أفرحني هذا الاحتفاء الجميل والمتكرر بالدكتور ناصر السلوم وزير المواصلات السابق..
مثلما أسعد الكثيرين لأنه يحمل دلالات كثيرة من بينها تأصيل المبادئ المثالية لشاغل الوظيفة القيادية في الدولة..
وهي سنة حميدة اعتدناها وتعوّدنا عليها ونكبر في داعميها ومشجعيها حرصهم على استمرارها..
***
ولا أذكر أن أحداً قد سبق ناصر السلوم فيما حصل عليه من تكريم بهذا المستوى..
وهو وإن لم يلغِ من ذواكرنا أن آخرين قد حصلوا من قبل على حقهم في هذا التكريم..
إلا أن تكريم السلوم كان الأبرز والأسرع والأكثر تميُّزاً.
***
فماذا ينتظر مسؤول كبير كناصر السلوم وقد انتهت فترة خدمته على رأس وزارة بحجم وزارة المواصلات أكثر من أن يكرمه سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز في حفل مَهيب حضره في أبها جمع كبير من المواطنين؟
***
وأي تكريم يأخذ بُعدَه الإنساني والأخلاقي إذا لم يُقَلْ في المسؤول المكرم ما قاله سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز في حق ناصر السلوم من أن سموه يشهد بنزاهته وإخلاصه رغم البلايين من الريالات التي مرت بين يديه؟
***
كثير من المقالات الصحفية ضمن تكريم الرجل كُتبت عنه وعن إنجازاته ونزاهته وإخلاصه وقد خُصَّ بها دون غيره..
كما أن أحاديث المجالس تحدثت كثيراً عن الوزير الذي ترك الكرسي وهو في قمة العطاء والجهد والحرص على خدمة الوطن الغالي..
***
وما قيل وما سوف يُقال الآن ومستقبلاً عن الطرق والمواصلات في المملكة سوف يكون اسم ناصر السلوم ضمن الكوكبة الأبرز وأحد الرموز الذين حققوا هذا الإنجاز الكبير.
***
وضمن الاعتراف بجهد الآخرين في تكريم السلوم، فقد كان الوزير الجديد الدكتور جبارة الصريصري شهماً ونبيلاً ومنصفاً وهو يتحدث بإسهاب عن زميله بتلك الكلمة الوثيقة وقد أكد فيها على مكانة السلوم ودوره في إنجاز شبكة الطرق على نحو ما نراه اليوم..
***
وبمثل هذا التفكير الواعي من الدكتور الصريصري، فإن وزارة المواصلات النقل وقد خسرت وزيرها ناصر السلوم، فإنها قد كسبت جبارة الصريصري باختياره من بين كم هائل من المؤهلين والقادرين من أبناء الوطن ليكون على رأس الهرم وزيراً جديداً في واحدة من أهم وزارات الدولة.
***
شكراً للدكتور ناصر السلوم على ما أعطى.. وتهنئة للدكتور جبارة الصريصري على هذه الثقة.. ودعاء خالص وصادق من محب لهما بالتوفيق.
+++++++++++++++++++++++++++
خالد المالك
+++++++++++++++++++++++++++
المعانات وفقدان الثقة يشعلان الأرض تحت أقدامهم في العراق الأمريكيون فوق صفيح ساخن! تراجع نسبة الأمريكيين الذين يعتقدون أن حجم الخسائر الأمريكية في العراق"مقبول"
* إعداد اشرف البربري:
أصبح الأمريكيون يستيقظون من النوم كل صباح على احتمال سماع نبأ مقتل أوإصابة أحد أبنائهم في العراق، فمنذ أول مايو الماضي عندما وقف الرئيس الأمريكي جورج بوش على متن إحدى حاملات الطائرات الأمريكية ليعلن انتصار الأمريكيين في الحرب ضد العراق وانتهاء المعارك الكبرى، منذ ذلك الوقت قُتل أكثر من 55 جنديا أمريكيا في العراق سواء في هجمات عراقية مسلحة أو في حوادث عارضة، وهذا الرقم يزيد على ثلث عدد القتلى الأمريكيين في الحرب التي استمرت نحو ثلاثة أسابيع، والحقيقة أن هذا الرقم الكبير للقتلى الأمريكيين في العراق يثير قلق المسئولين في إدارة الرئيس بوش، فهؤلاء المسئولون يدركون تماما أن استمرار تساقط الجنود الأمريكيين قتلى في العراق سوف يؤدي إلى تراجع التأييد الشعبي الأمريكي لدور بلادهم في العراق وربما يؤدي فيما بعد إلى زيادة الضغط على الإدارة الأمريكية للتبكير بالانسحاب من العراق.
