|
المجلة في عام جديد |
فوجئت بأن عاماً قد مضى وانقضى من عمر هذه المجلة..
وأنها بهذا العدد تكون قد بدأت عاماً جديداً من عمرها المديد إن شاء الله..
بانتظار أن تكون تجربتها قد أعطتها المزيد من القدرة على تقديم الكثير من النجاحات..
وأن فيما مضى من عمرها هناك الكثير من المؤشرات الجيدة بما يومض لهذا الذي نتوقعه في مسيرتها القادمة بدءاً من عامها الجديد.
***
أقول ذلك بعد أن أعلمني نائب رئيس التحرير المهندس عبد اللطيف العتيق بإطلالة المجلة على عام جديد..
فالسنون تمضي بسرعة..
ونحن نلهث وراء العمل فيما أعمارنا تتناقص..
والوقت يسرقنا دون أن يلبي لنا كلّ ما نتمناه أو نخطط له..
فهذه سنن الكون..
وهذه نواميس الحياة.
***
لم يخطر ببالي أن شمعة قد آن أوان إيقادها احتفاءً بمثل هذه الذكرى الجميلة..
وقد شاركني في ذلك نائب رئيس التحرير المهندس العتيق باختفاء هذا الحدث من ذاكرته..
وبالغياب عن تذكر هذه المناسبة...
وباستحضار هذه المناسبة عندما كانت المطابع توشك أن تبدأ في طباعة العدد الجديد من هذه المجلة.
***
ليس هذا هو الأهم ولا المهم..
وقد أشرت إليه توطئة، ومن باب إشراك القارئ معنا في جو العمل، وفي جانب من مناخه..
لكن الأهم: ماذا سنقدم للقارئ بدءاً من العدد القادم؟
ما هو جديدنا؟
والتغيير المتوقع نحو الأفضل الذي ينبغي أن نهديه لقرائنا؟
ما هي مقترحات القراء؟
وهل تم رصدها ضمن استفتاء علمي يفترض أن يقودنا لتقديم ما هو أفضل؟
وهل راجعنا عملنا السابق خطوة خطوة، وعدداً بعد عدد، ومن سنة لأخرى؟
وما النتائج التي توصلنا إليها؟
تلك بعض أسئلة مما ينبغي أن تطرحه أسرة تحرير هذه المجلة؛ للوصول إلى بناء شخصية المجلة المستقبلية، وبما يكسبها المزيد من التفوق الذي تحقق الكثير منه في الفترة التي مضت من عمرها، وما زال هناك ما هو منتظر.
***
تكاليف إصدار مجلة بحجم هذه المجلة وبنوعية موادها عالية وكبيرة، وأهل الصنعة يعرفون هذا جيداً...
عالية من حيث الجهدين التحريري والفني..
وعالية في تكاليفها المادية الباهظة...
ولابدّ أن يتناغم ذلك مع دراسة صحيحة للمستوى الذي تصدر به هذه المجلة..
وأن ينسجم هذا مع نظرة القراء إلى مجلتهم..
وأن يكون توظيف كلّ هذا صحيحاً وسليماً..
ويؤدي بنا نحو العمل الصحفي الأمثل والأفضل.
***
فها هي مجلتكم (مجلة الجزيرة) وبعد عامين مضيا من عمرها وقد أصبحت في موقع يسمح لنا ولكم بأن نبحث عن مزيد من فرص النجاح لها..
اعتماداً على المستوى في المادة التحريرية التي تقدم بها المجلة لكم..
وحيث الإخراج المستوحى من مزيج من المدارس التقليدية والحديثة في الإخراج الصحفي...
أترك أيّ إضافة جديدة أو اقتراحاً مفيداً لفطنة القارئ..
لرأيه وقناعته...
ولأسرة تحرير هذه المجلة أيضاً..
ليقول الجميع كلمتهم في هذا...
مع التأكيد على أن القارئ هو من سيظلّ صاحب القرار في توجيه (بوصلة) نجاح المجلة في مسيرتها القادمة..
