كلما أطل علينا عام جديد، أو جاءت مناسبة لها قيمتها ومعناها، أو مرَّت الأمة بحدث يوقظ مشاعرها ويذكِّرها بما لا ينبغي أن تنساه من قضاياها؛ إذ بالأماني والآمال تتسابق في أذهان كل منا، بأمل أن يتغيَّر الحال نحو الأفضل والأكثر جمالاً؛ لكي لا يظل المرء سجيناً ومكبلاً بسلاسل وأغلال من الظلم والقهر والاستعباد له وللشعوب المغلوبة على أمرها من قِبل الظلمة والمستبدين وأعداء الأحرار في العالم.
***
نقف جميعاً أمام الكثير من الأماني، نتفحصها ونتأملها ونراجعها، ونتساءل بمرارة مع أنفسنا: هل المطلوب منا أن نكتفي بالتمنيات ومن غير فعل يفجّر فينا طاقات كبيرة وهائلة تزيل من أجوائنا هذا الذل الذي نشكوه الآن ومن قبل وربما غداً، وقد يظل هكذا من غير حل، إن لم نفعل ما يصحح الموقف ويغيّر الموقع، وإن لم نحافظ - دون تفريط - على حقنا في حياة حرة كريمة.
***
ولي أن أتساءل وقد أدمي قلبي مثلما أُدميت قلوبكم: ما الدور الذي يمكن أن تلعبه دولنا في مسرح التطورات الدولية سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وصناعياً في ظل ما تراه العين من اكتفاء دولنا بالمشاهدة وتأمل ما ينجزه غيرها، والاعتماد عليه في كل برامجها التنموية وبناء إنسانها صحياً وتعليمياً، من غير أن تتوالد المحاولات وتتكاثر الإنجازات من جانبنا في سوق المنافسة مع الدول الأخرى المهيمنة والمتحكمة بشريان إمدادنا بمقومات الحياة.
***
لا بأس أن نستفيد من خبرات الآخرين، بأن نقلّدها ونحاكيها لنجيدها ونتقنها بعد ذلك بأكثر وأفضل مما فعلوه، وفي هذا لن نكون أو نظل سجناء للفكر السائد والانطباع المتكرّر بأننا أمة لا تملك من العقول البشرية ومن الإمكانات ما يملكه غيرها من الأمم، وبالتالي علينا الاكتفاء بموقعنا الذي يعتمد في كل شيء على إنجازات واختراعات وابتكارات وخبرات الآخرين.
***
والأسوأ من هذا كله أن تنشغل أمتنا ذات التاريخ المجيد والماضي المشرِّف الذي تعتد به بالخلافات والصراعات فيما بينها، لتتلقى الضربات والصفعات من أعدائها؛ بما يجعل من تصرفاتنا المثبط النشط لقتل كل الطموحات، وما قد يبزغ من أفكار وأعمال مستقبلية مفيدة لنا، وكأنه لا حول لنا ولا قوة للنهوض من هذه الكبوة، بل كأنه قد كتب علينا أن نكون أمة مهزومة، تتآكل كل إمكانات ومصادر ثرائها المعرفي والاقتصادي وجهوزية رجالها في حماية حقوقها ومكتسباتها.
***
لقد خطر ذلك كله في ذهني، بينما أتلوى من الألم من هذا الذي يجري في العراق وفلسطين ولبنان والصومال والسودان واليمن وغيرها من الدول، في مسلسل دامٍ يغذيه العدو، ويقوم بأدواره مواطنون، ينفذونه بوعي أو من دون وعي، والمستفيد الأول والأخير هم أولئك المتسلطون من أعدائنا الذين اشتروا ضمائر بعضنا بأثمان بخسة على حساب مقدرات وحقوق ومصالح شعوبهم، مع ثقتي بأن آمال الشرفاء منا ستبقى حية ونشطة ومتطلعة إلى غد تشرق فيه شمس الحرية والعدل والاقتصاص من الظَلَمة والقَتَلة وكل من خان وطنه ومواطنيه، وباع ضميره للشيطان.
***
أقول هذا وأنا على يقين وعلم بأنه لم يبق لي ولا لغيري من قول يمكن أن يقال، ومن كلمة ينبغي أن تكتب، ومن تنبيه لم يسبق أن تم استخدامه متزامناً مع كل مستجد آلم الأمة وكدَّر خواطر أبنائها؛ فقد قيل وكتب شعراً ونثراً، بالصورة والصوت، وفي جميع وسائل الإعلام، ومنابر الكلمة الشريفة، وعلى مدى عشرات السنين، لكن أوضاعنا ظلت على ما هي عليه تسير من سيئ إلى الأسوأ، وبقينا جميعاً - مع شديد الأسف - داخل إطار الكلمة المقروءة والمسموعة، نتحدث بأسىً عن أوضاعنا، دون أن نفعّل القول، ونعالج الحالة، ومن غير أن نرى أي صدى إيجابي ومقبول لما تعبر به أقلام الشرفاء منا، إذ أصبحت ردود الفعل مفرّغة تماماً من أي تجاوب أو تعاون لانتشال الأمة من أزماتها ونكساتها وخلافاتها، ومن وضعها الراهن الذي لا يسر إلا أعداءها والراغبين في إذلالها.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «2» ثم أرسلها إلى الكود 82244