تقول الصحفية الأمريكية ليندا فيلدمان في تقرير لها نشر في صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" : لقد أصبحت المسألة بالنسبة للبيت الأبيض شديدة الحساسية في الوقت الذي بدأت استطلاعات الرأي في أمريكا تشير إلى صعوبة استمرار الخسائر الأمريكية في العراق دون أن يؤدي ذلك إلى تآكل التأييد الشعبي الأمريكي للسياسة الخارجية لإدارة الرئيس بوش، وقد بدأ بالفعل تسجيل القلق الشعبي من جراء استمرار نزيف الخسائر الأمريكية في العراق، ففي استطلاع للرأي لحساب جريدة "واشنطن بوست" وشبكة "سي بي إس نيوز" الإخبارية الأمريكية اتضح تراجع نسبة الأمريكيين الذين يعتقدون أن حجم الخسائر الأمريكية في العراق "مقبول" من ثلثي الأمريكيين في أوائل إبريل الماضي إلى حوالي النصف فقط الآن.
دليل مقنع
يقول جون موليير استاذ العلوم السياسية في جامعة أوهايو الأمريكية : كان هناك ثلاثة أسباب وراء ذهاب الأمريكيين للحرب، الأول هو أسلحة الدمار الشامل المزعومة لدى العراق، والثاني هو الإرهاب، والثالث كان المساعدة الإنسانية للشعب العراقي فإذا لم تقدم الإدارة الأمريكية الدليل المقنع على وجود أسلحة دمار شامل لدى العراق ووجود علاقة بين صدام حسين والجماعات الإرهابية فسوف نجد أنفسنا أمام السبب الثالث فقط وهو الدافع الإنساني للحرب، والحقيقة أنه في هذه الحالة فإن السؤال الذي سيطرح نفسه بقوة هو كم تساوي هذه الدوافع الإنسانية من أرواح الأمريكيين الذين يتساقطون في العراق، فربما يريد الأمريكيون بالفعل تقديم المساعدات الإنسانية للشعب العراقي كما تقول إدارة بوش ولكن بالتأكيد لن يقبلوا بأن يدفع الجنود الأمريكيون الكثير من دمائهم ثمنا لهذه المساعدة.
ورغم ذلك يمكن القول إنه على الرغم من تصاعد القلق الشعبي الأمريكي بسبب الخسائر في العراق وعلى الرغم من سقوط ستة قتلى بريطانيين في عملية عراقية واحدة إلا أنه من غير المحتمل أن يفقد الرئيس الأمريكي جورج بوش التأييد الشعبي لسياسته في وقت قريب، فمازالت نسبة مؤيدي بوش مرتفعة وتتجاوز ستين في المائة من الشعب الأمريكي.
تأييد بوش
وكشف استطلاع رأي نشرته "واشنطن بوست" أن نسبة مؤيدي طريقة بوش في التعامل مع الأزمة العراقية تصل إلى 67 في المائة وهي أقل من نسبة المؤيدين في إبريل الماضي حيث كانت 75 في المائة، كما يشير الاستطلاع ذاته الى استمرار تأييد أغلبية الأمريكيين لاستراتيجية الضربات الإجهاضية التي يتبناها بوش حيث وافق 56 في المائة من الأمريكيين على استخدام القوة العسكرية لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية.
وعلى صعيد الملف العراقي فإن تركيز وسائل الإعلام الأمريكية على قضية مصير أسلحة الدمار الشامل العراقية التي لم يتم العثور عليها حتى الآن واتهام أجهزة المخابرات الأمريكية وإدارة الرئيس بوش بتضخيم المعلومات الخاصة بهذه الأسلحة من أجل الحصول على تأييد الشعب والكونجرس الأمريكي على شن الحرب، هذا التركيز يصرف الكثير من اهتمام الأمريكيين عن متابعة نزيف الدم الذي تتعرض له القوات الأمريكية في العراق.