مثلما كان كذلك في الفترة التي مضت من عمرها.
خالد المالك
|
|
|
السيستاني والصدر يربحان المعركة شرارة النجف والتي كادت أن تشعل العراق * إعداد إسلام السعدني |
** وقف إطلاق النار في النجف أشاع موجة من الارتياح في كل من واشنطن ولندن
** القوات الأمريكية خاضت في هذه المدينة واحدة من أشرس معارك حرب المدن
****
ثلاثة أسابيع كاملة استمر القتال دائراً في مدينة النجف الأشرف العراقية، تلك المدينة التي تهفو إليها قلوب ملايين الشيعة من مختلف أنحاء العالم.
وفيما بدا لوقت طويل أنه بات من المستحيل وقف المعارك في المدينة بين ميليشيات الزعيم الشيعي مقتدى الصدر من ناحية والقوات الأمريكية والعراقية من ناحية أخرى، جاء الفرج على يد آية الله علي السيستاني المرجع الشيعي الأعلى في العراق الذي نجح في وقف نزيف الدم وإسكات صوت المدافع لتنتهي الأزمة ولو مؤقتاً، وليفسح المجال أمام الكتاب والصحفيين للإدلاء بدلوهم فيما يتعلق بهذا الملف وتحليل أبعاده.
ومن بين هذه المقالات نعرض اليوم لمقالين أولهما للكاتب (جاسون بيرك) في صحيفة (الأوبزرفر) البريطانية، أما الثاني فللكاتب (سكوت بالدوف) في صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية.
نبدأ ب(جاسون بيرك) الذي يستهل مقاله في (الأوبزرفر) من تلك اللحظة التي شق فيها السكون الذي خيم على (النجف) بعد انتهاء المعارك التي دارت فيها هدير مروحيتين أمريكيتين من طراز (بلاك هوك) كانتا تحملان على متنهما وفداً حكومياً عراقياً رفيع المستوى يضم عدة وزراء على رأسهم (قاسم داوود) وزير الدولة في الحكومة المؤقتة، ويشير الكاتب إلى أن هذه الزيارة جاءت بعد يومين من التوصل إلى اتفاق انتهى بموجبه القتال بين القوات الأمريكية والعراقية من جهة وميليشيات جيش المهدي من جهة أخرى وهو الاتفاق الذي تم إبرامه بوساطة من (السيستاني).
وقد توجه الوفد الحكومي فور وصوله للنجف إلى ضريح الإمام علي لتفقد الأضرار التي لحقت به خلال الاشتباكات، وينقل الصحفي البريطاني عن داود قوله: (لقد جئنا إلى النجف لدعم اتفاق السلام الذي توصلنا إليه، وكذلك لتهنئة السيستاني) بعد عودته من رحلة العلاج في العاصمة البريطانية لندن.
ويتحدث (بيرك) عن الأجواء السائدة في المدينة الشيعية بعد اتفاق التسوية قائلاً: إن الحصار الذي كان مفروضاً عليها قد انتهى أخيراً، وغادر أنصار (الصدر) الصحن الحيدري في قلب (النجف) وقاموا بتجميع أسلحتهم في صناديق خشبية وإخفائها ربما استعداداً لمعركة قادمة على حد قول الكاتب.
ممارسات وحشية
ويشير إلى أن قوات الأمن العراقية تتولى حالياً السيطرة على المدينة فيما ترابط قوات أمريكية على حدودها، لافتاً النظر إلى ما اكتشفته القوات العراقية بعد انتهاء المعارك من عشرين جثة في أحد المقار التابعة لميليشيات (الصدر)، وهي الجثث التي أشار المسئولون العراقيون والأمريكيون إلى أنها لأشخاص أعدموا بعد اعتقالهم على يد أنصار الزعيم الشيعي الشاب، فيما رد رجال جيش المهدي بالقول إنها ليست سوى جثث بعض رفاقهم ممن سقطوا في القتال في مواجهة الجيش الأمريكي والشرطة العراقية.
