|
في أجواء عام مضى وماهو آت..! |
ثلاثة أيام فقط ونبدأ عاما هجرياً جديداً..
أي أنه لم يبق سوى تسعين ساعة وزيادة عليها بما لايتجاوز ساعتين ونودع عامنا الهجري الحالي..
وهكذا هي الأعمار..
والسنوات..
ودورة الحياة لكل من يمشي على الأرض..
***
ومع العام الجديد..
بمفاجآته..
وجديده..
وبما يلفه من غموض ومستجدات..
يقف المرء حائراً ومندهشاً..
ويأخذ التأمل والتفكير منه كل مأخذ..
في ظل ما تبصره عيناه وتسمعه أذناه..
من حوادث ومنغصات وقضايا لاقدرة للإنسان على تحملها وإن حاول..
***
وفي مثل هذا العام الذي رحل..
وقد كان امتداداً للعام الذي سبقه وماقبلهما..
بما حفل به من ويلات ومصائب..
وعدوان وتسلط على أمتنا..
ودون وجود بارقة أمل وإلى اليوم لزوال هذا القهر..
أو غياب لهذا العدوان السافر..
أو عودة إلى الرشد والعقل والحكمة في التعامل بين الدول وبين الشعوب..
أقول ،إن المرء في مثل هذا الجو الخانق لا يملك ما يتصرف به إلاّ مزيداً من التأمل في واقع الحال بانتظار أن ينجلي الموقف إلى ماهو أفضل..
***
لا أعني أن الضعفاء قد أصابهم الإحباط..
وأن سلاح الدفاع قد سقط من أيديهم..
وأن الإرادة والعزيمة قد سلبت منهم..
أو أن حسن التدبير والتدبر قد غاب وإلى غير رجعة من تصرفاتهم..
ولكن ماأعنيه وما أقصده: أن التأني والحلم والتأمل سوف يقود إن شاء الله إلى توفير القوة بانتظار ما يحقق الخير ضمن الحقوق الشرعية في حياة كريمة يسودها الأمن والاستقرار..
***
تأملوا ما تقوم به إسرائيل..
ومثلها الولايات المتحدة الأمريكية..
وانظروا إلى صمت دول العالم المريب..
فيما تتراجع الدول العربية والإسلامية في حماسها ومواقفها من حقوقها..
واقرأوا التاريخ لتعرفوا أن مثل هذه المواقف يمكن أن تكون مصدر قوة لنا وإن أخذ بعض الوقت..
وأن مثل هذا المناخ ربما ولّد مايعيد لهذه الشعوب المستضعفة المزيد من الهيبة والشعور بالمسؤولية والحرص على حقوقها ومكتسباتها..
فالحياة وإن كشرت عن أنيابها لبعض الوقت فلابد أن تبتسم ذات يوم لمن يصنّف اليوم على هامش التاريخ..
وكل عام وأنتم بخير
خالد المالك
|
|
|
الجدار الاسرائيلي في الضفة الغربية هل هو سياج أمني ؟ أم جدار فصل عنصري جدار الفصل العنصري يهدف إلى فصل وعزل الفلسطينيين في كانتونات متفرِّقة على 42% من مساحة الضفة الغربية لتستولي إسرائيل على الباقي من الأرض |
* إعداد د. سيد محمد الداعور
قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر الماضي إحالة ملف الجدار الفاصل الذي تقيمه إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة الى محكمة العدل الدولية في لاهاي، لإبداء الرأي حول العواقب القانونية الناجمة عن إنشائه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أثار خلافاً وجدلاً شديدين بين طرفي النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وعلى كافة الأصعدة الإقليمية والدولية.
حيث يصفه الفلسطينيون بأنه جدار للفصل العنصري مثل جدار برلين، يهدف إلى تقطيع وتجزئة أراضيهم وحشرهم داخل كانتونات متفرقة للحيلولة دون قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للعيش.
بينما تصفه إسرائيل بأنه (سياج أمني) مؤقت غرضه منع تسلل المتشددين الفلسطينيين لتنفيذ عمليات فدائية داخل مدنها، وأنه لا يرسم الحدود المستقبلية بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ومن المقرر أن تبدأ محكمة العدل الدولية مداولاتها حول القضية يوم الاثنين الثالث والعشرين من شهر فبراير الجاري.
رحبت السلطة الفلسطينية بقرار الجمعية العامة باعتباره (رسالة من المجتمع الدولي لإسرائيل تظهر معارضة العالم للعدوان الإسرائيلي وجدار الفصل (واعتبرت ذلك انتصاراً للحق والقانون الدولي، خاصة انه جاء بعد قرار مجلس الأمن رقم 1515 الذي تجاهلته إسرائيل لأنه طالبها بوقف العمل في الجدار، وقرار آخر سابق للجمعية العامة في أكتوبر الماضي طالبت فيه إسرائيل بوقف البناء في الجدار وإزالته.
وأعرب الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عن أمله أن تتخذ محكمة العدل الدولية قراراً منصفاً تجاه الجدار وذلك من اجل العدالة وإقامة السلام في فلسطين، وأضاف قائلا: (هذا الجدار ضد كل القوانين الدولية، والأمر الآن أمام محكمة العدل في لاهاي ونحن ننتظر قرارها، وبلا شك سيكون قرارا منصفا من اجل العدالة واقامة السلام في ارض السلام في هذه الأرض المباركة، (وأكد أن (هذا الجدار لا يدع مجالا لشيء ويقسم بلادنا إلى كانتونات وغيتوات) وطالب بتطبيق القانون الدولي ضد الجدار مثلما حدث ضد جدار برلين. وقد سارعت السلطة الفلسطينية بتشكيل طاقماً موسعاً للترافع عنها أمام المحكمة الدولية، سيترأسه ممثل فلسطين لدى الأمم المتحدة ناصر القدوة، كما سيضم الطاقم محامياً بلجيكياً يدعى جان سولومون وهو يهودي قدَّم في السابق العديد من الاستشارات القانونية للسلطة الفلسطينية في قضايا دولية، كما شارك في إعداد دعوى الناجين من مجزرة صبرا وشاتيلا ضد شارون، كما سيضم الوفد عميد كلية الحقوق في جامعة كامبردج البريطانية جون كرووفورد، والبرفسور فون لي من كلية الحقوق في اكسفورد، كما سيضم الطاقم أنيس القاسم، جان ابي صعب من جنيف، يساندهم طاقم من المختصين الفلسطينيين من دائرة المفاوضات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
الشجب الإسرائيلي للقرار
ومن جانبها شجبت إسرائيل القرار بشدة، وقالت إنها ستدافع عن موقفها أمام المحكمة ولن تقاطعها، وقال رعنان غيسين المتحدث باسم رئيس الوزراء ارئيل شارون إن (القرار محاولة لنزع الشرعية عن حق الشعب اليهودي في أن تكون له دولة يهودية يمكنه الدفاع عنها، (ووصف هذه الخطوة بأنها (مهزلة تؤكِّد أن كل قرارات الأمم المتحدة معادية لليهود ولإسرائيل).
وزعم المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني جيرلرمان أن السياج الأمني سيدعم المفاوضات بالذات كونه سيقلص عدد الجنود الإسرائيليين في المناطق المحتلة، وهاجم الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان على خلفية التقرير الذي قدَّمه قبل أسبوع من صدور قرار الجمعية العامة وانتقد فيه إسرائيل لقيامها ببناء الجدار الذي قال عنان إنه يخالف القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة.
وصرح أستاذ القانون الدولي ياف زيلبر شاتز في جامعة بار إيلان قرب تل أبيب للإذاعة العسكرية الإسرائيلية بأن (إدانة إسرائيل قد تستخدم قاعدة لملاحقات قانونية محتملة ضد مسؤولين إسرائيليين أمام محاكم أوروبا).
وأضاف أن الرأي القانوني قد يجبر دولاً على الضغط على إسرائيل لهدم الجدار لأن قرار المحكمة له ثقل قانوني اكبر من قرار الجمعية العامة غير الملزم.
وتدعي إسرائيل أن محكمة العدل الدولية لا تمتلك الحق ولا الاختصاص اللذين يخولانها للنظر في موضوع الجدار الفاصل الذي تقيمه، وصرح مصدر إسرائيلي مسؤول بأن بلاده قد تقدمت بمذكرة رسمية إلى المحكمة الدولية تبيِّن أن المحكمة لا تملك الاختصاص في النظر في تلك القضية، وتتحدى فيها بشكل رسمي سلطة المحكمة في تقرير ما إذا كان يتعيَّن على الدولة الصهيونية إزالة الجدار العازل، وتوضح الأسباب الأمنية التي دفعتها لبنائه، وهي حماية مواطنيها من موجة الهجمات الفدائية التي تنطلق من الضفة الغربية، وذلك بمنع تسلل الفدائيين والمتفجرات إلى داخل إسرائيل.
