|
مجلة الجزيرة ومتاعبها
|
قيل قديماً، إن الصحافة هي مهنة المتاعب..
ولم يخطىء، بل أصاب، من عرَّفها بذلك..
فهي بحق ذات تعب، ولكنه تعبٌ لذيذ..
وهي لمن مارسها، يستحيل عليه أن يبحث عن بديلٍ لها..
كما يستحيل على من ينتسب لها أن يضبط ساعات عمله فيها..
وأن يتنبأ بمستقبله فيها، طالما هي خياره واختياره..
ألم يقل قائلهم: «إنها مهنة المتاعب»؟
***
الصحافة، عالمٌ من الأضواء «والفلاشات» لمن يحب الظهور عامداً متعمداً، ولمن تجبره هي لا هو، قسراً على ذلك..
والصحافة، إشراقة جميلة لكل ذوي الطموح والمبدعين والنابهين، وهي كذلك مع غيرهم في مجالات أخرى..
الصحافة، دليلك للتعرُّف على الجميل وضده، على المدَّعي ونقيضه. إنها باختصار مَنْ تقوم ب«فلترة» هؤلاء وأولئك لقرائها.
***
وهي لهذا، فتعبها ليس لمن يعمل فيها فحسب، بل إن مثل هذا التعب قد يمتدُّ إلى من يتعامل معها أو يقترب منها أيضاً..
بعض هذا التعب قد يكون مشوِّقاً..
أحياناً تبحث عن مزيدٍ منه..
وبعضه تتمنى لو لم تكن ضمن عالمه.
***
ومجلة الجزيرة، جزء من هذا التعب اللذيذ الذي أعنيه..
إنها ضمن هذا الجو، داخل هذا العالم المجنون..
فأسرة تحريرها عددها جِدُّ قليل..
ولدى جميع أعضاء هذا الفريق التزامات أخرى كثيرة..
بما يغنيهم عن هذا الصداع الجميل..
لأنه لا مزيد من الوقت ولا مساحة من الفراغ تتيح لهم القيام بمثل هذا العمل..
بإصدار مجلة بهذا المستوى..
لكنه البحث عن المتاعب..
ضمن الحرص على القارىء..
وصولاً إلى النجاح الذي ننشده جميعاً..
خالد المالك
|
|
|
قصة المرض والمساعي الدؤوبة لكبح جماحه د. الخضيري: مناخ الإصابة يتهيأ بهذه المطفرات والمسرطنات
|
* الرياض «مجلة الجزيرة»:
بينما ترتفع وتيرة الحديث عن (المطفرات) و(المسرطنات) بعد أن أصبحت جزءاً من قاموس الناس، ترتفع أيضاً الأسئلة عن كنه هذه المصطلحات ومعانيها العميقة، نعم المطفرات هي المواد التي تسبب إحداث طفرات وراثية في المادة الوراثية للإنسان، لكن هذه المواد، إما أن تكون مواد طبيعية من البيئة المحيطة مثل الإشعاع الصادر من بعض طبقات الأرض كالرادون أو الأشعة فوق البنفسجية من الإشعاع الشمسي أو مواد كيماوية، توجد طبيعياً في المياه والتربة أو تنتج بسبب بعض التفاعلات الكيميائية التي تحدث طبيعياً بين المكونات الطبيعية للبنية المحيطة بنا.
هذا ما أكده الدكتور فهد محمد الخضيري عالم الأبحاث في وحدة الأبحاث السرطانية بمركز الأبحاث بالمستشفى التخصصي في الرياض، والذي يضيف قائلاً: ل«مجلة الجزيرة» عن المسرطنات بأنها المواد التي تسبب السرطان وهي أيضاً من المطفرات.
أما الطفرة الوراثية يضيف د. الخضيري فهي حصول تغير في التركيب الدقيق لسلسلة الأحماض النووية المكونة للجينات داخل الكروموسوم الذي يكون المادة الوراثية للكائنات الحية.
