|
أنحن أحياء أم أموات؟! |
نتوارى اليوم كأمة خجلاً مما نراه فينا وعنَّا..
ونشعر بالمهانة مع استخفاف العالم بنا..
فها نحن مع هذا الواقع المرير نبدو وكأننا نتجرد من تاريخنا وعبق الماضي من حياتنا..
فيما أن المطلوب منَّا أن يكون شكلنا خالياً من تلك الملامح التي شوهت وأساءت لنا..
وأن تكون صورتنا اليوم وفي كل يوم مختلفة عن حالنا وواقعنا وما نحن فيه..
***
فصوتُنا الذي كان يدوي ويُستمع إليه بانبهار..
ورأيُنا الذي كان يُصغَى إليه باعجاب وتقدير..
وتلك المواقف الجسورة التي كان يحسب لها ألف حساب..
ها هي قد اختفت وغابت وتوارت عن الأنظار..
بشكل يدعو للألم والأسى والحسرة على ما فات والخوف مما يُحضّر لمستقبلنا الآن..
***
والفجيعة أن نتعامل مع كل هذه المتغيرات الخطيرة..
دون إحساس أو شعور..
وبلا اكتراث أو مبالاة..
وأن يبتلع كل منا هذا (الطعم) القاتل الذي حُضّر لنا دون تردد أو خوف من آثاره السلبية..
وكأننا بهذا أشبه بأمة ميتة..
أو معطلة مداركها..
أمة لا تحسن قراءة مستقبلها كما ينبغي..
بل كأنها لا تملك حق المبادرة في الحفاظ على حقوقها بالتصدي والدفاع عنها..
في زمن يتأكد يوماً بعد آخر بأنه ليس فيه للضعفاء والمترددين إلا التهميش من التاريخ..
***
لقد أضرت بنا الخلافات..
وعصفت بنا كثيراً المؤامرات..
وأخفت موالاتنا للعدو والتنازل له والقبول بإملاءاته كل قدرة لهذه الأمة كي تحيا قوية وعظيمة وبشرف..
فيما لا يزال المستقبل المخيف يلقي بظلاله علينا ودون أن يخفينا الضيف القادم ومستقبله المجهول..
***
إننا نتحسر على الماضي..
يوم كان للأمة صوت وكلمة وإرادة..
ونشعر بالأسى والخزي من حالنا اليوم..
ونذكّر بواقعنا إن كان فينا من تنفع معه وفيه الذكرى والتذكير.
خالد المالك
|
|
|
بعد اشتعال الارض تحت أقدامهم في مدن العراق الامريكيون من الرمضاء الى النار * دبلوماسي أمريكي: انسحاب أمريكا لن يلحق ضرراً بمصالحها |
* اعداد إسلام السعدني
يشهد العراق حاليا تطورات متلاحقة بعد أن صارت عمليات المقاومة تشمل يمثلون غالبية أبناء الشعب العراقي وذلك جراء الصراع الذي تفجر بين سلطة التحالف الأنجلو أمريكي والزعيم الشيعي الشاب (مقتدى الصدر).. وفي هذا الإطار أكد الكاتب الأمريكي (باتريك بوكانان) إلى أنه لم يعد هناك أحد يستطيع أن يتنبأ بما سيؤول إليه الاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة للعراق، مشيرا إلى أن المتفائلين يرون أن العراق سيصبح مثل اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، أما المتشائمون فيتوقعون أن يصير مثل لبنان بعد الغزو الإسرائيلي عام 1982.
أضاف بوكانان قائلا (بالنسبة لي.. فإنني اعتبر نفسي من بين المتشائمين الذين يرون أننا ارتكبنا العديد من الحماقات التي أودت بنا إلى هذا الوضع، وهو ما كتبت عنه قبل عام تقريبا من الآن عندما كانت قواتنا لا تزال تزحف صوب العاصمة العراقية بغداد).
وأشار بوكانان في مقال نشرته مجلة (امريكان كونسيرفتيف) إلى أن القول بأن هناك أخطاء فادحة ارتكبتها الإدارة الأمريكية في العراق يجد ما يدعمه من خلال ما حدث في مدينة (الفلوجة) مؤخرا من مشاهد مروعة للتمثيل بجثث أربعة من الأمريكيين،إلى جانب مقتل خمسة من الجنود الأمريكيين في اليوم نفسه في حادث منفصل بالمدينة، بالإضافة إلى مقتل العديد من الجنود خلال الأيام التالية لذلك في اشتباكات مع الميلشيات الشيعية.