ولكن الكاتب يؤكد أن هناك علامات تعذيب بدت على إحدى تلك الجثث، فضلاً عن أن الشرطة العراقية عثرت على زنازين أسفل المقر المشار إليه، بينما نقل الرجل عن بعض المدنيين في المنطقة قولهم إنهم عانوا من ممارسات وحشية على يد رجال (مقتدى الصدر).
ويطرح الكاتب في مقاله رؤية مفادها أن الحكومة العراقية التي تولت مهامها منذ الثامن والعشرين من يونيو الماضي قد نجحت بغض النظر عن كل شيء في تجاوز أصعب اختبار واجهته حتى هذه اللحظة، مشيراً إلى أن هذا النجاح أشاع موجة من الارتياح في كل من واشنطن ولندن تكاد تضاهي مشاعر السعادة التي اجتاحت النجف نفسها.
أطلال مدينة
وينتقل بيرك إلى رصد ملامح الحياة في تلك المدينة بعد القتال الضاري الذي شهدته، مشيراً إلى أن أغلب أحيائها باتت أطلالاً جراء تلك المعارك الدموية التي خلّفت مئات القتلى وعشرات الآلاف من المشردين.
ويضيف أن الفنادق والمطاعم التي كانت تقدم خدماتها للجموع الغفيرة من الشيعة التي تفد إلى (النجف) أصبحت ركاماً، كما دمرت الطرق بفعل القصف المدفعي المكثف، ولم تنج من الدمار المقبرة القديمة في النجف التي تحظى بشهرة عالمية.
ولتوضيح شراسة ما جرى من قتال في هذه المدينة يعطينا الكاتب لمحة عن تلك المعارك التي دارت فيها، حيث كانت الدبابات لا تكف عن توجيه قذائفها إلى معاقل المسلحين من أنصار (الصدر)، فيما تحلق المروحيات من طراز (أباتشي) لتصب حممها هنا وهناك، بينما يتصدى عناصر جيش المهدي للقوات الأمريكية والعراقية برشاشات الكلاشينكوف السوفيتية العتيقة والصواريخ المحمولة على الكتف.
ترسانة عاتية
ويخلص (بيرك) للقول: إن (النجف) كانت طيلة 22 يوماً مسرحاً لقتال هو الأشد ضراوة في العراق منذ اندلاع الحرب هناك في مارس من عام 2003، مشيراً إلى أن القوات الأمريكية خاضت في هذه المدينة واحدة من أشرس معارك حرب المدن التي واجهتها منذ دخولها الأراضي العراقية على الرغم من أنها كانت تواجه عدداً لا يتجاوز الألف من الأتباع المتحمسين للزعيم الشيعي الشاب.
وربما كانت شراسة هذه المعارك هي الدافع الذي حدا بالقوات الأمريكية n كما يقول الكاتب للاستعانة بكل ما في ترسانتها تقريباً من أسلحة متطورة لكسر عزيمة وإرادة مقاتلي جيش المهدي، وبالرغم من أنه يشير إلى أن البعض من هؤلاء المقاتلين قد فر، إلا أن الباقين ثبتوا في أماكنهم.
المواجهة المحتومة
ويقول (بيرك) في مقاله: إن الكل في العراق تقريباً كان يتوقع أن هناك معركة على وشك الاندلاع بين الأمريكيين
وأنصار (مقتدى الصدر)، ذلك الرجل الذي يلقي الكاتب الضوء على المكانة الرفيعة التي يتمتع بها والده الذي كان أحد أبرز المراجع الشيعية قبل مقتله على يد رجال (صدام حسين) قبل اندلاع الحرب الأخيرة بسنوات.
ويوضح الكاتب قائلاً: إن هذه المواجهة كانت محتومة في ضوء القبول الواسع الذي لقيته الأفكار المناهضة للأمريكيين التي طرحها (مقتدى الصدر)، وخاصة في المناطق الشيعية التي تعاني من الفقر المدقع سواء في العاصمة بغداد أو في مدن وسط وجنوب البلاد، مشيراً إلى أن قطاعات كبيرة من الشيعة في تلك المناطق اعتبرت سلطة التحالف المؤقتة التي تولت مقاليد الأمور في البلاد حتى نهاية يونيو الماضي غير شرعية، وهو نفس الموقف الذي اتخذته هذه القطاعات حيال الحكومة العراقية المؤقتة الذي تسلمت السيادة من سلطة التحالف في ذلك التاريخ.
