|
غداً موعدنا
|
غداً في الرياض يبدأ المهرجان الثقافي السنوي الكبير.. بتراثه ومحاضراته وندواته وبكل ما يتصل بماضي وحاضر هذه الأمة..
في تظاهرة كبيرة تذكرنا بطيب الذكر «سوق عكاظ» لتعيد ذواكرنا ذلك الماضي المجيد..
حيث كان يلتئم شمل الفرسان والمثقفين ومن منحه الله ذائقة فنية لإظهار مواهبهم ومعالجة قضاياهم..
وها هو اليوم يتكرر ذلك المشهد بالتئام شمل رموز الثقافة العرب غداً في الجنادرية..
***
ففي الرياض عاصمة الثقافة العربية اعتادت مثل هذه الجموع أن تتدارس قضاياها مرة كل عام..
وتتحدث بصوت مرتفع مع بعضها عن همومها وأوضاعها..
في إطار من الشعور بالمسؤولية والحرص على الإفادة من تجمع كبير كهذا في تحقيق آمالنا وطموحاتنا..
وبما يلبي تطلعاتنا نحو غد أفضل ومستقبل أكثر بهاء..
***
ومثلما تعودنا في مثل هذا الوقت من كل عام..
من تنظيم دقيق لفعاليات المهرجان..
وكرم وحسن ضيافة للمدعوين..
وتجديد في الأفكار والطروحات..
فسوف نرى في مهرجاننا هذا العام ما يميزه عن المهرجانات السابقة..
بما أضفاه المنظمون على فقراته من رؤى وأفكار تستجيب لما تتحدث الأمة عنه وترغب أن تناقشه..
***
وإذ يقدر للجهات المختصة في الحرس الوطني جهدها في انتقاء رموز الفكر والثقافة العرب لإثراء ندوات ومحاضرات وأمسيات المهرجان..
يقدر لها اختيارها «إصلاح البيت العربي» موضوعاً للنقاش الرئيس للندوات الفكرية لهذا العام بالنظر إلى ما تمر به الأمة من أوضاع خطيرة ينبغي مناقشتها وأخذ الرأي للمعالجة الصحيحة والممكنة لها.
***
إذاً نحن غداً على موعد مع التراث والثقافة والفروسية..
والمطلوب أن نتواصل مع فعاليات المهرجان بالحضور والمشاركة والتفاعل مع أحداثها..
حتى لا نأسى على ضياع هذه المناسبة دون الإفادة منها مثلما هو مرسوم ومخطط لها..
وكل عام مع المهرجان الوطني للتراث والثقافة وأنتم بخير.
خالد المالك
|
|
|
الفحص قبل الزواج.. رؤية مستقبلية الفحص قبل الزواج.. لابد أن يصبح برنامجاً صحياً وطنياً يأخذ في الاعتبار خصوصية مجتمعنا
|
* بقلم : د. زهير عبدالله رهبيني(*)
كان الدكتور فالح بن زيد الفالح عضو مجلس الشورى قد أعد دراسة لتطوير النظام الصحي في المملكة، قدمها إلى مؤتمر الرؤية المستقبلية الذي نظمته وزارة التخطيط.
وقد ذكر الدكتور الفالح في دراسته تطور النظام الصحي في المملكة والذي ينمو بشكل متنامٍ مثل بقية الخدمات الأخرى... النص التالي: «وبالرغم من هذا التطور الجيد والواضح في الخدمات الصحية في المملكة العربية السعودية إلا أن هناك مجموعة من المؤشرات التي تدل على قصور النظام الصحي في المملكة...».
واكتفى بذكر المؤشر الأول وهو أنهَّ «لا يزال معدل وفيات الرضع (21 في الألف) مرتفعاً قياساً إلى دول أخرى تماثل المملكة في درجة التطور».
إنَّ عدد الوفيات (وفيات الرضع) حتى عام 1405هـ 52 لكل ألف مولود حي، وانخفضت في عام 1420هـ إلى 21 لكل ألف مولود حي. ولا شك أن هذا إنجاز للنظام الصحي السعودي وذلك يرجع إلى وضع الاستراتيجيات للحد من الوفيات بسبب الأمراض المعدية مثل استكمال برامج التطعيم والتحصين ضد الأمراض المعدية المعروفة وأيضاً بسبب العناية الأفضل بالحوامل والولادة في مراكز صحية مهيأة.