ويخلص الكاتب الأمريكي للقول إن شن الحرب على العراق يعد عملا أقدمت عليه الولايات المتحدة باختيارها، دون أن تكون تلك الحرب أمرا محتوما فرضته الظروف على واشنطن.
صدام وهجمات سبتمبر
أوضح (بوكانان) في هذا الشأن أن الرئيس العراقي المخلوع (صدام حسين) لم يلعب أي دور في هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ولم تكن له أية صلة بتنظيم القاعدة،إلى جانب ذلك أشار الكاتب إلى أنه لم يتم العثور على أي دليل يثبت حيازة النظام العراقي السابق لأسلحة دمار شامل على عكس ما روجت له المعارضة العراقية في المنفى وخاصة حركة المؤتمر الوطني العراقي.
وبلهجة جازمة يؤكد (باتريك بوكانان) أن كل هذه الأمور صارت معلومة للأمريكيين في الوقت الحالي، مشيرا في هذا الصدد إلى الموقف الذي اتخذه وزير الخارجية الأمريكي (كولن باول) مؤخرا من خلال اعترافه بأن ما قاله أمام مجلس الأمن الدولي قبل الحرب حول قدرات النظام العراقي السابق في مجال أسلحة الدمار الشامل قد استند إلى معلومات استخباراتية خاطئة، بل وإشارته أي باول إلى أنه لو أدرك هذه الحقيقة قبل وقوع الحرب لكان قد اتخذ موقفا مغايرا بداخل الإدارة الأمريكية إزاء شنها.
وعلى الرغم من كل ذلك، يقول (بوكانان) إن وضع الولايات المتحدة الآن في العراق تنطبق عليه عبارة وردت من قبل على لسان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق (دين راسك) من أن واشنطن (قد صارت هناك وعليها التزامات ينبغي الوفاء بها).
شبح الفشل القادم
يرى الكاتب الأمريكي أن الأحداث التي وقعت في الفلوجة، إلى جانب ما تشهده المناطق الشيعية من اشتباكات ضارية كلها مؤشرات تومئ بأن فشل الولايات المتحدة في العراق قد صار احتمالا قائما، ويضرب العديد من الأمثلة في هذا الصدد مشيرا إلى أن واشنطن لم تستطع إرساء الأمن في المنطقة المعروفة بالمثلث السني، وأن الأمريكيين في مدينة مثل (الفلوجة) صاروا عرضة لمخاطر ربما تفوق تلك التي يتعرض لها الإسرائيليون في قطاع غزة.
إلا أن (بوكانان) يؤكد أن ما يحدث في العراق حالياً لا يعد مفاجئاً، قائلا في هذا الشأن إن بعض الخبراء كانوا قد حذروا من وقوع مثل هذه الأحداث حتى قبل اندلاع المصادمات الأخيرة مع الشيعة، ومن بين هؤلاء (أنتوني كوردسمان) الذي ينقل عنه قوله إن المسؤولين العسكريين الأمريكيين أبلغوه بأن عدد العناصر التي تنضم إلي الحركات المسلحة المناهضة لأمريكا في العراق يفوق عدد من تستطيع القوات الأمريكية قتله أو اعتقاله من هذه العناصر. وبناء على هذه المعطيات يطرح الكاتب تساؤلا مفاده: كيف يتسنى لأمريكا إحراز النصر في العراق، إذا ما كان عدد المنضمين لحركات المقاومة يفوق عدد من تستطيع القوات الأمريكية قتله أو اعتقاله منهم، مشيرا إلى أن ذلك يتزامن مع انضمام الشيعة للهجمات ضد الجنود الأمريكيين، والذي يأتي في وقت تستعد فيه واشنطن لتقليص حجم قواتها المنتشرة في الأراضي العراقية استعداداً لتسليم السلطة للعراقيين.