المواجهة كانت لا مفر منها في نظر (بيرك) أيضاً بسبب فشل القوات الأمريكية في القضاء على ميليشيات الصدر عندما حاولت القيام بذلك للمرة الأولى في أبريل الماضي.
من مقبرة إلى مقبرة
ويشير الكاتب إلى أن (مقتدى الصدر) اختار ميدان المعركة الجديدة بذكاء وحذق، وذلك لأن نشوب القتال في (النجف) كما يقول بيرك جعل القوات الأمريكية غير قادرة على شن هجمات على مرقد الإمام علي وهو أكثر الأماكن قدسية لدى الشيعة في العالم على الإطلاق موضحاً أن هذا الموقف الأمريكي يرجع لخشية واشنطن من إثارة مشاعر كافة العراقيين بمختلف انتماءاتهم.
في الوقت نفسه كان الزعيم الشيعي الشاب قد أعد نفسه وأتباعه حسبما يرى بيرك لخوض قتال طويل الأمد مستغلاً (النجف) كقاعدة حصينة ومخبأ آمن.
ويستعرض الكاتب مجريات الأسبوعين الأولين من المعارك في المدينة، مشيراً إلى أنها شهدت معارك من ضريح إلى ضريح بداخل المقبرة القديمة هناك، وهي الفترة التي يلفت (بيرك) النظر إلى أنها شهدت تصريحات للمسئولين الأمريكيين يزعمون فيها أنهم استطاعوا القضاء على مئات من المسلحين الموالين ل(الصدر)، وهو ما لم يكن دقيقاً، إذ يقول الرجل إن عدد القتلى بين هؤلاء المسلحين كان أقل من ذلك بكثير، ويورد تصريحاً أدلى به أحد الجنود الأمريكيين ل(الأوبزرفر) اعترف فيه بأنه قاتل لمدة أسبوعين في (النجف) دون أن يرى مقاتلاً واحداً من أتباع (مقتدى الصدر).
إلا أن الحال تغير مع بداية الأسبوع الثالث من المواجهات حيث أدت الخسائر التي تكبدتها ميليشيات جيش المهدي إلى أن يضطر عناصرها للتراجع والاحتماء بالصحن الحيدري الذي يشير (بيرك) إلى أنهم كانوا يستخدمونه قبل ذلك كمخزن للذخيرة.
العدو المشترك
ويصف جاسون بيرك جولة قام بها في البلدة القديمة في (النجف) حيث تناثرت جثث الكلاب النافقة، وتراكمت القمامة, وامتلأت الطرقات المدمرة بفعل المعارك بالمياه التي تدفقت من المواسير المهشمة، وذلك إلى جانب تناثر بقايا الطلقات والقذائف والشظايا وأسلاك الضغط العالي التي سقطت جراء القصف المتواصل والاشتباكات الضارية.
ويقول إنه فيما نزح عشرات الآلاف من المدنيين من النجف، أصر عدد محدود منهم على البقاء حيث قبعوا بداخل منازلهم للاحتماء من المعارك في ظل درجة حرارة لاهبة اقتربت من 45 درجة مئوية، وينقل عن أحدهم ويدعى صلاح علاوي جاسم (58 سنة) قوله: إن سكان المدينة أو من يعرفون باسم (النجفيون) نسبة إلى النجف يواجهون عدوين.. الأول القوات الأمريكية والثاني ميليشيات جيش المهدي.