إن البرامج الصحية الاستراتيجية المتدرجة هي من أهم العوامل في التقليل والحد من الإصابة بالأمراض وكذلك في التشخيص والعلاج المبكر.
وأقصد بالبرامج العملية الصحية والإعلامية والتوعوية والاقتصادية وغيرها للتقليل والحد من الأمراض ومن هذه البرامج التي لا بد من الإشادة بها برنامج التطعيم للأطفال حيث شمل البرنامج خططاً استراتيجية للحد من الأمراض المعدية تتضمن النواحي الصحية والتوعوية والإرشادية والترتيب القائم بين وزارة الصحة ووزارة الداخلية بإضافة المولود إلى بطاقة والده بعد الانتهاء من التطعيم الأساسي.
كل هذه الأمور جعلت برنامج التطعيم يعتبر برنامجاً ناجحاً حيث كانت الإصابة بشلل الأطفال في عام 1405هـ هي 0 ،29 لكل مائة ألف والآن لا توجد إصابة تذكر ولله الحمد والمنة.
ونقص التهاب الكبد الوبائي (ب) حتى سن 12 سنة من 6 ،7 لكل مائة ألف إلى 0 ،3 لكل مائة ألف من السكان.
إذاً كان السبب في نجاح النظام الصحي للتطعيم أنه كان برنامجاً متكاملاً وليست مواعيد للتطعيم فقط بعد توفيق الله وعونه.
أعود إلى عدد الوفيات في عام 1420/1419هـ وأقصد معدل وفيات الرضع حيث أنه لايزال مرتفعاً (21 لكل ألف مولود حي) قياساً إلى دول أخرى تماثل المملكة في درجة التطور الصحي.
إن السبب الحقيقي لهذا العدد ليس واضحاً من المصادر الطبية المسؤولة في المملكة ولعل هذا يرجع إلى عدم وجود نظام دقيق للمعلومات إلا لبعض الأمراض التي وضِع لها سجل وطني مثل أمراض الأورام والسرطان.
إن تقارير الوفاة عادة غير دقيقة خاصة للرضع لأنها تُملأ أحياناً حسب السبب الأخير للوفاة مثل توقف الجهاز التنفسي والدوري ولا تعطي معلومات عن السبب المباشر للوفاة مثل: أن سبب الوفاة قد يكون بسبب الأمراض المعدية أو الوراثية أو لغيرها، وفي أحيانٍ كثيرة تملأ تقارير الوفاة من قِبَل الطبيب المناوب الذي قد لا يكون لديه دراية كافية عن حالة المريض السابقة.
إنَّ انخفاض معدل الوفيات للرضع ب 60% من عام 1405ه إلى 1420ه يعود كما ذكرت إلى التطور الصحي ووضع البرامج للحد من الأمراض المعدية، ولكن تبقى ما نسبته 40% لم نعرف لها سبباً مباشراً وهي في نظري عائدة بالدرجة الأولى إلى الأمراض الوراثية وأخص منها أمراض التمثيل الوراثية (أمراض الاستقلاب أو أمراض الأيض).
لقد قام مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض بدراسة استمرت لمدة ثلاث سنوات من 1414هـ 1417هـ وذلك بأخذ عينات دم في اليوم الثاني أو الثالث لكل مولود يولد في ثلاثة مراكز (أثنين في الرياض وواحد في جدة)، وكان الفحص يشمل ثلاثين مرضاً من أمراض التمثيل الغذائي، وقد تم مسح ثلاثين ألف مولود خلال الثلاث سنوات المذكورة وكانت النتيجة هي إصابة (مولود واحد) لكل 1400 مولود حي (ألف وأربعمائة مولود حي).
