|
مستقبل الأمة
|
ما كان لي أن أقول شيئا عن أوضاع أمتنا..
وأن أتحدث لها وعنها بما أرضى به أو لا أرضى عنه..
لولا ما أراه من حالة تمزق تمر بها..
ومن خوف عليها في ظل تداعيات ما يجري لها ومنها.
***
وأخطر ما نخاف منه..
وأشد إيلاما مما يثير فزعنا..
أن تكون أمتنا اليوم ليست بأحسن مما كانت عليه..
إن لم يكن تشخيص حالتها يقول ويتحدث بما هو أنكى وأشد.
***
وحين تكون الأمة في خطر..
ومع امتداد هذا الخطر إلى كل جزء من جسمها..
مثلما تمتد النار إلى الهشيم..
يكون العلاج وتكون المعالجة..
فوق قدرة البشر وبما لا تحقق له شيئا من تمنياته وآماله..
***
والمأساة الكبرى حيث تتجذر المشاكل..
وتنهش هذا الجسم العليل..
لتسقط في أيدينا وتفكيرنا وعقولنا القدرة على تلمس الأسباب وبالتالي معرفة العلاج..
فنضيع وسط الزحام دون أن تتضح الرؤية لنا أو ينقشع الظلام أمامنا.
***
إن هذه الأمة العربية والإسلامية..
على امتداد المساحة التي تقيم عليها..
وبكل هذه الكثافة السكانية التي تتواجد في هذا الجزء الهام من العالم..
مطالبة الآن وسريعا بمراجعة مواقفها لمعرفة مدى علاقتها بالظروف التي تمر بها..
على أمل أن تتضح الرؤية لما غاب طويلا أو غُيّب عنها..
***
وإن هذه الأمة..
الموصومة مع شديد الأسف بالإرهاب..
المحبطة بفعل الأشرار فيها..
عليها أن تعيد حساباتها..
في مجمل قضاياها وتواجهاتها درءا للخطر المحدق الذي ربما يكون قادما للتأثير سلبا بأكثر مما تواجهه الآن.
خالد المالك
|
|
| width="68%" valign="top" align="center" dir="rtl">
شاعر الأغاني الخالدة أحمد شفيق كامل لـ(مجلة الجزيرة) عبدالوهاب وضع ((أنت عمري)) في درج مكتبه 5 أعوام
|
* القاهرة /لقاء صبري الصاوي
يعكف الشاعر الكبير أحمد شفيق كامل هذه الأيام على ذكرياته لإصدار قصائده الغنائية الشهيرة في ديوان سيصدر قريباً تحت عنوان (انت عمري) وهو اسم الأغنية الأشهر التي كتبها الشاعر وجمعت لأول مرة بين السيدة أم كلثوم والموسيقار محمد عبد الوهاب عام 1964 (بقرار جمهوري) من الرئيس عبد الناصر!
ومن الطريف أن أحمد شفيق كامل الذي وقَّع بإمضائه على أول (قمة غنائية) عربية بين أم كلثوم وعبد الوهاب كاد ينسحب غاضباً من أول لقاء جمعه بسيدة الغناء العربي، عندما طلبت منه تغيير مطلع الأغنية من (شوقوني عينيك) إلى (رجعوني عينيك) فقد رأت كوكب الشرق أن من العيب أن تقول (شوقوني) على الملأ! وفي الحوار التالي يفتح الشاعر خزائن ذكرياته الحافلة، ويتحدث عن مسيرته منذ الطفولة والشباب وحتى لقائه بالإمام الراحل الشيخ الشعراوي الذي جعله يترك الشعر العاطفي نهائياً . . وحكايات وطرائف أخرى نطالعها في هذه السطور:
****
* في البداية نرجو أن تسمح لنا بالعودة معك لمرحلة الطفولة وعلى يد من تعلمت قرض الشعر؟
أود أن أشير إلى أن الشعر لا يعلم فهو هبة من الله يعطيها لمن يشاء، ويقتصر دور الشخص الذي يهبه الله هذه الموهبة على صقلها بالدراسة والقراءة والتبحر والاطلاع، وأذكر أنني في طفولتي كنت عاشقاً لقراءة الأشعار والاستماع للأغاني والقصائد رغم حداثة سني، فكنت أحلل ما أسمعه وأتأمله وأتبحر فيه مما كان يذهل أساتذتي وأسرتي لكون هذه القصائد صعبة الفهم والإدراك بالنسبة لمن كانوا في سني، وبدأت أنظم الأشعار في نفس هذه المرحلة. كانت تجارب بدائية غير ناضجة ولكنها كانت تبشر بشاعر ينتظره مستقبل جيد كما كان يؤكد أساتذتي وأبي والكثير من الأقارب.