ويجيب (بوكانان) على التساؤل الذي طرحه بالقول (إن الإجابة تتمثل في أننا لن نستطيع بكل تأكيد إحراز النصر في ظل مثل هذه الظروف، وعلينا أن نسلم بأننا قد نواجه احتمال الهزيمة في عراق ما بعد الحرب، أو أن نعترف بأن علينا العمل من أجل نشر مزيد من الوحدات في ساحة القتال، وهو ما سيتطلب منّا إرسال تعزيزات عسكرية أكبر إلى العراق وهنا سنكون بصدد (حرب جديدة تماما ) كما جاء على لسان الجنرال (ماك آرثر) قبل عشرات الأعوام خلال الحرب الكورية).
معضلة الانسحاب المبكر
وهنا ينتقل (بوكانان) للحديث حول إمكانية اتخاذ الولايات المتحدة قراراً بالانسحاب المبكر من العراق، حيث يعرض لوجهتي نظر متباينتين في هذا الشأن، أولاهما يعبر عنها الدبلوماسي الأمريكي (موريس أبراموفيتز) في مقال نشره بإحدى الدوريات المتخصصة مؤخراً، وأكد فيه أنه لا زال بوسع أمريكا القيام بمثل هذا الانسحاب دون أن يلحق ذلك الانسحاب ضرر بالغ بمصالحها الحيوية قائلا إن (الموقع المتفرد الذي تحتله واشنطن في عالمنا اليوم يمكنّها من أن تتخذ قرارا بالانسحاب المبكر من العراق).
ويمكن للمرء في تلك الحالة أن يبرر مثل هذا الانسحاب بالقول بأنه سيمكننا من إعادة تجميع صفوفنا بدلا من تركها مبعثرة ومشتتة في بقاع مختلفة من العالم، وهو ما سيعزز قدرة الولايات المتحدة على مواجهة تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن وغيره من التنظيمات الإرهابية).
أما وجهة النظر الأخرى فيعبر عنها (أنتوني كوردسمان) الذي يشير إلى أن الهزيمة الأمريكية في العراق ستكون بمثابة كارثة ستلحق بالولايات المتحدة أضرارا تفوق تلك التي خلّفتها حرب فيتنام.
مخاطر الانسحاب
وينقل (بوكانان) عن (كوردسمان) قوله في هذا الصدد ( بغض النظر عما إذا كان قرار غزو العراق قرارا صائبا أم لا؟، إلا أن الواقع الآن أن الغزو قد حدث وانتهى الأمر، وصارت قوتنا ومكانتنا على المحك.
ولن تقتصر عواقب الانسحاب من العراق على أمريكا وحدها بل ستؤثر على المستقبل السياسي لعدد من زعماء الدول الحليفة للولايات المتحدة مثل بريطانيا واستراليا وإيطاليا وبولندا.
كما أنه سيؤثر على منطقة الخليج التي تحتوي على نحو 60% من الاحتياطيات المؤكدة للنفط الخام في العالم.
كل ذلك سيكون محفوفا بالمخاطر لما لهذه المنطقة من أهمية استراتيجية.. إلى جانب ذلك فإذا تركت الإدارة الأمريكية العراق وشأنه فإنها ستعطي بذلك الفرصة للمتشددين في مختلف أنحاء العالم لإعلان انتصارهم وسيصبح بن لادن في هذه الحالة منتصرا ظافرا).
ولكن (كوردسمان) يضيف في الوقت نفسه حسبما نقل عنه بوكانان أن هناك باباً للخروج من العراق دون إراقة ماء الوجه، ودون أن تصبح أمريكا عرضة لأية عواقب وخيمة متسائلا (هل يتوجب على الولايات المتحدة البقاء في العراق حتى تنجح في تحقيق أهدافها هناك ؟.. لا.. فلو رفض العراقيون أنفسهم المساندة الأمريكية من خلال حكومتهم المقبلة، أو حالما اندلعت حرب أهلية في الأراضي العراقية فلن يوجد هناك من ينحي باللائمة على واشنطن إذا ما اتخذت قرارا بالخروج من العراق.. إلا أن الانسحاب دون حدوث أي من هذين الاحتمالين سيصبح تعبيرا عن هزيمة حقيقية).
ويعود الكاتب الأمريكي لطرح تساؤل آخر ولكن ربما أكثر خطورة قائلا (ألا يستطيع المرء اعتبار ان الادارة الامريكية فشلت إذا ما تولى الحكم في بغداد نظام طلب منا الخروج من العراق،وألا نستطيع أن نعتبر بوش فاشلا أيضا إذا ما بلغ التفكك في الأراضي العراقية حد نشوب حرب أهلية ؟).
