|
«مجلة الجزيرة» بعد عام على إطلالتها
|
تستكمل «مجلة الجزيرة» بصدور هذا العدد العام الأول من عمرها الصحفي المديد إن شاء الله..
وهي بذلك تبدأ سنتها الثانية كمجلة متفردة في مواضيعها ومنهجيتها وحتى في السمة المميزة لإخراجها..
ونأمل أن تشهد سنتها الجديدة وكل سنواتها القادمة مزيداً من التطوير بإضافة ما يلبي رغبة قرائها ويضيف جديداً لهم..
***
وتقتضي المناسبة مني أن أشير لقرائنا إلى أننا عندما فكرنا في إصدار هذه المجلة ضمن خطة طموحة لتطوير صحيفة «الجزيرة»..
وبينما كنا نعد لإصدارها بحيث لا تكون محاكاة أو تقليداً لمجلات أو صحف أو ملاحق أخرى..
وفيما أسرة تحريرها منهمكة بقيادة المهندس عبداللطيف العتيق نائب رئيس التحرير في وضع اللمسات الأخيرة عليها وقبل إطلالتها عليكم..
فقد كان هاجسنا جميعاً أن يكون الصدى لهذا الطرح الصحفي الجديد مشجعاً للثبات عليه وتطويره وتحسينه من عدد لآخر...
***
ولا أخفيكم سراً حين أقول لكم: إن هذا الإصدار قد قوبل بالرضا وبكثير من الامتنان، سواء بأسماعنا أو الكتابة لنا بكل العبارات المحفزة للعمل بمثل هذا المستوى الذي تابعتموه على مدى عام كامل..
وأن التقدير الذي ناله هذا الإصدار قد فاق تصورنا حين فكرنا بإصدار «مجلة الجزيرة» وحتى بعد طرحها بالأسواق..
بل إن هذا الاحتفاء الجميل باستقبال القراء لمجلتهم قد شجعنا على إصدار مجلات أخذت هي الأخرى نصيبها ومساحتها من تقدير القراء ومحبتهم وإعجابهم..
***
في مقابل ذلك..
هناك أعداء للنجاح..
وهؤلاء يسوؤهم أن يروا أعمالاً صحفية متميزة..
لكن لحسن الحظ فإن هؤلاء لا يعتدّ بآرائهم وبما كتبوه عن هذه المجلة أو غيرها...
لأنهم يجهلون أبجديات العمل الصحفي الصحيح..
ولأن بضاعتهم في فهم الصحافة لا تؤهلهم للحكم عليها أو إبداء الرأي فيها..
إنهم قلة وبالتالي فلا قيمة لما يكتبونه أو يقولونه عن هذه المجلة أو أي من الإصدارات الأخرى..
***
وبقدر ما أسعدنا من أثنى على تألق هذه المجلة وقدّر جهد أسرة تحريرها معتبرين ذلك منهم ضمن خطوات التحفيز والتشجيع لمزيد من الأعمال الصحفية القادمة..
ومع اعتزازنا الكبير بمن قال كلمة نقد نزيهة أو أبدى ملاحظة بناءة أو قدم لنا اقتراحاً وجيهاً باعتبار كل ذلك يخدم مستقبل المجلة ويساعد في تقديم المزيد من الخطوات التي تؤصل ما تحقق من نجاحات وتضيف عليها..
فإن من كتب عن جهل..
أو بطّن ثناءه بكلمات تُشم منها كراهيته لكل عمل صحفي ناجح..
فإن مثل هؤلاء لن يثبطوا من عزيمة الزملاء في الاستمرار بالتألق..
بل إن ما كتبوه سيقودهم إلى تقديم ما هو أفضل..
ضمن منافسة صحفية شريفة لن يكون البقاء فيها إلا لمن يقدم للقارئ ما هو أفضل..
وسيظل شعارنا وكما تعرفون «الجزيرة تكفيك»..