* ولكن من المؤكد أن هناك شعراء تأثرت بهم؟
نعم، وكان في مقدمتهم أحمد رامي (شاعر الشباب) الذي عشقته منذ نعومة أظافري وكنت أحد تلاميذه فكنت حريصاً على زيارته والتردد عليه بصفه مستمرة في مكتبه ب(دار الكتب) لكي أعرض عليه ما أقوم بكتابته وأستفيد من خبرته وآرائه وتوجيهاته.
* وما هي الأسباب التي دفعت (شاعر الشباب) للاهتمام بك وتشجيعك؟
أولاً لاقتناعه الكامل بي وبموهبتي ولا أنسى ما قاله لي يوماً من أنني أذكره ببداياته، حينما كان يحضر لنفس المكان (دار الكتب) ليلتقي بشاعر النيل حافظ إبراهيم ففعل معي نفس ما فعله معه حافظ إبراهيم.
عبد الوهاب في القفص!
* وما هي أبرز المواقف التي تذكرها من مرحلة الطفولة؟
كنت شديد العشق لموسيقى محمد عبد الوهاب ولا أنسى هذا اليوم حينما سألني أبي قائلاً: إذا أعطيتك خمسة جنيهات ماذا تفعل بها؟ وبالطبع كان هذا مبلغاً ضخماً جداً في ذلك الوقت فأجبته بسرعة وتلقائية قائلاً: أقوم بشراء الموسيقار محمد عبد الوهاب وأضعه بداخل (قفص) وأسمعه بمفردي، وفي وقت العصاري أضع (القفص) في البلكونة ليسمعه الناس، ولم أكن أتخيل أنه سيأتي يوم سألتقي به وتتوطد علاقتنا ونقدم سوياً كل هذه الروائع التي قدمناها.
* وكيف تعرفت على (عبد الوهاب) واقتربت منه؟
عند التحاقي (بمدرسة فؤاد الأول الثانوية) بالعباسية ربطتني صداقة قوية وعميقة بالمطرب الراحل سعد عبد الوهاب ابن شقيقه، ودعم صداقتنا عشقه للغناء وعشقي للشعر، فالتقينا وتعاونا سوياً وكان هو السبب في معرفتي بعبد الوهاب ولم نفترق أبداً حتى وفاته.
أنت عمري
* بدأت شهرتك الواسعة بعد النجاح الساحق لأغنية (أنت عمري) حدثنا عن ذكرياتك مع هذه الأغنية الخالدة؟
هل تصدقون أن هذه الأغنية قدمتها لعبد الوهاب قبل أن تقدم بصوت أم كلثوم بنحو خمسة أعوام كاملة وظلت موجودة في درج مكتبه رافضاً أن يعطيها لأي صوت، وتعددت خلال هذه الفترة لقاءاتنا سوياً حتى حدث ما حدث في احتفالات (عيد الجلاء) الذي حضره الرئيس الراحل عبد الناصر، وكان معروفاً حجم الخلافات والمشاكل بين عبد الوهاب وأم كلثوم ونظر لهما عبد الناصر نظرة ذات مغزى وجمعهما معاً مؤكداً على أمنيته في أن يسمعهما في لقاء واحد، وأدركا أن كلامه لهما أشبه (بقرار جمهوري) غير قابل للنقاش، فعاد عبد الوهاب لمنزله وقام بإخراج (أنت عمري) من درج مكتبه وعرضها على أم كلثوم، فأبدت اعجابها الشديد بها وطلبت مقابلتي وقد كان.
