|
الافتتاحية الجنادرية إعلامياً
|
بدأت الجنادرية كمهرجان سنوي بتنظيم متواضع حدَّ الشعور بالخوف من أن يفشل مثل هذا المشروع الرائد..
فقد كان التحضير المبكر للمهرجان "إعلامياً" قاصراً عن إبلاغ رسالته وأهدافه إلى من يهمُّهم مثل هذه النشاطات.
وكانت الفكرة بكل جاذبيتها تختفي وراء جهلنا بما ستؤول إليه حين تستوي وتكتمل صورتها..
ولسنواتٍ طويلةٍ ظلَّت ملامحها لا تبدو واضحةً لمن يُنتظر منه أن يتفاعل مع مثل هذه الفعاليات..
***
غير أن التحدي كان كبيراً لبلوغ النجاح المنشود.. والتصميم كان على أشدِّه لعدم إفشاله..
باعتباره منجزاً حضارياً غير قابل للفشل..
طالما أن هناك إصراراً على النجاح..
وتصميماً من عبدالله بن عبدالعزيز للحيلولة دون إفشاله..
***
بدأت فعاليات الجنادرية في سباق للهجن ومناشط أخرى قليلةٍ ومتواضعة..
واقتصر المهرجان في بداياته على مدينة الرياض دون غيرها من مدن المملكة..
وكانت الخيام حيث يتم نصبُها في الصحراء هي مكان الجذب لهذا النوع من النشاط..
مثلما أنه كان يقتصر في أدواره ونشاطاته على الرجال دون النساء..
***
واليوم، ها هي الجنادرية تتحول إلى سوق عكاظ جديد..
بأكثر مما كان يُقدَّم في طيِّب الذكر، سوق عكاظ..
يشارك الرجل في بعض فعالياته..
وتساهم المرأة في مناشط أخرى..
وفي مدينة متكاملة زُرعت في هذه الصحراء، يتواصل النشاط الجنادري السنوي هناك..
في ظاهرة حضارية تستحق أن تُروى..
***
وفودٌ من كل مكان يحرصون على الحضور إلى عاصمة العرب لمتابعة فعاليات الجنادرية..
حيث الفلكلور الشعبي السعودي..
والفعاليات الثقافية..
وحيث يتعانق القديم مع الجديد..
والأصالة مع المعاصرة..
في عمل كبير وهائل يتكرر كل عام..
وتشارك فيه كل مناطق المملكة..
***
الجنادرية إذاً..
من فكرة خجولة..
ومشروع متواضع..
إلى منجزٍ حضاريٍّ كبير..
ما زال يتطور..
ويكبر..
ومن المهم أن نستفيد منه إعلامياً بأكثر مما تحقق..
وذلك بأن يتعرف زواره..
من الأشقاء والأصدقاء..
من المفكرين والمثقفين..
على ما نحن فيه..
بما لا يعطينا ما ليس لنا..
ولا يحرمنا مما نحن عليه..
وكل عام وأنتم مع الجنادرية بألف خير.
خالد المالك
|
|
|
عجائب وغرائب من تراثنا السيل والحب
|
.. السيول التي تعقب الأمطار؛ منها ما يكون جارفاً؛ مهلكاً، مثل ما نسمع ونقرأ من حين لآخر؛ عن سيول في بلد شرقي أو وسطي، أو قطر غربي.. حيث الفيضانات التي يذهب ضحية لها المئات والآلاف من الناس. وفي منطقتنا هذه؛ حدث أن هطلت أمطار غزيرة صبيحة يوم الأربعاء؛ الموافق للسادس من ربيع الأول عام 1360هـ، واستمر هطولها حتى المساء، وعمت أنحاء المملكة، ونتج عنها سيول جارفة، وخراب ودمار كبيران. وسمي هذا الحادث بحادث (سيل الربوع)، حتى ان بعض حواضرنا وبوادينا؛ ما زالت تؤرخ بهذا الحادث.
.. وسيل (الربوع)؛ هدد مكة المكرمة، ودخل الحرم، وذهب ضحية له عدد من الأنفس، وهدمت دور، وتناول هذا الحدث الفريد؛ الشيخ المرحوم (عبدالقدوس الأنصاري) في مجلته الشهيرة (المنهل)، في الجزء الخامس من المجلد الخامس ربيع الآخر عام 1360هـ، فكتب مقالة أدبية شائقة بعنوان: (ذكرى اليوم المطير، والسيل الخطير). وفي الجزء السابع من السلسلة ذاتها؛ كتب الأستاذ (إبراهيم هاشم فيلالي)؛ نصاً أدبياً من وحي الحادث تحت عنوان: (يوم الأربعاء 6 ربيع الأول 1360هـ).