ويواصل الكاتب تساؤلاته ويقول (هل لنا أن نتساءل في تلك الحالة عن ماهية التبريرات التي يمكن أن يقدمها بوش حينذاك إلى العائلات الأمريكية التي ستكون قد فقدت مئات من أبنائها قد يصل عددهم قريبا إلى الألف إذا ما سار معدل القتلى الأمريكيين في العراق على وتيرته الحالية ؟ وما هي التبريرات التي يمكن أن يقدمها الرئيس لأمة كبدها الغزو 200 مليار دولار ؟.
ما هو السبب الذي سيقدمه للغزو..؟ فهل غزونا العراق للعثور على أسلحة دمار شامل غير موجودة على الإطلاق أم لإرساء دعائم الديموقراطية في منطقة الشرق الأوسط ؟).
بقعة ملتهبة
وفي انتقاد مرير للأسلوب الذي تتبعه أمريكا في العراق، يشير (بوكنان) إلى أنه يتفق مع خبير مثل (كوردسمان) في قوله بأن الفلوجة هي مجرد مدينة ولا تمثل العراق بأسره، وأنها ليست سوى بقعة ملتهبة تحفل بمشاعر الكراهية لأمريكا.. وأن سكانها من السنة لا يمثلون باقي السنة في مختلف أنحاء البلاد الذين يشكلون خمس عدد السكان، مضيفا أنه يتفق أيضا مع حديث (كوردسمان) على أن سكان تلك المدينة لا يمثلون باقي الأعراق من أكراد أو شيعة في العراق، إلا أنه يعود ليقول إن فشل الولايات المتحدة في السيطرة على مدينة الفلوجة وفرض الأمن فيها بما لديها من قوات تعد الأفضل في العالم، يجعل المرء يتساءل كيف لواشنطن أن تتوقع أن يستطيع العراقيون من الموالين لها النجاح في هذه المهمة بعدما يتم تقليص القوات الأمريكية أو سحبها من العراق ؟).
ويضيف (بوكانان) قائلا (إن هذه العوامل تشير إلى أن أمريكا باتت على شفا البقاء في العراق لفترة طويلة.. طويلة (متسائلا) هل يمكن القول إننا إن آجلا أو عاجلا سنذهب.. وأن بغداد ستسقط كما سقطت سايجون من قبل؟، وأن بوش وتشيني ورامسفيلد سيدخلون التاريخ من نفس الباب الذي دخل منه سابقا جونسون وماكنمارا وراسك؟.
وفي النهاية لا يجد (بوكانان) سوى عبارة (راسك) التي أوردها في صدر مقاله ليختتم بها المقال مرة أخرى.. تلك العبارة التي تقول (لقد صرنا هناك وعلينا التزامات يتعين علينا الوفاء بها).
أوهام الصقور
أما الكاتبة (هيلين توماس) فاستعادت في مستهل مقال لها بصحيفة (سياتل بوست إنتلجينسير) تلك الأوهام التي رددها مستشارو الرئيس الأمريكي (جورج بوش) قبل اندلاع الحرب عن النتائج التي يتوقعون أن تتمخض عنها، مشيرة إلى أن هؤلاء المستشارين قالوا في تلك الفترة إن القوات الأمريكية ستمضي كما السكين في الزبد بداخل الأراضي العراقية، وأن العراقيين سيستقبلون الغزاة بالورود خلال تقدمهم في أراضيهم.
وأوضحت (توماس) أن هذه الأوهام التي نجح مستشارو (بوش) في إقناعه بها قد تم استقاؤها من الإنصات إلى العراقيين المنفيين، الذين كانت أولوياتهم وأهدافهم تتشابك مع تلك الأولويات والأهداف التي يرفعها صقور الإدارة الأمريكية.
وتضيف الكاتبة الأمريكية في مقالها قائلة: الآن صرنا نعلم حقيقة مهمة أنه بينما يعتبر المسؤولون الأمريكيون أنفسهم محررين للعراق يراهم العديد من العراقيين مجرد غزاة.
وأكدت (هيلين توماس) أن الحقائق تفرض نفسها، وأن الأحداث المأساوية التي حدثت في العراق خلال الأيام الأخيرة تشير إلى أن القوات الأمريكية في طريقها للبقاء في العراق لفترة طويلة وبحجم أكبر مما كان المسؤولون الأمريكيون يخططون له في البداية.
