|
العراق في ذكرى أحزان أمريكا!
|
لم يصغِ الرئيس الأمريكي (بوش) إلى نصيحة العقلاء، وإلاّ لما أقدم على غزو العراق متجاهلاً موقف مجلس الأمن الذي لم يسمح له بالإقدام على هذه الحرب، ليجد نفسه منذ أن وطئت أقدام قواته المسلحة في أرض الرافدين وإلى اليوم في مستنقع لم يعد قادراً على الخروج منه.
صحيح أن أمريكا أُذلت وأسيء إلى كبريائها وهيبتها بتفجير برجي التجارة العالمية، وما أسفر عن هذا الحادث المؤلم من قتل لمجموعة من الناس الأبرياء، ضمن سلسلة أعمال إرهابية تعرضت لها سفارات الولايات المتحدة الأمريكية ورعاياها في عدد من الدول من قبل.
لكن الرئيس الأمريكي مؤيداً ومسانداً من المحافظين الجدد، ذهب - دون أن يدري - إلى أكثر مما كان يجب أن يقدم عليه في تصديه للإرهاب ومعالجته تداعيات ما حدث، حتى وإن أصابه وشعبه شيء كثير من المرارة والشعور بالألم في ظل تدمير البرجين وما تركه من آثار مأساوية.
***
وبخاصة أنه قد تبين له وللعالم أن العراق لم يكن يملك أي أسلحة للدمار الشامل التي روجت لها الإدارة الأمريكية لتبرر بها سبب غزوها العراق، متذرعة بأن صدام حسين وأعوانه يشكلون تهديداً للسلام في العالم، وأن العراق أصبح مزرعة لتنامي الإرهاب وزيادة قدراته على امتداد العالم.
بل أكثر من ذلك، فقد تأكد على لسان المسؤولين الأمريكيين أنفسهم أن صدام حسين لم تكن له علاقة أو تعاون مع القاعدة وبالتالي أي صلة بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر؛ ما يبطل حجة البيت الأبيض التي سوَّق بها للحرب، واعتمد عليها في حشد التأييد بين وسائل الإعلام والمؤسسات الفاعلة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وهنا يبدو أن أسباب الحرب غير المعلنة أبعد ما تكون عن تلك التي تم إعلانها، بما في ذلك الادعاء الأمريكي بنيته في نشر الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان في دول المنطقة، حيث بدأت التسريبات الأمريكية تتحدث عن الشرق الأوسط الكبير والشرق الأوسط الجديد والفوضى الخلاقة في المنطقة.
***
إن أي انتقاد للغزو الأمريكي للعراق لا يبنغي أن يُفهم وكأنه دفاع عن صدام حسين ونظامه البائد، أو أنه قبول بأسلوب الحكم الدكتاتوري البغيض الذي كان يحكم به شعب العراق الشقيق على مدى سنوات مضت، وإنما هو من باب التذكير بأنه لا يمكن أن يكون النظام البديل المقبول لحكم العراق بمثل هذا المناخ الذي خيَّم على العراق منذ القضاء على النظام السابق وحتى الآن.
فليس أسوأ من أن نرى القتلى وقد أصبحوا بالعشرات يومياً بعد سقوط نظام صدام حسين، ومن أن الخطوات العملية قد بدأت تأخذ طريقها لتقسيم العراق، مع استمرار الحرب الأهلية بحسب الطوائف والمذاهب والقوميات بين العراقيين، دون أن تملك القوات الأمريكية أي قدرة للسيطرة على زمام الأمور، بما في ذلك حماية جنودها من اصطيادهم لدى من تسميهم بالإرهابيين في مواقع متفرقة وبأساليب مختلفة.
إن خيار التغيير في العراق، بالأسلوب الذي نراه الآن، لم يكن الخيار الأمثل، إذ إنه لو ترك لشعب العراق اختيار قيادته وأسلوب حكمه دون إملاءات خارجية أو دعم أجنبي لهذه الفئة على حساب الأخرى، لكانت الأوضاع في العراق أفضل بكثير مما هي عليه الآن، ولما كانت بهذا السوء الذي يهدد مستقبل العراق بأكثر مما رسمته له الحرب.
***
وبالعودة إلى الإرهاب، فإن العمليات الإرهابية على مستوى العالم قد ازدادت وتفاقمت وليس العكس بدءاً من غزو أمريكا العراق وإلى الآن، بمعنى أن تجفيف منابعه وتطويقه والقضاء على رموزه، لم تكن مرتبطة بالتدخل أو عدم التدخل الأمريكي في الأوضاع العراقية.
وهذا يعني - فيما يعنيه - أن التدخل الأجنبي لتغيير أنظمة الحكم في الدول، وإعطاء المظلة الشرعية أو القانونية لذلك، لا يمكن أن يفهم إلا على أنه بمثابة زيادة المساحة في ملعب الإرهابيين، وكأن الخيارات الأخرى الأفضل والأجدى قد فُقدت لإرساء الأمن والسلام في العالم.
ولعل غزو العراق يعطي للأمريكيين ولدول العالم الأخرى دروساً مستقبلية في أهمية قراءاتها الصحيحة البعيدة عن الهوى للتطورات والمستجدات في العالم وبخاصة في منطقتنا، ضمن التصميم الحازم والمطلوب لحل مشاكل الدول والشعوب، ولتكن لقضية فلسطين الأولوية في ذلك نسبة إلى عدم الاستقرار في منطقتنا بسبب احتلال إسرائيل لفلسطين ودعم الولايات المتحدة الأمريكية الأعمى لها.
