|
لبنان.. يا لبنان!!
|
هذا البلد الجميل..
الذي تقودنا طبيعته إلى حبه والتعاطف معه..
بكل هذا الزخم الكبير من عواطفنا ومشاعرنا..
ونحن الخائفون أبداً عليه من أهله قبل خوفنا عليه من الآخرين..
إلى أين يسير من أسرنا بحبه وما زال..؟
***
لبنان الشقيق..
بحضارته..
وريادته..
ودوره المؤثر..
لماذا يصر أبناؤه على دفن وتغييب كل جميل فيه..؟
وتشويه ما نعده تميزاً وتفرداً في هذا البلد دون غيره..؟
***
لبنان، بلد التعدد..
والحرية..
والديمقراطية..
الموشحة بهذه الطبيعة الخلابة..
لماذا يسن أهله سكاكينهم لدفن كل هذا الجمال..؟
ومن المستفيد من هذا السباق المحموم بين أبناء البلد الواحد على اقتلاع زهرة أو دفن وردة أو منع شتلة مورقة من النمو..؟
***
ويلي يا لبنان..
ويلي يا أهل لبنان..
مما تحضرونه لبلدكم ولأنفسكم من دمار وقتل ودماء..
في لحظات يغيب فيها مع شديد الأسف الوعي وعدم استحضاركم لتلك المآسي التي مر بها لبنان من قبل.
***
علموا الآخرين أن الديمقراطية تعني الحوار المنضبط لا التراشق بالكلام البذيء..
قولوا لهم إن الحرية تعني فيما تعنيه عدم الاعتداء على حريات الآخرين ولو بكلمة عابرة أو رأي غير صحيح..
تحدثوا للغير بما يعطي أحسن انطباع عن وعيكم وتاريخكم وكل هذا الازدهار المفرح الذي تحقق لبلدكم..
نريد أن نرى هذا، لا ما نراه من مشاهد مبكية ومحزنة ومؤلمة لا نعرف إلى ماذا ستقودكم في المستقبل المنظور.
***
لبنان هو حبنا الكبير..
وكل قطرة دم تراق تؤلمنا وتمسنا بالسوء..
وهؤلاء الأبرياء الذين يغدر بهم من حين لآخر، فيما هم يستحقون التكريم والتبجيل منكم، إنما يمثل ما جرى ويجري قمة الخزي والعار أمام هول المصاب..
فيا لبنان..
ويا أهل لبنان..
كفوا عن إيذاء أنفسكم..
وعودوا إلى رشدكم قبل أن يفوت الأوان.
خالد المالك
|
|
| width="68%" valign="top" align="center" dir="rtl">
المؤرخ البريطاني جارتون متحدثا عن قضايا عالمية ساخنة : أوروبا لن تتوحد حول معاداة الولايات المتحدة !
|
* إعداد محمد الزواوي
ليس من المبالغة القول إن الغرب في أزمة حقيقية الآن، فقد صرح رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في خطبة له قبل فترة قصيرة أن (الحرب على العراق قد أظهرت بصورة كبيرة الخلافات العميقة ما بين أوروبا وأمريكا، وأظهرت مأزق الدور البريطاني بين كلا الطرفين، كما أن العلاقة على جانبي الأطلنطي أصبح يشوبها الكثير من التساؤلات كما لم يحدث من قبل).
ومن المؤكد أن ذلك الصدع بين دفتي الأطلنطي يبدو عميقًا للغاية، ففي الفترة الأخيرة كانت أوروبا تصف نفسها بأنها (ليست أمريكا)، أما واشنطن في المقابل أو على الأقل واشنطن جورج بوش الابن فكانت تتساءل بصوت عال إذا ما كانت في حاجة إلى أوروبا بعد الآن، في حين وقفت بريطانيا في المنتصف في عهد توني بلير منقسمة بين شاطئي الأطلنطي، ووضعت في محل اختيار ما بين الطرفين، على خلاف مصالحها العامة.