العجوز والقناصة
ويعود بيرك لتوضيح طبيعة المعارك التي دارت في تلك المدينة قائلاً: إن الجيش الأمريكي اعتمد في هذه المواجهات على استخدام ثلاثة أنواع من الأسلحة أو الأفراد أولها الآليات المدرعة التي استخدمها لتدمير المواقع التي يشتبه في أنها تابعة لأنصار (الصدر)، أما السلاح الثاني فتمثل في مروحيات (الأباتشي) التي تدعمها المقاتلات، وأخيراً اعتمدت القوات الأمريكية على القناصة، ولكن المشكلة التي واجهت الأمريكيين في هذا الصدد كما يشير الكاتب تمثلت في صعوبة تحديد المواقع التي يتمركز فيها عناصر جيش المهدي بشكل قاطع.
ويتحدث (جاسون بيرك) بشكل مسهب عن دور القناصة في هذه المواجهات، حيث يشير إلى أنهم تمركزوا على حدود البلدة القديمة في (النجف) من أجل إغلاق طرق الإمداد التي يستعين بها مقاتلو (الصدر) المتحصنون بداخل البلدة للحصول على السلاح والذخيرة وكذلك الغذاء، وكان أداء هؤلاء القناصة للدور المنوط بهم بمنتهى القسوة هو ما مكن الجيش الأمريكي من فرض الحصار المحكم على أولئك المقاتلين.
ويسرد الكاتب قصة تثبت مدى القسوة التي كانت تتسمم بها تصرفات القناصة الأمريكيين في النجف، إذ يروي أنه شاهد في ظهيرة ذات يوم من أيام المعارك رجلاً مسناً يقود عربته التي يجرها حمار على أحد الطرق المؤدية
إلى البلدة القديمة، وإذا بالقناصة يطلقون النار على الحمار ليردوه قتيلاً، ليس ذلك فحسب بل إن بيرك يضيف أنه عند مروره بعد ساعة من الزمن في ذات المنطقة وجد جثة الرجل نفسه ممددة بجوار جثة الحمار!
أسئلة حائرة
وبعد أن ينهي الرجل تتبع تلك اللحظات الحافلة بالأحداث والاضطرابات، يصل إلى اللحظة التي توقفت فيها المدافع في (النجف)، عندما وصل (السيستاني) إلى المدينة في موكب حاشد قادماً من مدينة البصرة، وذلك بعد أن عاد إلى العراق عقب رحلة علاج دامت ثلاثة أسابيع في بريطانيا أجرى خلالها عملية جراحية في القلب.
ويقول (بيرك) إن توقف القتال جاء في أعقاب الدعوة التي وجهها (السيستاني) ل(الصدر) الذي كان قد أصيب بالفعل جراء المعارك إلى إخلاء الصحن الحيدري والسماح بدخول جموع الشيعة إلى المدينة، وهي الدعوة التي يعتبر الكاتب أنها مثلت وسيلة مرحب بها من قبل الزعيم الشيعي الشاب للخروج من هذه الأزمة.
وفي نهاية مقاله، يؤكد (جاسون بيرك) أن هناك العديد من الأسئلة لا تزال مطروحة على الساحة من قبيل ما (إذا كان نجاح الجهود التي استهدفت إنهاء أزمة النجف سيؤدي إلى فشل على المدى البعيد بالنسبة للحكومة العراقية المؤقتة؟)، وكذلك بشأن (حجم المتاعب التي لا يزال بوسع مقتدى الصدر وأنصاره المسلحين إثارتها في المستقبل).
ويقول: إن ما رآه بنفسه في اليوم التالي مباشرة للتوصل إلى اتفاق التسوية ربما يشكل إجابة ما لهذه الأسئلة، فبينما كان يجري حواراً مع أحد مقاتلي جيش المهدي اقتربت مجموعة من رجال الشرطة العراقية بشكل يناقض ما ينص عليه الاتفاق، وهو ما دعا ذلك المقاتل لوصمهم بأنهم خونة وصوب سلاحه تجاههم وهكذا فعل زملاؤه، مما أدى إلى اندلاع معركة حامية الوطيس أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا ما بين قتيل وجريح.