وقدَّمت إسرائيل أيضاً طلباً رسمياً إلى المحكمة لإلغاء عضوية القاضي المصري نبيل العربي من التركيبة القضائية التي ستنظر في ملف الجدار، كما تعتبر إسرائيل أنها تواجه مشكلة مع القاضي عبدول كوروما من سيراليون الذي تعتبره إسرائيل مناهضا لها.
وللالتفاف على قرار الجمعية العامة بإحالة الموضوع إلى محكمة العدل الدولية، ادعى شارون بوجود (صعوبات قانونية) داخلية بخصوص الجدار حيث من المقرر أن تبت المحكمة العليا في إسرائيل في شرعية الجدار قبيل أسبوع أو اقل من طرحه أمام المحكمة الدولية.
وقال مسؤول إسرائيلي إن الادعاء العام ابلغ الحكومة بأن المسار الحالي للجدار يتعذر الدفاع عنه أمام محكمة لاهاي.
وفي خطوة تندرج في إطار تضليل الرأي العام، والعلاقات العامة والدعاية، قالت الإذاعة الإسرائيلية إن وزير العدل تومي لبيد سيقدم رسماً جديدا لمسار هذا الجدار لتتم المصادقة عليه من قبل الحكومة يختصر نحو 200 كلم من الرسم الذي كانت صادقت عليه الحكومة من قبل، والذي من شأنه أن يتطابق اكثر مع الخط الأخضر الذي يفصل إسرائيل عن الضفة الغربية وتقل تكلفته عما كان متوقعا بنحو 500 مليون دولار.
وأعرب لبيد عن تخوفه من عدم القدرة على الدفاع عن المسار الحالي، وكان لبيد قد حذَّر بداية الشهر الجاري من أن إسرائيل قد تواجه مقاطعة دولية بسبب مسار جدار الفصل وذلك على غرار ما حدث مع النظام العنصري في جنوب أفريقيا، وطالب الحكومة بإعادة النظر في مساره، دون أن ينتقد فكرة إقامته لأنه يرى أيضاً أن هدف الجدار هو منع الإرهاب.
ومن جانبهم أدان الفلسطينيون المناورة الإسرائيلية لإعادة ترسيم جدار الفصل على لسان نبيل ابوردنية، مستشار الرئيس عرفات، معتبرا ذلك (تضليلا للرأي العام)، ومضيفا أن المطلوب هو وقف العمل بجدار الفصل العنصري وليس تغيير مساره، مؤكدا أن الجانب الفلسطيني يتطلع باهتمام لقرار محكمة العدل الدولية بهذا الشأن.
المحاولات الإسرائيلية الأمريكية لإجهاض القرار
ومن جانبها رفضت الولايات المتحدة الاعتراف بصلاحية المحكمة لمناقشة القضية باعتبارها قضية سياسية وليست جنائية، وزعمت أن مناقشة الملف على الصعيد القضائي سيمس بفرص تطبيق خارطة الطريق.
وبالفعل قامت الولايات المتحدة بتقديم بيان خطي يوم 30 يناير 2004 إلى محكمة العدل الدولية فيما يتعلق بطلب الجمعية العامة برأي استشاري حول التداعيات القانونية المترتبة على بناء إسرائيل للسياج الأمني، تعارض فيه قيام المحكمة بمناقشة القضية وإبداء رأيها فيه لأن ذلك سيعيق الجهود التي تبذل لتحقيق تقدم نحو تسوية سلمية للنزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين على أساس خارطة الطريق التي تبنتها وطرحته اللجنة الرباعية وقبلتها إسرائيل وفلسطين.
ولم تكتف واشنطن بمعارضتها للمحكمة بل عملت على إقناع حليفاتها في العالم على إرسال مذكرات إلى المحكمة تطعن في صلاحيتها وتعارض مناقشة القضية، فقام وزير الخارجية كولن باول بإجراء محادثات هاتفية مع العديد من العواصم الأوروبية لحثها على التحرك وإرسال المذكرات للمحكمة في خط مكمل لتحركات وجهود وزير الخارجية الإسرائيلي سلفان شالوم في هذا الاتجاه الذي زعم أن المحكمة (ليست هيئة مناسبة للنظر في هذا الملف، والذي يعتبر صلب الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين).
ولإعطاء دفعة قوية لهذا التنسيق والتعاون، أعلنت الإذاعة الإسرائيلية في 22 12004م أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيزور الولايات المتحدة قريباً لإجراء محادثات مع المسؤولين الأمريكيين، وقد تسلم دعوة الزيارة رئيس مكتبه دوف فايسغلاس، الذي زار واشنطن مؤخراً واستقبلته مستشارة الرئيس الأمريكي لشؤون للأمن القومي كونزاليزا رايس، حيث ناقشا موضوع الجلسة التي ستعقدها محكمة العدل الدولية للنظر في مسألة الجدار الفاصل.
ونقلت مصادر إسرائيلية عن مسؤول أمريكي رفيع المستوى قوله أن رايس أبلغت فايسغلاس قرار واشنطن مساندة الموقف الإسرائيلي الرافض لمناقشة قضية الجدار في لاهاي، وسعي الإدارة الأمريكية إلى إقناع الدول الأوروبية بسحب هذا الملف من جدول أعمال المحكمة.
وخلال الزيارة عرض فايسغلاس أمام المسؤولين الأمريكيين خطة الانفصال عن الفلسطينيين من جانب واحد والتي يتحدث عنها شارون والتي زعم أنها ترمي إلى الانسحاب إلى خط أمنى وإخلاء مستوطنات معزولة، وأبلغ رايس أن إسرائيل ستبدأ بتنفيذ الخطة في حال تواصل الجمود السياسي مع الفلسطينيين.
ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن مصادر في الحكومة الإسرائيلية قولها ان الولايات المتحدة باتت مستعدة الآن لدراسة خطة شارون الخاصة بالفصل أحادي الجانب بين إسرائيل والفلسطينيين، أضافت: (حصل هذا التغيير في الموقف الأمريكي في أعقاب الزيارة التي قام بها مدير مكتب شارون المحامي دوف فايسغلاس إلى واشنطن مؤخراً).
وحسب المصدر سيبدأ الطاقم الإسرائيلي المكلف بدراسة السبل الكفيلة لتنفيذ خطة الفصل برئاسة اللواء غيورا ليلاند عمله الأسبوع القادم.
وتقول المصادر في إسرائيل: (عرض مدير مكتب شارون أمام المسؤولين الأمريكيين خطة الانفصال والتي تشمل الانسحاب إلى خط أمني وإخلاء مستوطنات معزولة).
وأبلغ فايسغلاس كونزاليزا رايس أن إسرائيل ستبدأ بتنفيذ الخطة في حال تواصل الجمود السياسي مع الفلسطينيين، زاعماً أن إسرائيل ما زالت ملتزمة بمنح فرصة لخارطة الطريق، غير أنه أشار بعد ذلك إلى أن العلامات ليست مبشِّرة، وإسرائيل بدأت التخطيط للانفصال من جانب واحد.
ونقلت صحيفة معاريف الإسرائيلية في أواخر شهر ديسمبر الماضي عن مصادر إسرائيلية رسمية قولها أن إسرائيل ستبدأ خلال عدة أيام حملة مكثفة لترسيم وتثبيت مسار جدار الفصل لفرض الحقائق على الأرض كخطوة استباقية قبل بحث القضية في محكمة العدل الدولية.
وصرحت المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي راشيل اشكينازي لوكالة فرانس برس بقولها: (قبل نهاية 2004 سيتم إنجاز 520 كلم من اصل 728 مقررة)، وأوضحت أن جزءا يبلغ طوله 190كلم من الجدار سيتم إنجازه قبل نهاية العام الحالي (2003) والجزء الثاني وطوله 330 كلم عام 2004 والجزء الثالث والأخير عام 2005.
خطة إسرائيل لفك الارتباط
مع الفلسطينيين
ويأتي هذا الإجراء بفرض الأمر الواقع على الأرض في إطار خطة شارون الرامية إلى فك الارتباط مع الفلسطينيين، وذلك بتسريع وتيرة البناء في السور الفاصل واستكمال بنائه متجاهلا قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومتحديا الإرادة والمواقف الدولية.
وقد اقر الكينست (البرلمان الإسرائيلي)، في جلسته التي عقدت في 1112004م، بغالبية الأصوات بيان شارون الذي ألقاه أمامها والذي تضمن خطته لفك الارتباط مع الفلسطينيين إن لم يتم تحقيق أي تقدم في تطبيق خطة خارطة الطريق خلال ستة اشهر من تاريخه.
ومن جانبه، انتقد زعيم حزب العمل الإسرائيلي شمعون بيريز البيان، وقال انه كان يتوجب على شارون القيام بما هو ضروري لإنجاح خارطة الطريق، إلا انه فعل عكس ذلك بمواصلة سياسة الاغتيالات والاعتقالات والحصار وبناء الجدار العازل.