ويؤكد المؤرخ البريطاني تيموثي جارتون أش أستاذ الدراسات الأوروبية بجامعة أكسفورد، وزميل معهد هوفر في كتابه الجديد بعنوان: (عالم حر: أمريكا وأوروبا والمستقبل المذهل للعالم الغربي) أن الهوة ليست بذلك الاتساع ما بين أوروبا وأمريكا، كما يريد الباحثون أن يقنعونا، وأن هناك الكثير من القواسم المشتركة في القيم والمصالح، والتي تفوق أي انقسامات، كما أننا لا نستطيع أن نضخم مثل تلك الاختلافات البسيطة التي تواجه كلا الطرفين في القرن الحادي والعشرين، مثل زيادة حرارة الأرض، والفقر حول العالم، وتحديث العالم العربي، وصعود قارة آسيا، والإرهاب في أشكاله المختلفة، وهذا يتطلب بدوره وجود جبهة أوروبية أمريكية مشتركة.
ويقول آش في كتابه: (أوروبا وحدها ليست كافية، وأمريكا وحدها ليست كافية، كما أن الغرب وحده ليس كافيًا).
ويؤكد جارتون في حوار نشره موقع (مذر جونز كوم) على انه ليس أمامنا وقت كاف؛ فالولايات المتحدة وأوروبا أمامهما عشرون عامًا فقط من أجل تشكيل مسار التاريخ العالمي.
والنتيجة إذا ما استطعنا أن نقوم بذلك بصورة جيدة، هو توسيع الحرية الإنسانية وامتدادها إلى ما وراء حدود العالم الغربي، وهي نقلة من العالم الحر الذي يتم تعريفه بصورة ضيقة، إلى عالم حر وديموقراطي يستطيع فيه المزيد من الناس أن يتقاسموه وأن يكون لهم صوت وفرصة للحياة كما يجب أن يكون.
أما ثمن الفشل فهو وجود عالم أكثر دموية وسوءًا وأقل حرية من العالم الذي نعيش فيه الآن. كما أننا لا يمكننا أن نترك ذلك العالم يتحكم فيه قادتنا السياسيون بمفردهم، وهذا هام للغاية.
وفيما يلي نص الحوار:
***
* الغرب كما تراه الآن على حافة الهبوط في هاوية لم تحدث من قبل في التاريخ المعاصر، كيف ذلك؟
إنها كارثة وقع فيها الغرب وتختلف عن كافة الكوارث التي شهدناها من قبل في الحرب الباردة، وذلك لأن الغرب أوروبا وأمريكا عادة ما كان يلتئم شملنا ونجتمع على عدو مشترك، وقد كان هذا هو التهديد السوفيتي، ولكننا الآن لا نجتمع على عدو.
فإننا نرى (العدو) بطرق مختلفة، وأعتقد أن كارثة الحرب على العراق قد جلبت إلى السطح شيئًا كان مستترًا، وهذا الشيء لم يبزغ فقط مع وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ولكن ما يمكن أن أسميه (11 سبتمبر الأول)، وهو في 11نوفمبر عام 1989، ليس سقوط برجي مركز التجارة، ولكن سقوط حائط برلين، عندما اختفى العدو المشترك وتوقفت قارة أوروبا عن أن تكون مركزًا للسياسات العالمية.
فإذا ما كنت تعيش في واشنطن، فسوف تقول لنفسك: (حسنًا، لماذا أحتاج إلى أوروبا الآن؟ إنها غير ذي صلة), وأعتقد أن شخصًا ما مثل دك تشيني قد قال ذلك لنفسه.
وأعتقد أن هذا هو البعد الأعمق لمأساتنا التي تفاقمت بسبب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبسبب تصرف إدارة الرئيس بوش بطريقتها المنفردة.
انتخاب بوش
* إذن تريد أن تقول إن إعادة انتخاب الرئيس بوش أدت إلى تفاقم تلك المشكلة؟
يمكنك أن تقول ذلك.