***
شكراً لمن تفاعل مع هذه المجلة بإعطائها حقها من النقد البناء والثناء المنصف والاقتراحات المفيدة..
أما من خالف القاعدة عن جهل أو تجاهل، فنريد أن نطمئنه بأن ذلك لن يحول دون تقديم المزيد من الأعمال الصحفية الأكثر إبداعاً مع كل عدد يصدر من هذه المجلة الغنية بكل عناصر التفوق والنجاح.
+++++++++++++++++++
خالد المالك
+++++++++++++++++++
|
|
|
بعد عجز قوات التحالف عن ضبط الأوضاع تدويل الأزمة العراقية .. هل يكون الحل ؟!! الإدارة الأمريكية تعتبر العراق حجر الزاوية في سياستها في الشرق الأوسط
|
إعداد أشرف البربري
حادثة اغتيال رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق محمد باقر الحكيم ومعه ما يفوق المائة من المواطنين العراقيين، بعد فراغهم من صلاة الجمعة في مسجد الإمام علي بالنجف، وقبلها حادثة تفجير مقر مبنى الأمم المتحدة في بغداد يعتبران دروسا بالغة الدلالة يجب أن تستخلصها قوات الاحتلال في العراق في المرحلة الحالية الدقيقة من تاريخ العراق.
وأهم هذه الدروس هو عدم قدرة قوات التحالف بمفردها على فرض الامن والاستقرار في هذا البلد بعد مرور ما يقرب من خمسة أشهر على انهيار نظام صدام حسين.
قوات الاحتلال الانجلو أمريكية على الرغم من انتصارها السريع في الحرب، الا انها لم تحقق شيئا يذكرفي معركة السلام، فلا زال الامن امنية لمعظم العراقيين، والخدمات الاساسيةلم يتم استكمالها في العديد من الاقاليم العراقية ولا تزال الفوضى تضرب اطنابها في هذا البلد.
لو عدنا إلى الوراء قليلا في اليوم الذي تم فيه تفجير مبنى الامم المتحدة وطبقا لرواية احد شهود العيان الذي يقول: لم يكن منظر الشاحنة المسطحة التي كانت تقترب من مقر الأمم المتحدة في العاصمة العراقية بغداد حوالي الساعة الرابعة والنصف من ظهر يوم الثلاثاء 12/8 منظرا غير مألوف، فقد كان المجمع الذي تتخذ منه بعثة المنظمة الدولية مقرا لها يستقبل الكثير من السيارات، كما أن أعمال البناء والترميم التي كانت تجري فيه قد انتهت لتوها لتحويل مبنى فندق القنال إلى مقر للبعثة.
ويتابع فوزي سرحان الحمداني الذي كان يقف بالقرب من المبنى انتظارا لأحد أصدقائه أنه لمح قائد الشاحنة وكان شاب حليق اللحية ويرتدي تي شيرت. ويقول شخص آخر كان يقف في ساحة انتظار سيارات الفندق إن الشاحنة انحرفت كما لوكان سائقها يبحث عن المكان المحدد ليقف فيه ويضيف الرجلان أن السيارة اتجهت إلى أحد الأركان قبل أن تنفجر.
وقد انبطح حسين علي الذي كان يوجد داخل محل لبيع المرطبات على بعد مائتي ياردة فقط من المبنى، انبطح على الأرض تفاديا لقطع الأحجار التي تناثرت بعد الانفجار.
أما داخل المبنى الذي استهدفه الانفجار فقد كان هناك محمد الحكيم الذي يعمل سائقا لدى صندوق النقد الدولي ويقول الحكيم إنه كان يقف في الطابق الثاني للمبنى وشعر أن كل شيء ينهار حوله، وقد غطى الدخان كل شيء وأنه رأى رجلا ممددا على الأرض وقد اخترق قضيب من الحديد جبينه.
