* إعداد - عايدة السنوسي
في حلقة جديدة من مسلسل المواجهة بين الإدارة الأمريكية وجمعيات الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية تشهد الولايات المتحدة جدلا واسعا بشأن جواز السفر الإلكتروني الجديد الذي تصدره وزارة الخارجية الأمريكية حاليا.
وقد نشرت صحيفة (كريستيان سياينس مونيتور) تقريرا موسعا عن هذه القضية حيث بدأت وزارة الخارجية الأمريكية الآن إصدار جيل جديد من جوازات السفر للأمريكيين تحمل رقيقة إلكترونية تتضمن كافة المعلومات الشخصية لصاحب الجواز بحيث يمكن قراءة هذه المعلومات عبر جهاز إلكتروني عن بعد. ومن المنتظر أن يتقدم 15 مليونا أمريكيا للحصول على الجواز الجديد خلال العام المقبل بحيث تصبح جميع جوازات السفر الأمريكية من هذا النوع (الإلكتروني) خلال عشر سنوات.
رغم أن الإدارة الأمريكية بدأت بالفعل في إصدار هذا الجواز فإن الجدل في الولايات المتحدة بشأنه مازال مستمرا في ظل مخاوف المنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان وحرياته الشخصية من تداعيات مثل هذا الجواز الإلكتروني على الحريات الفردية للأمريكيين بل وعلى أمنهم الخاص، تحتوي الجوازات الأمريكية الجديدة على شريحة تستخدم تكنولوجيا (بطاقة هوية بموجات الراديو).
ويقول باري شاتينهاردت مدير مشروع التكنولوجيا والحرية في اتحاد الحريات المدنية الأمريكي وهو منظمة غير حكومية معنية بالدفاع عن الحريات المدنية وحقوق الإنسان في الولايات المتحدة إن هذه الوثيقة الجديدة ليست آمنة على الإطلاق بل إنها بمثابة هدية للإرهابيين الذين يستهدفون الأمريكيين حيث يمكن لأي إرهابي تحديد جنسية الأمريكي عن بعد من خلال قراءة بيانات تلك الشريحة بالأجهزة الخاصة بذلك.
غير أن وزارة الخارجية الأمريكية التي تصدر هذه الجوازات تقول: إن تلك المخاوف لا أساس لها على أرض الواقع.
وتقول آن بارت القائم بأعمال مساعد وزيرة الخارجية لخدمة جوازات السفر إن هذا الجواز هو أكثر جوازات السفر التي أصدرتها الخارجية الأمريكية تأمينا، فهو يحتوي على الجيل الثاني من السمات الأمنية.
كان مكتب جوازات مدينة دينفر الأمريكية أول مكتب يصدر هذا الجواز الجديد في أغسطس الماضي، ومن المنتظر أن تتجه باقي المكاتب الإقليمية إلى إصدار هذا الجواز الجديد خلال الأسابيع المقبلة، وبحلول فبراير أو مارس المقلبين سيحتوي أي جواز سفر أمريكي جديد على خاصية تحديد الهوية عبر موجات الراديو، وتتمثل التقنية الجديدة في شريحة صغيرة للغاية تدمج في الغلاف الخلفي لجواز السفر وعليها كل البيانات الخاصة التي توجد في الصفحات الأولى لجواز السفر مثل الاسم كاملا وتاريخ ومكان الميلاد والمهنة والصورة الشخصية أيضا، وتتم قراءة هذه البيانات من خلال جهاز إلكتروني يستقبل موجات الراديو قصيرة المدى التي تصدر عن الشريحة دون الحاجة إلى تمرير جواز السفر على هذا الجهاز.
وتقول وزارة الخارجية إن تغيير بيانات أي جواز سفر أمريكي أو تزويره سيصبح أمرا أشد صعوبة في ظل وجود نسختين من البيانات الأولى مكتوبة في الصفحات الأولى لجواز السفر الجديد والثانية رقمية مخزنة على تلك الشريحة الصغيرة، وتقول وزارة الخارجية الأمريكية: إن ملف البيانات الموجود على الشريحة (مؤمن) تماما بحيث لا يمكن تغيير بياناته حتى لو تمكن أحد من فتح الملف والاطلاع على البيانات بطريقة غير مشروعة.
