويعكس حديث بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ووزير المالية في حكومة شارون الحالية، امام المؤتمر السنوي الثالث حول الامن في هرتسيليا في 1712 2003، هذا التخوف الديمغرافي حين قال ان (مشكلة اسرائيل الديمغرافية) تكمن في فلسطينيي الـ 48، داعيا إلى العمل على منع زيادة نسبتهم عن 20% في اسرائيل (أي النسبة الحالية). وأضاف: (فالشيء المهم هو الحفاظ على الغالبية اليهودية في اسرائيل وتحسين الاقتصاد لتشجيع مزيد من يهود الشتات إلى الهجرة إلى اسرائيل. لو ان الفلسطينيين في اسرائيل وصلوا إلى نسبة ما بين 35 40% من عدد سكان اسرائيل، ستصبح اسرائيل دولة ذات قوميتين).
تزايد وتيرة الهجرة المضادة
وجدير بالذكر أن الهجرة إلى اسرائيل هبطت بمعدلات غير مسبوقة في عام 2003، حيث تدنت بصورة اجمالية بنسبة 31% مقارنة بعام 2002 حسب مصادر اسرائيلية معنية بملف الهجرة. وقال مايكل ياكيليفتش، الناطق باسم الوكالة اليهودية (الهيئة شبه الحكومية المكلفة بهجرة يهود الشتات) لوكالة الانباء الفرنسية في اواخر ديسمبر 2003: (ان نحو 24 الف مهاجر، نصفهم من دول الاتحاد السوفيتي سابقا المصدر الرئيسي للمهاجرين اليهود منذ مطلع التسعينات، وصلوا إلى اسرائيل عام 2003 وأشار ياكيليفتش إلى ان هذه الارقام تعتبر ادنى باربعة اضعاف من الـ 100 الف مهاجر سنويا التي يتطلع اليها رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون خلال السنوات العشر القادمة، وبين انه بانخفاض الهجرة اليهودية سيصبح عرب اسرائيل (فلسطينيو 48) وفلسطينيو الاراضي المحتلة يشكلون الاغلبية في اقل من عشر سنوات.
وأما بالنسبة للهجرة المضادة، اشارت الصحف الاسرائيلية إلى هجرة مابين 10 و15 الف يهودي من اسرائيل إلى الخارج سنويا منذ اندلاع الانتفاضة عام 2000.
الأزمة الاقتصادية تزيد الطين بلة
في الواقع، إن الازمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها اسرائيل حاليا سببها الاساسي هو تصاعد الانتفاضة الفلسطينية منذ عام 2000، وأصبحت تشتد سنة بعد أخرى. فقد ذكر المكتب المركزي للاحصاء ان الاقتصاد الاسرائيلي سجل في عام 2001 انكماشا بنسبة 0.5% وذلك للمرة الاولى منذ عام 1953، وفي عام 2002 بلغت نسبة النمو الاقتصادي 1%، و صفر% في الربع الاول من عام 2003. وتراجعت اسرائيل إلى الترتيب الاربعين على مستوى العالم من حيث متوسط الدخل القومي للفرد، كما تراجع النمو في قطاع الاعمال بنسبة 2.2% وانخفضت نسبة الناتج القومي للفرد بنسبة 3%، وتراجعت الاستثمارات الاجنبية بنسبة 11%، مع تراجع في الانتاج الصناعي بنسبة 6%، اضافة إلى انخفاض انتاجية الصناعة العالية التقنية، وهي مفخرة الاقتصاد الاسرائيلي، إلى 24% وكانت الخسارة الكبرى من نصيب قطاع السياحة، حيث تراجعت عائداته عام 2001 بنسبة 47% عن عام 2000، وانخفض عدد السياح بنسبة 51%، ومع نهاية عام 2002 خسرت اسرائيل ما مجموعه 4 ملايين سائح.