ولوضع معادلة بسيطة وهي ان طفلاً واحداً من ألف وأربعمائة طفل يكون مصاباً بأحد الأمراض الثلاثين التي جرت عليها الدراسة، فكم يكون عدد المصابين إذا عرفنا أن أمراض التمثيل الغذائي المعروفة تتجاوز خمسمائة مرض؟! وكم تكون الإصابة بأحد الأمراض الوراثية إذا عرفنا أنها تتجاوز الآن أكثر من عشرة آلاف مرض؟
إن أمراض الدم الوراثية تعتبر جزءاً بسيطاً جداً من الأمراض الوراثية الموجودة في المملكة، بل إن كثيراً من الأمراض الوراثية الكثيرة الأخرى هي أخطر منها وموجودة في مناطق معينة معروفة لذوي الاختصاص بسبب كثرة الحالات لهذه الأمراض من مناطق معينة.
إن أمراض الدم الوراثية موجودة في المنطقة الشرقية وجيزان وحول المدينة المنورة ولكن هناك أمراضاً وراثية أخرى وخطيرة في نفس الوقت في مناطق أخرى من المملكة العربية السعودية.
وعلى سبيل المثال وليس الحصر فأمراض الحموضة في الدم (Organic Acidemia) موجودة بنسبة كبيرة في منطقة القويعية والمنطقة الجنوبية، وبعض أمراض ارتفاع الأمونيا الوراثي أكثر شيوعاً في منطقة وادي الدواسر وفي الخرمة، وبعض أمراض الأحماض الأمينية معروفة في منطقة الباحة، وأمراض التمثيل الغذائي للمواد الدهنية موجودة في المنطقة الشمالية، وأمراض تخزين الجلايكوجين موجودة في منطقة المدينة المنورة، وأمراض ارتفاع حمض اللاكتيك (أمراض الميتوكندريا) أكثر في منطقة القصيم.
كل الأمثلة السابقة معروفة لكل من يعمل عن قرب في مجال طب الوراثة، كما أن كثيراً من المتلازمات الناتجة عن الطفرات الوراثية أصبح لها نمط جغرافي معروف في المملكة.
إن عيادات الوراثة في مستشفى الملك فيصل التخصصي والتي تضم حالياً عشر عيادات في الأسبوع لرؤية ومتابعة أكثر من مائة مريض أسبوعياً تستقبل ما لا يقل عن (عشرين حالة جديدة أسبوعياً) من أمراض الوراثة الطبية والتشوهات عند الولادة والمتلازمات المختلفة، وهذا يعتبر جزءاً بسيطاً لما يحوَّل من الحالات إلى المستشفى المذكور فكم هو العدد الفعلي للمرضى غير المحولين في وزارة الصحة أو المرضى الذين يتابعون في المستشفيات والخدمات الصحية الأخرى في كل من الحرس الوطني ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية والمستشفيات الجامعية والقطاع الخاص.
إنني أرى أن على وزارة الصحة أن تضع استراتيجيات طويلة المدى تحتوي على برامج الفحص المبكر لما قبل الزواج وأثناء الحمل وبعد الولادة وذلك للحد من النفقات العلاجية الباهظة على الأطفال المعوقين في وقت انخفضت فيه ميزانية الصرف الصحي على الأفراد وذلك بسبب الزيادة السنوية في عدد السكان التي تصل إلى 3 ،7%، فقد كان معدل الصرف الصحي على الفرد عام 1404هـ يصل إلى 1085 ريالاً وانخفض في عام 1419هـ إلى 610 ريالات سعودية، ولا شك أن وضع البرامج الصحية الوقائية سيقلل من الإنفاق العام على الصحة على المدى البعيد.
إذاً يتضح مما سبق أن برنامج الفحص قبل الزواج أو البرامج الوقائية الأخرى مهمة ولا أظن أنه يختلف عليها اثنان، ولا أظن أن أهميتها ليست واضحة للمسؤولين في وزارة الصحة التي تقع عليها مسؤولية تطبيق مثل هذه البرامج بالدرجة الأولى.
لقد قامت الوزارة بالبدء ببرنامج الفحص قبل الزواج لبعض الأمراض الوبائية وأمراض الدم الوراثية استناداً على قرار مجلس الوزراء الصادر في محرم / 1423هـ.