من ناحية أخرى فإن الانقسام الحاد الذي يشهده الحزب الديموقراطي وبخاصة في أوساط المرشحين المحتملين للرئاسة الأمريكية بشأن العراق يحول دون طرح رسالة موحدة من الحزب المعارض للشعب الأمريكي تساهم في بلورة رأي عام معارض للدورالأمريكي في العراق.
زيارة للعراق
وكان ثلاثة من كبار أعضاء الكونجرس الأمريكي قد زاروا العراق مؤخرا في مهمة لتقصي الحقائق وعادوا من هناك برسالة واضحة تماما تقول إن الولايات المتحدة تحتاج إلى تخصيص قدر كبير من الإمكانيات العسكرية والاقتصادية للعراق على الأقل لفترة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات.
ضم الوفد الأمريكي رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ريتشارد لوجارمن الحزب الجمهوري، وتشوك هيجل من الحزب الجمهوري أيضا، وجوي بيدن من الحزب الديموقراطي، وقد تراجع الثلاثة عن تأييدهم المطلق لسياسة بوش في العراق وطالبوا الرئيس الأمريكي بضرورة وضع جدول زمني محدد ومعلن للتواجد الأمريكي في العراق.
من ناحيته رد البيت الأبيض بالقول بأنه من المستحيل تحديد جدول زمني محدد لاستمرار وجود القوات الأمريكية في العراق وكذلك جهود إعادة بناء ما دمرته الحرب هناك، وقال البيت الأبيض إن القوات الأمريكية ستظل في العراق الفترة اللازمة لذلك ولن تبقى هناك يوما واحداً زيادة عن هذه الفترة.
كما طالب أعضاء الوفد الأمريكي بضرورة حسم مصير صدام حسين وولديه بأقصى سرعة ممكنة، ويرى أعضاء الوفد أن أنصار صدام حسين يقفون وراء الكثير من الهجمات التي تتعرض لها القوات الأمريكية وأن اعتقال صدام حسين أو قتله يمكن أن يسمح بعودة الهدوء الى العراق.
عودة الشبح
وفي الوقت نفسه يحذر خبراء السياسة وقياسات الرأي العام الأمريكي من تجاهل التراجع في نسبة الذين يعتبرون معدلات خسائر الأمريكيين في العراق مقبولة،وعلى الرغم من محاولة الكثير من الخبراء والمسئولين الأمريكيين نفي فكرة عودة شبح فيتنام مرة أخرى بالنسبة للوجود الأمريكي في العراق فإن استطلاع الرأي الأخير يشير إلى أن بعض الأمريكيين بدأوا بالفعل يشعرون بعودة هذا الشبح المخيف مرة أخرى.
يقول ستيفن كول مدير برنامج الاتجاهات الأمريكية في السياسة الدولية في جامعة ميريلاند الأمريكية إن نتائج استطلاعات الرأي لا تشير فعلا إلى شعور الأمريكيين بحتمية الانسحاب الأمريكي الفوري من العراق، وأن الرأي العام مازال يميل إلى ضرورة بقاء القوات الأمريكية في العراق حتى يتم تسوية الوضع هناك وأن الأمر يمكن أن ينطوي على قدر من الخسائر الأمريكية من أجل تحقيق هذا الهدف.
ولكن الحقيقة أن أغلب الأمريكيين لا يعرفون حجم المعارضة العراقية للوجود الأمريكي في بلادهم، ويعتقد الأمريكيون أن العثور على صدام حسين يمكن أن يقلص المعارضة العراقية للوجود الأمريكي بل ويمكن أن يؤدي إلى زيادة التأييد العراقي للوجود الأمريكي.