وتضيف الخارجية الأمريكية أن هناك غلافا من مادة معدنية على الغلاف الخارجي لجواز السفر بحيث يكون من المستحيل قراءة البيانات بطريقة غير قانونية إذا لم يتم فتح جواز السفر ومن مسافة لا تزيد عن عدة بوصات، ولكن خبراء أمن المعلومات والمدافعين عن حق الخصوصية الفردية يشككون في هذا الكلام، ففي أحد المؤتمرات الأمنية في أغسطس الماضي عرض أحد محترفي اختراق شبكات المعلومات من ألمانيا تجربته الناجحة في قراءة بيانات جواز السفر (الإلكتروني) الذي أصدرته ألمانيا باستخدام نفس التكنولوجيا المستخدمة في جواز السفر الأمريكي، كما أن الاختبارات التي أجرتها شركة (فليكسلز) أظهرت أن الإشارات الصادرة عن الشريحة الإلكترونية الموجودة في جواز السفر الأمريكية يمكن استقبالها وقراءاتها إذا ما كان غلاف جواز السفر مفتوحا جزئيا ولو بدرجة بسيطة وهو ما يحدث عندما يكون الجواز مثلا في حقيبة أوراق.
وكانت الولايات المتحدة وفي إطار إجراءاتها لتأمين الحدود والأراضي الأمريكية قد ألزمت الدول التي ترتبط معها بما يسمى حق الإعفاء من تأشيرة السفر الذي يسمح لمواطني هذه الدول بدخول الولايات المتحدة بدون الحصول على تأشيرة مسبقة باستخدام جوازات السفر ذات الشريحة الإلكترونية قبل نهاية سبتمبر الماضي، ولذلك فهناك بالفعل أكثر من عشرين دولة بدأت تستخدم هذا النوع من جوازات السفر، وتستعد وزارة الأمن الداخلي الأمريكية إلى تعميم أجهزة قراءة بطاقة هوية موجات الراديو في المطارات الأمريكية خلال الفترة المقبلة، ويشير تقرير شركة فليكسلز إلى أنه حتى لو لم يكن في مقدور اللص أو الإرهابي الاطلاع على محتوى جواز السفر الذي يحمل تلك الشريحة الإلكترونية فإن مجرد رصد تلك الموجات التي تدل على أن صاحبها يحمل جواز سفر يمثل ثغرة أمنية تهدد الأمريكيين، كما أن إشارات هذه الشريحة يمكن أن تقول ببساطة: إن حامل هذا الجواز هو أمريكي وهو ما يعني تعريض حياة حامل الجواز للخطر خاصة في حالة وجوده في مناطق تزايد مشاعر العداء للأمريكيين وهي كثيرة في مختلف أنحاء العالم.
ويتساءل معارضو هذه الجوازات عما سيكون عليه الوضع بعد عشر سنوات مثلا عندما يتم تطوير أجيال جديدة أكثر قوة وتعقيدا من أجهزة قراءة إشارات تلك الشريحة الإلكترونية وعندما يصبح هواة اختراق شبكات المعلومات أكثر قدرة على اختراقها؟
وهناك سيناريو مخيف يحذر منه خبراء الأمن وهو استخدام موجات الراديو الصادرة عن هذه الجوازات الأمريكية لتفجير قنبلة مخبأة في مكان قريب من مكان مرور هذا المواطن الذي يحمل الجواز الإلكتروني. شرائح التجسس تقول كاترين ألبريخت مؤلفة كتاب (شرائح التجسس: كيف تخطط الشركات الكبرى والحكومات لمراقبة كل مشترياتك ومتابعة كل حركاتك) الذي تناول تكنولوجيا بطاقات هوية موجات الراديو التي يتزايد استخدامها، تقول: إن هناك سؤالا مشروعا جدا عن مدى جدوى وضع معلومات خاصة وحساسة على شريحة إلكترونية يمكن الدخول إليها واختراقها بهذه الطريقة؟ وأضافت أن وزارة الخارجية الأمريكية مضت قدما في إصدار هذه الجوازات رغم أن أكثر من 98 في المئة ممن سألتهم الوزارة عن رأيهم في الجواز أبدوا آراء سلبية، كما أن هذا المشروع لم يخضع للنقاش العام المفتوح بالصورة التي يستحقها.