* كيف يحدث السرطان؟
السرطان هو عبارة عن إنقسام عشوائي للخلايا السليمة وهذا الانقسام عادة ما يتم التحكم به عن طريق جينات معينة وظيفتها اعطاء الأوامر للخلايا بالانقسام اذا كان الجسم يحتاج إلى زيادة عدد الخلايا كما في مرحلة الطفولة أو وجود جرح يحتاج إلى خلايا تعويضية أو إنقسام خلايا الدم البيضاء المناعية التي يحتاجها الجسم بكثرة في حالة وجود التهابات.. وغيرها من الحالات التي يحتاج الجسم فيها إلى تكاثر خلوي أما حينما لا يحتاج الجسم إلى ذلك التكاثر الخلوي فان تلك الجينات المسؤولة عن الانقسام تعطي أوامر بمنع الإنقسام الخلوي حتى إشعار آخر وهذا يسمى نظام التحكم بالانقسام الخلوي. واذا حصل خلل في نظام التحكم بالانقسام الخلوي فان الخلايا تأخذ بالانقسام المتكرر عشوائياً بدون حاجة لذلك حتى يتكون لدينا كمية كبيرة جداً من الخلايا التي لا حاجة لها فينتج الورم السرطاني ويؤثر هذا الورم على أعضاء الجسم الأخرى ووظائفها، وهذه هي قصة حدوث السرطان.
* هل حدوث أي طفرة يعني حدوث سرطان؟ وهل جميع الطفرات مسرطنات؟
من المعلوم أن الجسم يحتوي على جينات عديدة تصل إلى المئات بل إلى الآلاف وكل جين له وظيفة معينة، فهناك جين مسؤول عن لون البشرة مثلاً وآخر عن لون الشعر وجين مسؤول عن شكل الأنف وجين مسؤول عن الطول وجين مسؤول عن العظام وآخر عن الدم وجينات مسؤولة عن الانقسام الخلوي وجينات عن السلوك وهكذا.. فإذا حصلت تلك الطفرة في الجينات المسؤولة عن العظام أصبح هناك مرض وراثي يتعلق بالعظام وإذا صادفت تلك الطفرة جيناً مسؤولاً عن البصر أصبح هناك مشكلة وراثية في البصر وهكذا كل جين يحصل فيه طفرة يكون هناك تأثير على وظيفة العضو الذي ينتمي إليه الجين وهكذا..
الخلل والطفرة
* هل حدوث الخلل والطفرة يعني حدوث المرض؟
عندما تحصل طفرة وراثية يبدأ الجسم وعبر أجهزة وأنظمة وضعها الله في خلاياه بالكشف عن الخلل والطفرة ويقوم باصلاحها فوراً ويحصل في الجسم عشرات أو مئات الطفرات يومياً ولكن الجسم يقوم باصلاحها دائماً وإذا اخفق جهاز الكشف عن اكتشاف الطفرة يتم عجز جهاز اصلاح الخلل الوراثي عن الاصلاح، فإن هناك نظاماً آخر يجعل الجسم يتغاضى عن تلك الخلية عن طريق ما يسمى الموت المبرمج للخلايا فان تجاوزت تلك الخلية المتطفرة جميع تلك الأنظمة استمرت بالانقسام وسببت المرض الوراثي، وان كانت الطفرة في الجينات المسؤولة عن الانقسام حصل السرطان.
* ما هي مسببات الطفرات الوراثية والتي تكون من مسببات السرطان؟
هناك مواد كثيرة جداً أثبتت بعض الأبحاث الطبية أنها مسببة للطفرات وبعضها قد يكون مسبباً للسرطان بصفة خاصة إذ انه قد يكون تأثيره مباشرة على الجينات المسؤولة عن الانقسام الخلوي، ومن هذه المواد:
1 التدخين: وبه مواد مطفرة كثيرة منها النيكوتين والقطران (القار) ومواد أخرى تنشأ بسبب احتراق التبغ واللفائف المحيطة به ويقصد بالتدخين هنا جميع أنواعه كالسيجارة والشيشة والتبغ الممضوغ.. وقد أثبتت دراسات احصائية أن 85% من مرضى سرطان الرئة هم من المدخنين.
2 بعض مشتقات البترول والمواد الناجمة عن عوادم المحركات والاجهزة التي تعمل بالوقود المحترق.
3 مواد صناعية كيميائية تدخل في الأغذية كالمنكهات الصناعية والألوان الصناعية والمواد الحافظة.
4 مواد تنشأ طبيعيا نتجية تفاعلات تحدث تلقائيا في البيئة المحيطة بين الاشعاع الشمسي والمياه والمخلفات الصناعية والمنزلية والأدخنة.
5 الاطعمة المدخنة او المشوية تحوي مواد غذائية محترقة خصوصا على اسطح المواد المشوية.
6 بعض المواد التي تستخدم شعبيا سواء للعلاج او لعادة اجتماعية معينة وهذه المواد غالبا ما تكمن الخطورة بتراكيزها العالية وجرعاتها غير المدروسة.