وقالت الكاتبة الأمريكية إن الحرب في العراق عادت لتحتل صدارة الصحف ووسائل الإعلام بعد أن صار عدد القتلى الأمريكيين بالمئات، وبعد أن قُتل في مقابلهم آلاف العراقيين، مشيرة إلى أن الكمين الذي أسفر عن مقتل عدد من حراس الأمن الأمريكيين في مدينة الفلوجة، والتمثيل الذي تعرضت له جثث هؤلاء الحراس، قد ذكَّر الشعب الأمريكي بالحقائق والوقائع المخيفة التي تنطوي عليها الحرب الدائرة حاليا في الأراضي العراقية.
وفي هذا الشأن استعرضت (توماس) ردود فعل المسؤولين الأمريكيين على اللقطات التي تم بثها لجثث الحراس المشوهة والتي أصابت الشعب الأمريكي بالصدمة، مشيرة إلى أن (سكوت ماكليلان) المتحدث باسم البيت الأبيض وصف الحادث بأنه عمل (بربري)، مؤكدا في الوقت نفسه أن هذا العمل (الحقير والهمجي لن يثني الولايات المتحدة عن مواصلة مهمتها لإرساء دعائم الديموقراطية في العراق)، بينما وصف (بول بريمر) رئيس الإدارة المدنية الأمريكية في بغداد مَنْ قاموا بهذا العمل بأنهم (جبناء وأشرار).
وواصلت الكاتبة استعراضها لمجريات الأحداث بعد حادث الفلوجة قائلة (إنه في نفس اليوم الذي وقع فيه هذا الحادث، قتل خمسة جنود أمريكيين جراء انفجار عبوة ناسفة كانت مزروعة على إحدى الطرق في المدينة على بعد خمسة عشر ميلا من المكان الذي وقع فيه الكمين الذي أودى بحياة حراس الأمن).
وأشارت إلى أن الشركات الأمريكية التي تمكنت من الحصول على عقود في إطار عمليات إعادة إعمار العراق اكتشفت أن الأوضاع الأمنية تجعل من الواجب عليها الاستعانة بعدد كبير من الخبراء الأمنيين الذين قد يصل عددهم إلى نصف عدد موظفي هذه الشركات في الأراضي العراقية.
ومضت (توماس) قائلة إن اثنتين من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي اللتين شعرتا بالصدمة إزاء التطورات الأخيرة، قد طالبتا بإرسال مزيد من القوات إلى العراق بهدف تعزيز القوات الموجودة هناك حالياً، والذين يوجد بينهم نحو 150 ألف جندي أمريكي.
ونقلت (توماس) عن العضوتين وهما السناتور (هيلاري) كلينتون والسناتور (كاي بايلي هوتشيسون)، واللتين أيدتا من قبل قرار شن الحرب قولهما إنه بات من الضروري تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في الأراضي العراقية.
وأشارت الكاتبة في مقالها إلى أن هذا الأمر يلفت النظر إلى بعد النظر الذي يتمتع به الجنرال (أريك شينسكي) رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة السابق والذي حذر قبل نشوب الحرب، من أن احتلال العراق سيتطلب نشر مئات الآلاف من الجنود في أراضيه.
وأعادت (هيلين توماس) إلى الأذهان تلك الانتقادات الساخرة التي وجهها آنذاك (بول ولفوويتز) مساعد وزير الدفاع الأمريكي لتقديرات (شينسكي) قائلا إنها (غير دقيقة إلى حد بعيد).
واستعرضت الكاتبة في المقال المبررات التي قدمتها كل من (هيلاري كلينتون) و(كاي هوتشيسون) للمطالبة بإرسال مزيد من القوات الأمريكية إلى العراق، حيث نقلت عن (هوتشيسون) قولها (إن زيادة عدد الجنود الأمريكيين المنتشرين في عراق ما بعد الحرب أمر ضروري لأن الولايات المتحدة ليس لديها خيار آخر، ولا يمكن السماح بأن تفشل الديموقراطية هناك).