وقبل أن أعطي رأيي في البرنامج المذكور لابد من شكر القائمين على هذه البرامج لأنها بدأت تضعها ضمن النظام الصحي السعودي، كما أن الفحص قبل الزواج لم يبدأ حقيقة كبرنامج متكامل كما هو الحال لبرنامج التطعيم مع اختلاف آلية البرنامجين.
إن الزواج ليس فحصاً طبياً فقط بل هو ارتباط شرعي واجتماعي وله مداخلات كثيرة يجب التعامل معها كبرنامج وطني في مجتمع متحفظ على مثل هذه الأمور.
فهو أولاً مقتصر على أمراض الدم الوراثية التي تنتشر في مناطق معينة في المملكة فليس من الأولوية أن تعمم على مناطق أخرى في المملكة لا يوجد بها مثل تلك الأمراض، فمثلاً منطقة القصيم ليست من المناطق التي يوجد بها أمراض الدم الوراثية فلماذا يعمم مثل هذا الفحص على تلك المنطقة!!
إن من أهداف أي نظام صحي أن تقوم أهدافه على معقولية التكاليف وأن تقوم على أسس علمية صحيحة.
نعم يمكن تطبيق مثل هذا البرنامج على المناطق التي تنتشر بها هذه الأمراض وأن تكون بشكل متكامل ومتوازن يراعي الجوانب الشرعية والأسرية والاجتماعية والطبية والاقتصادية وغيرها.
لو أردنا تطبيق هذا البرنامج على المنطقة الشرقية ومنطقة جيزان وحول منطقة المدينة المنورة حيث تكثر بها أمراض الدم الوراثية فهل وضعنا الاعتبارات الآتية:
1 كل برنامج للفحص قبل الزواج في العالم يجب أن يضم عيادات استشارية للمشورة الوراثية عند ظهور أي عينة إيجابية فليس من العدل أن يكون الفحص اجبارياً أو شبه إجباري وكما لا توجد مثل هذه العيادات التي يجب أن تدار بأيد متدربة في هذا المجال.
إن علم الطب الوراثي أصبح علماً مستقلاً يضم تحته تخصصات كثيرة منها الطب الوراثي الأكلينيكي وتخصص أمراض التمثيل الغذائي وتخصص الوراثة الجزيئية... ومنها تخصص معروف في المشورة الطبية الوراثية (Genetic Counselling). فالسؤال كم عيادة استشارية موجودة وموازية لمثل عدد الحالات التي ستظهر إيجابية، هل هناك برنامج لتدريب الكوادر السعودية لتغطية مثل هذا البرنامج لاحقاً.
وهنا أريد أن أؤكد أن الفحص قبل الزواج ليست عينة دم تؤخذ ولكنه برنامج صحي متكامل.
إن برنامج الفحص قبل الزواج يرتب إدارياً من قبل اللجنة الوطنية للأمراض الوراثية التي تضم تسعة أعضاء اثنان منهم يحملون شهادة التخصص في الطب الوراثي وكنت أتمنى أن يكون معظم أعضاء اللجنة أو على الأقل أكثر من 50% منهم لهم علاقة بالتخصص المذكور وذلك لأن وضع برنامج الفحص قبل الزواج يحتاج إلى أصحاب التخصص للنظرة الشمولية للأمراض الوراثية بالمملكة.
2 إن الفحص قبل الزواج وتبعاته اللاحقة يجب أن يتم بسرية كاملة لتفادي الوصمة الاجتماعية، فهل أخذ في الاعتبار كيف يتم ذلك ضمن البرنامج المذكور خصوصاً في مجتمعنا حيث الاعتبارات الاجتماعية والأسرية لا تخفى على أحد.
ولعلي أوضح أكثر لو أن (س) أقبل على الزواج من (ص) وبالفحص قبل الزواج تبين أن (س) يحمل موروثات الدم المنجلية، فكيف تحفظ سرية هذا الفحص في مجتمعنا الذي قد يكون لمثل فصل هذا الزواج تبعات اجتماعية لم نأخذ حسابها ضمن البرنامج.
