* محمد رُضا- هوليوود
هناك فيلمان مذكوران في ترشيحات الأوسكار الحالية يتعاملان وإفريقيا. أحدهما هو (ماس دموي) والثاني (آخر ملوك اسكتلندا).
الأول أمريكي الإنتاج للمخرج إدوارد زويك، ويؤدي بطولته ليوناردو ديكابرو ويشاركه الظهور في دور مساند جيمون هاونسو وهما مرشّحان للأوسكار الأول في نطاق أفضل تمثيل رجالي، والثاني في نطاق أفضل تمثيل رجالي مساند.
الفيلم الثاني، (آخر ملوك اسكتلندا) بريطاني الإنتاج من إخراج كَفن مكدونالد ومن بطولة فورست ويتيكر وجيمس مكاوي.
وفي مهرجان برلين الذي أنهى دورته الجديدة قبل أيام قليلة، عرض فيلم جديد يتعامل، كالفيلمين المذكورين، مع إفريقيا أيضاً هو (وداعاً بافانا) وهو إنتاج ألماني من بطولة محبوب باوا وجوزف فاينس وإخراج الدنماركي بيلي أوغوست.
وفي العروض الحالية فيلم أمريكي تقع أحداثه أيضاً في إفريقيا بعنوان (أمسك النار) من بطولة تيم روبنز وديريك لوك (وإخراج فيليب نويس).
الجامع بين هذه الأفلام ليس فقط أنها إفريقية الأحداث، بل، وبذات الأهمية، غربية الإنتاج وهي تتبع بضعة أفلام غربية أخرى تم إنتاجها في العامين الأخيرين من بينها، على سبيل الحصر فقط (فندق رواندا) الذي أنتجته شركة (يونايتد آرتستس) الأمريكية من إخراج تيري جورج وبطولة دون شيدل (وهو واحد من عدّة أفلام حديثة تم إنتاجها حول مذبحة رواندا التي وقعت في تسعينيات القرن العشرين) و(الحدائقي الدائم) للبرازيلي فرناندو ميريلليس (ومن إنتاج ألماني بالأساس) ومن بطولة جوزف فاينس وراشتل وايز، و(سيد الحرب) لأندرو نيكول، وهو إنتاج أمريكي من بطولة نيكولاس كايج.
ملامح مختلفة
مشاهدة هذه الأفلام تدفع بالسؤال حول السبب في الاهتمام الغربي بالمسألة الإفريقية.
ومع كل فيلم إضافي يتكرر هذا السؤال وتتسع أطر الإجابة عليه. فهناك أكثر من زاوية يمكن معها البحث في الاحتمالات.
مثلاً، هل يمكن أن تكون المسألة الإفريقية فجأة موضوعاً مثيراً لاهتمام الجمهور السائد ما يحقق أرباحاً عالية؟ أو هل هي مسألة من الأهمية بحيث لابد أن تخلق موضوعات جادّة تصلح لأن تتنافس في المناسبات والمهرجانات العالمية؟
أيضاً هناك احتمال أن تكون المسألة نوعاً من الشعور بالذنب كون العالم الغربي، لجانب مسؤوليته التاريخية، اكتفى غالباً بمتابعة ما يحدث من دون تدخل، فترك جنوب إفريقيا تمارس عنصريّتها طويلاً قبل أن يمارس الضغط عليها، ولم يفعل شيئاً يذكر لوقوع المذبحة التي حدثت في رواندا وذهب ضحيّتها، حسب بعض الروايات، قرابة مليون فرد من المواطنين العزّل.
الحقيقة أن كل فيلم من هذه المذكورة تقدّم جانباً مهمّاً من المشهد الشامل. هناك ملامح مشتركة بين بعضها، لكن حتى هذه الملامح تختلف من فيلم لآخر. ففي حين يتعامل (فندق رواندا) مع قصّة ذلك الإفريقي الذي أنقذ حياة عشرات من القبيلة التي كانت تتعرّض للذبح معرّضاً حياته للخطر، يتناول (سيد الحرب) موضوع التجارة بالسلاح ما يؤجج الصراعات الدائرة في القارة الإفريقية. وبينما يسرد (وداعاً بافانا) حكاية عنصري يتعلّم التطوّر واحترام الآخر قبل فوات الأوان، قدّم (الحدائقي الدائم) حكاية التجارب التي تجريها شركات الأدوية على الإفريقيين ومحاولتها بيعهم عقاقير غير نافعة.
