|
مجلة الجزيرة ومتاعبها
|
قيل قديماً، إن الصحافة هي مهنة المتاعب..
ولم يخطىء، بل أصاب، من عرَّفها بذلك..
فهي بحق ذات تعب، ولكنه تعبٌ لذيذ..
وهي لمن مارسها، يستحيل عليه أن يبحث عن بديلٍ لها..
كما يستحيل على من ينتسب لها أن يضبط ساعات عمله فيها..
وأن يتنبأ بمستقبله فيها، طالما هي خياره واختياره..
ألم يقل قائلهم: «إنها مهنة المتاعب»؟
***
الصحافة، عالمٌ من الأضواء «والفلاشات» لمن يحب الظهور عامداً متعمداً، ولمن تجبره هي لا هو، قسراً على ذلك..
والصحافة، إشراقة جميلة لكل ذوي الطموح والمبدعين والنابهين، وهي كذلك مع غيرهم في مجالات أخرى..
الصحافة، دليلك للتعرُّف على الجميل وضده، على المدَّعي ونقيضه. إنها باختصار مَنْ تقوم ب«فلترة» هؤلاء وأولئك لقرائها.
***
وهي لهذا، فتعبها ليس لمن يعمل فيها فحسب، بل إن مثل هذا التعب قد يمتدُّ إلى من يتعامل معها أو يقترب منها أيضاً..
بعض هذا التعب قد يكون مشوِّقاً..
أحياناً تبحث عن مزيدٍ منه..
وبعضه تتمنى لو لم تكن ضمن عالمه.
***
ومجلة الجزيرة، جزء من هذا التعب اللذيذ الذي أعنيه..
إنها ضمن هذا الجو، داخل هذا العالم المجنون..
فأسرة تحريرها عددها جِدُّ قليل..
ولدى جميع أعضاء هذا الفريق التزامات أخرى كثيرة..
بما يغنيهم عن هذا الصداع الجميل..
لأنه لا مزيد من الوقت ولا مساحة من الفراغ تتيح لهم القيام بمثل هذا العمل..
بإصدار مجلة بهذا المستوى..
لكنه البحث عن المتاعب..
ضمن الحرص على القارىء..
وصولاً إلى النجاح الذي ننشده جميعاً..
خالد المالك
|
|
|
حديث في عرين «الدب الروسي» عن صراع الجاسوسية كالوجين: «بذر الشقاق» بين الغربيين كان من صميم عمل المخابرات السوفيتية!!
|
إعداد: محمد يوسف
بدأت علاقة كالوجين بالعمل السري عام 1958، حين جندته المخابرات السوفيتية وهو بعد شاب في الرابعة والعشرين من عمره، وزرعته ضمن بعثات طلاب برنامج التبادل الثقافي مع الولايات المتحدة المعروف باسم السيناتور الراحل «ويليام فولبرايت» صاحب فكرة إنشائه.
بعد عودته لبلاده صعد نجمه في جهاز المخابرات حتى أصبح مديرا لإدارة مكافحة الجاسوسية بقطاع العمليات الخارجية برتبة لواء، ولعب دورا مركزيا في تنظيم وإدارة شبكة التجسس التي عرفت باسم العميل «جون ووكر»، حتى انتهت خدمته بالإقالة عام 1990 لإصراره على المطالبة بإصلاح وتطوير أساليب عمل الجهاز، وانتخب بعد سقوط الاتحاد السوفيتي نائبا في البرلمان الروسي لفترة قصيرة، وقد سجل معه هذا الحديث في برنامج تلفزيوني يتناول بعض جوانب صراع الجاسوسية خلال الحرب الباردة.
يكشف كالوجين من خلال هذا الحديث النقاب عن جملة أسرار لم يتطرق إليها أي فرد من قبل!!