وكمقدمة لفكرة الفحوصات المختلفة الموجودة فإنه كما هو معروف أن الإنسان يتكون من أجهزة وأعضاء تتركب من ملايين الخلايا. والخلية هي الوحدة الأساسية للمخلوق الحي حيث تحتوي بداخلها على النواة والتي تحمل الحقيبة الوراثية.
والحقيبة الوراثية تتكون من ست وأربعين صبغة وراثية في الخلايا الجسدية مثل خلايا الدم و الجلد والشعر وغيرها أما الخلايا الجنسية (الحيوانات المنوية والبويضات) فتحتوي على ثلاث وعشرين صبغة وراثية (كروموسومات).
تحتوي الكروموسومات على المورثات (الجينات) وهي الشيفرة الوراثية التي تكوِّن البروتينات المختلفة في الجسم مثل الأنزيمات أو الهرمونات أو هيموجلوبين الدم وغيرها من مئات البروتينات التي تقوم بوظائف الجسم المختلفة.
إن المرض الوراثي يعني تغيُّراً في الشيفرة الوراثية وهو ما يعرف بالطفرة التي تتسبب في إنتاج بروتين ناقص أو غير طبيعي.
ومثال ذلك أن حدوث طفرة في مورثة الهيموجلوبين قد يؤدي إلى هيموجلوبين غير طبيعي يظهر عملياً بشكل مرض الدم المنجلي أو أنيميا حوض البحر المتوسط (التلاسيميا) أو غيرها من أمراض الدم الوراثية.
ويمكن فهم السابق بالمعادلة الآتية: طفرة في المورثة (الجين) 3 بروتين غير طبيعي 3 وظيفة غير طبيعية (مرض).
ويمكن تلخيص فحوصات حاملي المرض فيما يلي:
1 العلامات السريرية: يمكن للمتخصص في الطب الوراثي معرفة بعض الأعراض التي تظهر على حاملي بعض الأمراض الوراثية خصوصاً الأمراض الوراثية السائدة (أي أن مورثة واحدة كافية لنقل المرض إلى 50% من الأطفال) أو الأمراض الوراثية المرتبطة بالصبغة السينية (Chromosome X) ويمكن مساندة الفحص السريري بالدراسات المختبرية كالتخطيط الكهربائي للعضلات أو التخطيط الكهربائي للعين أو عمل الأشعات وغيرها من الفحوصات.
2 تحليل لناتج المورثة: ومثال ذلك أمراض الدم الوراثية حيث بالإمكان قياس نوع الهيموجلوبين في الدم ومعرفة نسبه الطبيعية وغير الطبيعية وبالتالي يمكن معرفة الحامل للمرض، ولكن تبقى هذه الطريقة محدودة لأمراض معينة حيث إن كثيراً من الأمراض الوراثية لا يعرف فيها طبيعة نوع البروتين المصاب، أو أنه يُعرف ولكن تبقى الطريقة مكلفة وتؤدى فقط في مختبرات الأبحاث.
3 التغيرات الثانوية لبعض المواد الكيميائية في الدم: بعض الأمراض الوراثية قد تؤدي إلى تغيرات كيميائية ثانوية يمكن معرفتها على المريض أو حامل المرض مثل ازدياد مادة الكرياتين في بعض أمراض حثل العضلات.
ولكن تبقى هذه الطريقة أيضاً محدودة كما أن حساسية الاختبار ليست دقيقة أيضاً.
4 المورثات: بعد اكتشاف الخارطة الوراثية أو الجينوم البشري (المجين) أصبح بالإمكان معرفة أماكن المورثات لكثير من الأمراض الوراثية كما أن الطفرات الجينية قد تمت دراستها على كثير من الأمراض. ويمكن إجراء تحليل الطفرات الوراثية مباشرة على كثير من الأمراض. ولكن يجب التنبيه على أن الطفرات الوراثية أو التغيرات في المورثات تختلف من مجتمع إلى آخر، وعلى سبيل المثال فإن الطفرات في مورثة التليف الكيسي الرئوي وُجِد أنها تختلف في المجتمع السعودي عنها في الغرب حسب الدراسات التي تمت ونشرت.