إذاً العامل الديمغرافي هو المحرك الرئيسي، بل الحاسم، في تحديد اتجاه ونتيجة الصراع الفلسطينيالاسرائيلي. لذا فان الزيادة السكانية الفلسطينية بهذا الزخم العارم، هي الهاجس الرئيسي الذي يقلق الزعماء الصهاينة ويجعلهم يتخبطون، ويعيشون في حيرة من امرهم. فحل الدولتين يهدد كيانهم على المدى البعيد، والدولة الواحدة ثنائية القومية تنهي طبيعة الدولة الصهيونية كدولة يهودية في المدى المنظور. فما العمل وكيف الخلاص؟
شارون يحاول الخلاص
استغل شارون الوضع الدولي والحرب التي تشنها الولايات المتحدة على الارهاب وقام بربط حربه ضد المقاومة الفلسطينية بحرب الولايات المتحدة ضد الارهاب، وبدأ بالالتفاف على وتقويض كلا الخيارين (خيار الدولتين و خيار الدولة الواحدة ثنائية القومية) بالشروع في تنفيذ خططه للانفصال احادي الجانب عن الفلسطينيين، وذلك عبر تكثيف الاستيطان، وعبر اقامة الجدار الفاصل بين الفلسطينيين واسرائيل، ومؤخرا عبر طرح خطة لنقل بعض المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والتي يقطنها عرب الـ 48 داخل اسرائيل، إلى السيادة الفلسطينية، مقابل فرض السيادة الاسرائيلية على التجمعات الاستيطانية اليهودية القائمة داخل اراضي الضفة الغربية.
فالجدار الفاصل، الذي يبلغ طوله حوالي 730 كلم، سيطوق الفلسطينيين من الشمال، ويمتد ملتويا كالافعى إلى الغرب والجنوب متوغلا داخل اراضي الضفة الغربية، وستمتد مرحلته الاخيرة إلى الشرق في مسار متعرج يمر من وسط الضفة الغربية بحيث يعزل الفلسطينيين عن غور الاردن فلا يصبح لهم حدود مع المملكة الاردنية، والهدف هو عزلهم وحشرهم داخل عدة كانتونات متفرقة وغير متواصلة جغرافيا على مساحة 42% من الضفة الغربية، بحيث يصبح من المستحيل اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة على كامل اراضي الضفة الغربية وغزة التي تمثل مساحتهما 22% فقط من مساحة ارض فلسطين غرب نهر الاردن.
الدولة ثنائية القومية
وعلى ضوء هذه التطورات والاجراءات الاحادية الجانب، حذرت السلطة الفلسطينية في الآونة الاخيرة من ان امكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة بدأت تتلاشى بسرعة. وجاء ذلك واضحا في حديث للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في اواخر يناير الماضي مع صحيفة الجارديان البريطانية حيث أكد (ان الوقت بدأ ينفد بالنسبة لحل الدولتين).
وجاء تحذير الرئيس عرفات في اعقاب تصريح رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع، آنف الذكر، حول امكانية توجه الفلسطينيين نحو المطالبة بالبقاء في دولة واحدة (ثنائية القومية)، والتخلي عن المطالبة بالدولة المستقلة، بسبب استمرار اسرائيل في انتهاج سياسة التقتيل والتدمير ضد الشعب الفلسطيني، وقيامها ببناء جدار الفصل العنصري، وتعزيزها الاستيطان، وتملصها من استحقاقات عملية التسوية المتمثلة بقيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ومشروع تقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية وأخرى يهودية، كان الخيار الدولي واليهودي المفضل قبل انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين في عام 1948. فمع اشتداد الصراع بين عرب فلسطين، والمستوطنين والمهاجرين اليهود، ارسلت الحكومة البريطانية في اغسطس عام 1936 لجنة سميت (لجنة بيل)، لتقصي الحقائق على الارض ومحاولة ايجاد حل للصراع الدائر هناك، وبعد أن قامت اللجنة بمهمتها، رفعت توصيتها إلى الحكومة البريطانية بتقسيم فلسطين إلى دولتين، واحدة عربية والاخرى يهودية. ولكن المشروع لم ير النور نظرا لرفض الفلسطينيين القوي لتقسيم بلادهم. ولكن مشروع التقسيم رأى النور عندما اصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة في 29 نوفمبر عام 1947 القرار العتيد رقم 181 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين: دولة يهودية على مساحة 54% من الارض على الرغم من أن اليهود كانوا يملكون اقل من 6% من الارض ويشكلون ثلث السكان، وأخرى عربية على 46% من الارض للأكثرية التي تملك غالبية الارض.