كتابي يدعو إلى علاقات أقوى ما بين أوروبا وأمريكا لمواجهة كافة التحديات المشتركة التي نواجهها، ولا شك أن الأمر كان سيكون أسهل بكثير في حالة انتخاب كيري.
ورطة امريكية
* إذن أنت لا ترى أملاً في تحول إدارة بوش إلى صورة أفضل وأكثر لطفًا، بعد أن تعلمت من درس العراق؟
ما حدث في اعتقادي هو أنهم اعتبروا أن أصوات الشعب الأمريكي بمثابة برهان على حسن إدارتهم، ولكنهم في الوقت ذاته بعضهم على الأقل يشعر بأنهم في ورطة كبيرة بسبب الحرب على العراق، ولكن الرئيس بوش من المؤكد أنه ينظر إلى مكانته في كتب التاريخ، وهذا شيء مهم للغاية، لذا في اعتقادي أنهم سوف يقومون بمحاولة افتتاح عهد جديد مع أوروبا والحلفاء الآخرين، وسوف يبدؤون بنغمة أكثر وفاقًا وتصالحًا.
ولكن السؤال هو هل هذه العلاقة سوف تستمر في حالة حدوث كارثة أخرى مشابهة لحرب العراق؟ أنا أشعر بتشكك كبير تجاه ذلك.
فإيران ربما تكون الكارثة القادمة، فإذا ما قامت إيران بإعادة تخصيب اليورانيوم على سبيل المثال، فإن إدارة الرئيس بوش سوف تتخذ إجراءات قاسية للغاية، وعندها سوف تكون هناك كارثة أخرى.
إن الكلمة التي لا تزال تتوارد على خاطري عندما كنت أسافر حول العالم وبعد قضائي ما يقرب من أسبوع في واشنطن هي: (التعجرف)، فإن ما يحدث يبدو لي أنه تعجرف من إدارة بوش، والتعجرف يتلوه الانتقام، ولكن ذلك الانتقام لن يقضي فقط على إدارة بوش، ولكنه سوف يقضي علينا جميعًا.
العلاقات الاوربية الامريكية
* البعض يلقون بجزء من اللائمة في العلاقات المتوترة ما بين أوروبا وأمريكا على الجانب الأوروبي؟
كما قلت في كتابي، هناك جزء كبير من الكتلة الأوروبية بقيادة الرئيس الفرنسي جاك شيراك، يريدون تعريف قارة أوروبا على أنها ليست أمريكا، ويريدون أن تكون أوروبا قوة عظمى منافسة للولايات المتحدة. ويمكن أن تتخيل ما يمكن أن يكون رد فعل إدارة بوش عندئذ، لذا يمكننا ببساطة أن نتخيل وجود المزيد من الانحدار في تلك المشكلة.
أما الجزء الذي أصاب فيه شيراك فهو أن ذلك العالم هو عالم الهيمنة السياسية، وأن الإدارة الأمريكية يحكمها منطق القوة، فالقوة لا تصغي إلا للقوة، لذا يجب أن تتحدث عن القوة الأوروبية من أجل أن يستمع الآخر إليك.
ولكنه فهم القضية برمتها بصورة خاطئة، فأوروبا لن تتوحد حول موقف معاد للولايات المتحدة، فهناك العديد من الانقسامات بين الأوروبيين؛ وهناك العديد من الدول الموالية لأمريكا في أوروبا، ليس فقط في مناطق مثل بولندا وإيطاليا، ولكن عبر أوروبا كلها، وهذا التوجه من شأنه أن يقسم أوروبا بدلاً من أن يوحدها.
ومن المؤكد أن أوروبا بمفردها لن تكون قوة عظمى، فهناك أكثر من خمس وعشرين دولة مختلفة بتاريخ مختلف للغاية، كما أنه ليس من المتوقع أن تخوض جيوش كل تلك الدول مجتمعة حربًا واحدة بناء على طلب رئيس دولة أوروبية في خلال أسبوع أو أسبوعين مثلاً عندما تكون تلك الدولة بحاجة إلى ذلك، كما لن يكون هناك إصبع نووي موحد على زر لكافة الدول الأوروبية على سبيل المثال.