خالد المالك
|
|
|
معتقل سابق في الخيام: تدمير السجن مأساة أكبر من أيام الاعتقال!
|
يتأمل المعتقل السابق جهاد السعدي زنزانات سجن الخيام المسيجة بالركام وهو لا يصدق ان هذا المكان رمز التعذيب خلال الاحتلال الاسرائيلي، ازالته الدولة العبرية من الوجود خلال الحرب الاخيرة.
فقد اختفت معالم هذا المعسكر الذي اقامته اسرائيل عام 1985 وزجت فيه مئات المعتقلين من الناشطين في المقاومة الاسلامية او من سكان الجنوب الذين تعرضوا لانواع من التعذيب الجسدي والنفسي، حسب شهادات بعضهم.
ويقول الشيخ جهاد: (أكاد لا أتعرف على الزنزانة التي كنت فيها) وهو يجول بنظراته على بعض الحجرات الانفرادية التي تحولت انقاضا.
اما باحة المعتقل فقد اصبحت اشبه بساحة معركة بعد القصف الاسرائيلي المركز على البلدة خلال يوليو الماضي.
ومن هذه الباحة يمكن رؤية مقر المراقبين التابعين للأمم المتحدة الذي دمره القصف الاسرائيلي كليا في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، ما أسفر عن مقتل اربعة منهم.
والشيخ جهاد هو مفتي مسجد حلتا القريبة من الخيام في القطاع الشرقي من جنوب لبنان، ومدرس مادة الدين.
وقد اعتقل مرتين في سجن الخيام الأولى في 1988 لستة اشهر والثانية في 1998 على مدى 21 يوما تعرض خلالها لاشد انواع التعذيب من جلد على العامود والكهرباء والتعذيب النفسي وغيره، لمجرد الشك في انه يساعد المقاومة الاسلامية.
شاهد على همجية اسرائيل
ويقول بمرارة: ان تدمير السجن شكل لي مأساة اكبر من ايام الاعتقال، فاسرائيل دمرت شاهدا على همجيتها وقضت على اثبات كان بيدنا امام الاسرة الدولية.
ويروي الشيخ جهاد انه بعد التحرير عام2000 عدنا لنزور المعتقل وكنت آتي مع اولادي كل اسبوع لاعلمهم معنى الشجاعة والصمود.
ويقول: (حين رأى اولادي منزلنا المدمر، سألوني: لماذا سمحت لاسرائيل ان تفعل ذلك ببيتنا وحديقتنا؟ مؤكدا ان ابنتي البالغة من العمر ثلاث سنوات التي كان الناس دائما يقولون لها ان والدك بطل، لم تكلمني طوال الاسبوع الاول بعد الهدنة لانني لم امنع اسرائيل من تدمير منزلنا.
وتحول معتقل الخيام بعد انسحاب اسرائيل من جنوب البلاد منذ ست سنوات الى مزار كان يؤمه اللبنانيون وحتى العرب والاجانب.
ويستعيد الشيخ جهاد بالذاكرة المعاناة التي مر بها اثناء ايام الاعتقال:
(كانوا يعلقونني على العامود ويلعبون لعبة المصارعة ويلكمونني من كل جهة حتى اغيب عن الوعي ثم يتركونني مطروحا بالارض حتى الصباح. كانوا يوقظوننا وسط الليل لاخافتنا).
ويضيف: (في المرة الثانية، اصبت بنزيف داخلي وكسر انفي واصبت بمشاكل في السمع، فخرجت معوقا من المعتقل...).
ويتمنى الآن ان يبقى السجن على حاله كشهادة ثانية على بربرية العدو.
وقال: يوما ما سيشهد العالم بأسره على كل ما فعلته اسرائيل بنا.
واضاف ان اسرائيل لحقت به مرة ثانية حين دمرت منزله في بلدة دبين على بعد خمسة كيلومترات شمال غرب الخيام خلال الحرب الاخيرة.
والشيخ جهاد زار المعتقل اربع مرات بعد الهدنة رغبة منه في المحافظة على صورة المعتقل في ذهنه، بعد ان غاب الجزء الاكبر منه.
محو الذاكرة اللبنانية
ويقول الكاتب اللبناني الياس خوري لوكالة فرانس برس ان الهدف من تدمير المعتقل هو محو الذاكرة اللبنانية وذاكرة المقاومة وخصوصا صورة اسرائيل كدولة احتلال وقمع.
ويعتبر ان اسرائيل قائمة بحد ذاتها على الذاكرة، من خلال تقديسها للذاكرة اليهودية وهي بالتالي تريد ان تمحو ذاكرة الآخرين كما تفعل مع اللبنانيين والفلسطينيين.
ويقول خوري ان لبنان يبني لنفسه ذاكرة جديدة من خلال كل هذا الدمار داعيا الى ابقاء سجن الخيام على حاله واعادة بناء سجن مطابق له الى جانبه احتراما لذاكرة اللبنانيين.
علي خشيش معتقل آخر بقي في السجن احدى عشرة سنة، من 1985 الى 1996م، ويقول انه لو دمروا منزلي، لما حزنت عليه بقدر ما حزنت على المعتقل. هذا السجن كان جزءا منا بسبب السنوات الطويلة التي احتجزنا فيها هناك وبالتالي فإن اسرائيل، الى جانب كل الدمار الذي خلفته، سلبت منا جزءا من حياتنا.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|