رفض فلسطيني
فبمجرد صدور القرار، قبله اليهود تكتيكيا إلى ان تحين الفرصة المواتية للتوسع واقامة اسرائيل الكبرى، بزعامة دافيد بن جورين الصهيوني الانتهازي، رغم رفض اليمين الصهيوني المتطرف بقيادة زئيف جابوتنسكي الأب الروحي لمناحم بيجن واسحق شامير، وبنيامين نتانياهو وأرئيل شارون، بينما رفضه الفلسطينيون لأن فيه جورا وظلما كبيرين، ولأنهم كانوا يرفضون من حيث المبدأ تقسيم بلادهم فلسطين، ويطالبون دوما بالاستقلال. ورغم اعلان قيام دولة اسرائيل في مايو 1948 وسيطرة اليهود خلال الحرب على اكثر من 78% من ارض فلسطين، إلى ان احتلوا باقي ارض فلسطين (الضفة الغربية وغزة) في حرب يونيو 1967، بقي الفلسطينيون مصرين على رفض التقسيم ورفض الاعتراف باسرائيل، إلى أن طرحت منظمة التحرير الفلسطينية، بعد قيامها عام 1965، خيار الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين بعد اسقاط المشروع الصهيوني، بحيث يعيش سكان فلسطين المسلمون والمسيحيون واليهود في دولة علمانية واحدة تحفظ حقوق الجميع. ولكن اليهود رفضوا هذا الطرح الذي أسموه (بالحل العربي للصراع) الذي يؤدي إلى تحويل اليهود إلى أقلية مضطهدة.
بداية التحول
ولكن بعد احتلال اسرائيل للضفة وقطاع غزة عام 1967، قبلت منظمة التحرير الفلسطينية خيار الدولتين، في الوقت الذي كان غالبية الاسرائيليين يسعون إلى الوصول مع الاردن إلى اتفاقية التقاسم الوظيفي في المناطق المحتلة للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية مستقلة. إلى جانب اشتداد حمى الاستيطان من قبل اليهود اليمينيين المتطرفين، الذين يطالبون بضم جميع اراضي الضفة الغربية (التي يسمونها يهودا والسامرة) وقطاع غزة، والتي يعتبرونها جزءا من أرض اسرائيل التوراتية، ويدعون ان دولة فلسطينية قائمة بالفعل شرق نهر الاردن (المملكة الاردنية) مدعين أن تصريح بلفور الذي صدر في عام 1917، وعد باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين كلها (مايسمونها ارض اسرائيل) الواقعة على جانبي نهر الاردن، لكن بريطانيا اخلفت تنفيذ كامل وعدها، واقامت امارة شرق الاردن بزعامة الأمير عبدالله بن الحسين، على حوالي 70% من ارض اسرائيل شرق النهر. وهذا الادعاء هو الذي يركن ويستند اليه الاسرائيليون عندما يطرحون الاردن كوطن بديل للفلسطينيين.
ضغوط الانتفاضة
بدأ التيار السياسي الغالب في اسرائيل يفكر جديا في خيار الدولتين بعد تفجر الانتفاضة الفلسطينية الاولى في اواخر عام 1987، والتي اكدت عمليا ان الفلسطينيين لم يعودوا يقبلون بالاحتلال الاسرائيلي إلى مالا نهاية. وتمت بلورة هذا الاتجاه الاسرائيلي وتجسيده عمليا عبر ابرام صفقة اوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية في سبتمبر 1993، بحيث تقام دولة فلسطينية إلى جانب اسرائيل بشكل تدريجي، وقد تعزز هذا النهج دوليا بصدور قرار مجلس الامن الدولي رقم 1397 في أعقاب طرح خطة خارطة الطريق، ورؤية الرئيس الامريكي جورج بوش بقيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة اسرائيل قبل نهاية عام 2005، وكذلك تبني جامعة الدول العربية مبادرة السلام السعودية التي طالبت اسرائيل بالانسحاب من جميع الاراضي العربية التي احتلتها بعد حرب 1967، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس العربية، على جميع أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، مقابل الاعتراف والتطبيع الكامل للعلاقات مع إسرائيل.