والحقيقة أن الأمريكيين يتعاملون بحساسية شديدة مع فكرة تقديم جهود لمساعدة شعوب لا تريد هذه المساعدة، وهناك أمر آخر يحتاج إلى إجابة وهو كيف سيتعامل الشعب الأمريكي مع تعرض القوات الأمريكية لهجوم عراقي كبير يؤدي إلى سقوط عشرات القتلى أو مئات مثلا كما حدث مع قوات المارينز الأمريكية في لبنان عام 1983 أو في مقديشيو بالصومال عام 1993، مرة أخرى نقول إنه سيكون من الصعب أن يؤدي مثل هذا الهجوم الكبير في العراق إلى تصاعد المطالبة بانسحاب أمريكي فوري من العراق، وربما يؤدي إلى زيادة الوجود العسكري الأمريكي في العراق.
التحدي الكبير
ورغم ذلك يؤكد الخبراء على أهمية دور السياق العام، فالتحدي الذي يواجه الإدارة الأمريكية في ظل استمرار الخسائر في العراق هو العثور على مسئولين يمكنهم النجاح في إعادة بناء ما دمرته الحرب في العراق وإقامة حكومة مستقلة وتحقيق اكتفاء ذاتي هناك.
يقول ستيفن كول أن الأمر في العراق حتى الآن يبدو ناجحا ويستحق التضحية، ويضيف أنه لا يرى حتى الآن في الأفق ما يمكن أن يؤدي إلى انقلاب الأمريكيين على إدارة بوش، ولكن إذا استمرت الأمور تتحرك بهذه الصورة السيئة مع استمرار الخسائر فقد يتغير الموقف تماما بمرور الوقت، والسؤال الذي لا يمكن لأحد أن يجيب عليه الآن هو متى يحدث هذا التحول.
القوات الأمريكية المتواجدة في العراق بدأت هي الاخرى تشعر بالمملل من وجودها في العراق مع ازدياد نسبة الهجمات العراقية عليهم والتي تحدث بشكل يومي.
بانتظار القتل
يرى الرقيب الأمريكي شارلز بولارد أن حي "المشتل" في بغداد الذي ينتمي سكانه إلى الطبقة العاملة في العراق "حي سيئ للغاية" وأن الحل الوحيد الذي يراه هو أن "يخرجه المسئولون الأمريكيون من هذا المكان فورا" لأن وجوده فيه بلا أي معنى ولا فائدة.
يبلغ بولارد من العمر 43 وهو رقيب احتياط من مدينة بيتس برو الأمريكية وقد وصل إلى العراق في الرابع والعشرين من مايو الماضي ضمن الوحدة رقم 307 شرطة عسكرية، ويقول بولارد "حقيقة لا أرى لوجودنا في العراق أي فائدة فنحن لن نستطيع تغيير ثقافة العراقيين ولسنا أكثر من مجرد أشخاص ينتظرون القتل في أي لحظة، فالوضع في بغداد صعب للغاية". أما الرقيب سامي جليل الذي يعمل في الشرطة العراقية منذ أكثر من 14 عاما وانضم إلى الشرطة التي تشكلها سلطات الاحتلال الأمريكي في العراق فيرى أن الأمريكيين مسئولون تماما عن الموقف المتدهور في بغداد وغيرها من المدن العراقية.
يقول الرقيب سامي إنه لا توجد أي ميزانية له ولا لزملائه في الشرطة الجديدة كما أنهم لا يوجد لهم زي رسمي، ويرفض الأمريكيون أن يحمل رجال الشرطة العراقيين أي أسلحة لأنهم لا يثقون فيهم.
ويرى سامي أن الأمريكيين فقدوا ثقة الشعب العراقي تماما.
وعن عمله تحت سلطة الأمريكيين يقول سامي الذي يبلغ من العمر 33 عاما إن الأمريكيين متغطرسون تماما ويعاملون جميع العراقيين كما لو كانوا مجرمين، كما انهم يضعون رجال الشرطة العراقيين دائما في مواجهة الخطر باستمرار ويوكلون إليهم تنفيذ المهام التي تنطوي على مخاطر كبيرة ولا يشترك فيها الأمريكيون، والحقيقة أن صيف "المشتل" الحالي قاس جدا فدرجة الحرارة محرقة والكلاب تملأ الشوارع والغضب الشعبي على أشده، فسكان الحي يشكون باستمرار من غياب الخدمات الأساسية فلا توجد أي كهرباء لتشغيل المبردات التي تحفظ الطعام من التلف السريع في هذا الجو الحارق ولا توجد مياه كافية للشرب ولا يوجد أمن في الشوارع.