وجدير بالذكر أن خطة شارون الأخيرة التي صرح بها في بداية شهر فبراير الجاري لجريدة هارتس الإسرائيلية والتي ترمي إلى إخلاء 17 مستوطنة يهودية من قطاع غزة وإعادة موضعتها في الضفة الغربية تندرج ضمن خطة الفصل أحادي الجانب، حيث قال: (ان في نيتي إخلاء عفواً، إعادة موضعة المستوطنات التي تسبب لنا مشاكل.. مثل مستوطنات غزة)، وأضاف: (أنا أقوم بذلك على افتراض انه لن يكون هناك في المستقبل يهود في غزة).
وفي تطور آخر يندرج أيضاً ضمن خطط الفصل الأحادي الجانب، ويأتي بعد يوم من ادعاء شارون انه أمر بوضع خطة لإخلاء المستوطنات اليهودية في قطاع غزة، أعلن رعنان غيسين المتحدث باسم شارون أن رئيس الوزراء يدرس إمكانية نقل بلدات يقطنها فلسطينيو 48 إلى السيادة الفلسطينية في إطار عملية لتبادل الأراضي مستقبلاً، وأوضح أن ما يقصده هو ضم المستوطنين في الضفة الغربية ليكونوا تحت سيطرة إسرائيل.
ما هو الجدار الفاصل
يبلغ طول الجدار حوالي 730 كلم، ولا يلتزم مساره الغربي بالخط الأخضر، وإنما ينحرف شرقاً ليتوغل في الكثير من المناطق ليضم مستوطنات يهودية وأراضي فلسطينية، والجزء الشرقي من السور يلتف حول التجمعات والمدن الفلسطينية بحيث يفصلها عن منطقة غور الأردن ويلغي أية حدود للفلسطينيين مع المملكة الأردنية، ويلتهم السور الأراضي الفلسطينية، ويحول العديد من المدن والقرى الفلسطينية التي يمر بها إلى كانتونات ومناطق معزولة عن بعضها البعض.
ويتكون من جدران خرسانية، وسياجات، وأسلاك شائكة، وخنادق، وطرق للدوريات، وأجهزة إنذار مبكر إلكترونية، وأبراج مراقبة، ويتراوح عرضه من 60 80 مترا، ويصل ارتفاعه إلى ثمانية أمتار، وقد بدأ تنفيذ المرحلة الأولى منه في 16 يونيه 2002.
تعمُّق فكرة الانفصال
في العقلية اليهودية
كلمة السور في عمق إسرائيل النفسي تعني الفصل والانفصال، فاليهودي عبر تاريخه أراد التميز عن غيره والانفصال عنه. التميز عبر إطلاق شعار (شعب الله المختار) والانفصال عبر العيش في ما أطلق عليه (الغيتو)، وهذا يفسر اختيار اسم السياج أو السور لإطلاقه على الجدار الفاصل أو العازل، فحول كل مستعمرة توجد جدران وسياجات وحواجز، نفسية ومادية، وأبراج مراقبة مدعومة بقوة عسكرية عاتية لا تميز بين الحجر والشجر، وتعتبر أن مهمتها إلهية وحربها عادلة.
والجدران كانت دائماً موجودة في تاريخ هذا النزاع الدامي، من رؤية ثيودور هرتزل للدولة اليهودية كعنصر من عناصر (حاجز الدفاع ضد آسيا) إلى مشروع بن غوريون لإيجاد (جدار بشري) على طول حدود إسرائيل، مرورا (بالجدار الحديدي) الذي دعا إليه زئيف جابوتنسكي في وجه العرب.
فإسرائيل تصور الجدار على انه مجرد عمل أمني هدفه منع تسلل الفدائيين الانتحاريين الفلسطينيين إلى داخل دولة إسرائيل، ولكن الحقائق على الأرض تقول عكس ذلك، وتؤكد أن الجدار، بالطريقة التي يبنى بها وبالمواقع التي ينشأ فوقها، هو جدار سياسي في المقام الأول يسعى إلى فرض الحل الذي تريده إسرائيل للتسوية، فتستولي من خلال الجدار على الأرض التي تريد الاستيلاء عليها، وتفرض بقاء الكتل الاستيطانية التي تريدها، وتحول مشروع الدولة الفلسطينية إلى كانتونات، وتحاصر المدن الفلسطينية بالجدار لكي تتحول إلى معازل لها بوابات للدخول والخروج، وتفصل بين القرى وأراضيها الزراعية تمهيداً لقطع صلة الفلاح بالأرض ثم الاستيلاء عليها باعتبارها أرضاً بوراً.
وجدير بالذكر أن فكرة بناء جدار الفصل تعود لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق اسحق رابين، بعد فشله في وقف الهجمات الفدائية الفلسطينية داخل العمق الإسرائيلي انطلاقاً من الضفة الفلسطينية المحتلة.
وفي أغسطس عام 1998، قررت حكومة بنيامين نتانياهو إقامة حواجز تشمل جدران وأسيجة وأجهزة إلكترونية على طول 80 كلم من حدود إسرائيل مع الضفة الغربية البالغ طولها 324 كلم لمنع تسلل الفلسطينيين، ووقف عمليات التهريب، وسرقة السيارات التي كانت على اشدها في تلك الأيام، وعارض القرار عدد من الوزراء، منهم شارون، خشية أن يخلق حدوداً بأمر الواقع بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية، ولكن لم يتم التنفيذ.
وتأتي عملية تنفيذه في الوقت الحاضر بعد فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون في القضاء على المقاومة الفلسطينية عبر عملية (السور الواقي)، تلك العملية العسكرية الكبرى التي وضع لها شعار هو (ضرب البنية التحتية للإرهاب)، حيث قامت الدبابات والمجنزرات الإسرائيلية باجتياح كامل مدن وقرى الضفة الغربية لتفكيك البنية التحتية للمقاومة والقضاء على انتفاضة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وما من شك أن العملية المشار إليها قد أصابت بالفعل قدراً كبيراً من البنية التحتية للمقاومة، بيد أنها لم تضرب إرادة الفعل المقاوم لدى الشعب الفلسطيني، الذي اصبح اكثر تحديداً وإقبالاً على المقاومة والشهادة، والذي بدأت موجات جديدة من عمليات المقاومة التي تضرب العمق الإسرائيلي انطلاقاً من المناطق التي تم اجتياحها.
وبعد فشل الخيار العسكري اصبح الفصل المادي، بإقامة جدار وسلسلة من الوسائل الأخرى مثل السياج الإلكتروني، والخنادق والقنوات، هو الحل الأخير الذي لم يجرب في محاولة وقف العمليات الفدائية، وقد دخل حيز التنفيذ والبناء بعد أن قررت الحكومة الإسرائيلية برئاسة شارون ووزير دفاعه وزعيم حزب العمل آنذاك بنيامين بن اليعازر في شهر نيسان عام 2002 بناء جدار (سور) يفصل الضفة الغربية عن الأراضي المحتلة عام 1948، وقد بدأت الحكومة في تنفيذ الجزء الأول من الجدار في يونيه 2002.
موقف الولايات المتحدة
في بداية الأمر انتقدت الولايات المتحدة إقامة الجدار على لسان رئيسها جورج بوش عقب لقائه في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الفلسطيني المستقيل محمود عباس في 25 يوليو 2003، حيث قال انه (مشكلة)، وأضاف (من الصعب بناء الثقة بين الفلسطينيين وإسرائيل مع جدار Wall يتلوى كالثعبان عبر الضفة الغربية)، وجدد بوش معارضته للجدار بعد ذلك بشهر قائلا انه (يمثل مشكلة في وجه تحقيق تقدم في عملية السلام).
وحذَّر وزير الخارجية الأمريكي كولن باول في حديث لصحيفة معاريف الإسرائيلية نشرته في 182003 من أن مواصلة بناء الجدار الفاصل بين إسرائيل والضفة الغربية قد ينسف خطة خارطة الطريق وقال باول ان (مواصلة البناء ستجعل من الصعب جدا تطبيق المرحلة المقبلة من الخارطة)، وأضاف أن الرئيس الأمريكي جورج بوش (قلق حيال هذا الموضوع لأن الجدار يوجد أمرا واقعا لا يمكن الرجوع عنه عند رسم حدود دولة فلسطينية).
وعلق باول ساخراً (إن ترسيم الجدار أمر عجيب، هنا مثلاً قرية فلسطينية جميلة لم يعد لها طريق للوصول إلى أراضيها)، محذراً من أن (المرحلة المقبلة لبناء الجدار حول القدس وجنوبها قد تعقِّد الوضع اكثر)، وأضاف أن الولايات المتحدة حددت بعض المشاكل في المراحل التالية من السياج، وأنها سوف تناقش ذلك مع الإسرائيليين، مشيراً إلى أن واشنطن لم تقرر بعد ما إذا كانت ستفرض عقوبات على إسرائيل بسبب بناء الجدار.