يروي كالوجين أن التحاقه بالعمل السري جاء بمبادرة شخصية منه رغم اعتراض والده الذي كان ضابطا بجهاز (K.G.B). وأوضح أن قراره ذلك كان نتيجة الايمان بالنظام الشيوعي والقيم التي يمثلها، واعتقاده أن العمل في جهاز المخابرات السوفيتي شرف عظيم لأي شاب يحب وطنه ويسعى الى خدمته.
اختراق المجتمع الأمريكي
حول اختراقه لامريكا يقول: «تم تكليفي بثلاث مهام داخل «الولايات المتحده»، كانت أولاها عام 1958 حين التحقت بجامعة «كولومبيا» لدراسة الصحافة، وكانت طبيعة المهمة استطلاعية في الأساس، للتعرف على أساليب الحياة الأمريكية، وانشاء أكبر عدد ممكن من الصداقات والعلاقات، وتهيئة الظروف والبيئة المناسبة للعمل الحقيقي مستقبلا. ثم كانت المهمة المخابراتية الثانية عام (1960 1964)، تحت غطاء وظيفتي الجديدة كمراسل لراديو موسكو في الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وقمت خلالها بجمع المعلومات وتجنيد العملاء، خاصة من الشباب العاطفي المتحمس مثلي، حيث لم أكن وقتها قد تجاوزت الثلاثين «ويضيف» بعد ذلك كانت مهمتي الثالثة والأخيرة و أكثرها نجاحا في العاصمة «واشنطن» عام (19651970)، حيث عينت نائبا ثم مديرا لإدارة المخابرات السياسية، وكان يمكن أن تمتد مهمتي هذه لسنوات أخرى لولا انكشاف نشاطي المخابراتي بواسطة الصحفي الأمريكي المعروف جاك أندرسون». ويمضي الجاسوس القديم قائلا : كان غطائي في هذه المهمة، أو عملي الرسمي الظاهر، هو وظيفة السكرتير الصحفي للسفارة السوفيتية، ثم مسؤول العلاقات العامة بها، وقد نجحت خلال هذه السنوات الخمس الرائعة في زرع وتجنيد عشرات من العملاء الأمريكيين والأوروبيين في المحافل الصحفية والسياسية للعاصمة الأمريكية، ونجحت أيضا في اكتساب ثقتهم واحترامهم ببياناتي الصحفية المتقنة ومعلوماتي الدقيقة، رغم أنها لم تكن دائما صحيحة أو دقيقة بالمعنى الحرفي للكلمة. كما شهدت هذه الفترة أيضا نجاحنا في تأسيس وادارة العديد من شبكات التجسس الناجحة، ومنها عملية «جون ووكر» الذي استمر عمله في خدمتنا 18عاما كاملة (1967 1985)، بالإضافة الى شبكات أخرى اخترقت العديد من السفارات الغربيه في العاصمة الأمريكية، والمجتمع الصحفي و الأكاديمي، الى جانب القوات المسلحة ووزارة الدفاع بالطبع.
التفريق بين الحلفاء
وفيما يتعلق باهداف المخابرات السوفيتية يشير الى انها كانت تتعلق بتوفيرالإنذار المبكر للقيادة السوفيتية عن اي ازمات عسكرية محتملة. وكان ذلك ترجمة للمخاوف المرضية التي احتلت عقول وقلوب القادة السوفيت من احتمال تعرض بلادهم للهجوم من الغرب، ولذلك خصصت لهذا الأجهزة كل الموارد والامكانيات المطلوبة لأداء مهامها، غير أن الوجه الآخر لهذه المهمة الرسمية النبيلة، وربما الاكثر أهمية في رأيي، والذي يعتبر قلب وروح الفكر المخابراتي السوفيتي، كان يتمثل في مهمة أخرى موازية ومكملة. انه العمل المتصل والمنظم والمخطط للوقيعة أو «بذر بذور الشقاق» بين الحلفاء الغربيين، وبذل الجهود لتوهين المجتمعات الغربية ومنظماتها السياسية والعسكرية، خاصة حلف الناتو، وإضعاف المركز الادبي والثقة التي تحظى بها الولايات المتحدة في أذهان العالم، في أوروبا وآسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية، وجعلها هدفا تتجه إليه الشكوك والغضب والمشاعرالعدائية لهذه الشعوب في حالة نشوب الحرب.