وفي نظري إن هذه أهم طريقة لفحص حامل المرض وأنها أفضل طريقة يمكن تطبيقها على الفحص قبل الزواج لكثير من الأمراض الوراثية المنتشرة في المملكة (غير أمراض الدم الوراثية التي يمكن النظر إلى الهيموجلوبين غير الطبيعي مباشرة).
ولكن قبل تطبيق هذه الفحوصات لابد من دراسة الطفرات الوراثية لكثير من الأمراض في المملكة وهذا الجهد يقع على وزارة الصحة ومراكز الأبحاث والجامعات في المملكة.
وهنا أريد أن أؤكد أن الأمراض الوراثية ليست فقط أمراض الدم الوراثية بل هي عشرات من الأمراض التي تنتشر في المملكة حسب العوائل والقبائل في المناطق المختلفة.
إن المتخصص في الطب الوراثي أصبح يعرف ما هي الأمراض الوراثية المنتشرة في كل منطقة وفي كل قبيلة من واقع الإحالات اليومية إلى المستشفيات التخصصية.
ويمكن تطبيق الفحوصات السابقة بأن يحدد فحص ما قبل الزواج لأمراض الدم الوراثية للمنطقة الشرقية ومنطقة جيزان وحول منطقة المدينة المنورة، أما المناطق الأخرى فينظر في طريقة فحص المورثات مباشرة لأمراض وراثية محددة حسب انتشارها في كل منطقة.
إن الأنظمة الصحية في العالم متعددة ولا يوجد نظام مثالي إلا أن النظام الصحي لأي بلد لابد أن يعكس الرؤية الاستراتيجية المتكاملة للمؤسسة التنفيذية ولكن القاسم المشترك للأنظمة الصحية الجيدة هو طبيعة تحقيقها لأهداف معينة منها:
1 التغطية الشاملة والعادلة لكل المواطنين.
2 أن تكون ذات تكلفة معقولة.
3 أن تتم على أسس علمية صحية.
ولو حاولنا إنزال هذه الأهداف على الفحص قبل الزواج كبرنامج من برامج النظام الصحي فلابد أن يكون برنامج الفحص قبل الزواج شاملاً لكل مناطق المملكة مدنها وقراها.
ولكن لابد أن يكون الفحص عادلاً بحيث ينظر للأمراض الشائعة في كل منطقة أو قبيلة، فليس من العدل أن يُنظر إلى أمراض غير موجودة في حين أنها أحوج إلى الفحص المبكر لأمراض أخرى أكثر أهمية بالنسبة لهم.
إن برامج الفحص قبل الزواج موجودة ومطبقة في دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وغيرها ولكنهم يصنفون هذه الفحوصات حسب العرق الموجود وعلى سبيل المثال فالأمريكان ذوو البشرة السوداء لهم فحوصات معينة والأمريكان من أصول أوروبية لهم فحوصات خاصة بهم كما أن يهود أمريكا لهم فحوصات متعلقة بأمراضهم.
ولابد أن يكون البرنامج ذا تكلفة معقولة، وهنا أؤكد أن تعميم الفحص على أمراض الدم الوراثية لكل مناطق المملكة يضع الأموال في غير مكانها الصحيح وإهدار للجهد، إذ كيف يمكن فرض الفحص بتكاليف قد تكون باهظة على منطقة لا يوجد بها مثل هذه الأمراض. كما أن اختيار الأمراض أو المورثات للفحص يجب أن يقوم على ضوابط وأسس ودراسات علمية صحية لذلك لابد من مشاركة أهل الخبرة في مثل هذه البرامج وأخص منهم العلماء وأطباء الوراثة والمرشدين الوراثيين والأخصائيين الاجتماعيين وغيرهم حيث إن هذا البرنامج هو برنامج وطني يحتاج لمشاركة الجميع من ذوي الاختصاص.
هنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: هل برنامج الفحص قبل الزواج يكون اختيارياً أم إجبارياً؟ والجواب في الحقيقة يحتاج إلى مقال آخر ولكن أُلخص ما أراه في النقاط التالية:
1 إن أكثر الدول التي سبقتنا إلى وضع برامج الفحص قبل الزواج جعلته اختيارياً وليس إجبارياً، ومن جعله إجبارياً لم يربط نتيجة الفحص على العلاقة الزوجية مباشرة بل جعلوا الفحص إجبارياً والإقدام على الزواج اختيارياً بغض النظر عن نتيجة الفحص.