ولكن أمام الإصرار الإسرائيلي، تراجعت أمريكا عن مطالبتها إسرائيل بالتخلي عن الجدار العازل وضرورة إزالته، كما تطالبها الشرعية الدولية، وأصبحت الآن تطالبها فقط بتغيير مساره، لأن مساره الحالي يتوغل بعمق في أراضي الضفة الغربية، وطلبت من رئيس الوزراء ارئيل شارون النظر في تغيير مسار الجدار ودفعه إلى الوراء نحو الخط الأخضر، والالتزام بالخط الأخضر في عمليات البناء المقبلة، ونقل عن مسؤول أمريكي القول (أن الفكرة الأساسية هي ضمان عدم مصادرة أي أراض فلسطينية).
وربطت الإدارة الأمريكية بين حصول إسرائيل على ضمانات قروض بمبلغ تسعة مليارات دولار كاملة وبين استجابة تل أبيب لتعديل مسار الجدار، وهددت بخفض الضمانات في حال عدم موافقة إسرائيل على ذلك، ولكن كما عودتنا في مواقف عديدة، تراجعت الولايات المتحدة عن معارضتها لبناء الجدار على الرغم من انه سيتمدد ليلتف إلى شرق الضفة في منطقة غور الأردن، وهو ما من شأنه أن يطوِّق الفلسطينيين كلياً في حالة إتمامه.
وذكرت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية في عددها الذي صدر في 2410 2003 أن الولايات المتحدة الأمريكية تخلت عن معارضتها للجدار، وأضافت أن مسؤولين أمريكيين يقرون من وراء الكواليس انه لا يمكن للإدارة الأمريكية أن تقحم نفسها في مواجهة مع إسرائيل، وبالتالي الصدام مع اللوبي اليهودي في أمريكا ولم يتبق على انتخابات الرئاسة الأمريكية سوى سنة تقريبا.
وأشارت الصحيفة إلى أن التهديدات الأمريكية بخفض القروض لم يكن لها اثر يذكر على القرارات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية.
وانتقد ياسر عبد ربه، وزير شئون مجلس الوزراء الفلسطيني في حكومة رئيس الوزراء الفلسطيني المستقيل محمود عباس، موقف الولايات المتحدة من قضية جدار الفصل الذي تطلق عليه السياج (للتخفيف لتلطيف المعنى، وحتى لا يتم تشبيهه بجدار برلين)، ودعا الولايات المتحدة إلى اتخاذ خطوات ملموسة للضغط على إسرائيل بدل الاكتفاء بالكلام عن الجدار العازل.
وحذَّر عبد ربه من أن هذا الجدار يعزل مدينة القدس عن محيطها في الضفة الغربية، ويقسم بيت لحم، ويحول قلقيلية إلى سجن، ويعزل غور الأردن عن الضفة الغربية، وبالتالي يلغي الحدود بين الأراضي الفلسطينية والأردن، ويهدف في النهاية إلى تحويل هذه الأراضي إلى جزر معزولة وغير مترابطة جغرافيا.
المخاوف الفلسطينية
كانت السلطة الفلسطينية هي الجهة الأولى التي رفضت إقامة الجدار الذي وصفه الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بأنه (يشكل اعتداءً فظيعاً) و(انه من فعل العنصرية الصهيونية والعقل العنصري)، أما الوزير الفلسطيني صائب عريقات فيرى أن (إقامة الجدار الفاصل يحول الضفة إلى كانتونات منفصلة وفق برنامج شارون لاقامة دولة فلسطينية على 42% من مساحتها دون تواصل جغرافي).
ويسميه الفلسطينيون (جدار الفصل العنصري) ويعبرون عن خشيتهم أن يتحول إلى حدود دولية تحت الأمر الواقع de facto border وبخاصة في حالة استمرار توقف عملية السلام والمفاوضات الرامية لإيجاد حل نهائي لمسألة الشرق الأوسط، وتوغل السور في الأراضي الفلسطينية سوف يقضم أراضيهم ويضمها إلى إسرائيل de facto annexation ويفصل المزارعين عن حقولهم وأراضيهم ويعزل الناس الذين يقيمون بين السور والخط الأخضر.
ويؤكد الفلسطينيون أن الهدف الأساسي من وراء بناء الجدار هو فرض أمر واقع جديد، يجعل من إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 أمراً مستحيلاً، فضلاً عن انه يبتلع آلاف الهكتارات من أراضيهم ويقطع أوصالها.
وفي مقابلة أجرتها معه مؤخراً صحيفة الجارديان البريطانية ونشرته في 241 2004، أشار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إلى أن الوقت قد نفد فيما يتعلق بحل الصراع على أساس دولتين فلسطينية وإسرائيلية، تعيشان جنباً إلى جنب بسلام، في ظل مواصلة إسرائيل بناء جدار الفصل العنصري، والنشاط الاستيطاني في المدن والقرى والبلدات الفلسطينية، وهاجم عرفات مبادرة رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون المتعلقة بانسحاب أحادي الجانب من الضفة الغربية، موضحا أن تلك الخطوة لن تحل مشكلتهم، ومؤكداً التزام السلطة الفلسطينية بالعملية السلمية والحاجة إلى تدخل دولي في المنطقة.
ومن جانبه، قال رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع في مقابلة صحفية أجرتها معه مؤخراً صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، (أن خطة الانفصال التى طرحها نظيره الإسرائيلي ارئييل شارون لا ترمي إلى مجرد الانفصال عن الفلسطينيين، بل تهدف إلى إلحاق ضرر جسيم بالفلسطينيين الذين يعيشون في مدينة القدس المحتلة).
وفي رده على سؤال عن نظرته لخطة الانفصال التي عرضها شارون أجاب معربا عن قلقه الشديد منها. وأضاف قائلاً ان خطة الانفصال الأحادي تعني ضم مناطق من الضفة الغربية إلى إسرائيل، (إنها خطة تهدف إلى خنق مدينة القدس، لقد تسبب الجدار الفاصل بتقسيم مدينة ابوديس (التي يقطنها قريع)، وأصبحت منطقة العيزرية مغلقة، وكذلك الحال بالنسبة إلى حي السواحرة ومدينة بيت ساحور).
وكان أبو علاء قد أكد في وقت سابق: (أن إحساس الفلسطينيين باليأس في تزايد... وأن الخطوات الأحادية من جانب شارون بما في ذلك جدار الفصل العنصري قد تدفع الفلسطينيين إلى التخلي عن جهود التوصل إلى تسوية للصراع تقوم على أساس دولتين...) مضيفاً: (لقد وضع شارون الفلسطينيين في كانتونات، في أقفاص كالدجاج، أن هذا حل قائم على الفصل العنصري، لا يمكننا قبوله بأي حال من الأحوال).
وشدد قريع على أن هذا الجدار هو جدار للضم والتوسع، وليس جدارا للأمن على الإطلاق، فالذي يبني جدارا للأمن لا يبنيه على ارض الآخرين، بل على أرضه ويترك الآخرين وشأنهم، ولا يقطع أوصال بلدهم، مؤكدا انه لن يقبل أي فلسطيني ب(دولة فلسطينية يرسم حدودها جدار الضم والتوسع الإسرائيلي؛ لأن دولة كهذه لن تكون قابلة للحياة ولن تتمتع بأي صفة استقلال. إن الجدار لا يترك مجالا لدولة فلسطينية، وهو يبنى ليدمر خيار الدولتين).
الجدار العازل يضر
بالاقتصاد الفلسطيني
قال محللون اقتصاديون أن الجدار العازل قد يكون القشة الأخيرة التي تقصم ظهر الاقتصاد الفلسطيني المقوض أصلاً، في حين لن يكون له اثر يذكر على إسرائيل، وأشار ممثلو الدول المانحة والأمم المتحدة إلى أن الجدار سيمنع آلاف الفلسطينيين من العمل في إسرائيل والحصول على الأموال التي يحتاجونها بشدة.
وقال رئيس الوحدة الاقتصادية للأمم المتحدة في رام الله شون فرغيسون أن الجدار سيؤدي إلى ارتفاع حاد في معدلات البطالة في الضفة الغربية التي تقدرها بعض المصادر بأكثر من 60%، وأضاف أن (هناك علاقة قوية بين الإغلاق الإسرائيلي وزيادة الفقر في الأراضي الفلسطينية. كان 39 ألف فلسطيني يعملون في إسرائيل في الربع الأخير من عام 2001، فإذا كان كل منهم يعول ستة أفراد يمكن تخيل الأثر الذي سيحدثه هذا الجدار).
وتنفي إسرائيل أن الجدار سيمنع العاملين بشكل قانوني، وقال رعنان غيسين المتحدث باسم شارون أن تركيز إسرائيل (ينصب على إنهاء السهولة غير المقبولة التي يدخل بها المهاجمون الفلسطينيون إسرائيل، وستكون هناك نقاط عبور محكومة يدخل منها العاملون بشكل رسمي إلى إسرائيل)، وتابع قائلاً: إن (الحدود مليئة بالثغرات ويتعيَّن علينا منع التسلل وان نتلقى إنذاراً مبكراً إذا تمكن المهاجمون من الدخول).
وحذَّر مؤخراً محافظ مدينة قلقيلية، التي يحيط بها الجدار من الجهات الأربع، من أن الحكومة الإسرائيلية ستنهب 58% من أراضى الضفة الغربية في حال إتمام بناء جدار الفصل العنصري، الأمر الذي يعني إنهاء المشروع الوطني الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة.