القضية والتجارة
(الماس الدامي) ينتقل إلى سيرا ليوني في التسعينات. الحرب الأهلية دائرة بين جنود الحكومة والقوات المناهضة. داني (ليوناردو ديكابرو) تاجر ألماس من مواطني جنوب إفريقيا، وهو لا يكترث للكيفية التي يحصل بها على الماس، المهم أن يحصل عليه. أن يبيعه. أن يجني ثروته من ورائه.
سولومون (جيمون هاونسو) هو في الأساس صيّاد سمك في قرية تتعرّض لهجوم من (الثوّار) الذين يطلقون النار على الأبرياء ويقتادون الرجال لمناجم الماس للعمل المرهق كعبيد. سولومون هو أحد هؤلاء الرجال وهو يجد ماسة كبيرة يخفيها بحفر مكان لها لا يعرفه أحد سواه.
ينتهي سولومون إلى السجن بعد هجوم قوّات الحكومة على المنجم لكنه يخرج منه كونه بريئاً من العمل مع المليشيات. أما داني، الذي كان حاضراً يدرك أن سولومون يخفي ماسة كبيرة فيسعى إلى إقناعه بالعودة إلى المكان لاستخراجها وتقاسم ثروتها.
لكن هم سولومون الرئيسي ليس المال، بل البحث عن ابنه الصغير الذي اختطفه رئيس المليشيا ودرّبه على حمل السلاح والاشتراك، مع أطفال آخرين، بعمليات القتل العشوائي.
هذه هي اللبنة الرئيسية للأحداث التي تتشعّب قليلاً بتقديم شخصية الصحافية (جنيفر كونولي) ومحاولتها عرض الحقيقة على العالم، لكنها تمضي باتجاه محدّد وهي تقديم موضوع التجارة بالماس ومسؤولية التجّار الغربيين في تأجيج الصراع حوله داخل دول في القارّة الإفريقية، وبالتالي مسؤوليّتهم في استمرار الحروب الأهلية التي تتمحور الآن ليس حول القضايا الكبيرة بل على السيطرة على المناجم التي تدر ثروة كبيرة.
هذا من دون أن يغفل عن إدانة المليشيات والمنهج الإجرامي الذي تقوم به من دون رادع من أحد أو تدخّل.
في الظاهر (الماس الدامي) لديه موقف جدي من الموضوع بأسره. إنه فيلم إدانة لإفريقيا وللغرب وبطله الأبيض (أي ديكابرو) هو رمز مشترك (كونه جنوب إفريقي أي إفريقي وغربي في ذات الوقت.
في صورة أكثر عمقاً، الفيلم يتاجر بالموضوع كما يتاجر البعض بالماس. قدر من هذه المتاجرة مشروع إذ على الفيلم أن ينشر القضية التي يطرحها وهو لكي يفعل ذلك عليه أن يعمد لقصّة تحوي جوانب مثيرة. لكن المشاعر في هذا الفيلم ليست صادقة.
الشخصيات وتنميطها أو تلوينها يسود ويطغى على لب المشكلة.
المخرج زويك، الذي تعامل سابقاً مع مواضيع شائكة ليس أقلّها (الحصار) حول قيام الولايات المتحدة بالدفاع عن نفسها ضد الإرهاب (العربي في الفيلم) بأي طريقة متاحة بما فيها إساءة معاملة العرب في أمريكا.
مآزق بيضاء
(ماس دامي) يلتقي و(الحدائقي الدائم) من حيث أنه يلقي لوماً على الغرب في تعريضه إفريقيا للحروب ومسؤوليته فيها، لكن (الحدائقي الدائم) أكثر إيماناً وعمقاً بتحديد مشكلته عن طريق استبعاد النهاية السعيدة، التي يعمد إليها (الماس دامي)، وعن طريق استبعاد عنصر المغامرة التشويقية (ولو أن الفيلم يبقى مشوّقاً) ثم عن طريق التعمّق في تلك الشخصيات التي تقود الفيلم وحكايته.