تراجع خيار الدولتين
ورغم التأييد والدعم الدوليين لخيار الدولتين، فقد برزت مؤخرا بقوة فكرة الدولة الواحدة (ثنائية القومية) مع قبول فلسطيني لها اكثر من ذي قبل نظرا للتغيرات الدولية والامر الواقع الذي تفرضه اسرائيل على الارض. فالمستوطنات الاسرائيلية مستمرة في الانتشار والتوسع في عمق اراضي الضفة الغربية، وما يصاحب ذلك من بناء للطرق الالتفافية التي تربط بعضها البعض ثم بالمدن والتجمعات داخل اسرائيل، واقامة المواقع والمناطق العسكرية التي تتحصن فيها قوات اسرائيلية كبيرة، ناهيك عن تنفيذ بناء جدار الفصل، الشيء الذي يجعل قيام الدولة الفلسطينية القابلة للحياة امرا صعبا بل مستحيلا.
التخوف الإسرائيلي
من (الدولة ثنائية القومية)
ينظر المحللون السياسيون الاسرائيليون بريبة وقلق شديدين إلى توقف القيادة الفلسطينية بزعامة الرئيس ياسر عرفات عن تهديده باعلان الدولة المستقلة على اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك في اعقاب فشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 وتشير استطلاعات الرأي بين الفلسطينيين مع تصاعد الانتفاضة الفلسطينية الحالية إلى تزايد التيار بين الفلسطينيين الذي يطالب بتحرير كل فلسطين وليس الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، مع اصرار القيادة السياسية للعرب الاسرائيليين على ان تصبح اسرائيل (دولة لكل مواطنيها) لا ان تكون دولة صهيونية يهودية تعيش فيها اقلية عربية.
ويلح هؤلاء السياسيون في مطالبة الاسرائيليين على التوحد حول فكرة ان تبقى اسرائيل دولة يهودية ديمقراطية، ولاتمر بتجربة جنوب افريقيا، وان تأخذ الامور بيدها وتنفذ الفصل احادي الجانب، وذلك في ظل تراجع امكانية خيار الدولة المستقلة، والتشدد في الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي.
وكان نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت اكثر وضوحا في تخوفه من التوجه الفلسطيني نحو خيار الدولة الواحدة ثنائية القومية، عندما تحدث مؤخرا إلى صحيفة (هاآرتس) قائلا: (ان الفلسطينيين يريدون ان يغيروا اسلوب النضال من النموذج الجزائري إلى النموذج الجنوب افريقي، من نضال ضد (الاحتلال) إلى نضال من اجل تحقيق صوت لكل مواطن في الانتخابات. وطبعا يعتبر هذا نضالا انظف واكثر شعبية، وفي النهاية اكثر قوة وتأثيرا، بالنسبة لنا هذا يعني نهاية الدولة اليهودية).
الفصل الأحادي الجانب
وفي ظل هذا الخوف الشديد، نرى شارون واولمرت ينفذان سياسة الفصل الاحادي للفلسطينيين على الارض ببناء الجدار باقصى سرعة ممكنة والتخطيط لاخلاء مستوطنات غزة واعادة موضعتها في الضفة الغربية، واعاقة أية محاولة للبدء بتطبيق خارطة الطريق التي تحقق خيار الدولتين.
وحقيقة الامر، أن الاجراءات التي تنفذها اسرائيل على الارض تهدف إلى اقامة كيان فلسطيني على 42% من الضفة الغربية، وستتعامل اسرائيل مع هذا الكيان كنقيض وعدو وكعنصر تهديد للمشروع الصهيوني، وستعمل على جعل حياة الفلسطينيين، اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا وسياسيا، جحيما لايطاق لتدفع بهم إلى الهجرة، لتحقيق الهدف الصهيوني الاستراتيجي ألا وهو (الترانسفير) الذي يهدف إلى ترحيل الفلسطينيين خارج ديارهم.
ماهي الدولة ثنائية القومية؟
لا يوجد تعريف متفق عليه للدولة ثنائية القومية، ومن وضع حدودا لمثل تلك الدولة انما استنبطها مما طبق من تجارب ومما توفر من خصائص. اذ توصل بعض الباحثين في علم الاجتماع السياسي إلى تعريف مقبول لمفهوم الدولة ثنائية القومية، فحواه انه مفهوم سياسي لقيام نظام حكومي يشترك فيه شعبان في النظرة إلى الدعائم الاساسية التي تكون الدولة. ولا يعتمد اشتراك الجماعتين القوميتين في ادارة مؤسسات الدولة على نسبة موافقة لقوة كل منهما العددية، وانما على المبدأ الاساسي لهذا النظام المتمثل في الارادة الحسنة والتسامح. فلكل جماعة قومية هويتها المنفصلة التي تتمتع فيها بلغتها وثقافتها القومية وتراثها الديني، حيث ان للغة والثقافة والدين مكانة متميزة في نظام الدولة ثنائية القومية.