الدور البريطاني
* توني بلير يفضل أن يفكر في بريطانيا على أنها (جسر) ما بين أوروبا وأمريكا، فهل هذا التصور واقعي؟
إن بريطانيا هي المكان الذي تلتقي فيه أوروبا وأمريكا، نحن دولة ذات وضع متفرد للغاية، لأننا مغرقون في الشأنين الأوروبي والأمريكي؛ فلدينا روابط قوية للغاية مع الجانبين، ولكننا بالرغم من ذلك لدينا جناح يساري داخلي يقول لنا: (اختاروا أوروبا وارفضوا أمريكا)، وكأنه بمثابة أن نقطع قدمنا اليمنى؛ وهناك جناح يميني يقول لنا: (اختاروا أمريكا وارفضوا أوروبا)، وكأنه بمثابة أن نقطع قدمنا اليسرى، وهو سياق سياسي غريب للغاية.
ولكن بلير يعلم أننا بحاجة إلى كلتا القدمين، مع اعتبارنا للطبيعة المتفردة التي أصبح عليها الشأن البريطاني، لذا يجب علينا الحفاظ على كلا الجانبين. ولكن هناك خطأين هامين حدثا، أحدهما أن بلير لديه تلك الفكرة المتعجرفة أن بريطانيا سوف تصبح الجسر ما بين أوروبا وأمريكا؛ فلماذا ينبغي على المستشار الألماني أن يسير فوق (كوبري لندن) ليذهب إلى واشنطن؟ ولماذا ينبغي على الرئيس الأمريكي أن يسير على (كوبري لندن) ليتحدث إلى بولندا؟ لا يجب عليهم ذلك.
أما الخطأ الثاني فأنه مع رفض بلير الاختيار بين أوروبا وأمريكا فقد انتهى الأمر به إلى أن اختياره جاء ضد أوروبا، وبالطبع ضد الرأي العام الأوروبي، وضد الكثير من الرأي العام البريطاني.
وهذا قد أدى بصورة كبيرة إلى تدمير مصداقيته في قارة أوروبا، لذا سوف يكون من الصعب عليه للغاية أن يلعب ذلك الدور الآن، بالرغم من أنه كان لديه نية طيبة، وكان لديه فكرة صائبة.
* إذن ماذا ينبغي على بريطانيا أن تفعل؟
إن بريطانيا بحاجة إلى أن تتعمق كثيرًا في القارة الأوروبية، وأن تعمل كجسر بين كل قارة أوروبا وبين الولايات المتحدة.
وكما أقول دائمًا إن أكبر جسر في العالم هو ذلك الذي يصل طوله إلى 3 آلاف ميل وبه الكثير من الطرق.
إن الموقف الصحيح هو ما أسميه موقف أوروبي أطلنطي، والذي يقول إننا (نريد أوروبا موحدة قوية، ولكن كشريك للولايات المتحدة)، وبذلك فإن أوروبا باقتصادها الكبير الذي يساوي الاقتصاد الأمريكي، سوف يمكن من سماع الصوت الأوروبي في واشنطن.
نرجسية الاختلافات
* إذا وضعنا في اعتبارنا التحديات المشتركة التي تواجهها كل من أوروبا والولايات المتحدة، ومع اعتبارنا أن القيم والمصالح الأوروبية أكثر انسجامًا مع الولايات المتحدة، فلماذا إذن لا نستطيع أن نتفاهم سويًا؟
في كتابي أوردت جملة رائعة لفرويد، وهي (نرجسية الاختلافات البسيطة)، فهذا هو الوضع بين أوروبا والولايات المتحدة, ولكن فرويد يقول أيضًا إن أقوى المشاحنات تأتي بين أقرب الناس، مثلما حدث في البلقان على سبيل المثال، فالصرب والكروات كانا يتقاتلان بالرغم من أن لغتهما تقريبًا واحدة، وهو ما يحدث الآن بين أوروبا وأمريكا، وذلك في ظل غياب الخطر المشترك الواضح عليهما، وما أريد قوله اختصارًا إن هناك بالفعل خطرا داهما مشتركا، ولكننا فقط لا نراه بذلك الحجم.