ولا تتوقف أضرار جدار الفصل على المواطنين الفلسطينيين ومشروعهم الوطني، بل تمتد إلى مصادرة الأراضي وتقطيع أوصال مدنهم وقراهم، وايجاد واقع اجتماعي واقتصادي صعب للغاية، بل يمتد إلى باطن الأرض ويهدد الخزان الجوفي الفلسطيني من المياه.
وأكد تقرير صدر حديثا عن جامعة الدول العربية (أن جدار الفصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة يضم 95% من مياه الفلسطينيين من الحوض الغربي في الضفة الغربية ومقدارها 362 مليون متر مكعب)، وأضاف التقرير أن الجدار الفاصل تسبب أيضا في فقدان اكثر من 36 بئرا منها 23 تقع مباشرة على السياج و15 بالقرب منه.
تقرير البنك الدولي
تقرير البنك الدولي الذي أعده خبراء من البنك
لصالح كل من حكومتي الولايات المتحدة والنرويج، والأمم المتحدة، والجماعة الأوروبية، استعرض تأثير سياج الفصل، وحذَّر من الآثار الشديدة والقاسية الناتجة عن بناء السور على حياة السكان الفلسطينيين المقيمين بقربه شرق الخط الأخضر.
ووفقاً للتقرير فإن المرحلة الأولى من الجدار تركت حوالي 12 ألف فلسطيني يقطنون 15 قرية ضحايا مباشرين للجدار، ووفقا لكاتبي التقرير، فإن 95 ألف فلسطيني سيبقون مقيمين بين السور والخط الأخضر (61 ألف منهم في محيط القدس) عندما يكتمل الجدار، وسيتضرر أيضا 20 ألف فلسطيني آخرين سيبقون مقيمين شرق الجدار، ويتقاطع الجدار مع طرق زراعية ويمنع السكان عن مصادر التزوّد بالمياه وعن مدارسهم وأعمالهم والخدمات العامة. سيبقى المزارعين على جانب واحد من السياج ووسائل معيشتهم على الجانب الآخر.
موقف الشرعية الدولية:
قرارات الأمم المتحدة
قبل اللجوء للجمعية العامة للأمم المتحدة، قامت الدول العربية بعرض موضوع الجدار على مجلس الأمن الدولي، وطالبوه بإصدار قرار يطلب فيه من محكمة العدل الدولية في لاهاي البت في قانونية ذلك الجدار، ولكن الولايات المتحدة اعترضت على ذلك واستخدمت حق النقض الفيتو للحيلولة دون تبني القرار، لذلك تمت صياغة قرار جديد من قبل الأقطار الأوروبية كحل وسط، وأحيل للجمعية العامة لتبنيه، وتم إقراره في 21 أكتوبر 2003م، حيث أعربت فيه الجمعية العامة عن قلقها من خط سير الجدار الذي تقيمه إسرائيل، كقوة احتلال، في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية وما حولها، وخشيتها من أن ذلك سوف يهدد المفاوضات المستقبلية ويجعل من المستحيل تطبيق حل الدولتين ويسبب المزيد من المعاناة الإنسانية للفلسطينيين.
وأكدت (الجمعية العامة) على دعوتها لإسرائيل، القوة المحتلة، أن تحترم بالكامل وبشكل فاعل اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، ومعارضتها للنشاطات الاستيطانية في الأراضي المحتلة، وأية نشاطات ينتج عنها مصادرة الأراضي، وتخريب وسائل معيشة السكان المحتلين، والأراضي التي تم ضمها كأمر واقع.
وطالبت إسرائيل بأن توقف البناء وتزيل ما إقامته من السور العازل في الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية ومحيطها، والذي لا يلتزم بخط الهدنة لعام 1949م (الخط الأخضر) ويتعارض مع نصوص القانون الدولي ذات الصلة.
وطالبت الأمين العام للأمم المتحدة إعداد تقرير يتم رفعه خلال شهر من تاريخه حول التزام إسرائيل بوقف البناء في الجدار، وإزالة ما أقيم منه، وبموجب التقرير سيتم النظر في اتخاذ إجراءات إضافية في إطار نظام الأمم المتحدة.
تقرير الأمين العام
وفي تقريره الذي رفعه للجمعية العامة، أفاد الأمين العام كوفي عنان (أن الجدار الذي تقيمه إسرائيل في الضفة الغربية يسبب أذىً اقتصادياً واجتماعياً خطيراً للشعب الفلسطيني، ويعرض جهود السلام للخطر)، فالحاجز يعيق ويقيد حركة الناس والبضائع ووصول الناس لأراضيهم وأعمالهم وأسواقهم، وأضاف: (ان إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها ولكن ليس بطريقة تتعارض مع القانون الدولي وتزيد من معاناة الشعب الفلسطيني).
وقد شجع هذا التقرير الوفد الفلسطيني لدى الأمم المتحدة بالدفع نحو إصدار قرار يطلب رأي محكمة العدل الدولية حول شرعية الجدار العازل، وبالفعل صدر القرار في ديسمبر الماضي متضمنا الطلب من محكمة العدل الدولية إبداء رأيها حول شرعية الجدار الفاصل.
وعلى الرغم من أن رأي المحكمة غير ملزم لإسرائيل، لكنه يسبب لها حرجاً سياسياً، فقد قالت صحيفة الديلي تلغراف البريطانية أن إسرائيل اعترفت للمرة الأولى بأن معضلة جدار الفصل تنعكس سلبا على علاقاتها الدولية، ونقلت الصحيفة عن وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم قوله إن ضررا كبيرا سيلحق بصورة إسرائيل دوليا بسبب طرح قضية الجدار على محكمة العدل الدولية، غير أن ذلك لا ينفي مبررات الاستمرار في بنائه. وأضاف شالوم أن جدار برلين قسم شعباً واحداً إلى قسمين، في حين أن ما نفعله نحن هو الانفصال عن الفلسطينيين من جانب واحد.
إسرائيل تتحدى الشرعية الدولية
وفي تحدٍ سافر للعالم وللشرعية الدولية،
ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي على التلفاز ليؤكد انه خطط لمد الجدار العازل حول الضفة من الشرق، لضم وادي الأردن بحيث تصبح الضفة الغربية بلا حدود مع الأردن.
وفي إجراء تعسفي يهدف إلى خنق الفلسطينيين والضغط على حياتهم اليومية ليضطروا لترك بيوتهم وممتلكاتهم والنزوح، أصدرت الحكومة الإسرائيلية في شهر أكتوبر 2003م قراراً يلزم المواطنين غير الإسرائيليين بالتقدم بطلبات للحصول على تصريح خطي لدخول أو مغادرة أو العمل أو العيش في المناطق العربية المحصورة بين الخط الأخضر والجدار العازل.
وبعد ذلك بأسابيع قليلة نشرت وزارة الدفاع الإسرائيلية لأول مرة خارطة تبيِّن خط سير جزء السور البالغ 400كم والجاري تنفيذه على الجهة الغربية من الضفة الغربية.
وتوضح الخارطة مسار الجدار الذي يمتد في عديد من المناطق عميقا إلى داخل الضفة الغربية ليلتف حول المستوطنات الإسرائيلية، تاركا 70 ألف فلسطيني واكثر من 10% من أراضي الضفة الغربية على الجانب الإسرائيلي.
وبموجب القوانين الجديدة فان الفلسطينيين الذين يسكنون في هذه المنطقة مطلوب منهم موافقة خطية إسرائيلية للعيش في بيوتهم وكذلك للدخول إلى الضفة الغربية أو إلى إسرائيل، وهذا تمهيد لضم هذا المناطق لإسرائيل.
الجدار يهدف لتهجير الفلسطينيين
ويقول أحد ناشطي حركة (السلام الآن) ادرور اتكيس انه يعتقد أن التطورات الأخيرة هي جزء من حملة بعيدة المدى يقوم بها الصقور الإسرائيليين (لترحيل) الفلسطينيين خارج أرض إسرائيل التوراتية وذلك بجعل حياتهم صعبة بحيث لا تطاق.
وفي رسالة لمحكمة العدل الدولية طالب العضو العربي ونائب رئيس الكنيست الإسرائيلي ورئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة محمد بركة، بالسماح له بالمثول أمامها للإدلاء بشهادته حول جدار الفصل وتوضيح جرائم هذا الجدار والنتائج المأساوية للفصل وانعكاساته الكارثية على الفلسطينيين، وقال إن الهدف من الجدار (ليس ضمان الأمن لمواطني دولة إسرائيل، إنما تضييق الخناق على حياة الفلسطينيين من اجل إجبارهم على النزوح من وطنهم وهذا يعكس سياسة تهجير واضحة ضد المواطنين الفلسطينيين).