* وهل تتذكر تفاصيل اللقاء الذي جمعك بها؟
توجهت لها في فيلتها الشهيرة بالزمالك وجلسنا وقتاً طويلاً نتحدث في كلمات الأغنية، ولكنني غضبت بشدة منها حينما وجدتها تعترض على مطلع الأغنية وكان يقول: (شوقوني عنيك) وطلبت مني تغييرها وكدت أسحب الكلمات منها وأنصرف إلا أنني سيطرت على نفسي ووضعت في اعتباري الجماهير الغفيرة التي تنتظر هذا اللقاء، فقمت باستبدال المطلع إلى (رجعوني عنيك) رغم أن عبد الوهاب نفسه كان شديد الإعجاب ب (شوقوني عنيك)!
مؤتمر قمة غنائي
* أطلق الشاعر الراحل صالح جودت على (أنت عمري) وصف (أول مؤتمر قمة غنائي) . . دولة الصوت أم كلثوم ودولة الفن عبد الوهاب أما أنت فمجرد وزير في هذه القمة كيف كان رد فعلك؟
لقد غضبت بشدة وقتها من هذه الكلمات وتوجهت إلى أم كلثوم على الفور وكان موجوداً عندها أحمد رامي، وشكوت لها ما كتبه صالح جودت فضحكت كما لم أشاهدها تضحك من قبل، بينما قال رامي لي: (لقد أكرمك الله بنجاحك ونجاح الأغنية وصالح جودت قال ذلك لأنه غيران منك)!
* اختلفت مع أم كلثوم حينما طلبت منك تغيير مطلع (أنت عمري) فهل تكررت مثل هذه الخلافات الصغيرة في اللقاءات الأخرى التي جمعتكما سوياً؟
نعم فلم تكن تمضي أغنية واحدة دون وجود مثل هذه الاختلافات ودائماً كان عبد الوهاب في صفي، ربما لأنني كنت أميل أكثر لمدرسة عبد الوهاب وأسلوبه، وأذكر أنه في أغنية (الحب كله) سعت (كوكب الشرق) لتغيير بعض الكلمات لكني رفضت بشدة، فتدخل زوجها الدكتور حسن الحفناوي وأيدني وأنقذ الموقف، فرضخت أم كلثوم وكانت هذه من المرات المعدودة التي اقتنعت فيها، وهكذا تكررت المشاكسات بيننا في الأغنيات الأخرى (أمل حياتي) (وليلة حب) لكن السيدة أم كلثوم كانت دبلوماسية في كل الأحوال.
* أصبحت تلقب بعد نجاح هذه الأغاني (بشاعر الحب كله) ومؤكد أن هناك قصة حب في حياتك أثرت فيك بدرجة كبيرة دفعتك لكتابة هذه الكلمات الجميلة . . فمن هي البطلة الحقيقية لهذه الكلمات ؟
الحقيقة أنها أكثر من بطلة وليس من حقي الآن التصريح بأسمائهن فصاحبة (أمل حياتي) كانت بنت الجيران وخطفها مني الموت، أما ملهمة (أنت عمري) و(الحب كله) على قيد الحياة، فحينما كنت أحب كنت أذوب بكل عواطفي في القصة التي أعيشها ولم أكتب أبداً لحبيبة وهمية بما في ذلك الأغاني الوطنية!
الأغاني الوطنية
* وما هي أبرز الأغاني الوطنية التي كتبتها وتعتز بها؟
هناك أعمال وطنية كثيرة أعتز بها مثل نشيد (وطني الأكبر) أول نشيد جماعي جمع فيه عبد الوهاب كل نجوم الغناء في الوطن العربي، عبد الحليم ونجاة وشادية ووردة وصباح ونجاح سلام، وأيام الوحدة مع سوريا كتبت لعبد الحليم (غني يا قلبي وهني الدنيا وقول مبروك . . كبر البيت وأتجمع شملك أنت وأخوك) وبعد الانفصال كتبت نحو 12 قصيدة انفعالاً بهذا الحدث الخطير الذي صدمنا جميعاً وحطم بداخلنا أمل الوحدة العربية الكبرى وأذكر أنني عام 1961 كتبت أغنية لأم كلثوم عن الانفصال لحنها رياض السنباطي بعنوان (باسم مين) كانت تندد بالانفصال وعبَّرت فيها عن صدمتي وغضبي، وأصدر جمال عبد الناصر قراراً بمنعها بعد أن وجد كل محطات الإذاعة في مصر وسوريا تهاجم بعضها البعض فسعى لاحتواء الموقف ووضع حد للهجوم على القومية العربية.