اختيار دقيق
الحقيقة أنه لو كان سائق الشاحنة يبحث فعلا عن المكان الصحيح ليوقف الشاحنة فيه قبل تفجيرها فمن الواضح أنه فعل ذلك بعناية، فقد انفجرت السيارة أسفل مكتب رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق سيرجيو دي ميللو مباشرة، وقد كان دي ميللو وهو دبلوماسي برازيلي واحدا من أكثر المسئولين الدوليين احتراما على مستوى العالم.
وقد انهار تماما الجزء الذي كان يوجد فيه دي ميللو والحقيقة أن انفجار بغداد كان أشد الهجمات التي استهدفت الأجانب في العراق دموية منذ الإطاحة بنظام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين في الربيع الماضي.
نقطة تحول
وفي واشنطن حاول بعض المسئولين اعتبار الحادث نقطة تحول من أجل دعم الموقف الأمريكي في العراق، وقال أحد كبار مستشاري الرئيس الأمريكي جورج بوش إن انفجار بغداد يمكن أن يمثل لحظة حاسمة في الحرب ضد الإرهاب فهو يجعل العالم المتحضر أمام هؤلاء الذين لا يعرفون شيئا عن الحضارة، وأنا لا أريد أن أركز المزيد من الضوء على يوم سيئ، ولكنه رد فعل مجرم على مؤشرات حقيقية لتقدم الموقف الأمريكي في العراق، والحقيقة أن مثل هذه الرؤية يمكن أن تجد من يساندها ففي أغلب أنحاء العراق تتحسن الأحوال المعيشية ببطء، وتواصل قوات الاحتلال اعتقال زعماء نظام الرئيس المخلوع صدام حسين، على الرغم من استمرار تساقط القتلى في صفوف قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية، فمؤخرا تم اعتقال علي حسن المجيد ابن عم الرئيس صدام حسين والمعروف باسم علي الكيماوي بسبب استخدامه للأسلحة الكيماوية ضد المتمردين الأكراد في شمال العراق، خلال الثمانينيات من القرن الماضي، ولكن الأمانة تقتضي أيضا الاعتراف بأن المحاولات الطائشة لإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش من أجل تهدئة وتطويق هذه الأزمة التي تجري أحداثها في الشرق الاوسط تثير ردود فعل غاضبة جدا من جانب هؤلاء الذين يرفضون السياسة الأمريكية.
الوضع الأفغاني
فمنذ حوالي عامين تقريبا غزت القوات الأمريكية أفغانستان بهدف الإطاحة بنظام حكم حركة طالبان وإغلاق معسكرات تدريب الإرهابيين، ومنذ ذلك الحين مازال الشعب الأفغاني يعاني من الاضطرابات وغياب الاستقرار فخلال الأسبوعين الماضيين لقي أكثر من مائة شخص بينهم جنود أمريكيون مصرعهم في مواجهات عسكرية بين عناصر حركة طالبان التي تمكنت من إعادة تجميع صفوفها وبين قوات الأمن الحكومية والميليشيات المحلية.
وفي اليوم الذي شهد انفجار بغداد شهدت مدينة القدس المحتلة عملية استشهادية فلسطينية ضد حافلة إسرائيلية أسفرت عن مقتل أكثر من عشرين شخصا وبعد ذلك بيومين اغتالت إسرائيل إسماعيل أبو شنب أحد الزعماء السياسيين لحركة المقاومة الإسلامية حماس، وكلا الحادثين أثار الكثير من الشكوك حول إمكانية نجاح خطة السلام الدولية المعروفة باسم خريطة الطريق في الوصول إلى الحل الذي ينادي به الرئيس الأمريكي جورج بوش، وهو إقامة دولتين فلسطينية وإسرائيلية تتعايشان في سلام، ولكن مهما كانت المشكلات التي تواجه الإدارة الأمريكية في مختلف أنحاء العالم الإسلامي فإن المشكلات التي تواجهها في العراق تمثل شيئا مختلفا، ففي أفغانستان وفلسطين المحتلة تشترك أمريكا مع أغلب دول العالم في الأهداف التي تسعى إليها، ولكن العراق قضية أخرى فأمريكا شنت الحرب بالتحالف مع بريطانيا فقط تقريبا من أجل الإطاحة بنظام حكم صدام حسين.