من جهة اخرى لايعني وجود شعبين في دولة واحدة ان تكون الدولة ثنائية القومية بالضرورة، اذ يمكن ان تكون دولة ديمقراطية تتمتع الاقلية فيها بحقوقها السياسية في ظل حكم الاغلبية، كما يمكن ان تكون دولة عنصرية لايتمتع الشعبان فيها بحقوق متساوية، ويعاني ابناء احد الشعبين التمييز والانعزال.واهم ما يميز دولة ثنائية القومية هو الحصول على نظام توافقي بين الجماعتين القوميتين يتجنب سيطرة الاغلبية على الاقلية. لذا لابد من عناصر اساسية مثل: تقسيم السلطة، ونظام تعدد الاحزاب، وحق الاقلية في الاعتراض والمشاركة في السلطة التنفيذية.
اما في مجال التشريع فيجب التوازن بين شعبتي المجلس العائدتين لكل قومية، بحيث يضمن التمثيل النسبي لكل منهما، اذ ربما يقوم اتحاد اقليمي او غير اقليمي بينهما. هذا، ولايوجد نمط توافقي واحد في الدول متعددة القوميات، فهناك انماط متعددة من التوافقية بحسب تباين الانظمة السياسية.
ولاشك في ان حركة التحرر الوطني تؤدي إلى ايصال القوى المضطهدة والمظلومة، كي تتبوأ مكانها في نظام دولة ثنائية القومية، او متعددة القوميات، اذا ما ابتعدت عن الاغراق في الشوفونية والتعصب الديني. ولكن النظام السياسي لايمكن ان يتحقق بالارادة الحسنة وحدها، بل عبر نضال مستمر، كما تجلى في تجربة جنوب افريقيا.
موقف الطرفين
من الدولة ثنائية القومية
لاشك أن التوجه نحو إقامة الدولة ثنائية القومية سيضيف ابعاداً وملامحَ جديدة إلى الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، فهو سيؤدي، في المقام الأول، إلى تحول استراتيجي في الصراع التفاوضي بين الطرفين، من صراع على الارض إلى صراع على البشر، كون هذا التوجه سيؤدي إلى الاطاحة بالمشروع الصهيوني في اسرائيل ذاتها، وهو في المقام الثاني، سينقل الفلسطينيين إلى مرحلة سياسية مختلفة وربما إلى وضعية المبادرة، وهو في المقام الثالث، سيحول خيار الدولة (ثنائية القومية) من كونه مجرد خيار يتبناه عدد من الاكاديميين والمفكرين والسياسيين من الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني إلى خيار مطروح للنقاش على المستويين الرسمي والشعبي.
الخيار الفلسطيني
مع تلاشي امكانية حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي على اساس الدولتين بسبب السياسة الشارونية المتطرفة، اصبح أمام الفلسطينيين في الضفة وغزة خيارا بين ان يعيشوا في منطقة معزولة (بانتوستان) وبين ان يحولوا سلطة الحكم الذاتي المحدود إلى جزء مكون من نظام دولة ثنائية القومية، لذا يحتاج الفلسطينيون إلى اعادة توجيه نضالهم في هذا الاتجاه. وهذا التوجه لايعني ان الفلسطينيين سيعلنون هزيمتهم امام المشروع الصهيوني، فهم بخيارهم هذا يوسعون مفهومهم للصراع، من الصراع في الاطار السياسي فقط، إلى الصراع في مجال حقوق الانسان والحقوق الدينية وحقوق المواطنة.
على اية حال سيخسر الفلسطينيون بخيار الدولة ثنائية القومية حلمهم بالدولة المستقلة ولكن هذا الخسارة ستعوض بالربح على المدى الطويل. فالفلسطينيون عبر هذا الخيار سيحفظون وحدة أرضهم التاريخية ويحققون وحدة شعبهم. أما بالنسبة للمشروع الصهيوني فالدولة ثنائية القومية ستقوض بلاشك مشروع الدولة اليهودية الصهيونية، لتتحول إلى دولة لكل مواطنيها، او إلى دولة ديمقراطية علمانية.