وفي مركز شرطة الرشاد بحي المشتل حيث يعمل رجال الشرطة العسكرية الأمريكيون تسود حالة من الاحباط الشخصي والمهني، فرجال الشرطة العراقيون الذين قبلوا العمل مع الأمريكيين يشكون من الأوامر غير المعقولة التي يصدرها لهم الجنود الأمريكيون وكذلك عدم الاحترام الذي يعاملهم به هؤلاء الأمريكيون،.
وفي نفس الوقت فإن أغلب الجنود الأمريكيون الذين يعملون تحت قيادة الرقيبب ولارد في مركز الرشاد متشوقون للعودة إلى أمريكا ويشعرون بالإحباط والتعب في ظل درجة حرارة تصل إلى خمسين درجة مئوية وهو ما يجعل مهمتهم في إعادة بناء جهاز شرطة في هذا الحي مهمة مستحيلة.
الجانب المظلم
والحقيقة أن هذا الوضع المزري في مركز شرطة الرشاد مجرد نموذج للجانب المظلم الذي يعاني منه الاحتلال الأمريكي للعراق، وهذا النموذج ربما يقدم مثالا على طبيعة المهمة المخيفة لإعادة بناء ما دمرته الحرب في العاصمة العراقية بغداد وإلى أي مدى يمثل إنجاز هذه المهمة حلما بعيد المنال.
يقول بولارد إنه يكافح كل يوم من أجل توفير الأمن للمكان الذي يعمل فيه، ويضيف قائلا : "على الرئيس الأمريكي جورج بوش أن يعلم أن الأمر بيده وعلينا جميعا أن ندرك أن العراق ليس بلدنا فأمريكا هي بلدنا ونحن نرجو أن يدرك الرئيس بوش هذه الحقيقة".
يعمل بولارد في الشرطة العسكرية كمتطوع منذ أكثر من 22 عاما وكان يعتزم التقاعد قبل إرساله للعراق، ويقول إنه الآن لا يعرف متى سيعود إلى عمله الأساسي في إدارة الصيانة في مدينة بيتس برو فالأمر يبدو شديد الغموض بالنسبة له، وعند سؤاله عن متى يريد مغادرة العراق قال الرجل إنه يريد أن يحدث هذا في أقرب وقت ممكن.
وفي صباح ذلك اليوم وكان الغبار يملأ المكان وفي غرفة بالطابق الثاني في مركز شرطة الرشاد حيث توضع أكياس الرمل على النوافذ خوفا من القناصة العراقيين اشتبك الجنود الأمريكيون في جدل حاد حول فترة بقائهم في العراق.
قال الجندي رون بيتش إن هناك شائعات تقول إننا سنظل هنا لمدة عامين، ففتح الآخرون عيونهم وحكوا رؤوسهم، وقالت الرقيب جينفر أبيلبوم البالغة من العمر 26 عاما والتي تعمل سكرتيرا قانونيا في ولاية فلادليفيا الأمريكية إنها لن تقبل بالبقاء هنا لمدة عامين حتى لو أنزلوها في فندق خمس نجوم بالعراق.
ثم بدأ الجنود الأمريكيون يتحدثون عن الأشياء التي تنقصهم في المكان الذي يعيشون فيه فقالوا إنهم يفتقدون الوجبات الساخنة وأجهزة التكييف والحمامات المجهزة وممارسة الهوايات خاصة في أوقات الفراغ التي تمتد إلى أكثر من 12 ساعة يوميا، فالكهرباء تعمل لمدة ساعة كل خمس ساعات.
ويضطر الجنود الأمريكيون رغم الحرارة القاتلة للجو إلى ارتداء السترات الواقية من الرصاص معظم الوقت خوفا من التعرض لإطلاق النيران من جانب العراقيين.
يقول الرقيب كينث كازمارك إن هذه السترة بمثابة "نظام تخسيس عراقي" فهي أشبه ببدلة الساونا، ويضيف أنه فقد حوالي 15 رطلا على الأقل بسبب ارتداء هذه السترة أغلب الوقت، في حين قال الرقيب بولارد إنه فقد 18 رطلا من وزنه.
