* إعداد - أشرف البربري
إذا كانت إندونيسيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان المسلمين تليها باكستان فإن الهند تأتي في المركز الثالث وهو ما يجعل من الوجود الإسلامي بها وجوداً مؤثراً.
وقد نشرت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور تقريراً عن قضية وأوضاع المسلمين في الهند بدأته بالحديث عن أحد الشباب المسلم في الهند فقالت:
بكل المعايير يمكن القول: إن سلام محسن مؤهل تماماً للنجاح في الهند. فهذا الشاب أنهى تعليمه الأساسي وقادر على الحديث باللغة الإنجليزية بصورة ما ويدرس حاليا في كلية لإدارة الأعمال. ورغم ذلك فإنه في كل مرة يتطلع فيها إلى المستقبل بعيدا عن الحواري الضيقة ومحال الصيانة في الحي القديمة بمدينة حيدر أباد الهندية يجد كل الأبواب مغلقة.
فعندما تقدم محسن للعمل في وظيفة والده المتقاعد بالحكومة الهندية لم يقبل طلبه بل توقف صرف مرتب تقاعد الوالد. وعندما تقدم بطلب الحصول على قرض من أحد البنوك لشراء أحد المصانع المهجورة وإعادة تشغيله رفض طلبه.
ولم تكن معاناة محسن شخصية ولكنها معاناة عامة للمسلمين في الهند وهو ما تنبهت له الدولة الهندية أخيراً. فعلى مدى نحو ستين عاما هي عمر الدولة الهندية الحديثة المستقلة ظل المسلمون الهنود هدفا للاتهامات. فهم إرهابيون ومتعاطفون مع باكستان العدو التاريخي للهند من تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947م. ولكن في نوفمبر الماضي شكلت الحكومة الهندية لجنة مستقلة لدراسة أوضاع الأقلية المسلمة في الهند ومشكلاتها حيث أصدرت اللجنة تقريرها الذي أكد معاناة المسلمين الهنود من التجاهل والأحكام المسبقة من جانب الأغلبية مما جعلهم يتحولون إلى طبقة دنيا وفقا للتقاليد الهندية. وقد بدأ السياسيون الهنود الآن الحديث بصراحة عن ضرورة مساعدة المسلمين وربما تخصيص حصة لهم في أماكن الدراسة والمؤسسات السياسية وهي لحظة مهمة بالفعل.
فبعد عقدين من تزايد التوتر الطائفي بين المسلمين والهندوس أصبح هناك إدراك متزايد بحقيقة أن الهند لم تعد قادرة على تحمل تبعات استمرار شعور المسلمين بأنهم غرباء في بلادهم.
يقول راجيف بهارجافا أستاذ العلوم السياسية في جامعة جواهر لا نهرو بنيودلهي: إن الأمور بدأت تتحسن الآن حيث أصبح الناس ينظرون إلى الأشياء كما هي وليس وفقا للأحكام المسبقة.
ويضيف أن القضية الخطيرة بالفعل هي أنه إذا لم نفعل شيئا لمساعدة الشباب المسلم في الهند فسوف يسقطون في دائرة التطرف.
ورغم أن بعض المسلمين الهنود شاركوا في أنشطة إرهابية محلية فإنهم مازالوا أبعد ما يكون عن اعتبارهم جزءاً من التيار الإسلامي المتطرف في العالم المنتشر بوضوح بين الباكستانيين والمسلمين في الشرق الأوسط.
وقد قال أحد كبار الوزراء في الحكومة الهندية الأسبوع الماضي: إنه لا وجود لتنظيم القاعدة في الهند رغم أنها تعد ثالث أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان المسلمين الذي يبلغ 150 مليون مسلم.
وقد أظهر تقرير لجنة ساشار التي تولت دراسة أوضاع المسلمين في الهند أن هؤلاء المسلمين يواجهون مخاطر الفقر والتمييز ضدهم مما يدفع البعض منهم إلى دائرة الإرهاب.
وربما يرى البعض في هذه الحقيقة مفاجأة في ضوء حقيقة أن رئيس الهند حاليا هو علي أبو الكلام وهو مسلم. كما أن أغنى رجل في الهند وهو عظيم بريمجي إمبراطور البرمجيات مسلم أيضا. بل إن الحضور الإسلامي في أهم معقلين شعبيين بالهند وهما عاصمة السنيما الهندية بوليوود ومنتخب الهند للكراكيت واضح بشدة.
وأشار التقرير إلى أن معدلات الأمية والفقر وغياب الخدمات التعليمية والصحية في المناطق المسلمة تزيد كثيرا عن متوسط هذه المعدلات على مستوى الهند.