سمعة من الدم
وفيما يتحدث عن ممارسات المخابرات السوفيتية بقوله انها سمعة من دم نترك للعميل السوفيتي القديم سرد ارائه حيث يقول: هذه حقيقة تاريخية لايمكن إنكارها، خاصة في عصر ستالين، الذي وصلت الممارسات القمعية والدموية خلاله الي أبعاد غير مسبوقة، بحيث يمكن القول بأن ما ارتكبه جهاز المخابرات الروسية من فظائع يفوق بكثير ما نسب الى جهاز «الجستابو» في العصر النازي، ليس فقط من حيث عدد الضحايا الذين تم اعتقالهم وتعذيبهم أو التنكيل بهم وقتلهم، بل من حيث السياسات الغاشمة التي اتبعت في الإيقاع بهم أو مطاردتهم، ويفتك بأي شخص يفكر في معارضة النظام أو توجهاته.
الإعدام غيابياً
في مقابل السجل الأسود لممارسات القتل الجماعي وعمليات الاغتيال التي اتسم بها عمل المخابرات السوفيتية في الداخل يمكن القول بأن سجلها في هذا المجال خارج حدود الاتحاد السوفيتي كان أقل سوءا، حيث اتسم بقدر كبيرمن التعقل في انتقاء أهدافه، وسأعرض هنا مثالا لكيفية انتخاب شخص أوهدف وادراجه على قوائم الاغتيال. التي تضمنت الأهداف التالية على الترتيب، بعد أن يحكم عليهم غيابيا بالاعدام:
المعارضون لسياسات النظام، مثل الزعيم المعارض «تروتسكي».
العناصر الناشطة من القوميين الاوكرانيين والمهاجرين الروس الذين حاربوا ضد النظام السوفيتي.
ضباط الجيش أوعملاء المخابرات الذين يفرون الى الغرب.
وقد كان من مهام جهاز مكافحة الجاسوسية الخارجية حين توليت رئاسته البحث عن هذه العناصر وتحديد أماكنها وجمع المعلومات عنها تمهيدا لاغتيالها، غيرأن تنفيذ عمليات الاغتيال نفسها كان من مسؤولية إدارات أخري، واذكر أن عدد «الأهداف» التي شاركنا في مطاردتها وتحديد مواقعها بلغ حوالي 36 هدفا، من بينهم ضباط جيش عاديون مثل القبطان «شادرين » قائد الطراد الذي فر من أسطول البلطيق ولجأ مع عشيقته الي السويد، وكان من الاهداف أيضا قادة سياسيون وزعماء دول تتولى تحديدهم اجهزة القيادة السوفيتية العليا، مثل شاه ايران الذي فشلت محاولتان قام بها الجهاز لاغتياله، بينما نجحت محاولة اغتيال رئيس الوزراء الافغاني في قصره عام 1979 في كابول، ويجدر بالذكرهنا أن المبالغات والشائعات التي أحاطت بأعمال الجهاز في هذه الفترة، ونسبت اليه محاولات اغتيال زعماء دول في الشرق والغرب (من بينهم بابا الفاتيكان نفسه) كانت كلها غير موضوعية ولاتستند الى أساس.
المخابرات الباردة
يمكنني هنا أن أقرر أن أجهزة المخابرات لم يكن لها دور يذكر في حسم الحرب الباردة لصالح الغرب، حيث حسمتها عوامل أخرى مثل القوة الاقتصادية، والتقدم التكنولوجي والتطورات السياسية، لكن النجاح الحقيقي لأجهزة وأعمال المخابرات يتمثل في رأيي في منع الحرب الباردة من التطور إلى حرب حقيقية ومدمرة.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|