خطر مشترك:
* دعنا إذن نتحدث عن هذا الخطر المشترك؟
هذا الخطر المشترك هو ما تحدثت عنه في جزء هام من كتابي، وهو ما أسميته (الجيوش الحمراء الجديدة)، والذي يتحدث عن التحديات الكبيرة: المخاطر الإرهابية، أسلحة الدمار الشامل، الدول المارقة.
* لقد تعمدت بقول (المخاطر الإرهابية) بالجمع وليس الخطر الإرهابي؟
نعم، لقد تعمدت ذلك، بسبب أن الإرهاب الإيرلندي ليس مثل إرهاب الباسك في إسبانيا، وليس مثل إرهاب تنظيم القاعدة، فكل منهم له أسلوب مختلف، والحرب على الإرهاب ما هي إلا صورة مصغرة ومبسطة؟
* ولكنه تبسيط متعمد بهدف واضح؟
نعم، إنه تبسيط متعمد، ولكني أخشى أن الرئيس بوش يصدق هذا، لأنه بالفعل يقوم بالتبسيط, وكما قلت في كتابي لقد تمت دعوتي للذهاب للحديث معه في مايو 2001 بشأن أوروبا، وقد كانت تجربة غريبة للغاية؛ فلم يكن الرئيس يعلم أين مكانه من العالم، وكان مشوشًا وغير متأكد، وكان ينظر في جميع الاتجاهات، ولكنه كان لديه اقتناع راسخ بأمرين محددين في ذلك الوقت: نظام الدفاع الصاروخي، ووضع الصين كعدو جديد, ولكن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر تغير كل ذلك, فالآن علم مكانه من العالم وهو أنه في حالة حرب، ولكن هذا يبسط الكثير من الأمور، وأعتقد أن هذا ينطبق على بلير هو الآخر ولكن بصورة أقل.
* وماذا عن (الجيوش الحمراء) الأخرى؟
إن هذا يشمل العديد من المخاطر مثل ارتفاع درجة حرارة الأرض، وحقيقة أننا نضخ تلك الغازات القاتلة، وبصرف النظر عما تفعله أوروبا وقد فعلت أوروبا الكثير في الحقيقة، ولكن بلير أيضًا يجب عليه أن يقلل من انبعاثات الغازات فإن كل ما تفعله أوروبا سوف يكون بلا قيمة طالما أن الولايات المتحدة لم تفعل شيئًا حيال ذلك.
ونحن نعلم أن الكونجرس لن يسمح للرئيس بوش بالتوقيع على اتفاقية كيوتو للمناخ، ولكن هناك الكثير مما يمكن أن نفعله فيما عدا ذلك.
إن الهدف الأساسي في ذلك يجب أن يكون إقناع الصين والهند بتقليل انبعاثاتهم، وذلك لأن الزيادة في الغازات المنبعثة تأتي منهما.
ولكن إذا ما لم تقم أمريكا التي تعد أغنى دولة في العالم بكبح جماح غازاتها، فكيف يمكننا أن نقنع الدول الناشئة الأخرى بفعل ذلك؟ ثم هناك حقيقة أن نصف العالم يعيش على أقل من دولارين في اليوم، ومن أحد أسباب ذلك هو سياساتنا التجارية، ونعود ثانية إلى مشكلة أن الولايات المتحدة لن تقوم بتقليل تعريفتها الزراعية حتى تقوم أوروبا بذلك، لذا فمن المستحيل أن نصل إلى نتيجة بدون أن يعمل الاثنان مع بعضهما البعض.
والشعوب في المجتمعات النامية يقولون إننا إذا لم نفعل المزيد من أجل تنمية الدول الإفريقية التي تقع جنوب الصحراء الكبرى فسوف تكون هناك المزيد من حالات عدم الاستقرار.