حجر الزاوية
وفي الوقت نفسه فإن الإدارة الأمريكية ذاتها تعتبر العراق حجر الزاوية في سياستها في منطقة الشرق الأوسط ككل لأنه في العراق تتولى أمريكا وبشكل مباشرمسئولية إقامة حكومة مسالمة وديموقراطية يمكن أن تصبح نموذجا يحتذى لكل دول العالم الأخرى، ولكن العالم ينظر إلى الوجود الأمريكي في العراق باعتباره ذئبا ولذلك فإن تحقيق إدارة بوش أكثر أهدافها جرأة في العراق، وإقناع باقي دول العالم بأن هذه الأهداف تصب في مصلحة كل دول العالم، سوف يتوقف على مدى نجاح الإدارة الأمريكية في العراق، ولكن الوضع الراهن حيث يوجد عراق بلا خدمات أساسية لسكانه لا يعتبر نجاحا، وهو الأمر الذي يزيد من أهمية اكتشاف الجهة المسؤولة عن تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد، وحتى الآن فإن جماعة غير معروفة أعلنت مسئوليتها عن العملية، ولكن من المستحيل التأكد من وجود هذه الجماعة في الأساس دعك من التأكد من مسئوليتها فعلا عن الهجوم.
لا أحد يعلم!
الأيام التي تلت الانفجار شهدت طوفانا من التفسيرات التي تسابق الجميع على تقديمها من مسئولي الإدارة الأمريكية إلى القادة العسكريين في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إلى خبراء الإرهاب إلى جنرالات المقاهي في شوارع العاصمة العراقية بغداد فمن قائل أن المسئولين عنها هم بقايا حزب البعث أو أعضاء جماعة فدائيي صدام أو رجال أمن مقر الأمم المتحدة أنفسهم.
وصولا إلى اتهام تنظيم القاعدة بالمسئولية عن هذه العملية، وربما (مجاهدين) أجانب تمكنوا من التسلل إلى العراق أو حتى خليط من كل هؤلاء والحقيقة أن التعامل مع كل افتراض من هذه الافتراضات على كثرتها يجب أن يتم بحرص شديد ولكن الحقيقة الواضحة هي أنه لا أحد يعرف من المسئول عن هذه الفظائع، كتفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد.
يقول الجنرال ريكاردو سانشيز قائد القوات الأمريكية في العراق باستمرار إنه لا ينقصه شيء أكثر مما تنقصه عناصر المخابرات والحقيقة أن أحد كبار المسئولين في البيت الأبيض كان صريحا في رده على سؤال عن العدد المتوقع للمجاهدين الأجانب الذين تمكنوا من دخول العراق لمقاومة الاحتلال الأمريكي، فقال إنهم ليسوا في وضع يسمح لهم حقيقة بتحديد الرقم، فالموقف الآن أشبه بكائن لا تعرف عن أي جزء فيه تبحث، كما أنه من المبكر جدا التكهن بسبب وجود القوات الأجنبية في العراق الآن، ورغم ذلك فهناك بعض الأشياء باتت معروفة، فقد صرح توما فيكتور كبير عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي في العراق للصحفيين أنه تم استخدام ما بين ألف وألف وخمسمائة رطل من المتفجرات في الهجوم على مقر الأمم المتحدة، وأنه كانت هناك قذائف مدفعية تزن خمسمائة رطل بين هذه المتفجرات وأن كل الذخيرة المستخدمة كانت حربية تم استيرادها من الاتحاد السوفيتي خلال السبعينيات والثمانينيات في القرن الماضي.