ثم تنتقل (هيلين توماس) إلى الموقف المماثل الذي تتخذه (هيلاري كلينتون) في هذا الشأن، مشيرة إلى أن (هيلاري) اتخذت هذا الموقف رغم أنها تدرك أن ذلك سيؤدي إلى تزايد تكاليف الحرب في العراق وأفغانستان، والتي صارت تتكلف قرابة خمسة مليارات دولار شهريا.
ونقلت (توماس) عن زوجة الرئيس الأمريكي السابق قولها (إن هناك درجة ما من الخطورة تكمن في اتخاذ قرار بتقليص حجم قواتنا في العراق خاصة مع عدم ظهور أية مؤشرات حول وجود نهاية وشيكة للأزمة هناك حيث لا يزال أمامنا طريق محفوف بمخاطر بالغة).
كابوس فيتنام
وبعد استعراض تلك الآراء، عادت الكاتبة الأمريكية للحديث عن التهديدات التي وجهها الجنرال الأمريكي (مارك كيميت) نائب قائد العمليات العسكرية في العراق بعد هجوم (الفلوجة)، حيث أشارت إلى تعهد (كيميت) بملاحقة منفذي هذا الهجوم، واصفا إياهم ب(المجرمين) قائلا في حزم (سنعيد الأمن إلى الفلوجة).
وفي ضوء هذه التهديدات أشارت (هيلين توماس) إلى أن الاستعانة بعناصر مشاة البحرية الأمريكية (المارينز ) قد يؤدي إلى قمع مؤقت للعمليات المسلحة في المنطقة التي تقع فيها (الفلوجة) وهي المنطقة التي يسكنها أغلبية من السنة، مضيفة أن الشيعة يشكلون غالبية سكان البلاد، وفي هذا الصدد أشارت الكاتبة إلى أن لهؤلاء الشيعة ذكريات مريرة للسنوات التي قضوها تحت حكم (صدام حسين). وبعد أن تعرض لكل هذه التطورات تتساءل الكاتبة الأمريكية: هل بوسع الولايات المتحدة أن تربح قلوب وعقول العراقيين ؟
وتردف هذا التساؤل بالقول إن أصداء المستنقع الذي تورطت فيه أمريكا في فيتنام تتردد حاليا في العراق، مع تلك التصريحات التي يدلي بها المسؤولون الأمريكيون مؤكدين عزم إدارة (بوش) على البقاء في الأراضي العراقية حتى إنهاء المهمة كما جاء على لسان (سكوت ماكليلان) مؤخراً.
وتقول (توماس) إنه حتى بعد أن يتم نقل السلطة إلى حكومة عراقية انتقالية سيتم تشكيلها بالتعيين في وقت لاحق من هذا العام سيتبقى نحو مائة ألف جندي أمريكي في العراق للتعامل مع الأوضاع الأمنية خلال الفترة الانتقالية التي ستمهد لتشكيل حكومة منتخبة في البلاد. وتلفت الكاتبة النظر إلى أنه لا يوجد من بين المسؤولين الأمريكيين من يذكر حتى عبارة (انسحاب القوات الأمريكية من العراق)، هذا الانسحاب الذي تشير إلى أن البعض من هؤلاء المسؤولين يتوقعون أنه لن يتم قبل مضي جيل كامل.
وتختتم الكاتبة الأمريكية مقالها مؤكدة على أنه سيكون أمرا مثيرا للسخرية إذا لم تصبح الحرب على العراق أحد المحاور الرئيسية للنقاشات الخاصة بالحملات الانتخابية التي ستسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مشيرة إلى أنه ينبغي على الرئيس (بوش) وكذلك على السناتور (جون كيري) الذي بات قاب قوسين أو أدنى من أن يكون مرشح الحزب الديموقراطي في انتخابات الرئاسة، أن يعرضا للأمريكيين الرؤى التي يمكن لهما أن يعملا على وضعها موضع التطبيق للخروج من العراق.
ضربة (الصدر) القاصمة
وإذا تركنا مقال (هيلين توماس) في صحيفة (سياتل بوست إنتلجينسير) وانتقلنا إلى مقال الكاتب (كريستوفر لاين) في صحيفة (ذي أوستراليان) فإننا سنجد أن (لاين) قد استهل مقاله بالتأكيد على أن الفترة القليلة الماضية كانت شديدة السوء بالنسبة للولايات المتحدة في العراق بعد أن باتت الأوضاع تسير هناك من سيئ إلى أسوأ، مشيرا في هذا الصدد إلى حادث التمثيل بالجثث الذي وقع في (الفلوجة) معقل المقاومة الرئيسية في المثلث السني والذي تبعته حملة مداهمات انتقامية نفذتها قوات مشاة البحرية الأمريكية في المدينة.