والحقيقة المريعة هي أنه عبر التاريخ سمحنا بموت الكثير من الناس في دول جنوب الصحراء الإفريقية وبأعداد كبيرة، وربما أن ذلك سيستمر في الحدوث من الناحية السياسية.
ومن الناحية الأخلاقية فإن هذا يبدو لي غير مقبول في (القرية الكونية) لأننا نرى الناس يموتون من حولنا بالرغم من أننا نستطيع مساعدتهم. ولكنني أرى هذا تحديًا أخلاقيًا أكثر منه مجرد تحد سياسي.
تحديث الشرق الاوسط!
* هناك تحد آخر، على الجانبين السياسي والأخلاقي، وهو تحديث وتحرير مزيد من الدول في الشرق الأوسط؟
نعم هذا صحيح، ولكن فكرة أن تقوم الولايات المتحدة بفعل ذلك بمفردها عن طريق غزو دولة أو دولتين في الشرق الأوسط فكرة غير مقبولة تمامًا، فأوروبا تقع إلى جوار الشرق الأوسط، وأوروبا هي المكان الذي تأتي منه البضائع والأفراد إلى الشرق الأوسط، وإجمالي الناتج القومي للدول العربية مجتمعة أقل من دولة أسبانيا وحدها على سبيل المثال، وبحلول عام 2020 سوف يعيش في تلك المنطقة ما يقرب من 460 مليون نسمة، وإذا لم نقم بتقديم مزيد من الأمل والرخاء إلى تلك الشعوب، فسوف يأتون إلينا، إلى أوروبا.
وأوروبا لديها حكومات متساهلة ولديها مجتمع مدني وجماعات معارضة، وتجلب الطلاب للدراسة في أراضيها لكي يرجعوا إلى بلدانهم ومجتمعاتهم، وكل الأشياء التي فعلناها لدول أوروبا الشرقية في السبعينيات والثمانينات لا يستطيع أحد أن يفعلها سوى أوروبا فقط. تركيا والاتحاد الاوربي.
* ولكي نصل إلى تلك الغاية، يبدو أنك من أكثر المؤيدين لعضوية تركيا بالاتحاد الأوروبي أليس كذلك؟
إذا ما أردت أن تقتلع أسباب الإرهاب في العالم الإسلامي فيجب عليك دمج تركيا داخل الاتحاد الأوروبي، وهو ما سيكون له أثر أكبر بكثير من الحرب الأمريكية على العراق، فالعراق في تلك اللحظة تؤدي إلى نتائج في الاتجاه المعاكس، فقد أصبحت وجهة المقاتلين الاجانب، في حين أن تركيا تظهر الآن على أن بها حكومة إسلامية أظهرت إصلاحًا في الحركة الإسلامية وأدمجتها في الدولة العلمانية، وتقول: (نريد أن نأتي إلى الاتحاد الأوروبي، بكل معاييره بشأن حقوق الإنسان والعملية الديموقراطية وحكم القانون إلى آخره), وهذه دفعة هائلة للغاية، فهي تقول لبقية دول العالم الإسلامي إن الغرب ليس ناديًا مسيحيًا، وإذا ما قمتم بالسير في هذا الاتجاه فسوف تصبحون أكثر غنى وأكثر حرية.
وإذا ما كنت شابًا عربيًا تعيش في ظل نظام شمولي بتصورات قاتمة للمستقبل أو بلا أمل على الإطلاق، فإن ما يجب عليك فعله الآن هو أن تحصل على قارب صغير وتبحر عبر البحر المتوسط وتعمل بصورة غير قانونية في أوروبا, ولكن إذا ما رأيت أن هناك أملاً في أنك سوف تحصل على وظيفة وسوف يسمع صوتك بداخل بلادك فسوف تبقى فيها، وهذه هي الجائزة الكبرى: وهي تلك اللحظة التي تقرر فيها البقاء في بلادك.
النجم الصيني
* إذن هذا ما يتعلق بالشرق الأدنى، فماذا عن الشرق الأقصى؟ هذا هو التحدي الأكبر، وهو بزوغ النجم الصيني.
