تحفل المسلسلات التاريخية بكثير من عناصر الجذب لأنها تتحدث عن فترات تاريخية لها في وجدان المشاهد مساحة كبيرة أو الشخصيات وأحداث ارتبطت بثقافة المتلقي. ثم إنها إلى ذلك تخرج بالمتلقي العربي من حالة الإحباط العامة التي يعانيها لأنها تتناول فترات تاريخية مضيئة تشعره بشيء الثقة في أمته التي أحاطت بها عوامل اليأس من كل الجهات كما أنها تبعث فيه روح الأمل بإمكانية استعادة تلك الفترات، هذا إلى جانب التشويق الذي تحمله في طياتها حيث إنها تتناول فترات حية ثرة ومتماوجة الأحداث.
كل العوامل السابقة جعلت المسلسلات التاريخية من أكثر الأعمال مشاهدة وخلق حالة من التنافس بين منتجيها فكل مسلسل يريد له أصحابه أن يكون الأكثر نجاحاً وهنا قد تبرز مشكلة رئيسة، ففي ظل التنافس لإدراك النجاح وتحقيق شروطه قد يجنح المسلسل إلى مخالفة الأحداث التاريخية لتحقيق معادلات النجاح، من إثارة وتشويق وغيرها ما قد يدفع البعض إلى تناول جوانب من الشخصية يكون التاريخ قد أغفلها ولم يورد لها ذكراً وقد نلاحظ كمثال لذلك أن بعض الأعمال التي تتناول حياة بعض الشخصيات التاريخية تسهب في عرض جوانب اجتماعية أو حتى عاطفية لم يأت التاريخ لها على ذكرها، أو أنه تناول طرفاً منها فقط لكنها في إطار الحبكة الدرامية تبدو الأكثر ظهوراً وربما وصل الأمر ببعض المخرجين إلى (عصرنتها) إن صح القول حتى تكون متماشية مع العصر الذي نعيش فيه ومن حبه لطرائف تفكيرنا الحالية.
وبالطبع يكون هذا امتثالاً لسلطان السوق وجرياً وراء تحقيق عوائد مالية مجزية تغطي على الأقل إنتاج مثل هذه الأعمال التي من المعروف عنها أنها ذات تكلفة عالية بما تتطلبه من عناصر ديكور ضخمة ربما بنيت خصيصاً للعمل ولا يمكن استخدامها مرة أخرى، غير أعباء إنتاجية أخرى من ملابس وأعداد ضخمة من الممثلين وفي بعض الأعمال التاريخية يتطلب الأمر تصوير مشاهد حروب لا يخفى ما تتطلبه.
فإذا اتفقنا ابتداء على ضخامة إنتاجية هذه الأعمال وتكاليفها الباهظة فإنه من حقنا أن نتخوف من إمكانية تغطيتها هذه التكاليف، ومن جانب أولى أن المنتج قد تخوف قبلا ولابد أنه قد وضع شروطه الربحية أولاً التي قد تأتي كما قلنا على حساب المصداقية.
بالطبع هذا ليس رأيا قاطعاً لكنها وجهة نظر جديرة بالتوقف عندها والتعرض لها، لذا فإن التساؤل حول صدقيتها وصدقية كثير من أحداثها يبقى شيئاً لابد من مناقشته.
هناك نقطة أخرى تبعث على التساؤل وهي كيف يمكن اختيار حقبة تاريخية في هذا الحيز الزماني، فهناك من الأحداث المتداخلة والمشكلات التي تتمدد وتلقي بتأثيراتها العامة على الأحداث والشخصيات وقد يضطر معها كاتب السيناريو إلى تتبع خيط رفيع في المسلسل مع إغفال جوانب أخرى؛ ما يجعل الأحداث شبه مبتورة في كثير من الأحيان هذا وإن كانت هناك ضرورة فنية إلا أنها بالطبع تؤثر على المصداقية إذ يبتر الاختصار أحداثاً كبيرة .
أحياناً فإن الأحداث قد تفاجئ المتلقين الذين تكون تصوراتهم للأحداث مخالفة لتوقعاتهم فالتاريخ الذي قرؤوه بإعجاب كان عبارة عن قطعة تاريخية جامدة يضيف عليها من تخيلاته وتصوراته الكثير لكنها عندما تتم معالجتها درامياً تخالف تصوراته وهذا يدخله في شيء من الحيرة.
نقطة أخرى تتعلق بالفترات التاريخية القريبة فبعض المسلسلات تدور أحداثها في فترات تاريخية لم تتعد المائة عام أو أقل، وهي بالنسبة للمشاهد أحداث مازالت تلقي بظلالها على واقعه وبعض مؤرخيها قد يكونون مازالوا على قيد الحياة ما يجعل المشاهد يفاجأ بكثير من الأحداث وفي مثل هذه الاعمال قد يلعب الغرض والهوى دوراً باعتبار إنها قد تتناول شخصيات ما زال لها مناصروها أيدلوجيا أو فكرياً ما يجعل الكاتب يقع في إشكالية إبراز أفكار معينة متحيزة لفترة وشخصيات أو ضدها، وفي الحالين يكون الأمر مربكا ويشوبه شيء من الشك.