والسبب في نجاح تلك البرامج على الرغم من أنها اختيارية أنهم تبنوها كبرنامج متكامل يشمل القضايا التعليمية والتوعوية منذ المراحل الأولى من الحياة فهو جزء من التعليم وجزء من البرامج التوعوية الإعلامية وجزء من الرعاية الصحية الأولية وغيرها. لذلك أصبح هناك قناعة جماهيرية ووطنية في تلك الدول بأهمية هذه الفحوص وتطبيقاتها في الحياة.
2 إن الزواج هو قضية شرعية وقانونية لذلك كان لعلماء الدين والاجتماع آراؤهم القوية في مثل هذه الفحوصات في تلك الدول.
إن العلاقة الزوجية والارتباط القلبي بين الرجل والمرأة المقدمين على الزواج لا يمكن منعها بجعل الفحص إجبارياً أو اختيارياً إذا لم يكن هناك قناعة نفسية لمثل هذه الإجراءات.
ومع الحماس لمثل هذا البرنامج في المملكة فإني لم أسمع رأي علمائنا الأفاضل بإقرار إجبارية الفحص قبل الزواج ورأي الإسلام في جعله إجبارياً وليس اختيارياً، وأقصد هنا هيئة كبار العلماء أو غيرها من الهيئات الشرعية في المملكة العربية السعودية.
3 يوجد في الدول التي تطبق برامج الفحص قبل الزواج العيادات الاستشارية لأمراض الوراثة وخاصة العيادات الاستشارية لما قبل الزواج فكثيراً ما يأخذ المقدمون على الزواج موعداً لمناقشة كل الأمور التي لها علاقة بالأمراض الوراثية، ولا أقصد أن نؤسس عندنا مثل هذه العيادات بدون النظرة الشرعية لمجتمعنا ولكن بالإمكان الاستفادة من الفكرة وتكييفها لتتماشى مع عاداتنا وتقاليدنا.
وهنا سؤال آخر: ما هو أفضل وقت لعمل هذه الفحوصات، هل يكون بعد الولادة أم في سني الدراسة أم قبل الزواج مباشرة؟
إن أخذ العينات من المواليد الجدد من أجل المعرفة هل هم يحملون مورثات مرضية معينة أم لا تعتبر مسألة شائكة قانونياً في المجتمعات غير الإسلامية حيث ينظر إلى هذه المورثات بدون أخذ الحق من الإنسان نفسه وهو في هذه الحالة المولود الجديد مما أثار قضايا قانونية، بالإضافة إلى حفظ سرية المعلومات وما يتبع ذلك من قضايا تخص الإنسان وعلاقته بشركات التأمين.
كما أن أخذ العينة للفحص كما هو مقرر عندنا في المملكة غير مناسب والسبب أن العلاقة النفسية والاجتماعية بين الخاطب ومخطوبته في أحيان كثيرة تكون قد بدأت قبل الفحص وفي رأيي أن هذا قد يسبب إحراجاً كبيراً إذا انقطعت هذه العلاقة بسبب فحص الدم، فالمجتمع والأقارب لا يعرفون سبب هذا الفصل مما يثير تساؤلات كثيرة فإذا عُرف السبب كانت مصيبة وإذا لم يعرف كانت المصيبة أكبر.
وأنا أؤكد هنا أن الناس لا زالوا يجهلون طبيعة الأمراض الوراثية ومعنى المرض وحامل المرض فبكل بساطة يمكن أن يوصم الإنسان بأنه مريض وراثياً وتبقى وصمة اجتماعية في حين أنه ربما يحمل مورثات للمرض فقط وهذا شيء طبيعي فكل إنسان يحمل عدداً من هذه المورثات المرضية التي يمكن أن ينقلها كمرض إلى أبنائه إذا كانت زوجته تحمل نفس الطفرات الوراثية.
ومن هنا فإنني أرى أن يكون أنسب وقت لعمل هذه الفحوصات على الرجال والنساء هو عندما يكون المواطن طالباً أو طالبة في الثانوية العامة وقبل أن يرتبطا بالزواج.