الجنة التي ولت
من جانبه فإن الكاتب (سكوت بالدوف) استهل مقاله عن هذه الأزمة من قلب النجف، وبالتحديد من بلدتها القديمة التي ماجت بآلاف الشيعة الذين توافدوا عليها تلبية لدعوة آية الله السيستاني لحماية الأماكن المقدسة في المدينة، وينقل (بالدوف) عن سيدة عجوز كانت بين هذه الجموع قولها وهي تبكي بكاءً مرًا ضاربة بيدها على صدرها: (لقد كان هذا المكان في السابق مثل الجنة.. والآن صار كما ترون).
ويشير الكاتب إلى أن هذه الحشود من الشيعة كان بينها العديد من أنصار (مقتدى الصدر) إلا أنه يضيف أن هؤلاء لم يشكلوا غالبية الوافدين على تلك المدينة المقدسة، ويقول: إنه عندما حاول الموالون ل(الصدر) ترديد الهتافات المؤيدة له ولميليشياته المسلحة، لم يلق ذلك تأييداً من قبل باقي المحتشدين من غير مؤيدي الزعيم الشيعي الشاب حيث التزم هؤلاء الصمت فيما يشبه التأنيب لما كان يريد أنصار الصدر القيام به.
ثمن الدم
ويشير (بالدوف) إلى أنه على الرغم من التوصل إلى تسوية سلمية لأزمة النجف في نهاية الأمر إلا أن هذه التسوية تم إيجادها بثمن باهظ لاسيما بعد مقتل مئات المدنيين جراء المواجهات في المدينة، لافتاً النظر بصفة خاصة إلى أن اليوم الأخير من المعارك شهد وحده مقتل نحو 100 شخص وإصابة خمسمائة آخرين في مدينتي النجف والكوفة فقط، ولعل هذا الثمن الفادح في الأرواح
هو ما دفع الكاتب الأمريكي للتأكيد على أن الجراح التي تفجرت في (النجف) جراء ما دار فيها من اشتباكات دموية لن تلتئم بيسر وسهولة.
ويضيف أن بدء عودة أهالي المدينة إلى منازلهم المدمرة بفعل القتال يعني أن هناك الكثير من عبارات اللوم التي ستتطاير في كل مكان حول من يتحمل مسئولية ما جرى في (النجف)، مشيراً إلى أن هذه العبارات لن تستثني لا الأمريكيين ولا ميليشيات الصدر.
وفي هذا الإطار ينقل الكاتب عن رجل الدين (سعيد سلام الخورساني) قوله: (نحن نعارض بكل قوة ما قام به كلا الجانبين).
ويضيف (الخورساني) الذي كان واحداً من آلاف الشيعة الذين قدموا في القافلة التي قادها السيستاني إلى المدينة قائلاً: (إن النجف مكان مقدس ولذا كان أمراً صائباً أن يتم الاستعانة برجال الدين لإنهاء الأزمة التي نشبت فيها).
كشف حساب
وينتقل (بالدوف) إلى نقطة أخرى في مقاله وهي تلك المتعلقة بالحساب الختامي للأزمة في النجف والذي يتحدد على أساسه من ربح ومن خسر بعد هذه الأسابيع العصيبة.
ويوضح الكاتب في هذا الشأن أنه يمكن القول: إن (السيستاني) ذلك المرجع الشيعي البارز قد خرج من تلك الأزمة، وقد أثبت مجدداً أنه المرجع الأكثر شعبية ونفوذاً في العراق، وأنه الطرف الوحيد الذي استطاع حمل كل من (الصدر) والحكومة العراقية على التوصل إلى اتفاق كان يبدو مستحيلاً.
وفي قائمة الرابحين يورد الكاتب أيضاً اسم (مقتدى الصدر) خاصة بعدما رفض الرضوخ لحكومة إياد علاوي ولم يقبل سوى الانصياع لمطالب المرجعية الشيعية.
