|
مجلة الجزيرة ومتاعبها
|
قيل قديماً، إن الصحافة هي مهنة المتاعب..
ولم يخطىء، بل أصاب، من عرَّفها بذلك..
فهي بحق ذات تعب، ولكنه تعبٌ لذيذ..
وهي لمن مارسها، يستحيل عليه أن يبحث عن بديلٍ لها..
كما يستحيل على من ينتسب لها أن يضبط ساعات عمله فيها..
وأن يتنبأ بمستقبله فيها، طالما هي خياره واختياره..
ألم يقل قائلهم: «إنها مهنة المتاعب»؟
***
الصحافة، عالمٌ من الأضواء «والفلاشات» لمن يحب الظهور عامداً متعمداً، ولمن تجبره هي لا هو، قسراً على ذلك..
والصحافة، إشراقة جميلة لكل ذوي الطموح والمبدعين والنابهين، وهي كذلك مع غيرهم في مجالات أخرى..
الصحافة، دليلك للتعرُّف على الجميل وضده، على المدَّعي ونقيضه. إنها باختصار مَنْ تقوم ب«فلترة» هؤلاء وأولئك لقرائها.
***
وهي لهذا، فتعبها ليس لمن يعمل فيها فحسب، بل إن مثل هذا التعب قد يمتدُّ إلى من يتعامل معها أو يقترب منها أيضاً..
بعض هذا التعب قد يكون مشوِّقاً..
أحياناً تبحث عن مزيدٍ منه..
وبعضه تتمنى لو لم تكن ضمن عالمه.
***
ومجلة الجزيرة، جزء من هذا التعب اللذيذ الذي أعنيه..
إنها ضمن هذا الجو، داخل هذا العالم المجنون..
فأسرة تحريرها عددها جِدُّ قليل..
ولدى جميع أعضاء هذا الفريق التزامات أخرى كثيرة..
بما يغنيهم عن هذا الصداع الجميل..
لأنه لا مزيد من الوقت ولا مساحة من الفراغ تتيح لهم القيام بمثل هذا العمل..
بإصدار مجلة بهذا المستوى..
لكنه البحث عن المتاعب..
ضمن الحرص على القارىء..
وصولاً إلى النجاح الذي ننشده جميعاً..
خالد المالك
|
|
|
جورج هيجنز ومشكلة الإنتاج الخصبة
|
«لا أحد يطلب منك أن تكتب، ولا أحد يهتم عندما تتوقف عن الكتابة» هذاما قاله جورج هيجينز لطلبته الذين يدرسون مقررا في الكتابة الابداعية في جامعة بوسطن .
توقف هيجينز عن الكتابة قبل ثلاث سنوات وعندما توفي فجأة عن عمر يناهز التاسعة والخمسين لم يعرف أحد بموته.
الشهرة الأدبية مضحكة أحيانا فقد ترتفع أسهم كاتب وقد تنخفض حسب مزاج الزمن الذي يعيشه.
جاذبية هيمنجوي في أعماله الأدبية في العشرينيات والثلاثينيات بدأت بالتراجع عندما ظهرت حركات التحرر النسائية في السبعينيات وعند انحسارالامبريالية بدا صوت الأديب روديارد كيبلنق كما لو كان من كوكب آخر.
وهنري جيمس كان كاتبا يحبه فقط أستاذ اللغة الانجليزية في الجامعة ثم حولته أفلام «التاجر العاجي» الى مجرد ... مجرد كاتب عادي.
دونالد هول وهو شاعر وكاتب قصة قصيرة أمضى كثيرا من تفكيره في مناقشة مشكلة الصعود والهبوط في الشهرة الأدبية حيث يقول: صحيح أن الشهرة الأدبية قد تخفت أحيانا فلو فكرت مثلا بأرشبالد ماكليش . عندما كنت صغيرا كان اسما سحريا لامعا . لكن الآن قد لا تجده أبدا في المجموعات المختارة الأدبية. أنا لا أعرف أحدا يقرأ له الآن.
بعض الكتاب يتمتعون بحصانة أو مناعة أزلية من النقاد لأن النقاد يخافون من توبيخ هؤلاء الكتاب أو من مريديهم.
ويذكر دونالد هول أن الكاتب روبرت لويل يعتبر مثالا على هذا فديوانه الشعري الأخير كان سيئا جدا لكن الناس كانوا خائفين منه. والآن لا تسمع اسمه كثيرا. لكنه شاعر قوي وعظيم عندما يكون في أحسن حالاته وأعتقد أنه سيعود يوما . لكن هل سيعود هيجينز ؟ هذا ما نتمناه نحن . لكن البوادر ليست مشجعة.
حاول أن تبحث عن كتاب له في أي مكتبة يمكنها أن تحدد الأدباء الذين يقبل أو لايقبل عليهم الناس هذه الأيام . حاول أن تتذكر المرة الأخيرة الذي تحدث بها أي أحد عن هيجنز.
ليس من الغريب أن يبقى هيجنز جزءا مهما من الجدل الثقافي الدائر في بوسطن.
كان هيجنز في حياته ورسائله نشيطا وقد كتب على نحو رئيسي عن العالم السفلي. لهذا فان هبوط أسهمه نتجت بسبب هبوط أسهم الكتابة الأدبية المتخصصة بشكل عام . لكن هيجنز كان أكثر من ذلك . عندما ظهر في الساحة الأدبية قبل ثلاثين سنة بكتابه «أصدقاء إدي كويل» أثبت على نحو لا يضاهى نجاحه في تحويل الحياة الوضيعة الى أسلوب راق جميل . لا أحد استطاع أن يقدم تصويرا اجتماعيا عاقلا وذكيا أفضل من هيجنز. كان انسانا فقيرا من بوسطن. لا أحد ينكر أن شهرة هيجنز قد انحدرت قبل وفاته أو يعتقد الكثير أن كتبه الأخيرة لم تكن بذلك الاقناع . لكني أعتقد أنه قد وقع كضحية للجزاء الظالم الذي يطبق على كل كاتب خصب وكثير الانتاج.
نحن نقدس أولئك الذين يجعلونا ننتظر انتاجهم لكن لا أحد ينتظر طويلا لكتاب هيجنز القادم . لقد كتب 26رواية وأربعة كتب نثرية.
كتابي المفضل هو كتابه الثالث «تجارة كوقان» قرأته في عام 1978 عندما كنت أعيش في زاوية من شارع الكومنولث حيث تحدث الكتاب عن حدث رئيسي في ذلك الشارع. أتذكر كيف كنت أنظر من النافذة والكتاب في يدي وأحس بذلك الشعور المشجع عندما يلتقي الأدب مع الحياة.
كان هيجنز ملء السمع والبصر آنذاك. كنت أذهب الى ذلك الركن في الساعة الثانية صباحا لكي أشتري جريدة هيرالد أميريكان فقط لكي أقرأ عموده الذي يكتبه ست مرات في الأسبوع . هذا بالاضافة الى كتبه . لقد احتل هيجنز جزءا كبيرا من وعيي الأدبي كما يفعل عادة الكتاب العظام. بكلمات أخرى . لقد أنهى هيجنز محاضرته تلك في جامعة بوسطن مخبرا طلابه قائلا: حتى لو نجحت فلن يلاحظ ذلك أحد. انه عمل صعب لا يرحم نعم ان ذلك صحيح . لكن دعونا نأمل أن يحصل هذا الكاتب الرائع على تقدير الأجيال القادمة.
دون اكوين بوسطن قلوب
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|