وأضاف أن الجدار يهدف إلى (ضم البؤر الاستيطانية الكبيرة إلى إسرائيل، من خلال تقسيم الضفة إلى كانتونات مشرذمة لا اتصال بينها)، وأوضح أن سياسة الفصل والحصار داخل (الغيتوات) لمئات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين وصلت إلى اوجها في الآونة الأخيرة وذلك من خلال إقامة (جدار الفصل العنصري المزدوج على الأراضي الفلسطينية المحتلة وليس على الأراضي التي تقع تحت سيادة دولة إسرائيل.
وفي اقتراح عاجل قدمه النائب محمد بركة لجدول أعمال جلسة الكنيست التي عقدت في الأسبوع الأخير من شهر يناير المنصرم، أوضح أن الجدار العازل، الذي تصر حكومة شارون على بنائه، ليس إلا أداة استعمارية وتهجيرية مجرمة. وأضاف أن هناك اكثر من 400 ألف فلسطيني سوف يسجنون بين الجدار والخط الأخضر، أي 20% من الفلسطينيين لن يكونوا قادرين على الوصول للضفة الغربية أو إسرائيل، بالإضافة إلى عدم تمكنهم من الوصول للمدارس والمستشفيات والأسواق والخدمات العامة.
وأشار إلى انه في البداية كان يفترض أن يكلف بناء الجدار 1.25مليار شيكل غير أن الرقم ارتفع ليصل إلى سبعة مليارات قابلة للزيادة، ومضى يقول إن ذلك يعني أن هذا الجدار ليس أمنيا وإنما أقيم لتحويل حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى جحيم في محاولة لإجبارهم على الرحيل وترك قراهم ومدنهم، وأكد انه ليس من باب الصدفة أن يحذِّر وزير الخارجية الأردني مران المعشر من أن هذا الجدار يهدد أمن بلاده، لأنه سوف يؤدي لنزوح الفلسطينيين إلى الأردن.
وأضاف أن (مؤامرة الترانسفير التي تزحف ببطء آخذة في الانكشاف. لهذا يجب علينا الانتباه إلى أن شارون ومؤيديه من المستوطنين تحولوا من معارضين للجدار إلى مؤيدين بشدة لإقامته) لأنهم اكتشفوا انه كفيل بتكريس الاحتلال ويحول دون تحقيق السلام بالمنطقة. وأكد النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي الدكتور عزمي بشارة: (أن الجدار ليس أمنياً، بل هو أمنى وسياسي يفرض أمراً واقعاً جديداً على الأرض، فلا قيمة للمفاوضات في ظل سرقة دائمة للأراضي الفلسطينية، ولو كان الجدار أمنياً لإقامته إسرائيل على الخط الأخضر، فهو جدار عنصري يهدف إلى تقزيم المفاوضات المستقبلية، لذلك يجب وضعه على سلم أولويات التفاوض كموضوع أساسي ويجب التحرك على جميع الأصعدة عربيا وإقليميا ودوليا لشرح حقيقة هذا الجدار العنصري)، واضاف بشارة (إن إسرائيل لا تضع أي اعتبار لما يلحق بالمواطن الفلسطيني من ضرر وأذى بسرقة أراضيه وتضييق الخناق عليه حتى يضطر للرحيل وترك أرضه والهجرة بعيداً).
وأكَّد يهودا شنهاف، أستاذ علم الاجتماع في جامعة تل أبيب أن (ترانسفيرا جماعيا يجري على الأرض بسبب بناء الجدار العازل، واشار إلى أن اكثر من 20 ألف فلسطيني اصبحوا يقعون في فخ جدار الفصل العنصري حتى الآن، وان قسما منهم بدؤوا يغادرون بيوتهم بسبب هذا الوضع العبثي، وهو ما يعني القيام بخطوات فعلية على الأرض تدفع الفلسطينيين إلى هجر بيوتهم وأراضيهم كما حدث مع غالبية الفلسطينيين عام 1948، ناهيك عن الذين تم تهجيرهم بالقوة.
وأضاف شنهاف، الذي يعتبر من الأكاديميين (البوست زيونزم Zionism Post) انه يعتقد أن هناك تنسيقاً مسبقاً بين شارون ونائبه أيهود أولمرت بما يتعلق بتصريحاته الأخيرة حول الانسحاب الأحادي الجانب من جزء من الأراضي الفلسطينية، مؤكداً أن شارون بعكس ما يقال عنه، يمتلك خطة سياسية لإنهاء الاحتلال، لانه بات يدرك أن هذا المشروع (الاحتلال) اصبح غير مقبول عالمياً ومكلفاً اقتصادياً وسياسياً، ولذلك يسعى إلى فرض وقائع على الأرض في مقدمتها الجدار العازل، تمهيداً لليوم الذي سيضطر فيه إلى الانسحاب من جزء من الأراضي الفلسطينية التي تقدر بـ 42% بعد أن يكون الجدار العازل والجدران الأخرى بما فيها الجدار الشرقي قد اقتطعت نصف الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
وكعادتها، تنفي الحكومة الإسرائيلية أن للجدار أجندة سياسية مخفية، وقالت متحدثة وزارة الدفاع: (... السياج أمنى ومساره تم تحديده في المكان الذي نرى انه يمكننا من توفير اكبر قدر من الحماية للمواطنين الإسرائيليين، يهوداً وعرباً).
تقرير لجنة الأمم المتحدة
لحقوق الإنسان
قالت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في أغسطس 2003، انه ينبغي على إسرائيل وقف بناء الجدار العازل ووصفته بأنه انتهاك للاتفاق الخاص بحرية تنقل الأفراد.
وفي تقرير أعدته اللجنة، التي تضم 18 عضواً من الخبراء المستقلين ومقرها جنيف، بعد عقد محادثات مع وفد إسرائيلي على مدي يومين في شهر يوليو 2003، أشارت إلى أن الجدار العازل يفرض قيوداً صارمة إضافية وغير مبررة على الحق في حرية الانتقال للفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة، وأضافت أن (بناء الجدار في الأراضي المحتلة يجب أن يتوقف).
وقال التقرير ان الجدار له اثر سلبي على كل اوجه الحياة في الأراضي الفلسطينية وخاصة إمكانية الحصول على الرعاية الصحية والمياه، وأوضحت اللجنة أن الجدار يمثل انتهاكا لبنود العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسة لعام 1966 الذي وقَّعته إسرائيل.
وتقول إسرائيل أنها غير ملزمة بالعهد خارج حدودها، إلا أن اللجنة ترفض ذلك وتقول إن تل أبيب ملزمة، بصفتها قوة احتلال، باحترام بنود العهد الدولي في الأراضي الفلسطينية.
تقرير مقرر الأمم المتحدة
لحقوق الإنسان
أفاد تقرير للأمم المتحدة نشر في جنيف بتاريخ 3092003، بأن قيام إسرائيل ببناء الجدار العازل على طول الضفة الغربية سينطوي على ضم قسم من الأراضي الفلسطينية وهو ما يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة.
وأشار التقرير، الذي أعده دجون دوغارد، المقرر الخاص لدى لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، المعني بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تنتهك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلى أن الجدار العازل سيؤدي إلى اقتطاع أقسام كبرى من الضفة الغربية بينها مستوطنات يهودية أقيمت في الضفة الغربية على الأراضي الفلسطينية، وأضاف التقرير أن ضما من هذا النوع يعتبر غزوا بموجب القانون الدولي، ويحظره ميثاق الأمم المتحدة، ومعاهدة جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في زمن الحرب.
وقال دوغارد في التقرير: (آن الأوان لاعتبار الجدار بمثابة عمل لضم غير شرعي، مثل ضم القدس الشرقية ومرتفعات الجولان من قبل إسرائيل الذي شُجب على انه غير شرعي)، ونبَّه إلى أن المجموعة الدولية يجب ألا تعترف بأي شكل من الأشكال بسيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية التي ستُضم عبر الجدار، وخلص إلى أن الوقائع تشير بقوة إلى أن إسرائيل مصممة على إيجاد وضع على الأرض يعادل ضما بحكم الأمر الواقع.
وسبق أن أوضح دوغارد في مقال نشرته صحيفة هيرالد تربيون في أغسطس 2003 تحت عنوان: (اهدموا الجدار الإسرائيلي)، أن بناء الجدار الفاصل هو عملية ضم غير شرعي وفقاً لقرارات مجلس الأمن 478 و497 التي تعلن أن الأعمال الإسرائيلية الرامية إلى ضم القدس الشرقية ومرتفعات الجولان هي إجراءات لاغية وباطلة لا ينبغي الاعتراف بها من قبل الدول، واكد أن حقيقة الهدف الإسرائيلي من وراء بناء الجدار رغم تسميتها له بالسياج الأمني وتجنبها استخدام عبارة الضم annexation إنما هو ضم للأراضي الفلسطينية بشكل واضح وجلي تحت قناع الأمن.