ويعتقد الكثير من المسئولين الأمريكيين والعراقيين أن الهجوم كان هجوما انتحاريا بالرغم من أنه لم يتأكد ذلك حتى الآن، وإذا افترضنا أنه كان هجوما انتحاريا بالفعل فهذا يعني استبعاد البعثيين وفدائيي صدام، لأنهم لا يستخدمون أسلوب التفجيرات الانتحارية.
مهمة شديدة الصعوبة
يقول محمد عبد الله شحواني وهو جنرال عراقي متقاعد إن العمليات الانتحارية ليست جزءاً من الثقافة العسكرية ولا السياسية في العراق، كما يقول ضابط مخابرات عراقي يعمل مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) أنه لديه شعور بأن جماعة متطرفة هي التي نفذت العملية حتى لو كان تمويلها ودعمها من جانب طرف آخر، ولكن في شوارع بغداد تشير الكثير من الأصابع إلى تنظيم القاعدة بل إن هناك مصدراً أمنياً عراقياً زعم أن هناك أكثر من 300 متعاطف مع القاعدة في العراق، وأن بعضهم تخرج من ثلاثة معسكرات لتدريب الإرهابيين موجودة بالقرب من كركوك وكربلاء، يقول كريم السبتي صاحب معرض أعمال فنية في بغداد إن أعضاء القاعدة هم وحدهم الذين يتمتعون بالقسوة الكافية لاستهداف المدنيين، أما البعثيين وفدائيي صدام فإنه يمكن أن تتوقع منهم مهاجمة الأمريكيين فقط.
تنظيم القاعدة بالتأكيد هدد الأمم المتحدة من قبل في رسالة من أسامة بن لادن زعيم التنظيم في نوفمبر عام 2001، ولكن العلمانيين الموالين لصدام حسين يحملون تاريخاً طويلاً من كراهية الأمم المتحدة، بسبب العقوبات التي فرضتها المنظمة الدولية على بلادهم لمدة 12عاما.
ويقول أحد مسئولي المخابرات العراقية السابقة إن جهاز المخابرات أعد دراسة في أيام صدام حسين حول كيفية ضرب أهداف تابعة للأمم المتحدة في منطقة كردستان شمال العراق لذلك فإن مهمة القوات الأمريكية في تحقيق الأمن في العراق في ظل كل هذه الاحتمالات الغزيرة تصبح شديدة الصعوبة.
وفي حوار مع مجلة (تايم) الأمريكية رفض وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد الفكرة التي تقول إن علاج الموقف الأمني في العراق يمكن أن يتم ببساطة بإرسال المزيد من القوات الأمريكية إلى هناك، كما أن القائد الجديد للقيادة المركزية الأمريكية التي تقود القوات في العراق الجنرال جون أبو زيد يقول إن وزيرالدفاع رامسفيلد مصر على أن عدد القوات الموجود في العراق كاف تماما، ولكن كلاً من رامسفيلد وأبي زيد يريدان زيادة عدد العراقيين العاملين في المؤسسات الأمنية والعسكرية التي ينشئها الاحتلال، وكذلك زيادة مساهمة الدول الأخرى في الوجود العسكري بالعراق.
قرار خاطئ!
يقول رامسفيلد إن هناك حاجة بالفعل لزيادة عدد القوات العسكرية في العراق وهناك حاجة إلى منحها المزيد من السمة الدولية والحقيقة أن سلطات الاحتلال الأمريكي سرحت الجيش العراقي بعد احتلال بغداد بناء على توصية الحاكم الأمريكي للعراق، وهو القرار الذي يقول عنه الكثير من المسئولين الأمريكيين في أحاديثهم الخاصة أنه كان قراراً خاطئاً، لأنه أدى إلى تفكيك مؤسسة عسكرية محترفة، وفي الوقت نفسه أدى إلى انتشار السلاح بصورة رهيبة في كل أنحاء العراق ويتفق الجنرال المتقاعد أنطوني زيني القائد الأسبق للقيادة المركزية الأمريكية مع هذا الرأي، فيقول إنه كان يجب بالفعل قطع رأس الجيش العراقي مع استمرارالاحتفاظ بالجنود وصغار الضباط في الخدمة للعمل مع قوات الاحتلال وأن تسريح الجيش دفع بالمزيد من العراقيين إلى الشارع الغاضب بأقصى سرعة ممكنة.