* قال عنك الإذاعي الراحل جلال معوض إنك (المتحدث الغنائي الرسمي) . . ما هي الظروف التي دفعته لقول هذا ؟
بعد سلسلة الأغنيات التي كتبتها في هذا الوقت مثل (حكاية شعب . . قلنا هنبني وأدي إحنا بنينا السد العالي) وكذلك (مطالب شعب) التي كتبتها عندما أجريت الانتخابات لأول مرة وكذلك (ذكريات) وغيرها من الأغنيات التي غناها عبد الحليم وحققت نجاحاً كبيراً وقتها وأذكر أنني ذهبت لأستطلع تأثير كلمات (حكاية شعب) على عبد الناصر حيث قدمناها في حفل تأميم قناة السويس بعد أن رفض البنك الدولي إقراض مصر لبناء السد العالي فعندما سمع كمال الطويل وعبد الحليم والعمروسي عبارة (وإحنا أممنا القناة . . ضربة كانت من معلم) أبدوا تخوفهم الشديد من كلمة (معلم) وطلبوا مني حذفها فرفضت بشدة، وقلت لهم إما أن تغنى بهذه الكلمات وتمر وأما أن يأمر عبد الناصر باعتقالنا سوياً ولم أكن أخشى من وقع كلمة (معلم) مثلهم بل كنت أخشى من كلمة (إخواني) على عبد الناصر ومعروف أنه كان يبدأ بها خطاباته السياسية. وحينما بدأ عبد الحليم يغني وجاءت عبارة (ضربة كانت من معلم) ضحك عبد الناصر بشدة وعندما جاءت كلمة (إخواني) انتبه بشدة وأرهف السمع منذ أن بدأ عبد الحليم يغني: (إخواني . . تسمحوا لي بكلمة . . الحكاية مش حكاية السد . . حكاية شعب . . شعب للزحف المقدس قام وثار . . شعب زاحف خطوته تولع شرار . . شعب كافح وأنكتب له الانتصار). وبدأت ألاحظ الارتياح على وجه عبد الناصر فقد كان كلي ثقة وحب فيه رغم حالة القلق التي كانت تسيطر على عبد الحليم والطويل والعمروسي فأطلق جلال معوض جملته هذه.
خلافي مع عبد الحليم
* رغم كل هذه الأغاني الوطنية التي كتبتها في عصر عبد الناصر إلا أنك لم تكتب سوى واحدة يتيمة في عصر السادات . . لماذا؟
لأنني بصدق لم أكن أتخيل نفسي أكتب لأي زعيم آخر غير عبد الناصر ولكن عندما قرر مجلس الأمن وقف القتال في حرب 1973 والتزمت مصر والعرب بهذا ولم تلتزم إسرائيل فوقعنا في مأزق (الثغرة) الشهير فانفعلت بشدة وكتبت (خلي السلاح صاحي) ولم يصدق كمال الطويل نفسه حينما وجدني أتصل به لأسمعه كلماتها فتفرغ تماماً لها ولحنها في عشر ساعات كاملة، وقام بالاتصال بعبد الحليم بعد منتصف الليل وأسمعها له بالتليفون فحضر عبد الحليم إلى الاستوديو في الصباح ليقوم بتسجيلها وحققت نجاحاً مدوياً وتوقع الكثيرون أنني سأعود للكتابة للسادات إلا أنني لم أفعل رغم كل الضغوط التي تعرضت لها!
* وما رأيك في حال الأغاني الوطنية التي قدمت طيلة السنوات الماضية؟
بصراحة لا أرى لها أي معنى، ولهذا فهي لا تعيش فالأوضاع السياسية في عصرنا كانت مختلفة والمشاعر تجاه الوطن كانت قوية وصادقة، فحينما كان يتعرض أي قطر عربي لأي أزمة كنا جميعاً ننفعل بالحدث، ولا أعرف ماذا حدث الآن ولماذا تبدلت المشاعر والأحاسيس بهذا الشكل فقد كنا نقدم أعمالاً وطنية نابعة من مشاعرنا وأحاسيسنا، أما الآن فيقدمون أعمالاً يغلب عليها (الحرفية) فقط.