على سبيل المثال لا تتناسب نسبة المسلمين في الوظائف الحكومية في أي من ولايات الهند مع نسبتهم من إجمالي عدد السكان سواء في كل ولاية على حدة أو حتى على مستوى الدولة ككل. وبالطبع فالأمر ينطبق أكثر على المؤسسة العسكرية التي رفضت تقديم أي بيانات إلى لجنة ساشار حيث تقول التقديرات إن نسبة المسلمين في الجيش الهندي لا تزيد عن اثنين في المئة في حين أنهم يمثلون حوالي 13 في المئة من إجمالي عدد سكان الهند.
وفي عالم البنوك الهندية يعاني المسلمون من صعوبات شديدة في الحصول على قروض. فرغم أن ودائع المسلمين تمثل حوالي 29 في المئة من إجمالي ودائع النظام المصرفي الهندي فإن نصيبهم من محفظة القروض التي تقدمها هذه البنوك لا تزيد عم 9.2 في المئة. وربما تبدو هذه الأرقام منطقية جزئيا في ضوء حقيقة أن أحياء وتجمعات المسلمين في الهند هي الأسوأ في كل شيء وكذلك الأشد فقرا لذلك فهي من وجهة نظر البنوك ومؤسسات الإقراض أعلى مخاطرة عند منحها قروض.
يقول محمد يوسف وهو رجل أعمال مسلم في مدينة دلهي: إن البنوك ومؤسسات الإقراض الهندية عندما تتعامل مع المسلمين في الأحياء ذات الأغلبية الإسلامية وتواجه صعوبات في استرداد قروضها فإنها تقوم بوضع اسم المنطقة بالكامل في القوائم السوداء التي تضم أسماء الأشخاص والجهات التي لا يتم إقراضها بسهولة.
علاوة على ذلك فإن المكانة الاجتماعية للمسلمين في الهند بشكل عام تدهورت بصورة حادة لذلك لم يعودوا لائقين اجتماعيا للانضمام للجيش على حد قول الميجور المتقاعد إس كوادري الذي يدير حاليا شركة استشارات في حيدر أباد. ويقول: إن المسلمين لم يعودوا ينتمون إلى الطبقة الوسطى من المجتمع الهندي لذلك فإنه على الجيش إما خفض معايير الانضمام إليه أو القيام بخطوات تهدف إلى تحفيز المسلمين على الارتقاء بأنفسهم. ولكن المشكلة الحقيقية هي غياب مثل هذه المحفزات العامة بالنسبة للمسلمين. ففي حين ساعدت الحكومة طائفة المنبوذين وهي إحدى طوائف الأقليات في الهند وغيرها من الأقليات فإنها لم تفعل شيئا يذكر بالنسبة للمسلمين الذين يمثلون ثاني أكبر طائفة في الهند.
ورغم ذلك يمكن القول: إن هناك مؤشرات على تغيير الوضع الحالي فقبل أيام أشار رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ إلى نتائج لجنة ساشار في كلمة له مؤكدا ضرورة معالجة مثل هذا الخلل الطائفي في المجتمع الهندي. وفي اليوم التالي قال وزير شؤون الأقليات الهندي: إن توصيات اللجنة ستوضع موضع التنفيذ خلال العام الحالي.
ولكن المشكلة الحقيقة هي أن اللجنة لم تصدر سوى توصيات عامة لذلك فإن جوهر بيان وزير شؤون الأقليات يظل شديد الغموض.
علاوة على ذلك فإن مثل هذه التصريحات الودية صدرت من قبل بالنسبة لطائفة المنبوذين وغيرهم من الأقليات الهندية.
والحقيقة أن المسلمين الهنود تجنبوا وعلى مدى عشرات السنين العمل السياسي. ففي أعقاب انفصال أغلبية المسلمين في شبه القارة الهندية وإقامة دولة باكستان عام 1947 ظهر الشعور بالذنب لدى المسلمين الذين ظلوا بالهند. وهذا الشعور بالذنب جعلهم يتجنبون العمل في السياسة أو المشاركة في التجربة الديموقراطية للهند على حد قول مظهر حسين المسئول في اتحاد الجمعيات التطوعية في حيدر أباد وهي منظمة تهدف إلى تشجيع الحوار بين فئات المجتمع في هذه المدينة الهندية. وبمرور السنوات ومع استمرار ابتعاد المسلمين عن السياسة لم يعد لهم أي صوت في الحكومة الهندية.
يقول أبو صالح شريف سكرتير لجنة ساشار: إنه بمرور الوقت كان المسلمون ينسحبون من المشهد السياسي نتيجة تجاربهم السيئة في الحياة السياسية.
وأشار تقرير ساشار إلى أن عدد المسلمين الذين يتجهون إلى العمل الخاص ويؤسسون مشروعات خاصة بهم لا يتناسب مع عدد سكانهم في الهند. ومحمد أنيس وهو أحد الهنود الذين اتجهوا إلى العمل الخاص ونجحوا فيه حيث يدير هو وشقيقاه مطعما في مدينة دلهي القديمة. والحقيقة أن المكتب الضيق لمحمد أنيس الذي يدير من خلاله المطعم يحمل علامات نجاحه وتجاوبه مع متطلبات العصر. فالمكتب حديث الطلاء وهناك جهاز كمبيوتر وشاشة مسطحة على المكتب ومودم للاتصال السريع بالإنترنت ولكنه أبدى قلقه من العزلة المفروضة على المسلمين في الهند.