.. وكانت (مكة المكرمة) شرَّفها الله؛ وكان بيت الله الحرام على وجه الخصوص؛ قد تعرضا لخطر السيول مرات كثيرة عبر التاريخ، فقد كانت السيول تأتي من أعلى مكة، ثم تجتاح ساحات الحرم، وتدخل الكعبة المشرفة، وتحدث خراباً لا يستهان به، حتى جاء العهد السعودي الزاهر، فعملت الدولة وفقها الله على حماية بيت الله والطائفين حوله من هذا الخطر، خطر السيول الجارفة، التي تنصب من جبال مكة الشاهقة، وتنحدر مسرعة من شعابها وأوديتها، إلى حيث الوادي المقام عليه البيت العتيق، وهي اليوم بعد المشاريع العمرانية؛ تأخذ مسارها تحت الأرض في قنوات تصريف واسعة إلى خارج مكة.
.. وبمناسبة هذا الكلام على سيول مكة وخطرها الذي كان، نتوقف قليلاً عند مرويات متناثرة عن (المطر والسيل، بيت الله الحرام)، منها ما جاء في كتاب تاريخ الخلفاء قال: إن سيل (الحجاب)؛ هدم بمكة دوراً كثيراً، وأحاط بالكعبة؛ وذلك في خلافة (عبدالملك بن مروان)؛ سنة ثمانين من الهجرة.
وفي سنة إحدى وسبعين وتسعمائة؛ طاف بالبيت سيل عظيم؛ وهدمت بسببه دور كثيرة.. وقال في ذلك الشيخ (صلاح الدين بن ظهيرة)؛ مؤرخاً بلفظ (ذراع) وإن تسامح:
لما علا السيل على مكة
وخرَّب الدور وأخلى البقاع
لاذ بباب الله مستغفراً
وطاف بالبيت طواف الوداع
تاريخ إن رمت تعريفه
علا على الركن اليماني ذراع
.. وهذا بحساب الأحرف: (700+200+1+70=971).
.. وسنتحول عن مكة وبيتها الحرام زادها الله شرفاً وعزة إلى (السيل والحب)؛ في أرق شعر وأبلغه وألطفه؛ وقفت عليه في هذا الباب. فقد جاء في (الأغاني)؛ نقلا عن الهيثم بن عدي قال: حدثني عبدالله بن العباس الهذلي؛ عن رجل من بني عامر قال: مُطرنا مطراً شديداً ارتبعناه، ودام المطر ثلاثاً، ثم أصبحنا على صحو، فخرج الناس يمشون على الوادي، فرأيت رجلاً جالساً على حجر، فقصدته، فإذا هو (المجنون) جالساً يبكي، فكلمته طويلاً وهو مطرق، ثم رفع رأسه وأنشد بصوت حزين لا أنسى حرقته:
بكى السيل.. واستبكاني السيل إذ جرى
وفاضت له.. من مقلتيَّ غروب
وما ذاك.. إلا حيث أيقنت أنه
يكون بوادٍ.. أنت منه قريب
يكون أجاجاً دونكم.. فإذا انتهى
إليكم.. تلقى طيبكم فيطيب
فيا ساكني أكناف نخلة.. كلكم
إلى القلب.. من أجل الحبيب حبيب
.. ثم زاد له (مغلطاي):
أظل غريب الدار.. في أرض عامر
ألا.. كل مهجور هناك غريب
وإن الكثيب الفرد من أيمن الحمى
إلىَّ.. وإن لم آته لحبيب
ولا خير في الدنيا.. إذا لم تزر بها
حبيباً.. وإن لم يطرب إليك حبيب
ألا أيها البيت الذي لا أزوره
وهجرانه مني إليه ذنوب
هجرتك مشتاقاً.. وزرتك خائفاً
وإني على الدهر منك رقيب
سأستلطف الأيام فيك لعلها
بيوم سرور في هواك تثيب
.. فيا له من مجنون بالحب، تقف به عاطفته الجياشة؛ عند سيل الوادي؛ فمن أجوائه العبقة؛ يلتقط الصور المبتكرة، ويقتنص المعاني المبتدعة.. إنها شاعرية فذة، في الزمن الذي كان السيل فيه يوحي بالحب؛ والمطر فيه؛ يبعث على التشوق للمحبوب.
حمّاد بن حامد السالمي/ الطائف
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|