* التقيت مع عبد الحليم في العديد والعديد من الأغاني الوطنية فما هو سر عدم لقائكما في أغانٍ عاطفية؟
لأنني اتخذت هذا القرار بسبب موقف حدث من عبد الحليم معي ولم أستطع نسيانه له، فقد اتفقنا ذات يوم على التعاون في أغنية عاطفية وقدمت له كلمات أعجبته بشدة ووجدته يعرضها على ملحن لا أريد ذكر اسمه الآن وفوجئت بهذا الملحن يبدي اعتراضه على الكلمات، وتوقعت أن يقوم حليم بإعطائها لملحن آخر إلا أنني فوجئت به يستعين بشاعر غيري إرضاء لهذا الملحن فأقسمت على عدم التعاون معه ورغم محاولاته المتكررة معي بعد هذا إلا أنني رفضت بشدة ولا أنسى سؤاله يوم تسجيلنا لأغنية (خلي السلاح صاحي): ألن تنسى ما حدث بيننا ؟ فأجبته قائلاً: لن أستطيع أن أكتب أغنية عاطفية لك ومشاعري نحوك تغيرت دعنا نكتب ونغني سوياً للوطن فقط فحبنا له لا يمكن أن نختلف عليه!
ذكريات مع الشعراوي
* تأثرت بشدة بالشيخ الشعراوي وبعد توطيد علاقتك به (رحمه الله) فوجئنا بك تتوقف عن الأغاني العاطفية وتتجه للكتابة الدينية . . كيف حدث هذا؟
لقد كان تأثير (الشعراوي) علي كبيراً جداً فقد بدأت معرفتي به منذ أن كان أستاذاً في جامعة الملك عبد العزيز بجدة وكنت أعمل هناك بالسلك الدبلوماسي ثم وزيراً مفوضاً هناك، وكان هذا في النصف الثاني من السبعينات وظلت علاقتي بالشعراوي قوية ووثيقة حتى عاد هو لمصر ليتولى وزارة الأوقاف في عهد أنور السادات، وقبل الشعرواي الوزارة على مضض على أساس أنها لفترة مؤقتة حيث كان السادات يريد تهدئة الأوضاع بعد الانتفاضة الشعبية التي أسماها السادات (انتفاضة الحرامية) عام 1977 م. وظلت علاقتي بالشعراوي قوية جداً ودعاني قبل وفاته بقليل لحضور لقاء تليفزيوني له في برنامج (نور على نور) للإعلامي أحمد فراج، وبحكم توطد علاقتنا تحدثنا كثيراً ولا أنسى ما قاله لي: (لقد كتبت للدنيا كثيراً فأكتب للآخرة . . للبيت الذي ستذهب إليه) وكان لهذه الكلمات تأثير كبير علي فركزت في الأشعار والأغاني الدينية، ووصل بي الأمر لمنع أغنية شديدة الرومانسية كان عبد الوهاب قام بتلحينها لمطربة شهيرة، وحينما غضب عبد الوهاب توسطت لزوجته السيدة نهلة القدس التي ساعدتني في منع إذاعتها نهائياً.
* نفهم من هذا أنك تبرأت من كل الأغاني العاطفية التي قمت بكتابتها؟
لو كان الأمر كذلك ما كنت تحدثت معكم عنها الآن فأنا فخور وسعيد بما قدمت ولكن هذه القصيدة تحديداً شعرت انها يجب ان تمنع من الاذاعة نهائياً.
* قلت يوماً إن كل القصائد التي كتبتها ل (خطايا) فما حقيقة ذلك؟
نعم قلت هذا حينما وجدت إصراراً كبيراً من قبل أحد الناشرين الكبار على جمع كل قصائدي في ديوان، فقد كنت مقتنعاً أنه لا ديوان شعري بعد أحمد شوقي.