وكان بولارد قد رزق بحفيدته الثانية مؤخرا ولكنه لم يتمكن من الاتصال بأسرته في أمريكا حتى يعرف اسمها، أما كازمارك فقد أنجبت له زوجته طفلة اسمها إيزابيلا في الثامن والعشرين من مايو الماضي أي بعد ثمانية أيام من وصوله إلى العراق ولم يرها بالطبع.
يقول بولارد إن الحياة في العراق مأساة وأن الحفاظ على الروح المعنوية للجنود الأمريكيين في العراق مرتفعة في ظل هذه المشكلات أمرا شديد الصعوبة بالفعل، والحقيقة أن مركز الرشاد أصبح أشبه بملجأ حربي، وأمام المركز تقف عربتان مدرعتان من نوع هامفي بالإضافة إلى مدرعة ثالثة من نفس النوع مزودة بمدفع ماكينة عيار خمسين على أحد أجنابها.
يقول بولارد إنه يريد مد سياج مع الأسلاك الشائكة على مجموعة الحواجز الاسطوانية على الحائط الخلفي بالإضافة إلى استعداد فريق من المهندسين العسكريين لإقامة حائط خرساني أمام المركز وأضاف أنه سيضع خلال الأيام القادمة ساترا من الرمال أمام مدخل المركز على امتداد الشارع.
فالقوات الأمريكية في بغداد تتعرض لإطلاق النار بصورة يومية والكمائن التي ينصبها العراقيون للدوريات الأمريكية لا تتوقف، والقتلى الأمريكيون يتساقطون يوميا، يقول بولارد إنه يشك في كل عراقي ويحكي عن زيارة اثنين من الصحفيين ثم جعل اثنين من العراقيين يحرسون البوابة حتى اتم اللقاء، ويقول إنه يترك للعراقيين حراسة الأماكن الخطيرة حتى يتعرضوا هم للخطر ولا يتعرض له جنوده الأمريكيون على حد قوله، ويقول إنه يعتقد ان تعريض العراقيين للخطر بدلا من الأمريكيين مسألة عادلة تماما لأنه "ليس من العدل أن نقوم ببناء بلد ليس بلدنا وتتعرض حياتنا للخطر".
والحقيقة أنه لا يوجد أي حوار بين الجنود العراقيين والجنود الأمريكيين في المركز الذي يقوده بولارد وإذا ما حدث أي اتصال فيتم دائما من خلال مترجم، كما أن الجنود العراقيين لا يحبون بولارد وهو لا يعبأ بهم.
يقول بولارد إن حي المشتل خطير ومكافحة الجريمة هنا قد تحتاج إلى ضعف عدد القوة المتاحه له والتي تصل إلى 86 رجل شرطة بينهم 13 أمريكيا فقط، ويضيف أنه يجب طرد حوالي نصف هذه القوة بسبب تورط أفرادها العراقيين في قضايا فساد أو بسبب عدم اللياقة، ويشير إلى ضابط عراقي برتبة رائد ولا يعرف اللغة الإنجليزية ويقول إن هذا الضابط يتحرك داخل المركز ومعه اثنان من العراقيين، ويقول إنه يمثل إنه يؤدي عملا ذا أهمية.
ثم أشار من النافذة إلى ثلاثة من الجنود العراقيين وقد جلسوا على جريدة فرشوها على الأرض وقام أحدهم بخلع حذائه أيضا، ويقول هؤلاء الجنود الكسالى يجلسون هنا في الوقت الذي يفترض أن يقوموا فيه بدوريات في الخارج!
وأمام بوابة المركز حيث تجمع عدد من العراقيين الذين يريدون تقديم شكاوى للسلطات أحضر الضابط العراقي شوق شالتاك ملفا به أمر من القاضي بالإفراج عن ثلاثة رجال، شك بولارد في حصول الضابط العراقي على رشوة مقابل الإفراج عن الرجال الثلاثة.
قال بولارد للمترجم أن يبلغ الضابط العراقي بالانصراف لأنه لن يطلق سراح الرجال، اعترض الضابط لأن هذا الأمر بالإفراج صادر عن محكمة، فقال له المترجم إنه لم تعد هناك محاكم لإصدار مثل هذه الأحكام الآن، وأشار المترجم إلى بولارد وقال "هذا هو القاضي الآن".