وأضاف أن عملية الضم هذه يطلق عليها في القانون الدولي (الإخضاع بالقوة conquest) الذي حرم الاستيلاء على الأراضي باستعمال القوة الوارد في ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية جنيف وقرار مجلس الأمن 242 واتفاق أوسلو الذي نصَّ على انه لا يجوز تغيير وضع الضفة وغزة في انتظار ما ستتمخض عنه مفاوضات الحل النهائي، وقال إن الجدار لا يتبع الخط الأخضر، إنما يقطع مساحات شاسعة من ارض فلسطين، مشيرا إلى انه يقتحم في بعض الأماكن مسافة 67 كيلومترات داخل الأراضي الفلسطينية، بل هناك توقعات انه سيذهب إلى ابعد من ذلك بكثير ليغطي فضلاً عن ذلك مستوطنة (ارئيل) وفي بعض الأماكن يشكل هذا المبنى الالتفافي حواجز تعزل بعض قرى مناطق الضفة الغربية ويحولها إلى مناطق معزولة.
وأكَّد أن من بين الأهداف الإسرائيلية من وراء بناء الجدار هو عزل الفلسطينيين المحاصرين بين الخط الأخضر والجدار عن أراضيهم الزراعية وأماكن عملهم ومدارسهم وحتى عن العيادات الصحي، مشيرا بذلك إلى الإحصائية التي أعدتها منظمة (بتسيلم) الإسرائيلية المعنية بحقوق الإنسان، أن الجدار سوف يسبب أضرارا مباشرة لما لا يقل عن 210 آلاف من الفلسطينيين الذين يعيشون في 67 قرية ومدينة، وان ذلك من شأنه مضايقتهم مما يمكن أن يدفعهم إلى الهجرة إلى بقية المناطق في الضفة الغربية، أي إيجاد جيل جديد من اللاجئين.
الأمم المتحدة تحذِّر من عواقب الجدار على الفلسطينيين
قال تقرير آخر للأمم المتحدة صدر في نوفمبر الماضي، إن الجدار الفاصل سيكون له عواقب إنسانية وخيمة على نحو 680 ألف فلسطيني يمثِّلون ثلث السكان الفلسطينيين في المنطقة. وبمعاينة خارطة إسرائيلية معتمدة توضح مسار الجدار (الغربي) وجد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة التابع للأمم المتحدة أن الجدار سيقتطع 14.5% من الأراضي الفلسطينية عن باقي الضفة الغربية، وأن المنطقة بين إسرائيل وبين الجدار داخل أراضي الضفة الغربية يعيش فيها 274 ألف فلسطيني في 122 قرية وبلدة.
وأضاف التقرير أن 30% من الفلسطينيين في الضفة الغربية سيعانون من (عواقب إنسانية وخيمة) وأن اكثر من 400 ألف فلسطيني آخرين يعيشون شرق الجدار سيحتاجون العبور غرباً للوصول إلى مزارعهم ووظائفهم والخدمات التي يحتاجونها.
يعني هذا أن 680 ألف فلسطيني تقريبا (غرب وشرق الجدار) سيتضررون مباشرة من الجدار، مشيرا إلى أن الحكومة الإسرائيلية لم تضع في الاعتبار اثر الجدار على حياة الفلسطينيين، وموضحاً أن (الكثير ممن لا يستطيعون الوصول لأراضيهم لجني المحاصيل أو رعي الماشية أو الوصول لأعمالهم لكسب المال لشراء الطعام سيتضورون جوعاً).
وبيَّن التقرير أن 11% من الجدار الفاصل سيقام على امتداد ما يسمى بالخط الأخضر الذي يفصل إسرائيل عن الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في عام 1967، أما بالنسبة للباقي فان مسار الجدار سيتوغل في الضفة الغربية إلى عمق يصل 22 كلم.
منظمة العفو الدولية تدين الجدار:
أدانت منظمة العفو الدولية في تقرير، نشرته
في 792003، قيام إسرائيل ببناء الجدار الفاصل في الضفة الغربية، وحذَّرت من آثاره الاقتصادية والاجتماعية ووصفتها بالخطيرة على اكثر من 200 ألف مواطن فلسطيني في البلدات والقرى القريبة التي سيفصلها الجدار، محملة إسرائيل المسؤولية المباشرة عن المستويات المرتفعة للبطالة، والفقر، وسوء التغذية، والمشكلات الصحية الكبرى التي يعاني منها الفلسطينيون.
وذكرت المنظمة في تقريرها الذي حمل عنوان (إسرائيل والأراضي المحتلة.. العيش تحت الحصار)، أن الجدار يعزل عشرات من القرى الفلسطينية عن باقي الضفة الغربية أو عن أراضيها الزراعية التي تعد اكثر الأراضي خصوبة وتوافرا في مصادر المياه في الضفة.
مواقف وردود الفعل الدولية
انتقد الاتحاد الأوروبي بشدة السياسة الإسرائيلية المتعلقة بالجدار الفاصل، وقال بيان للاتحاد الأوروبي أن بناء الجدار يقوِّض جهود إحلال السلام الدولية في المنطقة ويفاقم المحنة التي يعاني منه الفلسطينيون.
وقد صدر البيان في ختام يومين من محادثات عقدتها الرابطة الأوروبية والإسرائيلية في بروكسل في شهر نوفمبر 2003 وحضرها وزير الخارجية الإسرائيلي سلفان شالوم. وأضاف البيان أن الجدار يعزل الفلسطينيين عن أراضيهم ويحرمهم من موارد المياه وخدمات أساسية أخرى، ويجعل من المستحيل عملياً التوصل إلى حل للأزمة بإقامة دولتين مستقلتين (فلسطين وإسرائيل).
وأكَّدت وزيرة الخارجية الاسبانية آنا بالاثيو في 2512004م بعد لقائها بوزير الخارجية الفلسطيني نبيل شعث على هامش المؤتمر الاقتصادي في دافوس، أن إسبانيا ضد جدار الفصل، واعتبرت انه يشكل عقبة في طريق السلام والاستقرار.
ووصف رئيس مكتب الممثلية السويسرية لدى السلطة الفلسطينية جاناك جوريس الأوضاع في مدينة قلقيلية بالصعبة جدا بسبب إقامة الجدار حول المدينة، وذلك خلال زيارته للمدينة يوم 1512004م وأضاف (أن هناك فرقا بين الأمن وما يجري فعله على الأرض).
والتقى جوريس والوفد المرافق له، الذي يضم باتريس موحني نائب رئيس بلدية جنيف، برئيس بلدية قلقيلية الذي أطلعهم على أوضاع المدينة الصعبة ومعاناة السكان من جراء إقامة الجدار ومصادرة آلاف الدونمات من أراضى المدينة، إضافة إلى الأوضاع الصحية والتعليمية في المدينة، واحتياجات هذين القطاعين، وأشار إلى استهداف قوات الاحتلال لمدينة قلقيلية بسبب غناها بالمياه الجوفية ووقوعها على أهم الأحواض المائية في الضفة الغربية والذي يضم 50% من مياه الضفة الغربية.
وأعرب أعضاء في البرلمان الألماني، أثناء زيارتهم لمدينة قلقيلية في أواخر الشهر الماضي، عن دهشتهم لدى مشاهدتهم جدار الفصل الذي إقامته قوات الاحتلال حول المدينة من جهاتها الأربع.
وقالت رئيسة الوفد داجمار سميدن (أن ما سمعناه عن الجدار يختلف عما رأيناه)، وأضافت: (إن ما رأيناه لا يمكن تصوره ولا يمكن أن يحدث في أي مكان في العالم).
وتابعت القول (إن ما تقوم به إسرائيل مخالف لحقوق الإنسان وللديمقراطية)، وأردفت قائلة: انه يجب مقاومة هذا الجدار بالوسائل السلمية، مشيرة إلى أن الوفد الذي ترأسه سيقوم بإثارة هذه القضية لدى عودته إلى ألمانيا.
واستهجنت سميدن ألا يكون بوسع أطفال فلسطين الوصول إلى مدارسهم إلا من خلال بوابات، وقالت: (إن ما رأيته هو جدار سجن وليس حدودا بين دولتين).
وتمنت على محكمة العدل الدولية في لاهاي أن تنظر إلى الأمور كما هي على ارض الواقع. وأطلع رئيس بلدية قلقيلية الوفد على أوضاع المدينة ومعاناة سكانها من جراء إقامة جدار الفصل الذي شبهه بجدار برلين موضحا انه اضخم منه حيث أن جدار برلين كان يبلغ طوله 155 كلم في حين يبلغ طول جدار الفصل الذي تقيمه إسرائيل في أراضى الضفة الغربية 730 كم.
وفي أوسلو دعا رئيس الوزراء النرويجي الأسبق كاري فيلوش الذي تولَّى رئاسة الحكومة النرويجية من 1981 1986، في مظاهرة في 9112003م في أوسلو إلى إسقاط ما اسماه (جدار العار)، وقال في خطابه أن (أوروبا المسيحية التي قضت على ستة ملايين يهودي وأوروبا نفسها والولايات المتحدة هما اللتان كفَّرتا عن ذنبهما بعد ذلك بمنح اليهود أرضا انتزعتاها من شعب آخر).