وأضاف الكاتب أن أحداث الفلوجة لم تكن الأسوأ من نوعها، موضحا أن السياسات التي تنتهجها واشنطن في العراق قد تعرضت لضربة قاصمة بعد اشتعال الاشتباكات بين القوات الأمريكية والمليشيات الشيعية التابعة ل(مقتدى الصدر) وخاصة في مدينة (الصدر) التي تعد الضاحية الشيعية الرئيسية في العاصمة بغداد.
ومضى الكاتب يسرد التطورات التي تلت اندلاع هذه الاشتباكات ومن أبرزها وصف المسؤولين الأمريكيين للصدر بأنه خارج عن القانون، وما أعقب ذلك من الكشف عن مذكرة اعتقال صدرت بحق الزعيم الشيعي من قبل قاض عراقي بغية التحقيق معه في قضية اغتيال الزعيم الشيعي (عبد المجيد الخوئي) العام الماضي، مشيرا إلى أن هذا الاغتيال غير مرتبط على الإطلاق بالمصادمات الأخيرة التي اندلعت بين المليشيات التابعة للصدر والقوات الأمريكية. كما أشار (لاين) في مقاله إلى أن التهديد الأمريكي باعتقال (الصدر) أو قتله من شأنه إشعال غضب الشيعة.
ويستخلص الكاتب مما حدث في الفلوجة ومدينة الصدر الشيعية أن واشنطن تقترب حاليا بشكل متسارع من نقطة فاصلة فيما يتعلق بسياساتها في العراق، مشيرا إلى أن التخبط كان يسود هذه السياسات حتى قبل وقوع التطورات الأخيرة، بالرغم من أنه كان من العسير على المرء التعرف على ملامح هذا التخبط إذا ما اكتفى بالاستماع إلى التصريحات الحازمة الواثقة التي كان يدلي بها مسؤولو الإدارة الأمريكية في واشنطن أو المتحدثون باسم سلطة التحالف المؤقتة في بغداد والذين يصفهم الكاتب ساخرا بأنهم هؤلاء الذين يحتمون الآن في سلام بداخل المنطقة الخضراء بالعاصمة العراقية وهي منطقة شديدة الحراسة لوجود المقار التابعة لسلطة التحالف فيها.
سراب تسليم السلطة
ومضى (كريستوفر لاين) قائلا إنه (حتى قبل الانتكاسات الأخيرة، كان الغموض يحيط بمسألة ما إذا كانت واشنطن ستكون قادرة على الوفاء بالتعهد الذي قطعته على نفسها بتسليم السلطة السياسية في العراق لحكومة ذات سيادة في الثلاثين من يونيو القادم أم لا )؟.
وأشار إلى أنه حتى في حالة الوفاء بهذا التعهد فإن ذلك سيعد أمرا خادعا، موضحا أن القوات الأمريكية ستظل بعد ذلك مسؤولة عن حفظ الأمن في الأراضي العراقية، كما ستبقى الولايات المتحدة متورطة في الساحة السياسية الحافلة بالتعقيدات في البلاد، ويخلص في نهاية الأمر للقول إن ذلك سيعني أن أمريكا ستظل صاحبة الكلمة العليا في تسيير الأمور في العراق. وأكد الكاتب في مقاله أن ما يحدث في العراق في الفترة الراهنة لا يعد مفاجئا إلى أولئك ممن هم على علم ولو يسيراً للغاية بطبيعة هذا البلد وطبيعة منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، قائلا: إن العراق ليس بلدا يتكون من قومية واحدة بقدر ما يشكل بلدا قام البريطانيون بتجميع شتاته في عجالة من أطلال الإمبراطورية العثمانية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.
وقال الكاتب إنه طالما نشأت مشكلات متعددة بشأن التعايش المشترك بين المجموعات الثلاث الرئيسية التي يتكون منها الشعب العراقي والمتمثلة في السنة والشيعة والأكراد، مشيرا إلى أن ما حال دون تفكك البلاد هو وجود نظام حكم مركزي قوي في بغداد دأب على استخدام سياسة القبضة الحديدية.