7 التعرض للاشعاع سواء التعرض الطويل لاشعة الشمس العادية في اوقات معينة واوضاع خاصة أو التعرض للاشعة التشخيصية والعلاجية بجرعات عالية متعددة لفترات متقاربة وعدم اشراف طبي شامل.
8 تعاطي مواد خطيرة على الصحة كالمخدرات والمسكرات التي دائما ما يكون لها علاقة بسرطان المعدة والامعاء والقولون والكبد والرئة والدم وغيرها..
9 نقل دم من مريض بسرطان الدم او سرطانات اخرى ورغم ندرتها إلا انها ثابتة علميا، او نقل اعضاء من مريضي سرطان انتقالي مستشرٍ.
وخلاصة القول ان هذه المسببات لم يثبت علميا انها مسرطنات بطريقة مباشرة ولكن ثبت علميا انها مطفرات مباشرة وان لم يتم اصلاح تلك المطفرات يحدث المرض حسب وظيفة الجين الذي حدثت به الطفرة، فان كان من الجينات المسؤولة عن الانقسام الخلوي او جينات السرطان فانه قد يحدث سرطان.
* كيف تتم الأبحاث في مجال مسببات وعلاج السرطان؟
تجرى أبحاث عديدة في مجال السرطان فهناك أبحاث تعنى بالكشف عن المسرطنات الموجودة في البيئة المحيطة «ماء، تراب، هواء، مأكولات، مشروبات، مواد تنظيف، مواد كيميائية، صناعية، أدوية، أعشاب، منكهات، مواد حافظة، اصباغ، كيميائية».
أ ويتم البحث في مراحل متتابعة تشمل طرق حيوية وتجارب معملية ثم يتم استخدام بعض حيوانات التجارب أو كائنات حية وحيدة الخلية كالبكتريا وهكذا.
ب هناك مواد كيميائة معروفة بخطورتها وأنها تسبب السرطان عن طريق أبحاث سابقة وهنا يتم الكشف عن وجود تلك المواد في بعض المركبات أو الأغذية عن طريق أجهزة التحليل الكيميائي وفصل المكونات والتعرف عليها بواسطة مقارنتها مع مواد معروفة ومحددة بواسطة تلك الأجهزة وذلك بطرق علمية وعملية دقيقة. ويجدر الاشارة هنا إلى أنه لا يوجد جهاز يكشف عن مكونات أي مادة وفوائدها وأضرارها كما هو شائع بين العامة، ولكن الطرق المتبعة في تلك الأجهزة هي تحديد المادة المراد الكشف عنها ولتكن مثلا مادة بنزو أي بيرين BenzoPyren في خليط معين وبامرار مادة البنزو أي بيرين عبر الجهاز حيث يتعرف عليها الجهاز أولا ثم يسجل ذلك في ذاكرته ونقوم بعد ذلك بتمرير الخليط المراد الكشف عنه وهل توجد به تلك المادة أم لا فيجيب الجهاز على سؤال محدد فقط هل توجد تلك المادة أم لا ونسبة وجودها ولكنه لا يعطي معلومات عن أي مواد أخرى قد تكون موجودة في ذلك الخليط إلا عند اجراء نفس الخطوات السابقة وهكذا.
ج تجري أبحاث أخرى للكشف عن طبيعة احداث تلك المواد للسرطان وما الذي حصل داخل الخلية وما هو التغير الذي أدى بالخلية الى التسرطن، ويتم ذلك عبر سلسلة من التجارب العلمية التي تكشف عن مكونات المادة الوراثية الDNA وتحدد من التغيرات الوراثية التي حصلت وأدت الى ذلك التسرطن.
د تجري أبحاث متعددة على الخلايا لمعرفة الأسلوب الأمثل لعلاج بعض الحالات المتباينة من السرطان وتكون هذه الأبحاث إما على أدوية معروفة لتحديد الجرعة المناسبة أو أدوية تجري لمعرفة مقدار الجرعة ونسبة استجابة الخلايا لذلك وكذلك تجرى أبحاث على العلاج الاشعاعي ومقدار الأشعة التي تتحملها الخلايا، وفي مراحل متقدمة من الابحاث وبعد أن يتم التأكد من سلامة هذا الدواء داخل الجسم وهل تمت الاستفادة منه أم لا والايض الذي حدث له عن طريق فحص سوائل الجسم كالبول وعينة من الدم ومقارنة نسبة الدواء الذي دخل جسم المريض مع نسبة في سوائل الجسم كالدم والبول لمعرفة استجابة الجسم لهذا الدواء.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|