دور مجلس الحكم
وإذا كان إعطاء وجه عراقي للقوات العسكرية في العراق هدفا يستحق، فربما كان من الأسهل إعطاء الاحتلال وجها عراقيا لو كان مجلس الحكم الانتقالي الذي شكلته سلطات الاحتلال أكثر استعدادا لتولي القيادة، ولكن هذا المجلس مازال حتى الآن يثير الإحباط بسبب الانقسامات التي تسيطر عليه وعجزه عن تحمل مسئولياته، يقول مسئول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية، إن المشكلة هي أن هؤلاء الأشخاص ظلوا على مدى أكثر من ثلاثين عاما بعيدين عن السلطة، وبالتالي فإنهم لم يعتادوا بعد على ممارسة السلطة.
الهدف الثاني لرامسفيلد يتمثل في إشراك المزيد من القوات الأجنبية في احتلال العراق، ومن الواضح أن تحقيق مثل هذا الهدف لن يكون سهلا فمن المقرر أن تتولى قوة دولية بقيادة بولندا العمل في جنوب العاصمة بغداد قريبا ولكن الولايات المتحدة مازالت تريد مشاركة دول كبرى مثل الهند وباكستان وتركيا حيث تمتلك مثل هذه الدول جيوش ذات كفاءة عالية كماً وكيفا كما أن دولتين منها وهما باكستان وتركيا دولتان إسلاميتان ولكن حتى الآن فإن بريطانيا وأمريكا هما فقط قوتا الاحتلال في العراق ومن غير المحتمل أن ترسل دول العالم المنتظر أن ترسل قواتها إلى العراق بدون حصول الأمم المتحدة على دور أكبر في إدارة الشأن العراقي، وكانت الإدارة الأمريكية قد بدأت بعد تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد طرح مشروع قرار جديد على مجلس الأمن الدولي يدعو الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لزيادة مساعدتها للاحتلال الأمريكي في العراق، ولكن واشنطن مازالت مصرة على رفض منح الأمم المتحدة أي سلطة شرعية في العراق، وقال مسئول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية إن الوقت الآن ليس وقت المزيد من المناقشات النظرية حول من هو المسئول في العراق، وربما يكون هذا المسئول على حق ولكن بدون مثل هذه المناقشة التي يسخر منها لن تتمكن أمريكا من الحصول على القرار الذي تتطلع إليه وكان الفرنسيون قد أكدوا بوضوح أنه بدون أن تتخلى أمريكا عن جزء من السلطة في العراق للأمم المتحدة فلن تصدر أي قرارات جديدة، ونقلت مجلة تايم الأمريكية عن مسئول فرنسي رفيع المستوى قوله أنه على المدى الوسيط من مصلحة كل الأطراف البدء في التفكير في كيفية زيادة حجم القوات الدولية التي يمكن إرسالها إلى العراق، ولكن حتى لو أرسلت كل دول العالم أفضل قواتها إلى العراق فستظل المهمة شاقة، فكما قال الميجور جنرال راي أديرنو قائد الفرقة الرابعة مشاة الأمريكية التي تحتل وسط وشمال العراق في يوليو الماضي فإن الصراع في العراق تحول إلى نموذج كلاسيكي لما يقول عنه المفكرون العسكريون (الحرب غير النظامية) والتي تشن فيها الأطراف الأضعف الحرب ضد الأطراف الأقوى، وليس العكس، وقال أدرينو إن المقاومة تستهدف الأهداف الأضعف في القوات الأمريكية وتنفذ عمليات أقرب ما تكون إلى الأنشطة الإرهابية، وواصل الرجل تنبؤاته في