رأينا وإن كان في أحيان نادرة جداً إنتاج مسلسل تاريخي عن نفس الفترة من قبل جهتين مختلفتين فإذا حاول المشاهد محاكمتهما لبعضهما أو إلى النص الأصلي الذي استقاه من مصادر أخرى تبدو الخلافات واضحة وتبرز إشكالات عدة.
الفنانون كمان... وكمان
لم يرضخ نجوم الغناء للراحة الإجبارية التي منحها لهم شهر رمضان، فهو شهر المسلسلات والبرامج والفوازير، التي لا تعطي لفنان مساحة للظهور، فالمشاهد لا يستطيع الغناء في هذا المشهد لأسباب متعددة ومعروفة للجميع وهو ما وعاه الفنانون جيداً فقاموا بتأجيل توزيع ألبوماتهم إلى إجازة عيد الفطر، حتى أنه أصبح موسماً لتسويق الأعمال الغنائية، كما أن القنوات الغنائية تفقد كثيراً من وهجها خلال رمضان وينحسر عدد مشاهديها، لكن كما قلنا فإن عدداً من الفنانين أبوا إلا أن يكون لهم وجود والنافذة إلى ذلك هي مقدمات المسلسلات التي قاموا باستغلالها للظهور.. وربما يكون المنتجون هم من يقدمونهم استفادة من جماهيرتهم وسواء كان هذا أو ذاك فقد استمعنا لعدد من الأصوات من خلال المقدمات الغنائية، فهذا علي الحجار في مقدمة أولاد الليل المسلسل الذي لاقى اهتماماً كبيرًاً حتى قبل عرضه بسبب مشاركة جمال سليمان، كذلك دخل الحلبة الفنانون الخليجيون فقام راشد الماجد بغناء مقدمة نمر بن عدوان وهو المسلسل الذي يحظى باهتمام بسبب تناوله ناحية تراثية، وأطل الفنان حسين الجسمي في مسلسل عزف الدموع، والتجربة بالطبع ليست وليدة هذا الموسم فقد خاضها الكثيرون على المستويين العربي والخليجي منهم: فلة وحسين الجسمي وراشد الماجد وهاني شاكر وغيرهم.
وهي بصفة عامة تصب في مصلحة الطرفين فالمسلسل يستفيد من جماهيرية الفنان كما أن الفنان يستفيد من الإطلالة اليومية التي تبقيه قريباً من معجبيه.
سليمان في الصعيد (الجواني)
كانت القاهرة وما زالت عاصمة الفن والسينما العربية، فقد استقطبت منذ نشأة صناعة السينما فيها عدداً كبيراً من الفنانين من عدد من الدول العربية، وتمكنت من (تمصيرهم) لدرجة أن الكثيرين لا يعرفون أن هؤلاء غير مصريين، والأمثلة على ذلك تستعصي على الحصر.
وعلى مر الفترات السابقة لم تبرز إشكالية النجوم المهاجرين الذين جاءوا وسيطروا على البطولات.
بمعنى أنه لم تنشأ إثر هذه الهجرات أزمات من أي نوع ، ولعل سبب ذلك - في اعتقادنا - أن الذين قدموا إلى القاهرة منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى قبيل الوقت الحاضر وأغلبهم جاء منذ نعومة تجربته الدرامية فتبنته وقامت تجاهه بدور المعلم فلم يعد هناك مجال للصدام، أما الذين وفدوا إلى القاهرة في الآونة الأخيرة فقد وفدوا إليها أبطالاً يستندون في كثير من الأحيان الى إرث درامي ثر في بلادهم الذي يأتي بطلاً لا يبحث إلا عن دور بطولة.
لم يعتبر المصريون طوال تاريخهم الدرامي هؤلاء تهديداً لهم لكن ما فجر الأزمة - ربما - هو النجاح الساحق الذي حققه جمال سليمان في مسلسله حدائق الشيطان الذي بث في العام الماضي خاصة وأن جمال أدى دور الصعيدي بامتياز، وهو نمط تمثيلي مقصور حتى بين المصريين على مجموعة معينة من الممثلين لصعوبة اللهجة، وقدم نجاح سليمان فيه رسالة مفادها أن لا شيء يستعصى على هؤلاء القادمين.
لا شك أن هؤلاء لم يأتوا إلى القاهرة بحثاً عن مجد تلفزيوني فسورية لا تقل شأناً عن مصر في هذا المجال، لكنهم ربما أتوا وأعينهم على السينما، فالبعض خطا نحوها مباشرة كسلاف فواخرجي، وعدد من العرب وبعضهم جذب كل الأضواء إليه تلفزيونياً فلم يبق انتقاله إلى السينما إلا مسألة وقت فقط كجمال سليمان.