وأضاف أن (إسرائيل لم تكتف بذلك بل استولت على مزيد من الأراضي، والجدار الذي يبنى اليوم ليس جداراً بين اليهود والفلسطينيين، بل جدار في أراض فلسطينية يسبب للفلسطينيين كارثة اقتصادية واجتماعية).
وفي بكين أكد وزير الخارجية الصيني لي تشاو شينغ رفض بلاده بناء إسرائيل لجدار الفصل، موضحاً أن على إسرائيل كدولة احتلال الالتزام بكافة القوانين الدولية بما فيها اتفاقية جنيف الرابعة. وأوضح الوزير الصيني في رده على رسالة بعث بها وزير خارجية السلطة الفلسطينية الدكتور نبيل شعث حول جدار الفصل أن قضية الشرق الأوسط ترجع جذورها إلى احتلال إسرائيل للأراضي العربية ويجب حلها على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبدأ الأرض مقابل السلام، وقال إن بناء الجدار لا يؤدي إلا لتصعيد النزاع بين إسرائيل وفلسطين ونسف الجهود الرامية للسلام وزيادة قضية الشرق الأوسط تعقيداً.
وفي البرازيل، طالب أعضاء مجلس الشيوخ والنواب رئيس الجمهورية البرازيلي والأمين العام للأمم المتحدة دعم الطلب من محكمة العدل الدولية النظر في مشروعية جدار الفصل، واعتبر الأعضاء في رسالة وجهوها إلى رئيس الجمهورية والأمين العام للأمم المتحدة في أواخر شهر أكتوبر المنصرم (أن جدار الفصل يشكِّل خطراً كبيراً على الفلسطينيين وخرقاً صارخاً للقوانين الدولية والإنسانية وللمعاهدات الدولية)، ودعت الرسالة جميع البرلمانيين في البرازيل والعالم إلى بذل الجهود لعدم السماح بأن يؤدي الإجراء الأحادي الجانب الذي تقوم به إسرائيل إلى القضاء على الآمال بالسلام في المنطقة، وعلى المطلب المشروع بإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
وفي ألمانيا، انتقد وزير الخارجية يوشكا فيشر إسرائيل بسبب جدار الفصل، قائلا: (انه لا معنى له من وجهة النظر الأمنية لاختراقه الأراضي الفلسطينية)، واضاف فيشر في كلمة ألقاها في 17122003م أمام مؤتمر ترعاه مؤسسة بحوث إسرائيلية معنية بالشؤون الأمنية: (إذا كانت إسرائيل تعتقد أنها بحاجة إلى حاجز أمنى فلا يمكن انتقاد ذلك إذا اتبع هذا الحاجز مسار الخط الأخضر)، مشيراً إلى حدود إسرائيل مع الضفة الغربية قبل حرب 1967، وأضاف: (غير أن المسار الحالي للحاجز يكاد يكون غير مفهوم من الناحية الأمنية).
وتابع: (وهذا بالتحديد هو ما يتعرض لأشد الانتقاد لا في إسرائيل وحدها، بل في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية). وتساءل: (ما هو البديل للتعايش السلمي؟).
وفي روما، وأمام حشد من المصلين في الفاتيكان في منتصف نوفمبر 2003 انتقد البابا يوحنا بولس الثاني بناء سلطات الاحتلال الإسرائيلية الجدار في الأراضي الفلسطينية، وقال خلال الصلاة ان الشرق الأوسط (لا يحتاج إلى جدران وانما إلى جسور)، وأضاف (اجدد إدانتي الشديدة لكل الأعمال الإرهابية التي ارتكبت في الآونة الأخيرة في الأرض المقدسة). وتابع (وفي الوقت نفسه لا بد أن أشير بأسف إلى أن دينامية السلام متوقفة على ما يبدو). وأضاف (يعتبر الكثيرون أن بناء جدار بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني هو بمثابة عقبة جديدة على الطريق المؤدية إلى تعايش سلمي، وفي الواقع أن الأرض المقدسة ليست بحاجة إلى جدران وانما إلى جسور ولا يمكن أن يحل السلام بدون مصالحة.
وفي إسرائيل أكَّدت حركات وأحزاب سياسية فاعلة معارضتها الشديدة لجدار الفصل، وهذه الحركات والأحزاب هي (كتلة السلام) و(اللجنة ضد تدمير المنازل) و(الاتحاد القطري للطلاب الجامعيين العرب) و(الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة) و(يوجد حد) و(ائتلاف النساء من اجل السلام والتعايش).
وأصدرت بياناً في نوفمبر الماضي ضمنته معارضتها هذه تحت عنوان (الغول الجدار يصل إلى الرام) ورد فيه: أن بناة سور الكراهية يسعون لاقتراف جريمة إضافية ضد السلام، ومن شأن الجريمة أن تقع في الرام، التي تقع شمال القدس ويعيش فيها حوالي 100 ألف فلسطيني معظمهم يحملون هويات القدس ومركز حياتهم في القدس. (إن الأفعى التي تلتف ستحيط الرام من كل الجهات، مما يعني أن الخروج منها والعودة إليها ستتطلب المرور عبر الحواجز، وان المنطقة ستتحول إلى سجن كبير، جزء جديد من سور الابارتهيد سيقطع الرام عن القدس، السور سيقام وسط الشارع الرئيسي وعلى طوله، جهته الأولى ستصبح تابعة لإسرائيل والأخرى للضفة الغربية).
وأضاف البيان أن الوصول من الرام إلى القدس الذي يستغرق ربع ساعة سيتطلب في ظل السور حوالي ساعتين في احسن الأحوال، كما أن السور غير الإنساني سيصبح موئلاً للكراهية الصهيونية وسيهدد الأمن، في حين يتحدث شارون عن (تنازلات مؤلمة) وعن (خطوات أحادية الجانب) وعن (خارطة الطريق)، يزداد الاحتلال القمعي خطورة يوما بعد يوم.
ومن جانبه، دعا ائتلاف (مواطنون إسرائيليون ضد الجدار)، وهو يضم تنظيمات وحركات وأفراد، في بيان له في 811 2003م عشية الذكرى السنوية لسقوط جدار برلين التي يتم إحياؤها في دول مختلفة من العالم والتي توافق 9 نوفمبر، إلى الوقف الفوري لبناء الجدار، وان الجدار لا يؤدي إلى ضم المستوطنات فحسب، بل أيضا مساحات حولها بغية توسيعها، وانه يقطع أوصال الضفة ويحشر المواطنين الفلسطينيين في مرجل يغلي دون زراعة وتجارة ومصادر مياه ودون حرية حركة بين القرى الفلسطينية، ودون خدمات صحية وتعليمية واجتماعية.
وفي جنوب أفريقيا، شبهت مؤسسة حقوق الإنسان الجدار الفاصل بسور برلين الذي كان يقسم المدينة بين ألمانيا الشرقية والغربية. وتحت عنوان (جدار العار) وزعت المؤسسة بياناً في أغسطس 2003 قالت فيه: (بعد أربعين سنة نجد جداراً مشابهاً من العار يبنى مرة أخرى وهذه المرة من قبل ارئيل شارون قائد ما يسمى بالديمقراطية.
***
المراجع والمصادر:
1 وزارة الخارجية الأمريكية
http://www.state.gov
2 وزارة الخارجية الإسرائيلية
http://www.mfa.gov.il
3 وزارة الدفاع الإسرائيلية
http://www.mod.gov.il
4 «بتسليم» مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة.
http://www.btselem.org
5 (كتلة السلام) الإسرائيلية
http://www.gushshalom.org
6 محكمة العدل الدولية
http://www.icjgij.org
7 مؤسسة الدراسات الفلسطينية
http://www.palestinestudies.org
8 تقرير واشنطن حول شؤون الشرق الأوسط
http://www.wrmea.com
9 المركز الصحافي الفلسطيني، السلطة الوطنية الفلسطينية
http://www.ipc.gov.ps
10 صحيفة «الجزيرة»
http://www.aljazirah.com
11 شبكة الشرق الأوسط
http://www.mideastweb.org
12 شبكة الانترنت للإعلام العربي
http://www.amin.org
13 الانتفاضة الإلكترونية
http://www.electronicintifada.net
14 هيئة الإذاعة البريطانية باللغة العربية
http://www.bbcarabic.com
15 السي. ان. ان.
http://www.cnn.com
16 صحيفة «الجارديان» البريطانية
http://www.guardian.co.uk
17 صحيفة «لوموند» الفرنسية
http://www.MondDiplo.com
18 الصحافة اليهودية على الويب
http://www.thejewishpress.com
19 صحيفة «معاريف» الإسرائيلية
htpp://www.maarivintl.com
20 صحيفة «هارتس» الإسرائيلية
http://www.haaretzdaily.com
21 صحيفة «الجيروزاليم بوست» الإسرائيلية
http://www.jpost.com
22 وكالة الأنباء الفرنسية
http://www.afp.com
23 وكالة «رويترز» للأنباء
http://www.reuters.co.uk
24 وكالة «الاسوشيتد برس» للأنباء
http://www.ap.org
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|