يقول الرقيب سامي الذي كان يتابع الموقف أن الأمر كان مثيرا جدا بالنسبة لي وبالنسبة للضابط العراقي أيضا، وأضاف أنه إذا كان هؤلاء الأمريكيون لايحترموننا ونحن نعمل معهم في الشرطة فكيف يمكن أن يحترموا المواطن العراقي العادي؟
كما يشكو رجال الشرطة العراقيون من المعاملة السيئة التي يتلقونها من الأمريكيين فهم لم يحصلوا على السترات الواقية التي يرتديها الجنود الأمريكيون الذين يعملون معهم في نفس المركز.
وردا على سؤال عما إذا كان يخشى الخروج في الدوريات رد الرقيب العراقي سامي صارخا "بالعكس" فالأمريكيون هم الذين يخافون الخروج في الدوريات، وأنا مستعد للخروج فورا ولكن يجب أن يعطوني السلاح والأجهزة اولا.
وأضاف سامي أنه محبط جدا لدرجة أنه يفكر في الاستقالة من هذا العمل قريبا جدا، وقال إنه لا يستطيع الإنفاق على والديه وزوجته وابنته التي تبلغ من العمر ثمانية أشهر بمرتبه الذي لا يزيد على ستين دولارا في الشهر، وأضاف انه ينفق نصفه تقريبا على وجبة الغداء التي يتناولها في المركز بالإضافة إلى المواصلات للذهاب إلى المركز والعودة منه، ويقول إنه بسبب عدم توافر المياه الصالحة للشرب فإنه يضطر إلى شراء زجاجة مياه معدنية كل يومين من أجل طفلته الرضيعة مقابل حوالي نصف دولار.
كما أن مياه الصرف الصحي تطفح يوميا في المنزل الذي يعيش فيه حيث يسكن ثلاثون شخصا في ست غرف، ونظرا لعدم توافر الكهرباء لأكثر من ست ساعات يوميا فإن سامي يخشى على ابنته من الإصابة بالمرض بسبب الحرارة المرتفعة.
يقول لقد اتضحت الصورة أمامنا تماما وظهرت الحقيقة، فقد كان الأمريكيون يرسمون لنا صورة براقة للمستقبل حيث زعموا أنهم عندما يغزون العراق سوف يوفرون الكثيرمن الخير للعراقيين وينشرون الأمن في كل مكان ولكن للأسف الشديد لم يحدث شيء، لذلك فالعراقيون يكرهون الأمريكيين.
ولكن ما يتفق عليه الجميع هو أن الحياة في حي المشتل صعبة جدا، فأصوات الرصاص تتردد طوال الليل.
وأمام مركز الشرطة تقف ست سيارات مسروقة استطاعت الشرطة استردادها من اللصوص، يقول كامازراك إن هذا الحي أشبه "بشيكاغو في الثلاثينيات"، أما سامي فيقول إن القتل هو أسهل جريمة هنا، يقول سامي إن الأسبوع الماضي شهد جريمة قتل عندما صدم أحد العراقيين زوجته السابقة في الشارع بدراجته وعندما تمددت على الأرض في ظهيرة بغداد الحارقة أخرج بندقيته وأطلق الرصاص عليها أمام الناس جميعا، ويضيف سامي أنه لو حاول أحد أن يتدخل فإن هذا الزوج كان سيقتله أيضا.
وأمام بوابة مركز الشرطة وقف قاسم خادم وهو عامل يومية يبلغ من العمر 30 عاما وقف عدة ساعات حتى يقدم بلاغ عن سرقة دراجته البخارية، يقول قاسم إن ثلاثة لصوص اقتحموا منزله الذي يعيش فيه هو وزوجته وأطفاله الأربعة واستولوا على دراجته تحت تهديد السلاح، وأضاف أنه يعرف من هم وأين يوجدون، وعندما ذهب إليهم في اليوم التالي لاسترداد دراجته أطلق عليه أحدهم الرصاص فأصابه.
وأضاف أنه لا يوجد أي أمن ولا استقرار في العراق وأن الأمور سوف تزداد سوءا.