وأشارت ألبريخت إلى أن شركة الملابس الشهيرة يونايتد كلرز أوف بينتون قررت قبل وقت تركيب شريحة من هذا النوع في الملابس التي تنتجها ولكنها تراجعت عن القرار بعد أن قرر المستهلكون مقاطعة منتجاتها، وتضيف أن الأمر كان بسيطا عند التعامل مع الشركة لأنه يمكن ببساطة رفض شراء منتجاتها، ولكن حق الاختيار يختفي تماما عندما نتعامل مع جهة حكومية. فنحن لا نستطيع مقاطعة جوازات السفر التي يمكن أن تتحول إلى وسيلة للتجسس علينا.
وتقول آن باريت من وزارة الخارجية الأمريكية أن الشريحة الجديدة هي وسيلة إضافية لضمان أقصى تأمين لجواز السفر ضد التزوير أو حتى السرقة مشيرة إلى أن جواز السفر الإلكتروني في البداية كان يحتوي على شريحة يتم قراءة محتواها من خلال تمريره على جهاز لقراءة (الشفرة العمودية) أو الباركود بنفس الطريقة التي يتم استخدامها في متاجر البقالة، ولذلك فإن شتاينهاردت يتساءل: لماذا نزعج أنفسنا بإضافة وسيلة إلكترونية جديدة لحفظ المعلومات على جوازت السفر الأمريكية؟
وتقول وزارة الخارجية الأمريكية: إن الشريحة الجديدة تستطيع حفظ قدر أكبر من المعلومات عن صاحب الجواز بما في ذلك صورته الفوتوغرافية.
ويتكهن بعضهم بأن الشريحة قد تحتوي بعد ذلك على صورة لبصمات صاحب الجواز أو صورة لبصمة حدقة العين وغير ذلك من المعلومات شديدة الخصوصية. أهداف سرية وهنا يثور السؤال، هل هناك أهداف سرية وراء استخدام هذه الشريحة في جوازات سفر الأمريكيين؟ تؤكد وزارة الخارجية الأمريكية أن الأمر لا يتعدى توفير أفضل سيطرة على نقاط الحدود الأمريكية وحماية جواز السفر الأمريكي من التزوير، وقد وعدت الوزارة اتحاد الحريات المدنية الأمريكي بالسماح لخبراء مستقلين بمراقبة استخدام هذه الجوازات للتأكد من أنها لن تشكل أي انتهاك للحريات والحقوق المدنية للمواطن الأمريكي.
ولكن شتاينهاردت يؤكد أن الأمر لا يمكن أن يكون بهذه البساطة وأن الإدارة الأمريكية تريد فرض رقابة على الأمريكيين دون معرفتهم وبالطبع دون إذن قضائي، وهذا هو التفسير الوحيد لاستخدام مثل هذه الشريحة في جواز السفر الجديد. في المقابل فإن بعضهم يرى أن الأمر ليس بهذا السوء الذي يصوره معارضو الجواز الجديد. يقول مارك روبرتي رئيس تحرير مجلة تكنولوجيا بطاقة هوية موجات الراديو إن الكثير من المخاوف التي يعبر عنها معارضو هذه الشريحة تتحول إلى شيء سخيف وأحمق عندما نفكر في الأمر بصورة واقعية، ويضيف هل هناك احتمال لإساءة استخدام مثل هذه الشريحة. بالطبع كل شيء ممكن، ولكن هناك طرق أسهل أمام الإرهابيين لمعرفة هوية وجنسية الأمريكيين في الخارج بدلا من الاستعانة بجهاز إلكتروني لقراءة إشارات موجات الراديو الصادرة من جواز السفر الجديد.
أما آن باريت من الخارجية الأمريكية فتقول: إن هناك لغطا شديدا يحيط بهذه القضية، وهناك خلل في أسلوب إخبار الناس بحقيقة التقنية الجديدة لأن هناك العديد من التقنيات المختلفة في هذا المجال والوزارة استخدمت تلك التقنية التي تضمن تحقيق أقصى درجات الحماية للخصوصية الفردية، وأشارت إلى أن الشريحة التي تستخدمها الوزارة في الجواز لا تتيح لنقاط المرور في المطارات وعلى الحدود الأمريكية مثلا معرفة عدد المرات التي سافرها حامل الجواز لأنها ببساطة تعطي رقم هوية مختلفا عند قراءة الملف الموجود على الشريحة، وبعيدا عن التبريرات الرسمية فمازال الشك هو سيد الموقف بالنسبة للعلاقة بين الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جورج بوش والعديد من منظمات الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية الأمريكية.