وأضاف (لاين) أنه لم يكن مفاجئا أن تلاقي الولايات المتحدة مثل هذه العقبات كأداء في عراق ما بعد الحرب، بالنظر إلى أن العراق لم يشهد منذ ظهوره كدولة أي ممارسة ديموقراطية. وأوضح الكاتب في مقاله أنه بينما سيشير البعض من المسؤولين الأمريكيين أن القوة هي الحل الأمثل في مواجهة مثل هذه العقبات، إلا أن استخدام القوة لن يؤدي إلى وضع حد للعمليات المناهضة للاحتلال، بل سيؤدي غالبا إلى تصاعدها، وهو ما سيدفع الولايات المتحدة لمواجهة تلك المعضلة التقليدية التي عادة ما تواجه القوى الاستعمارية، حيث لا يؤدي القمع الذي تمارسه هذه القوى إلى إخماد محاولات الاستقلال من قبل مواطني البلدان الواقعة تحت الاحتلال، بل يؤدي إلى دوامة لا تنتهي من العنف، تتصاعد حتى تصل إلى نقطة تتجاوز فيها التكاليف التي تتكبدها القوى الاستعمارية جراء البقاء في هذه البلدان الثمن الذي يتعين عليها أن تدفعه مقابل انسحابها منها.
وأضاف (لاين) أن تعزيز القوات الأمريكية في العراق لن يؤدي إلى حل هذه المعضلة بل ربما يؤدي إلى تفاقمها،خاصة في ظل الإحصائيات التي تشير إلى أن الشهور الماضية من الاحتلال شهدت مقتل نحو 600 جندي أمريكي، فضلا عن إصابة 4000 آخرين، العديد منهم مصابون إصابات خطيرة، هذا إلى جانب عشرات المليارات التي أنفقتها أمريكا سواء لغزو العراق أو للعمل من أجل إعادة إعماره.
ثمن الغزو المرير
وبلهجة جازمة يشير الكاتب إلى أن الجهود الأمريكية في العراق ستُمنى بالفشل بشكل حتمي، مستبعدا أن تستطيع واشنطن إرساء دعائم ديموقراطية على النمط الغربي في الأراضي العراقية، ويشير إلى أنه حتى في حالة إقامة مثل هذه الديموقراطية فإنها ستكون ديموقراطية معادية لأمريكا ولإسرائيل أيضا.
ويشير (لاين) إلى أنه على الرغم من العواقب التي قد تنجم عن انسحاب أمريكا من العراق، من تهديد لوحدة الأراضي العراقية وللاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، إلا أنه يؤكد أن هذا يعد ثمناً يتعين على الولايات المتحدة أن تدفعه إن آجلا وإن عاجلا .
ويؤكد أن الوقت قد حان بالنسبة لواشنطن لاتخاذ قرار بالانسحاب لوضع حد لخسائرها في العراق، مشيرا إلى أن بقاء قواتها هناك لن يفضي إلا إلى تصاعد عمليات المقاومة، وأن تصبح الأراضي العراقية نقطة جذب للمقاتلين المناهضين للولايات المتحدة.
ويوضح (كريستوفر لاين) أن المقاومة العراقية في طريقها للوصول إلى المرحلة التي لا تستطيع معها القوى الاستعمارية تحمل تكاليف البقاء، هذا إن لم تكن قد وصلتها بالفعل خلال الأيام الماضية.
في ختام مقاله يضرب الكاتب مثالا بالزعيم الفرنسي (شارل ديجول) الذي استطاع اتخاذ قرار جريء في منتصف القرن الماضي بسحب قوات بلاده من الجزائر رغم المعارضة التي كان يواجهها في هذا الصدد والتي كانت ترفع ذات التبريرات التي يتذرع بها معارضو الانسحاب الأمريكي من العراق حاليا، ولكن قرار (ديجول) ساعد فرنسا على وضع حد لنزيف الدم الذي كانت تعاني منه آنذاك، ومن هذا المنطلق يؤكد (لاين) أنه في انتظار الزعيم الأمريكي الذي ستكون لديه تلك الشجاعة والرؤية اللتين تحلى بهما (ديجول) من قبل، ذلك الزعيم المنتظر الذي سيتخذ قرارا يخلص به الولايات المتحدة من مأزقها الراهن في الأراضي العراقية.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|