الشباب لا يتحدثون لغة غير التي نتحدث لكنهم يعبرون عن مفاهيم وينظرون إليها من زاوية غير التي ننظر بها، لذا فإن الآباء وأولياء الأمور يشعرون دائماً بأن أبناءهم أو الشباب عامة لا يفهمونهم، في الوقت نفسه وعلى الجانب الآخر يحس الشباب أن أولياء أمورهم يتحدثون لغة أخرى. هذا على مستوى النقاش والتفاهم، أما على المستوى العملي فيحس الآباء بأنهم أدرى بمصلحة أبنائهم، ما يشعر هؤلاء بأن هناك من يقدر نيابة عنهم فيندفعون غير آبهين بشيء، ما تنشأ عنه من المشكلات ما لا حصر له.
لا ألقي باللائمة على الشباب، وأعلم أنهم يقومون بكثير من التصرفات غير المقبولة لكن لا أعتب عليهم كثيراً أولاً لأني أقدر المرحلة الحرجة التي يمرون بها، وثانياً لأني أعلم أن الكبار هم أكثر نضجاً، إذ تأتي لهم من التجارب ما لم يتأت لهؤلاء وأنهم وصلوا إلى مرحلة من الاستقرار النفسي والفكري، وأصبح العقل هو المحرك الأساسي لهم، لذا فإننا نتوقع منهم دائماً تصرفات ناضجة تتماشى مع هذا النضج.
إذن نحن في حوار بين العقل والعاطفة، ولا أقول صراعاً، وما نتوقعه من العقل لا نستطيع توقعه من العاطفة، وهذا ما يجعلنا نؤكد أن اللائمة يقع جزؤها الأكبر على الآباء.
يستطيع الآباء أن يحكموا تصرفات أبنائهم إذا استطاعوا بالفعل أن يقدروا أنهم في هذه المرحلة يشعرون بأنهم قد تحرروا من عقال الطفولة وأنهم دخلوا فترة زمنية من حقهم أن يتحرروا فيها من الوصايا وأن يتخذوا قراراتهم بأنفسهم.
هنا يجيء دور التوجيه باللين والرفق، إذ إن الجموح والطاقة لا يمكن تسييجهما بالأوامر والنواهي وإنما بالإقناع، فالضغط لا يولد إلا انفجارا.
نضع أبناءنا أمام مسؤولياتهم، ولنوسع لهم نطاق الحرية قليلاً مدعمين ذلك بشيء من الثقة، وفي اعتقادي أن الشاب متى ما كان مسؤولاً عن حريته وشعر أنها حق قد اكتسبه وليست مجرد فرصة اقتنصها عنوة أو بغياب المراقبة فإنه في هذه الحالة سيكون قدر هذه المسؤولية. فلنكن أكثر قدرة على تفهم ما يفكر فيه شبابنا، ولنحترم طرائق تفكيرهم.. ولنقترب شيئاً فشيئاً من عوالمهم، وسنكتشف أنها لا تختلف عن عوالمنا إلا بهذه الطاقة الوثابة التي يمكن أن نوجهها لتصب في إطار المصلحة العامة.