وكذلك يتحدث (سكوت بالدوف) عن أن الحكومة المؤقتة في بغداد قد حصلت على بعض المكاسب، فعلى الرغم من أنه يقر بأن الحكومة فشلت في تحقيق نصر حاسم يفضي إلى تدمير قدرات ميليشيات جيش المهدي للحيلولة دون أن يكون بوسعها القتال ثانية، إلا أنه يشير إلى أن حكومة علاوي نجحت في تفادي إنهاء الأزمة بشكل دموي دون الحاجة إلى شن هجوم على ضريح الإمام علي، وهو الهجوم الذي كان سيؤدي حال وقوعه إلى إثارة عداء الشيعة الذين يمثلون غالبية سكان العراق.
انتصار كارثي!
ومع أن (بالدوف) يؤكد أن القوات الأمريكية يمكن أن تعتبر قد حققت انتصاراً من الوجهة العسكرية لاسيما بعد أن تمكنت من إجبار مقاتلي جيش المهدي على التراجع أمام ضرباتها والتحصن بالصحن الحيدري، إلا أنه يقول: إن الأمر من الناحية السياسية يبدو مختلفاً إذ أن ما تمخضت عنه أزمة النجف كان كارثياً بالنسبة للولايات المتحدة، موضحاً أن توجهات الشيعة حيال الأمريكيين قد تبدلت لتصبح أكثر سلبية حتى بين المعتدلين من معسكر (السيستاني) حيث أعاد حصار البلدة القديمة في تلك المدينة الشيعية المقدسة تذكير العراقيين بأن بلادهم لا تزال تعاني من بنية أساسية مدمرة وأوضاع أمنية متردية.
ولتأكيد رؤيته تلك يستعين الكاتب في هذا الشأن بمثال صارخ يثبت كيف حولت السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة حيال الوضع في النجف بعض المتعاطفين معها أو على الأقل غير المعارضين لها إلى أعداء ألداء، إذ يشير في هذا الشأن إلى رجل الدين الشيعي الشيخ (جواد الخالصي) الذي كان يعد منذ ستة أشهر فحسب أحد الزعماء الشيعة المعتدلين الذين ينتقدون ما تقوم به الميليشيات الموالية
للصدر، بل وكان يتخذ أيضاً موقفاً متعاوناً مع القوات الأمريكية والحكومة العراقية المؤقتة، إلا أن كل ذلك انقلب رأساً على عقب كما يشير بالدوف بعدما فتح قناصة عراقيون النار على (الخالصي) ومن كانوا معه من آلاف المتظاهرين الشيعة الذين تجمعوا في (النجف) آملين أن يكون بمقدورهم المساعدة على وقف نزيف الدماء هناك وحماية مسجد الإمام علي كرم الله وجهه.
وكان هذا الحادث حسبما يقول الكاتب نقطة فارقة بالنسبة ل(الخالصي) الذي صار الآن يتخذ موقفاً متشدداً حيال الأمريكيين، وهو ما يعتبره (بالدوف) مؤشراً مثيراً للقلق يفيد بأن (مقتدى الصدر) خرج من معركة الأسابيع الثلاثة مع القوات الأمريكية أكثر قوة، وذلك على عكس ما كانت تريد الحكومة العراقية التي اعتقدت أن مواجهات (النجف) ستؤدي إلى إخراج الزعيم الشيعي الشاب من الحلبة تماماً.
ويقول الكاتب: إن اللقاءات التي أجراها مع العديد من العراقيين في العاصمة بغداد بعد انتهاء تلك الأزمة توضح أن الصدر باتت له الآن قاعدة شعبية أوسع من ذي قبل ومؤيدون أكثر حماساً للقتال في صفوف ميليشياته.
بداية النهاية
ويبدأ (سكوت بالدوف) استعراض هذه اللقاءات بسرد ما جرى خلال لقائه مع الشيخ (الخالصي) نفسه الذي يؤكد أن ما جرى في (النجف) هو بداية النهاية بالنسبة للأمريكيين، مشيراً إلى أن مختلف القوى السياسية العراقية ستوحد صفوفها الآن لطرد القوات الأمريكية خارج العراق.