لقد اعتدنا على أن نكون الأغنى والأقوى بين دول العالم، لدرجة أننا نسينا أنه في يوم من الأيام أننا لم نكن كذلك، وأنه في يوم من الأيام لن نظل كذلك.
والصين التي بها نظام شيوعي شمولي لديها الآن تلك التوليفة غير التقليدية من الرأسمالية اللينينية؛ فلديها اقتصاد حر، ونمو للطبقة المتوسطة، وإذا ما كان كارل ماركس محقًا، فعندما تتحقق لديك تلك الظروف، وتلك القاعدة من الخامات، ففي النهاية سوف تحظى بديموقراطية الطبقة المتوسطة (البرجوازية).
وربما أنه حتى الآن لم يثبت أنه محق، ولكن هناك احتمالية لأن يكون كذلك، فهناك الكثير من الأشياء التي يمكن أن تبني عليها الصين أسسا جيدة ويتم تشجيعها, وهذا تحد كبير، وما يحدث الآن هو أن الصين تلعب بمهارة من أجل جعل المواجهة بين أمريكا وأوروبا تأتي في مصلحتها، لذا إذا لم يكن لدينا ذلك النوع من التحالف الذي يجب أن يعتمد على قيمنا الأمريكية الأوروبية المشتركة، فإن الوضع سيستمر على ذلك المنوال، وإذا ما تحركت الصين بالتدريج باتجاه الوصول إلى نسخة من الديموقراطية الليبرالية على مر العشرين عامًا القادمة، فإن ذلك سوف يكون أكبر ضربة في تاريخ الحرية، وهذا ما ينبغي أن نعمل معًا من أجل منعه.
* وما هي تداعيات الفشل؟
هناك العديد من التداعيات، والعديد من السيناريوهات السلبية، أحدها كالتالي: الصين، وجزء من الكتلة الأوروبية والولايات المتحدة سوف يبدؤون في التصرف مثل ألمانيا وفرنسا وروسيا في القرن التاسع عشر.
أو بعبارة أخرى، سوف تكون هناك تلك السياسات القوية المهيمنة، بما في ذلك الصعود باتجاه الحروب، والتي يمكن أن تشن على نطاق واسع بين الكتل العظمى.
* أنت تزعم أن التحديات التي أمامنا هامة للغاية ولا يمكن تركها في أيدي قادتنا السياسيين، وأن الشعوب يجب أن تشترك في ذلك؟
نعم، وهذه هي أول مرة أقول ذلك في كتاب، فكل كتبي السبعة السابقة كتبتها وكأني بمثابة أحد الجمهور المتفرجين، أو بمثابة المراقب الملتزم، وكنت أقوم بسرد الوقائع وتحليلها، وكانت مشاعري واضحة، وكانت مع المعارضة، وكانت مع التضامن، وكانت مع الثورات المخملية الهادئة، وكانت مع المعارضة في صربيا، ولكني كنت أقص القصة كما هي، ولم أكن أطلب من القارئ أن يفعل شيئًا، أو على الأقل ليس بصورة مباشرة. والجزء الأول من كتاب (عالم حر) يعد تأريخًا للوضع الحالي، وهو نوع من الكتابات التي كنت أقوم بها، أما الجزء الثاني فهو استقراء للعشرين عامًا القادمة، وهذا الجزء ليس موجهًا بصورة أساسية إلى الحكومات ولكن إلى المواطنين؛ فهو يقول إن العالم ليس آمنًا في أيدي قادتنا، والذين أحدثوا بالفعل الكثير من الفوضى بسبب قيادتهم الأحادية، وإذا لم نشترك في حكم ذلك العالم فإن العالم الذي سوف يعيش فيه أولادنا سوف يكون عالمًا أكثر دموية، وقد أوردته في إطار نظرة واقعية للأحداث المستقبلية، وأولادي الآن في السن الثامنة عشرة والعشرين، وأنا في الخمسين من عمري، وقد كتبت هذا الجزء من الكتاب وأنا أضع في ذهني أولادي وأحفادي، وأضع نصب عيني أن يكون ذلك الجزء وسيلة لهم ولأجيالهم للمشاركة في تشكيل العالم، ولكنهم للأسف ينظرون إلى المشاركة السياسية على أنها أحد نوعين: أن القادة السياسيين مجموعة من اللصوص الذين تضعهم الشركات الكبرى مثل بيكتل وهاليبيرتون وإنرون في جيوبهم ولا يمكن للشعب أن يسيطر عليهم، ونظرة أخرى ترى أن السياسة ليست هامة بهذا القدر، لأن حياة الشباب تتعلق بالموسيقى والأفلام والمسرح والأصدقاء، والسياسة ليست بتلك الأهمية لأننا لا نعيش في أنظمة شمولية، لذا فإن ضرر الساسة لن يكون له تأثر كبير على حياتنا.