* ولكنك تراجعت عن موقفك مؤخراً وأعلنت عن استعدادك لجمع قصائدك في ديوان؟
نعم فقد نجح الروائي خيري شلبي في إقناعي بجمعها بعد ما قال لي (ليس من حقك أن تحرم الناس من إبداعاتك) فقمت بجمعها تحت عنوان (أنت عمري) في ديوان شعري سيصدر قريباً.
* ولكن يا سيدي ألا تتفق معنا أن اجابتك تحمل نوعاً من الهروب ؟
الأمر ليس كذلك ولكني أرى أن حال الأغنية وصل لمرحلة سيئة للغاية والحديث عما وصلت له يعني نوعاً من إهدار الوقت.
* كلامك هذا يعني أنه لا أمل إذاً في العلاج؟
أنا لم أعن هذا. فقد يظهر غداً جيل جديد يستطيع علاج ولو جزء بسيط مما أفسده من سبقوه وقد لا يظهر هذا الجيل ولكني أتحدث عن الحال حالياً فأنا لا أملك مفاتيح الغد وأسراره.
* ولكن ألا تتفق معنا على أن ابتعادك أنت وأبناء جيلك عن الساحة خلال الأعوام الماضية ساهم بشكل أو بآخر في تفاقم الأزمة؟
هذا الكلام كثيراً ما نسمعه وهو كلام غير منطقي بالمرة. فكيف نستطيع الكتابة لأصوات ضعيفة غير قادرة على توصيل المعاني التي نريد توصيلها ؟ ! فقد كنا بالأمس نكتب لمطربين أقوياء يعرفون جيداً ماذا يريدون قوله ولكونهم احترموا عقول الجماهير احترمهم الجماهير وصدقتهم ورفعتهم ورفعتنا معهم إلى عنان السماء.
* معنى كلامك هذا أن الأرض العربية أجدبت ولم تعد تلد جديداً؟
بالعكس الأرض العربية ولادة دائماً وأنا واثق تماماً أن هناك أصوات موجودة أقوى من أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد وعبد الحليم ولكن للأسف لا نعطيها حقها ونقوم بإجبارها على الابتعاد بسبب تركيزنا على ما هو سطحي وتافه. وبصدق شديد أنا لا أعرف ماذا حدث للجمهور فلم يعد يحتمل سماع أغاني طويلة أو يفكر في معاني الكلمات أو يستمع لجملة لحنية جميلة فاعتاد على الكلمات السريعة وللأسف جميعها متشابهة لا جديد فيها وكذلك الأمر بالنسبة للجملة اللحنية تجدها مكررة وضعيفة ومن هنا اختفت الأصالة فقديماً بل وحتى اليوم عند بدء موسيقى أغنية قديمة يمكنك على الفور تمييزها ومعرفتها وعند الاستماع لأي صوت دون الإعلان عن اسم صاحبه يمكنك معرفته على الفور فكان المستمع يعرف الشعراء من كلماتهم والملحنين من موسيقاهم أما الآن فلا يمكنك أن تميز صوتاً عن صوت أو موسيقى عن موسيقى أو شاعراً عن شاعر آخر ومن هنا لا تجد أي أغنية تستمر فقد يلتفت المراهقون لها ويرددونها لمدة شهر أو شهرين على الأكثر ثم تموت وكأنها لم تولد من الأساس. بينما تظل الأغاني التي قدمت في الخمسينات وما قبل هذا وبعد هذا باقية حتى اليوم لأن العمل فيها تم بإخلاص وجدية.
* وما رأيك في ظاهرة الفيديو كليب؟
بصدق أرى أنها شيء سيئ جداً فالفنان لا يشعر أن عمله غير قادر للوصول للمستمع وبالتالي يذهب به إلى الكباريه حتى يعجب بأغنيته فأنا أرى أن الفيديو كليب أشبه بالكباريهات.
* ولكن يا سيدي حتى لا نظلم كل ما هو جديد هناك بالفعل أغان شديدة الرومانسية يقبل عليها عشاق ومحبو هذه الأيام؟
تقولون حب . . وأين هو الحب هذه الأيام ؟ ! أعتقد أن الحب اليوم أصبح يقدر بالدولار بعد أن طغت الماديات وللأسف على كل شيء . . هل يمكنك أن تقول لي ما هي نسبة الذين يؤمنون بالحب الآن ؟ أعتقد أنهم لا يتجاوزون نسبة الـ10% وأرجو ألا أكون مبالغاً في هذه النسبة.