ويخاطب رجل الدين الشيعي كاتب المقال قائلاً: (لقد رأيت أنه حتى السُنّة بدءوا في دعم مقتدى الصدر وكل ذلك سيشجع الناس على الوقوف صفاً واحداً).
ويستنتج (بالدوف) مما قاله هذا الرجل أن أزمة (النجف) التي كانت تريد حكومة علاوي أن تشكل نقطة تحول تثبت من خلالها مدى شرعيتها وقدرتها على تدمير الميليشيات المسلحة ليس في النجف فحسب وإنما في شتى أنحاء البلاد، جاءت رياحها بما لم تكن تشتهي سفن الحكومة العراقية، قائلاً: إنه على الرغم من أن كل أطراف الأزمة قد زعمت أنها خرجت منتصرة، إلا أن الزخم الناشئ عن هذه الأزمة قد صب في صالح (مقتدى الصدر) أكثر من أي طرف آخر، وهو ما أدى إلى أن يتحول المعتدلون من الشيعة العراقيين إلى متشددين، والمتشددون إلى فدائيين مستعدين للقيام بعمليات (انتحارية).
الأغلبية الصامتة
وفي هذا الإطار يورد (سكوت بالدوف) رأياً طرحه (غسان العطية) رئيس مؤسسة العراق من أجل التنمية والديمقراطية، وقال فيه: إن (الأقلية المنظمة تكون أكثر فعالية من الأغلبية غير المنظمة) مضيفاً أن (التحدي الذي تواجهه الحكومة العراقية حالياً يتمثل في الإجابة على سؤال مفاده، ما الذي قدمته تلك الحكومة للأغلبية الصامتة حتى تحملها على الانخراط في العملية السياسة؟!).
ويشير (عطية) إلى أن الحكومة نجحت في عقد مؤتمر وطني ولكنها بددت ما تمخض عن ذلك من نتائج بعدما اتبعت في هذا الشأن ذات الأساليب التي كانت متبعة خلال نظام الحزب الواحد بدلاً من أن تستغل الفرصة لإظهار ملامح النظام الديموقراطي الذي يفترض أنها تسعى لإرساء دعائمه في العراق.
خطأ تاريخي
أما (جوان كول) أستاذ التاريخ والخبير في شئون الشيعة بجامعة ميتشيجان الأمريكية فيقول: إن حجم المؤيدين ل(مقتدى الصدر) قد بلغ ذروته خلال أزمة (النجف) بعدما كان التيار الصدري لا يعدو سوى تيار هامشي على الساحة السياسية العراقية في مايو من العام الماضي، ولكنه بات الآن بلا ريب أحد التيارات الرئيسية على الساحة.
ويضيف (كول) حسبما ينقل عنه بالدوف إن دعوة (الصدر) للأمريكيين للرحيل عن العراق بشكل فوري، تلقى حالياً مزيداً من التأييد في صفوف الشيعة العراقيين، وهي الدعوة التي يعارضها بعض المراجع الشيعية مثل المراجع الأربعة الكبار الذين يشكلون ما يُعرَف بالمرجعية الشيعية في البلاد، والذين يرون أن المطالبة بهذا الأمر ينبغي أن يتم إرجاؤها حتى ما بعد الانتخابات العامة في البلاد أوائل 2005.
ويفسر الباحث الأمريكي هذا الموقف من قبل المرجعية بالقول: إن (السيستاني) على سبيل المثال يرى أن الشيعة اقترفوا خطأ جسيماً بإقدامهم على القيام بثورة ضد الاحتلال البريطاني عام 1920، مما دفع الإمبراطورية البريطانية إلى أن تقرر حينذاك الاعتماد على الأقلية السنية وتهميش دور الشيعة وهو الوضع الذي استمر حتى سقوط (صدام حسين) العام الماضي.
ويقول (كول): إن (السيستاني) يعتقد أنه إذا ما استطاع الشيعة التحلي بالصبر فسيكون بوسعهم الوصول إلى السلطة في العراق من خلال صناديق الاقتراع وحينذاك يمكنهم مطالبة الأمريكيين بالرحيل دون الحاجة إلى العنف.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|