* إعداد - محمد رضا
يستطيع المتابعون لفيلم (بلديّون)، إخراج رشيد بو شارب، التعرّف على نمط من الأفلام المهمّة النادرة في سماء السينما العربية. ليس فقط أن الفيلم سجّل نجاحاً نقدياً وتجارياً كبيراً في عروضه المختلفة، سواء على شاشات المهرجانات (عرض مؤخراً في مهرجان دبي السينمائي ضمن المسابقة)، أو على الشاشات التجارية في أوروبا وسواها، بل سجّل نوعاً من السابقة كونه فيلماً عربياً تدور رحاه على أرض أوروبية بممثلين وشخصيات عربية.
في الجانب الأول، جانب العروض السينمائية، جاب الفيلم الصالات في فرنسا وسويسرا والولايات المتحدة وكندا وهولندا، وبلجيكا وسنغافورا والمغرب والسويد وإسبانيا وبريطانيا وذلك حسب توالي تواريخ عروضه. وإذ بلغت كلفته نحو 15 مليون يورو فإن إيراداته الرسمية الشاملة التي لم تعلن حتى الآن زادت عن هذا الرقم كون عدد التذاكر المباعة منه في فرنسا وحدها من منتصف أكتوبر حتى نهاية نوفمبر زاد عن عشرين مليون تذكرة (علما بأن سعر التذكرة يصل الى أكثر من عشرة يورو).
في الجانب الثاني، قليلة هي الأفلام العربية ذات الحجم الدرامي الكبير الذي يتطلّب بالتالي إنتاجاً مناسباً في الحجم والإمكانيات. آخر مرّة أقدمت فيها السينمات العربية على مثل هذه الأعمال كانت أيام الراحل مصطفى العقاد عبر (الرسالة) وفيلم (عمر المختار) ليتبعه صلاح أبو سيف في (القادسية) ومحمد شكري جميل في (المسألة الكبرى). وبالطبع بعض أفلام يوسف شاهين، وفي مقدّمتها (المصير) سعت الى ذات المنوال من الإنتاجات ولو أن حكاياتها كانت ذاتية مغطّاة بالثوب التاريخي.
مسببات
من ناحية ثالثة، فإن (بلديّون) فيلم نادر من حيث إنه إنتاج مشترك لا بين بلد عربي وفرنسا بالطبع، فمعظم ما ينتج في المغرب وتونس والجزائر ولبنان صار من هذه النوعية، بل من حيث إنه يحمل هويّة مغربية - جزائرية، أي تعاون بلدان في إنتاجه الى جانب التمويل الرئيسي الذي جاء من فرنسا. فيلم آخر من هذا النوع هو الفيلم الجزائري - التونسي (بركات) لكن الفارق بين الفيلمين أن (بركات) تكلّف ما أنفقه فيلم (بلديون) في يوم واحد من أيام العمل عليه. الحاصل هو أنه لا توجد إنتاجات عربية - عربية إلا نادراً. وهذه الندرة بدورها تضمحل لأن التجارب، يقولون لك، تؤكد استحالة الجمع أو العمل بين بلدين عربيين عبر مجتمع كل منهما السينمائي.
طبعاً هناك الفيلم الأخير لدريد لحّام والفيلم الجديد لعبد الله المحيسن وكلاهما جمع مواهب عربية مختلفة وهما كسر لهذه القاعدة، لكنها قاعدة متمكّنة لا تتأثر بسهولة وذلك للأسباب والعناصر التالية:
1- السينما المصرية اعتادت على أن تثق بقدراتها الخاصة ومنوالها في العمل ولا ترى أنها في حاجة الى التعاون من الناحية الإنتاجية مع أحد.
2- منتجو السينمات العربية مرتاحون بدورهم إلى السينما المحلية. لماذا على منتج يسعى لإبرام عقد مع نانسي عجرم السعي لجلب أي صاحب خبرة أخرى من بلد آخر؟ ألا يكفي نانسي عجرم، كنجمة، لأن تحل بديلاً لحاجة أي فيلم تقوم بتمثيله على استقدام عناصر أخرى؟
3- إذا ما تم بحث إنتاج لبناني - مصري أو كويتي - تونسي أو إماراتي - مغربي فإن عراقيل من نوع البحث عن الموضوع المناسب والطاقات الملائمة والمنافع الاستثمارية المجزية تعترض طريق هذا البحث. ماذا نصوّر؟ أين نصوّر؟ من نصوّر؟ وهكذا.
الباب المفتوح
الذي سبق قوله، كما تحاول هذه الكلمات الإيحاء به، (مفبرك) وفي أفضل الأحوال حجج غير مقنعة. فليس هناك في نهاية المطاف ما يمنع من تحقيق إنتاج عربي - عربي إلا المنتجون الذين ليس لديهم آفاقً واسعة ولا طموحات عالية.
ولا يفيدهم كثيراً ملاحظة حركة الإنتاجيات الأوروبية (ولا العالمية): عدوّا الأمس اللدودان اليابان وكوريا ينتجان الآن أفلاماً مشتركة. كذلك اليابان والصين. وأوروبياً بريطانيا وإسبانيا، إيطاليا والسويد، البلاد الاسكندنافية معاً وفرنسا مع كل بلد في العالم تقريباً. فما المانع الفعلي إذاً من أن يكون هناك تعامل بين المنتجين العرب؟
ربما هو الشعور بالقدر المؤذي من الكبرياء والنرجسية. وربما هو الافتقار إلى الغاية ثم إلى الخطّة ثم إلى العزيمة. وربما الاثنين معاً. مهما يكن، فإن الباب مفتوح على مصراعيه لمثل هذا العمل ويجب أن يبقى كذلك إلى أن يصبح الخيار الأول الذي تقدم عليه السينمات العربية كافّة.