في فيلم (أسود للحملان)، من إخراج روبرت ريدفورد، يتقمص فيه توم كروز شخصية أحد وزراء الدفاع السابقين، حيث يظهر كريسبلي في قميص أبيض منشى أنيق.
الفيلم من النوع الحماسي يحكي دراما عن الأحداث الخاملة الحالية.
يقوم كروز بدور السناتور الجمهوري الأمريكي كاسبر ارفينج، وهو رجل مشرق وجذاب وبارع في استخدام السلاح.
في مستهل الفيلم، يرحب ارفينج بالمراسلة جانين روث (ميريل ستريب) في مقابلة طويلة استمرت لمدة ساعة بمكتبه. وما أن فتحت روث مفكرتها، حتى كشف لها عن جدول أعماله الحقيقي وهو نبأ مبادرة عسكرية جديدة في أفغانستان. وهي مبادرة تنفذها قوات قليلة تعمل في مواقع الصفوف الأمامية المليئة بالمخاطر في أكثر مناطق البلد مناعة. حينها تسأل روث متى ستتدخل السياسة؟ فيجيبها ارفينج: منذ عشر دقائق مضت.
وبينما يتحدث ارفينج وروث عن الإستراتيجيات المتبعة في إدارته وعن الأحداث التاريخية التي مرت بالبلاد وبخاصة أحداث 11 سبتمبر، وقبلها حرب فيتنام، يعرض الفيلم في الخلفية مشاهد أخرى تكشف عن أماكن في أفغانستان، حيث انتشرت فيها وحدتان من جنود القوات الخاصة على قمة جبل من الجليد كجزء توضيحي عن السياسة الجديدة المتبعة.
مشاهد متنقلة
في هذه الأثناء، ينتقل بنا الفيلم إلى إحدى الجامعات الأمريكية بولاية كاليفورنيا، حيث يعمل ستيفن مالي (النجم روبرت ريدفورد) أستاذاً للعلوم السياسية بالجامعة.
يفتتح مشهد الجامعة على البروفيسور وهو يجتمع بأحد طلابه الذي يتوقع له مستقبلاً باهراً (يقوم بدوره تود هيس جارفيلد، ممثل بريطاني)، في مكتبه ويدور بينهما حديث صريح خاص بأدائه الدراسي.
ومن خلال تعاقب المشاهد الثلاثة تباعاً، يجسد الفيلم التلاعب والتناقض في أداء السياسة الأمريكية بين النظريات والممارسات على أرض الواقع، في حين أن روث، التي تستشعر أنه يتلاعب بها، تحاور ارفينج بحذر شديد عن فضائل وتناقضات السياسة الخارجية للولايات المتحدة (يرى ارفينج أن أمريكا على حق، بينما لا ترى هي إلا مدافع تطلق النيران وهي تقصف في كل مكان). يأتي مشهد آخر يحاول فيه مالي يائساً أن يحرك ساكن هايز في محاولة منه لإفاقته من فتوره (إن روما تحترق يا بني) يقول مالي مضيفاً إن الأمريكان انقسموا نصفين، فهم إما يقومون بإطفاء النار أو يلعبون حولها.
ورغم أن المشهدين من واشنطن وكاليفورنيا لديهم القدرة الخطابية، إلا أن المشاهد تنتهي بشخصين يتحدثان في مكتب. روبرت ريدفورد، الذي أثبت كفاءته كمخرج في أعمال أخرى مثل فيلم (ناس عاديين) و(عرض اختبار)، أحس بخيبة الأمل من السيناريو المليء بالجمل الحوارية المطولة.
الحدث الوحيد الذي يستحق الحديث عنه هو ما يجري في أفغانستان، حيث يظهر آريان فينش (ديريك لوك) وهو يتحدث مع أرنست رودريجيز (مايكل بيا) في إحدى طائرات الهليكوبتر أثناء تحليقهم فوق مزرعة تعتليها الثلوج ويضيئها القمر.
تناقض وجداني
رغم أن الفيلم مليء بالجمل الطويلة، إلا أنه لا يزال يتخذ موقفاً عدوانياً محاولاً الإقناع من خلال كلام ريدفورد الذي يعبر بوضوح عن عقيدة المخرج وهي تجمع بين الاشمئزاز من حالة الشئون السياسية الراهنة والوطنية عميقة الجذور والمثالية.
عندما واجه ستريب خياراً صحفياً مصيرياً في واشنطن، فمن المستحيل ألا ترى شبح ريدفورد بوب وودوارد في فيلم (كل حاشية الرئيس) وحينها نفهم إلى أي مدى يعتقد ريدفورد أن الصحافة فقدت قدسيتها ومصداقيتها.
يظهر فيلم (أسود للحملان) عاطفياً وموضوعياً في كثير من الأحيان وكأنه ندوة جامعية، يظهر فيه مشهد واحد من النقاش ممتد في قاعة دراسية يعاني من الآثار الكامنة والمحفزة للأحداث الحقيقية. وينتهي بإشارة لافتة للنظر، لكن غير مرضية معلقاً إيّاها على عالم من النسيان أو عدم التحديد، بناء على اختيارات كل شخص، ما إذا كان يستسلم للقدر أو يعتمد على اختياراته.
الغموض دائما ما يكون أكثر الاختيارات تعقيدا من الأوسمة الأنيقة والاحترام، كما أنه بلا شك يوجد متسع في عالم السينما للأفلام التي تثار حولها الأسئلة أكثر من الإجابة عليها. لكن حتى هؤلاء الذين يتعاطفون مع مشاعر ريدفورد ويدعون إلى العنف قد يجدون أنفسهم محبطين بسبب فيلم تجد فيه كلا الاتجاهين، إطار عمله مثير، لكن في النهاية يرفض تعليق نتائج ذلك عليها.
فيلم (أسود للحملان) قد يكون تجربة لفيلم فيديو ديجيتال أو مقالة للرأي، لكنه كفيلم فقد اختار أن ينبطح أرضاً حينما ينبغي له أن يقف مدافعاً.