* ومن أين ياسيدي استوحيت هذه النسبة؟
من الأغنية نفسها فإذا كان هناك حب حقيقي منزه كما في العصور القديمة أعتقد أن حال الأغنية كان سيختلف تماماً. فالأغنية هي نتاج واقعي وحقيقي للعصر الذي نعيش فيه وصناعها هم أبناء هذا العصر وللأسف الشديد اختلفت المقاييس تماماً الآن فأين الأغاني الرومانسية الصادقة بل وأين الأفلام الرومانسية الجميلة فكل ما يقدم الآن يدور في فلك العنف والسطحية والسذاجة.
* بمناسبة الحديث عن الحب قلت لنا أنك مررت بأكثر من تجربة عاطفية في حياتك وأن هناك أكثر من بطلة لأغانيك الرائعة (أمل حياتي) و(أنت عمري) و (الحب كله) ولكن ما حكاية صاحبة القارب الورقي التي قيل أنها شغلت قلب شاعر السحاب؟
هي التي كتبت من أجلها قصيدة (مركب من ورق) وقدمت لها بأنها صاحبة المركب الذي أغضب الشاعر صنعته عابثة والشاعر يحترق بحبها فقلت لها: (عملت ايه في عمري، قطفته ليه بدري، كان لعبة بين ايديك، العمر اللي اتسرق، كان لعبة بين ايديك، كان مركب من ورق، في بحر نار رميته، وضحكت لما لقيته، هو وهنايا كله في النار في الموج غرق ). كما كتبت عنها قصيدة أخرى أسميتها (عابثة) وأقول فيها . . (ونهرت طفلك كيف يعبث بالدمى، ونسيت أنك مثل طفلك عابثة، لما عبثت قتلت في وقت معاً، قلبي وحبي ثم أنت الثالثة، لا تبك ياشقراء ما حطمته، يدك الرقيقة تلك سر الكارثة).
* ولماذا لم تعط هذه القصيدة الرائعة لأي مطرب ليتغنى بها؟
لأنني رفضت هذا فقد تنافس على القصيدتين عدد كبير من المطربين الا أنني قررت الاحتفاظ بهما لذاتي فقط.
* جليل البنداري رحمه الله كان يقول دائماً ان نبوية موسى كانت تنشر أشعار الشاعر المميز عبد الفتاح مصطفى في مجلتها (الفتاة) من أجل عيون صديقه أحمد شفيق كامل . . ما معنى هذا ؟
أنا لم أكن أعرف لماذا يردد البنداري هذا الكلام رغم أنني لم التق بنبوية موسى سوى مرة واحدة فقط. كانت نموذجاً للسيدات المناضلات المكافحات ولا تقل في أهميتها عن السيدة هدى شعراوي وكان رئيس تحرير مجلتها التنفيذي أحد أقاربي وعهد إليّ بمنصب المحرر الفني لمجلتها (الفتاة) وكان ذلك أثناء الحرب العالمية الثانية وكنت لا أزال طالباً في المرحلة الثانوية وكان عبد الفتاح مصطفى زميلي في الدراسة وينشر فيها . . هذه هي كل الحكاية وأرويها لكم بصدق وللتاريخ لكون هناك كثيرين أعتقدوا أن هناك علاقة كانت تربطني بهذه السيدة العظيمة وهذا شيء غير حقيقي.
* الشاعر الكبير أحمد شفيق كامل ما هي آخر أعمالك التي ظهرت للنور؟
المقدمة والنهاية كمسلسل (ملكة من الجنوب) أو (الخيرزان) لصفاء أبو السعود.
* هذا العمل مضى عليه ستة أعوام تقريباً ألم تشعر بوحشة لجمهورك؟
صدقوني أنا أتمنى وعندي أعمال كثيرة أتمنى اخراجها وكلما فكرت أتراجع حتى لا أشعر يوماً بالندم على إخراجي لها وتعريضها للظلم على يد فنانين لا أعرفهم ولم أعاشرهم.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|