* ج: سئل ابن تيمية -رحمه الله- عن بيع المسترسل فأجاب.... أما البيع فلا يجوز أن يباع إلا بالسعر الذي يباع به غيره، لا يجوز لأحد استرسل إليه أن يغبن في الربح غبنا يخرج عن العادة. وقد قدر ذلك بعض العلماء بالثلث، وبعضهم بالسدس. وآخرون قالوا: يرجع في ذلك إلى عادة الناس، فما جرت به عادتهم من الربح على المماكسين: يربحونه على المسترسل.
والمسترسل قد فسر بأنه الذي لا يماكس، بل يقول: خذ أعطني، وبأنه الجاهل بقيمة المبيع، فلا يغبن غبنا فاحشا، لا هذا ولا هذا وفي الحديث (غبن المسترسل ربا). ومن علم منهم أنه يغبنهم فإنه يستحق العقوبة، بل يمنع من الجلوس في سوق المسلمين، حتى يلتزم طاعة الله ورسوله، وللمغبون أن يفسخ البيع فيرد السلعة ويأخذ الثمن، إذا تاب هذا الغابن الظالم ولم يمكنه أن يرد إلى المظلومين حقوقهم فليتصدق بمقدار ما ظلمهم به وغبنهم لتبرأ ذمته من ذلك.
و(بيع المساومة) إذا كان مع أهل الخبرة بالأسعار التي يشترون بها السلع في غالب الأوقات، فإنه يباع غيرهم كما يباعون، فلا يربح على المسترسل أكثر من غيره، وكذلك المضطر الذي لا يجد حاجته إلا عند الشخص، ينبغي أن يربح عليه مثلما يربح على غير المضطر فإن في السنن (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضطر) ولو كانت الضرورة إلى ما لا بد منه: مثل لو يضطر الناس إلى ما عنده من الطعام واللباس، فإنه يجب عليه ألا يبيعهم إلا بالقيمة المعروفة بغير اختياره، ولا يعطوه زيادة على ذلك والله أعلم.
هذا وقد جاء في المغني أن المسترسل هو الجاهل بقيمة السلعة، ولا يحسن المبايعة، قال أحمد: (المسترسل الذي لا يحسن أن يماكس. وفي لفظ، الذي لا يماكس، فكأنه استرسل إلى البائع، فأخذ ما أعطاه من غير مماكسة، ولا معرفة بعيبه وأما العالم بذلك، والذي لو توقف لعرف، إذا استعجل في الحال فغبن، فلا خيار لهما، ولا تحديد للغبن في المنصوص عن أحمد، وحَده أبو بكر في (التنبيه) وابن أبي موسى في (الإرشاد) بالثلث، وهو قول مالك، لأن الثلث كثير، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم (والثلث كثير) وقيل بالسدس. وقيل ما لا يتغابن الناس به في العادة، لأن ما لا يرد الشرع به، يرجع فيه إلى العرف هذا، وقد جاء في مجلة الأحكام الشرعية في المادة (407) ما نصه: (ليس للغبن حد شرعي. فالمرجع فيه للعرف، فما يتعارفه التجار غبنا في العادة يوجب الخيار، أما اليسير الذي لا يخرج عن العادة فلا خيار فيه).