فمنذ استقلال باكستان بمسلميها حصل المسلمون في الهند على حقهم في الاحتفاظ بنظامهم التعليمي ولكن هذا النظام ينهار الآن على حد قول أنيس نتيجة تراجع عدد المدارس الحكومية في المناطق ذات الأغلبية المسلمة.
في الوقت نفسه تدهورت أوضاع المدارس الابتدائية الملحقة بالمساجد في المناطق المسلمة بالهند وهي المدارس التي درس بها محمد أنيس نفسه منذ 20 عاماً.
والحقيقة أن الحوار مع أنيس يكشف عن حصوله على مستوى تعليم جيد حيث يتحدث اللغة الإنجليزية بدون صعوبة ويشير إلى الجذور التاريخية والوقائع الحاضرة في أي موضوع. ولكنه اليوم لم يرسل طفليه إلى هذه المدارس واختار تعليمهما في مدرسة خاصة على الجانب الآخر من المدينة تكلفه حوالي 900 روبية شهرياً وهو ما يزيد عن تكلفة التعلم في مدارس المساجد بمقدار 30 ضعفاً. ولكن المشكلة أن أغلب الأسر المسلمة لا تستطيع تحمل تكاليف إرسال أطفالها للدراسة في تلك المدارس الخاصة. بل إنه حتى لو تحملت الأسرة المشاق من أجل توفير ثمن تلك الدراسة فإن طلباتها قد لا تقبل في ظل العجز الشديد في عدد المدارس مقارنة بأعداد التلاميذ الراغبين في الالتحاق بها.
ومع ذلك فالصورة ليست قاتمة تماما حيث يشير قادة الطائفة المسلمة إلى تراجع الشعور بالذنب والرغبة في الانعزال لدى الأجيال الجديدة من المسلمين في الهند.
يقول سعيد خضير أحد المسلمين النشطاء في حيدر أباد: إن الشباب المسلم الآن يقاتل من أجل الفوز بفرصة عمل مرموقة في أي مكان.
يقول حبيب العيدروس وهو واحد من سبعة أصدقاء وأبناء عم جاءوا للتقدم إلى إحدى الوظائف التي ذهب سلام محسن للتقدم إليها (لم نعتقد أنه مسلم إنه سيخي) في إشارة إلى محسن الذي كان يتحدث بلغة واثقة كشاب هندي بعيدا عن الحواجز الطائفية.
ويضيف العيدروس (أعتقد أننا الآن أصبحنا معا. في وقت من الأوقات كان هذا صعبا. فمن بين الثمانية لم يكن هناك سوى شخص واحد فقط الذي أظهر هويته الدينية من خلال مظهره الخارجي).
ويضيف أنهم يعتقدون أن المسلمين إرهابيون. وتعود هذه النظرة جزئيا على انفصال باكستان عن الهند عندما كان ينظر إلى المسلمين في الهند باعتبارهم خونة ومتعاطفين مع باكستان. ثم تعمقت النظرة بسبب العمليات المسلحة التي تقوم بها جماعات مسلمة في الشطر الهندي من ولاية كمشير ذات الأغلبية المسلمة. ثم ازدادت حدة الموقف مع تنامي النزعة العنصرية المتطرفة لدى الهندوس والحرب العالمية ضد الإرهاب التي تستهدف بشكل أساسي المسلمين.
يقول زبير وهو مسلم هندي يعمل سائق سيارة أجرة ويستخدم اسمه الأول فقط إنهم يطلقون عليه اسم أسامة بن لادن لأنه يطلق لحيته ويرتدي الزي التقليدي للمسلمين الهنود.
ويضيف إذا كان هناك إصرار على وصم المسلمين بالإرهاب فسوف يأتي اليوم ليكونوا إرهابيين فعلا. ويبذل المسلمون الهنود حاليا جهودا جبارة من أجل مقاومة الصورة التي يسعى البعض إلى إلصاقها بهم وهي أنهم جزء من ظاهرة الإرهاب العالمي.
يؤكد المسلمون الهنود أنهم عاشوا لقرون طويلة في هذا المجتمع متعدد الديانات والثقافات دون حدوث أي مشكلات. ورغم أن المسلمين والهندوس خاضوا مواجهات دامية وربما حروباً ضد بعضهم البعض فإنهم يتفقون جميعا على حب هذا البلد.
يقول زبير: نحن مسلمون ولكننا أيضا هنود مسلمون. فحتى لو كنت أعاني من بعض مظاهر التفرقة فسوف أظل مؤمنا بأن مستقبلي مرتبط بالهند.