وما أقوله في كتابي هو أن وجهتي النظر كلتاهما خاطئة؛ فالإرادة السياسية عندما تكون دموية من المؤكد أنها ستضر بالشعوب، وإذا ما استمر الوضع على تلك الحال فمن المتوقع أننا سوف نعيش في مجتمعات أسوأ بكثير في غضون الخمس أو العشر أو الخمس عشرة سنة القادمة، وبخاصة في أوروبا. ولكننا تستطيع أن نحدث فرقًا، من المؤكد أننا نستطيع ذلك.
لقد كانت هنا في أوروبا حركات وجماعات تحريك المجتمع المدني. ويمكنني أن أتفهم أن الشعوب محبطة بسبب حصول كيري على نسبة أقل من بوش، ولكني أقولها صراحة أنه مع وجود مرشح أفضل يمكن الحصول على نسبة أعلى بكثير، ولكن هذا قد فات أوانه، وأن الحكومات تنظر بالفعل بعين الاعتبار إلى استطلاعات الرأي وإلى الجماعات ذات الثقل، لذا فيمكننا أن نحدث فرقًا.
أما النقطة الثانية فهي أننا بالتأكيد نستطيع أن نتحرك تحركًا مباشرة، فالآن هناك حظر عالمي على الألغام الأرضية، وقد بدأ هذا من مبادرة من جمعية صغيرة غير حكومية، بدأت على يد جوي وليامز، وانتشرت عن طريق البريد الإليكتروني، وهي أداة رائعة، بل هي قوة عظمى. ولدي موقع على الإنترنت لهذا الكتاب وهو freeworldweb. net وبه العديد من المناقشات الممتعة للغاية، فهناك الكثير من الأدوات في أيدينا، ويجب استخدامهم.
* كما قلت في كتابك، إن الأزمة بين أوروبا وأمريكا تعد أيضًا بمثابة الفرصة غير المسبوقة؟
نعم، منذ عشرين عامًا، وفي عام 1984، كان هناك نصف العالم تقريبًا يعيش في ظل الدكتاتوريات الشمولية والمسلحة نوويًا.
وكان الأمر يبدو مستحيلاً أمام الشعوب لتغيير ذلك، ولكن المعارضين قاموا بتغيير ذلك، وقاموا بهدم الأسوار, وهذه هي الرسالة التي أقدمها لقارئ ذلك الكتاب، فإذا ما استطاعت تلك الشعوب التعامل مع الجيوش الحمراء، فإننا نستطيع التعامل مع القليل من الظلم، وإذا ما استطاعوا هدم سور برلين، فإننا نستطيع أن نحطم ما أسميه (أسوار العقول).
نحن نعيش في عالم لا نواجه فيه هذه الكتل الشمولية النووية الكبرى, فقد أصبح المزيد من الناس أكثر حرية عما سبق، فهناك 88 دولة حرة في العالم، وهو ما يعادل 2.8 مليار نسمة. لذا فما الذي يمنعنا من فرض أجندتنا من أجل توسيع الحريات؟ إننا بالفعل نستطيع أن نحدث فرقًا.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|