وتجدر الاشارة إلى ان اول من بادر بطرح فكرة الدولة (ثنائية القومية) على الساحة الفلسطينية هو ساري نسيبه في اواخر الثمانينات، ثم تبلورت هذه الفكرة ونضجت بفضل الاطروحات الاكاديمية القيمة التي قدمها كل من: أسعد غانم، ونديم روحانا، وكمال الخالدي، وسعيد زيداني. ولكنها لم تأخذ شرعيتها وزخمها في النقاش الفلسطيني الرسمي الا بتبني الدكتور عزمي بشارة والبروفسور ادوارد سعيد لها، لما لهما من مكانة سياسية وفكرية متميزة.
ماذا تريد إسرائيل؟
ترفض الأحزاب الاسرائيلية وبخاصة حزبي العمل والليكود خيار الدولة ثنائية القومية، فاذا كان حزب العمل مع خيار الدولة الفلسطينية المستقلة لأنه يتيح لاسرائيل التخلص من الخطر الديمغرافي الفلسطيني، ويحفظ طابع اسرائيل كدولة يهودية، واذا كان الليكود بات يتجه إلى حد ما نحو تبني اطروحة الدولة الفلسطينية على اقل مساحة ممكنة من الارض الفلسطينية، فان خيار (الدولة ثنائية القومية) مرفوض تماما من غالبية الطيف السياسي ويخشاه الاسرائيليون، لانه يعني تقويض الصهيونية وتقويض يهودية اسرائيل في آن واحد، وهذا ما اكدته تصريحات شارون وغيره من قادة الاحزاب السياسية في معرض ردهم العنيف على تصريح قريع آنف الذكر. لذا سيبقى الاجماع الاسرائيلي مرتكزا على خيار الانفصال عن الفلسطينيين ولكن بعض الكتاب والمفكرين الاسرائيليين يعبرون عن اهتمامهم بخيار الدولة ثنائية القومية، ولاسيما بعد توقيع اتفاقية اوسلو. ومع أن هؤلاء الكتاب يثيرون صعوبات متوقعة في وجه ذلك الخيار على الجانبين العربي الفلسطيني والاسرائيلي اليومي، الا انهم يعتبرون ذلك الخيار يمثل تصورا عقلانيا على المدى البعيد. ويمثل هذا التيار الكاتب الاسرائيلي ميرون بنفنستي، النائب السابق لرئيس بلدية القدس.
على ضوء ما تقدم، فان خيار (الدولة ثنائية القومية) يحتم على الفلسطينيين الانخراط في صراع طويل ومضن ومعقد لأجل تحقيقه. فثمة فرق نوعي بين طرح الفلسطينيين لهذا الخيار بعد نيلهم حقهم في تقرير المصير وبين طرحهم له قبل ذلك، بمعنى ان طرح هذا الخيار في ظل المعطيات الحالية، يتطلب من الفلسطينيين التخلي عن مطلبهم الخاص بالاستقلال والقبول أيضا بالتضحية المتمثلة بالخضوع لقانون المحتل الاسرائيلي القائم على القوة والتمييز العنصري ضد اهل الارض الاصليين.
***
المراجع والمصادر:
1 IslamOnLine.net
2 مقالة للمفكر الاسرائيلي يوسي الفير بتاريخ 2112003 على: (http://www.bitterlemon s. org/
3 Susan Hattis Rolef, MultiNationa State, Republica, Vol. XVI, NO. 1, 1974, pp.89116.)
4 Jenab Tutunji and Kamal Khalidi, " A Binational State in Palestine: The Rational Choice for Palestinians and the Moral Choice for Israelis," International Affairs, Vol. 73, January 1997.
5 عزمي بشارة، (عرب الـ 48: حديث شامل مع عضو الكنيست الاسرائيلي الدكتور عزمي بشارة عن مأزق أوسلو والتطورات الاخيرة) مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 28، خريف 1996.
6 Meron Benvenisti, Intimate Enemies: Jews and Arabs in Shared Land (Berkeley: California University Press, 1995), pp. 233234. انظر ايضا مقالة للكاتب في صحيفة (هارتس) بتاريخ 20112003 بعنوان Which Kind of Binational State?
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|