وهذه التجربة أثبتت نجاحها عندما طبقت على اليهود الاشكنازي في ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية فقد انتشرت بين هذا العرق أمراض وراثية خطيرة وكانت هناك إشكالات في التشخيص أثناء الحمل ومن ثم الإسقاط العلاجي إذا ثبت إصابة الجنين بأحد هذه الأمراض فوضع المتخصصون برنامجاً متكاملاً وهو أخذ عينات الدم لفحص المورثات لما يقارب عشرة أمراض وراثية من طلبة وطالبات الثانوية وترسل هذه العينات إلى مركز للتحاليل برقم معين ولا يذكر خلالها اسم الشخص مطلقاً.
والسبب في عدم ذكر الاسم هو للحفاظ على السرية تماماً ولا يعرف رقم العينة إلا صاحبها ، وبعد ذلك تحفظ المعلومات حتى يأتي موعد الخطوبة وقبل كل ذلك يتم التأكد من الرقمين في مركز التحاليل هل هي متوافقة أم غير متوافقة وعندها يُشرع أيضاً بإعطاء المشورة الوراثية بشكل غير مباشر ويترك الخيار أخيراً للرجل والمرأة.
لقد أثبتت التجربة السابقة نجاحها حيث كانت هذه الأمراض شائعة وبعد هذه التجربة خلال العشرين سنة الماضية قلت بشكل كبير حتى أنها أصبحت تحت مستوى انتشارها العام في الولايات المتحدة الأمريكية.
إن السبب المباشر في نجاح هذا البرنامج أنه لم يرتبط بأسبوع أو أسبوعين قبل الزواج بل كانت هناك استراتيجية بعيدة المدى كما أن البرنامج يحفظ السرية الكاملة لمن يريد الفحص ويتضمن القضايا الدينية والاجتماعية والتعليمية أي أنه برنامج متكامل وليس مجرد عينة دم تؤخذ قبل الزواج. إن هذه التجربة يمكن تطويرها وترتيبها بحيث تصبح أكثر ملاءمة لوضعنا الديني والاجتماعي وربما اختيار الموعد الأنسب عند تعميمها على مختلف مناطق المملكة بحسب الأمراض الشائعة في كل منطقة أو قبيلة .
وفي النهاية لعلي أخلص إلى النقاط الآتية:
أولاً: تبني الفحص قبل الزواج كبرنامج متكامل.
ثانياً: البدء ببرنامج الفحص المبكر للمواليد وجعله إجبارياً قبل التوسع في برنامج الفحص قبل الزواج.
ثالثاً: إشراك عدد أكبر من استشاريي الطب الوراثي في اللجنة الوطنية للأمراض الوراثية بحيث يمثلون 50% على الأقل من أعضاء اللجنة.
رابعاً: النظر في وقت الفحص وجعله في مرحلة مبكرة قبل الشروع في الزواج وتحديد الخاطب لمخطوبته والحفاظ على سرية المعلومات وتفادي الوصمة الاجتماعية.
خامساً: الشروع في إنشاء عيادات استشارية للفحص قبل الزواج تضم طبيباً متخصصاً ومرشداً وراثياً على الأقل.
سادساً: مشاركة الوزارات الأخرى مع وزارة الصحة في دعم هذا البرنامج وأخص بالذات وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة والإعلام لوضع استراتيجيات تعليمية وتوعوية عن الأمراض الوراثية والفحص المبكر للأمراض الوراثية التي تشمل فحص ما قبل الزواج وأثناء الحمل والفحص المبكر للمواليد الجدد.
سابعاً: وضع برامج أكاديمية من خلال الكليات الصحية والطبية للتخصص في هذا المجال سواء في مجال التشخيص أو العلاج أو المشورات الطبية.
هذه بعض الاقتراحات والرؤية المستقبلية لبرنامج الفحص قبل الزواج فما كان صواباً فمن الله وما كان خطأً فمني ومن الشيطان.
وصلى الله على نبينا محمد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(*) استشاري طب الأطفال والطب الوراثي بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|