كثيرون آخرون يقبلون عليها لأنها، بالنسبة إليهم، ترفيه لا جدوى منه. فكل يوم، من البحرين إلى الصين ومن جنوب أفريقيا الى البرازيل، ملايين الناس تدخل الأفلام المتوفّرة. تشاهد وتضحك وتبكي وتفرح وتحزن وتُثار، وربما تضجر أو تتحمّس أو تفتر وتتعلّم (إذا كان الفيلم جيّداً).
في مقابل هذه الكثرة الغالبة، هناك فريقان أصغر حجماً في أيامنا هذه. الفريق الذي يرى السينما من منظور متحفّظ فهي برمّتها عديمة الجدوى وقليلة الشأن وترفاً لا قيمة له، والفريق الذي يراها مثل النار في المقود تستطيع أن تستخدمها لشتّى الأغراض لكن لا غنى عنها للطبخ.
وما هي هذه الطبخة؟
الفائدة التي يوفّرها الفن السينمائي تمتد لتشمل كل ناحية من نواحي حياتنا. فمثلاً عبر السينما فقط تمكّن المخرج والمنتج الراحل مصطفى العقّاد تقديم فيلمه الرائع عن الإسلام فاتحاً باب المعرفة أمام الغربيين الذين لم يفقهوا قبل ذلك شيئاً عن حقيقته. وعبر السينما تستطيع أن تغيّر مفهوم الآخرين اليك، وعبرها أيضاً تستطيع أن تتواصل على نحو متساو لا غالب فيه ولا مغلوب. وعبرها تستطيع أن تفيد المواطن بالعبرة وبالحكمة، وإن لم يكن فبالاطلاع على الثقافات العالمية وإن لم يكن فبالرقي في تداول الحكايات والمواضيع.
وليس هناك جانباً من الحياة يخلو من النسبية في هذا المجال. حتى الماء التي هي سبب كل عيش، تنقلب سبباً للموت والكوارث حين تفيض. على الرغم من ذلك، هناك من يعتبر السينما كلها خطأ وضلالاً وينظر إليها كما لو كانت بؤرة متأصّلة من الفساد المبطّن. وهذا البعض موجود في العديد من أنحاء العالم. مع مطلع القرن الماضي هاجم الروس صالات عرض على اعتبار أن السينما معادية للدين. وحين احترقت دار عرض فرنسية بفعل سيغارة هبّ المغالون هناك يلومون السينما ويصفونها باللعنة. هل ظلمنا السينما؟. نعم، وربما قد ظلمنا وظلمنا أشياء كثيرة في حياتنا مازالت قادرة على أن تلعب الدور الإيجابي المطلوب منها. وإذا لم تكن السينما في بلادنا قد تمكنت في العشرين سنة الأخيرة من تغيير المفهوم العام تجاهها كترفيه مسطّح فاللوم على الواقف خلف الكاميرا وليس عليها.