يوليو الماضي فقال إن هؤلاء الضعفاء سوف يتجهون بعد ذلك إلى أشياء من قبيل السيارات المفخخة والعمليات الاستشهادية، وفي مثل هذه المعارك تكون المبادرة دائما في يد المهاجمين ولهذا السبب يصر وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد على الزعم بأن المقاومة العراقية إرهاب، ولكن المشكلة الحقيقية التي تواجه جميع الجيوش التي تتعرض لحرب عصابات هي أن أغلب عمليات البحث عن المتمردين وتدمير قواعدهم تتم في مناطق سكنية وهو ما يؤدي إلى خسارة قلوب وعقول الشعب العراقي وهو أهم ما تحتاج إليه أمريكا في العراق، ربما يردد المسئولون الأمريكيون ما قاله أحد مسئولي البيت الأبيض: إننا اكثر سعادة الآن لأن الجدل الذي ستشهده معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكيةعام 2004 سوف يدور عما إذا كان قرار شن الحرب ضد العراق صواباً أم لا ولكن هؤلاء المسئولين يتجاهلون حقيقة أن استمرار نزيف خسائر الأمريكيين في العراق يمكن أن يقلب المائدة على رأس بوش.
جدارة دي ميللو
يقول مسئول أمريكي رفيع المستوى ومقرب من الملف العراقي إن الصراع في العراق تحول إلى حرب غير نظامية ولا يمكن لأمريكا أن تنتصر فيها ويضيف أنه لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع حاليا وأنه ليس وحده الذي يؤمن بهذا الرأي، وهناك بالقطع حل سياسي يمثل بديلاً يمكن تبنيه، وهو النقل التدريجي للسلطة إلى مجلس الحكم العراقي، ووضع دستور جديد، وتشكيل جهاز شرطة نزيه، وإقامة سلطة قضائية وبيروقراطية، ثم إجراء انتخابات عامة في الوقت المناسب، وهذا يعني القدرة على استخدام كل الإمكانيات الخاصة بالأطراف الدولية الأخرى، مثل الأمم المتحدة، ومنظمات الإغاثة، والمساعدة الدولية والمنظمات غير الحكومية، لمساعدة العراقيين في بناء مجتمعهم الجديد، والمأساة فيما حدث الأيام الماضية هي أنه لم يكن هناك في العالم رجل يمكنه القيام بكل هذا أفضل من مبعوث الأمم المتحدة الراحل سيرجيو فييرا دي ميللو.
يقول مارك برون مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن آخر شيء كان دي ميللو يريده قبل موته من تسليم الولايات المتحدة السلطة في العراق للأمم المتحدة، هو نقل هذه السلطة للعراقيين في أقرب وقت ممكن، أما السفير الأمريكي السابق في الأمم المتحدة ريتشارد هولبرك فيقول إن ما يزيد من مأساة موت دي ميللو ليس كون الرجل يتمتع بشخصية (كارزماتية) ولكن لأنه كانت لديه خبرة كبيرة في التعامل مع مناطق الصراع في العالم، من خلال حياته العملية في الأمم المتحدة، والتي امتدت إلى حوالي ثلاثين عاما، تنقل خلالها بين أغلب نقاط الصراع في العالم، حيث أظهر قدرات نادرة على حل هذه الصراعات.
يقول هولبروك إن الرجل كان يتمتع بمهارتين لا تجدهما عادة في شخص واحد، وهما قدرة فائقة على إيجاد اتفاق عام بين مختلف أطراف أي صراع، وصعوبة خضوعه للسيطرة في نفس الوقت، ولكن الرجل قد ذهب إلى غير رجعة.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|