نقاط التقاء
يلتقي (ماس دامي) أيضاً مع (سيد الحرب) من ذات زاوية إلقاء اللوم على الغرب، لكن (سيد الحرب) دار حول ذلك الأمريكي اليهودي (كما مثّله نيكولاس كايج) الذي عمل في تجارة السلاح طوال حياته بدون رادع ضميري إلى أن أخذت عيناه ترفضان الاعتياد على مشاهد قتل الأبرياء والضحايا في الصراعات الدائرة.
ربما ليس جيّداً في مجمل نواحيه الفنية، لكنه أكثر تحديداً ولو أنه، أيضاً، أكثر حصراً لأزمة الفرد الأبيض في هذا المأزق الإنساني الشامل. وهي غالباً مشكلة الأبيض على الشاشة. أحياناً أكثر مما ينبغي.
في الواقع، كل هذه الأفلام المذكورة تدور حول بيض في الأزمة. صحيح أنها تحتوي على شخصيات إفريقية وتتحدّث عن صور مختلفة من المأساة الإفريقية، إلا أن همّ معظمها هو الشخصية البيضاء وكيف تتعامل مع الوضعين الخاص والعام اللذين يحيطان بها.
(فندق رواندا) هو الوحيد من بينها جميعاً الذي لا بيض فيه يؤدّون شخصيات رئيسية أو حتى شبه رئيسية.
مغامرة تشويقية
والمثال الأوضح في هذا النطاق هو (آخر ملوك سكتلندا) المأخوذ عن رواية لجايلز فيدون، فهو يتمحور لا حول رئيس يوغندا الراحل عيدي أمين (كما يؤدّيه جيّداً فورست ويتيكر)، بل حول الطبيب البريطاني الأبيض الشاب نيكولاس (جيمس ماكفوي) الذي انتقل إلى أوغندا مندفعاً للإسهام في مساعدة الإفريقيين إنسانياً. هناك (يكتشفه) عيدي أمين ويعجب بقدراته فيعيّنه طبيبا خاصا ويسلّمه إدارة مستشفى جديد.
نيكولاس سعيد بالفرصة ولا يداخله أي ريب في قيادة عيدي أمين حتى لم يعد بالإمكان التغاضي عن أفعاله. حين يسعى للهرب من البلد يتعرّض للاعتقال والضرب ولو أنه يتسلل لاحقاً خلال عملية احتجاز طائرة العال الإسرائيلية.
كما نرى، الموضوع هو تجربة الإنسان الأبيض وسط المحيط الأسود.
وهو أيضاً ما نراه في (وداعاً بافا) حيث الموضوع الرئيسي هو كيف يتخلّص الأبيض من عنصريّته ويبدأ بقبول الآخر الإفريقي. هذا هو أيضاً موضوع فيلم (أمسك النار). وهذا يعود بنا إلى سنة 1978 حينما قدّم البريطاني رتشارد أتنبورو (صرخة الحرية).
هذا الفيلم، بالمقارنة مع هذه النماذج، سافر من حيث أن المشكلة كلها محصورة بالرجل الأبيض ومعاناته لأنه أبيض يعارض الوضع العنصري في البلاد.
أفضل منه كثيراً، بل وأفضل من فيلم (الماس الدامي)، ذلك الفيلم المنسي بعنوان (مؤامرة ويلبي)، ليس لأن هذا الفيلم الذي تم إنتاجه سنة 1975 بإخراج رائع من الأمريكي رالف نلسون، تعامل مع الموضوع الجنوب إفريقي حين كانت جنوب إفريقيا ما زالت تعيش النظام العنصري البغيض فقط، بل لأن المغامرة التشويقية الدائرة لا تطغى على جدّية القضية المطروحة.
كذلك فإن تمثيل مايكل كين وسيدني بواتييه والمسرحي البريطاني نيكول ويليامسون من الأداءات التي قلّما نرى مثيلاً لنجاحاتها في هذه الأيام.