|
مجلة الجزيرة ومتاعبها
|
قيل قديماً، إن الصحافة هي مهنة المتاعب..
ولم يخطىء، بل أصاب، من عرَّفها بذلك..
فهي بحق ذات تعب، ولكنه تعبٌ لذيذ..
وهي لمن مارسها، يستحيل عليه أن يبحث عن بديلٍ لها..
كما يستحيل على من ينتسب لها أن يضبط ساعات عمله فيها..
وأن يتنبأ بمستقبله فيها، طالما هي خياره واختياره..
ألم يقل قائلهم: «إنها مهنة المتاعب»؟
***
الصحافة، عالمٌ من الأضواء «والفلاشات» لمن يحب الظهور عامداً متعمداً، ولمن تجبره هي لا هو، قسراً على ذلك..
والصحافة، إشراقة جميلة لكل ذوي الطموح والمبدعين والنابهين، وهي كذلك مع غيرهم في مجالات أخرى..
الصحافة، دليلك للتعرُّف على الجميل وضده، على المدَّعي ونقيضه. إنها باختصار مَنْ تقوم ب«فلترة» هؤلاء وأولئك لقرائها.
***
وهي لهذا، فتعبها ليس لمن يعمل فيها فحسب، بل إن مثل هذا التعب قد يمتدُّ إلى من يتعامل معها أو يقترب منها أيضاً..
بعض هذا التعب قد يكون مشوِّقاً..
أحياناً تبحث عن مزيدٍ منه..
وبعضه تتمنى لو لم تكن ضمن عالمه.
***
ومجلة الجزيرة، جزء من هذا التعب اللذيذ الذي أعنيه..
إنها ضمن هذا الجو، داخل هذا العالم المجنون..
فأسرة تحريرها عددها جِدُّ قليل..
ولدى جميع أعضاء هذا الفريق التزامات أخرى كثيرة..
بما يغنيهم عن هذا الصداع الجميل..
لأنه لا مزيد من الوقت ولا مساحة من الفراغ تتيح لهم القيام بمثل هذا العمل..
بإصدار مجلة بهذا المستوى..
لكنه البحث عن المتاعب..
ضمن الحرص على القارىء..
وصولاً إلى النجاح الذي ننشده جميعاً..
خالد المالك
|
|
|
حياة بلا عرفات؟!! عوفر شيلح(*)
|
بين الحين والآخر، يستيقظ قادة إسرائيل، السياسيون والعسكريون من منامهم وهم يتصببون عرقا بسبب ما عانوه في أسوأ كابوس، فقد اختفى ياسر عرفات من أحلامهم تراجع ذلك الرجل الذي تغطي الشعيرات وجهه، اختفى بواسطة إحدى الطرق العجيبة التي تسود في الأحلام، وفجأة أصبح رئيس الحكومة ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش ووزير الدفاع والحائز على جائزة نوبل للسلام شمعون بيرس يواجهون الحياة بلا ياسر.
كم هي رهيبة هذه الحياة لم يعد هناك من يمكن إتهامه بكل عملية مسلحة «ربما باستثناء اولئك الذين خططوها ونفذوها لكن هؤلاء يجلسون في غزة الخطيرة.التي لا يتجرأ أحد على دخولها»ولم يعد هناك من يمكن إلغاء وجوده وعزله وإخراجه وإدخاله في قائمة غير ذوي الصلة لم يعد هناك مشجب آخر يمكنهم أن يعلقوا عليه كل ذنب وخطيئة لم يعد هناك وعد آخر طيب المذاق بأن كل شيء سيصبح جيدا إذا ما تمت ازاحة شخص واحد والأسوأ من ذلك: لم تعد هناك أي ذريعة لتحريك الأجهزة الآلية ومحركات التفكير في حياتنا.
لقد شرح لنا الجهاز الأمني أنه تقرر بعد أسبوع من التفكير المتواصل والمعمق أن طرد عرفات يعتبر أمرا تفوق أضراره فوائده ولذلك يجب عدم تنفيذه الآن لكن الجهاز الأمني أضاف من جهة أخرى أنه إذا وقعت عملية استشهادية أخرى فقد لا يكون هناك مفر.
فكروا بما يلي: حكومة إسرائيل تعلن بصوت عال أن كل مسلح سيحركها لأنه لامفر مما تعتبره صحيحا إنها تبلغ المسلحين مسبقا بأن مؤامرتهم ستنجح، ولاسيما أن الهدف الأساسي للعمليات هو جعل الجانب الآخر يقوم بما يعتبره أمرا مضرا وغير منطقي إنها تعترف بأن كل نقاشاتها وتقييماتها للأوضاع ومعلوماتها الاستخبارية وعشرات سنوات التجربة التي اكتسبتها من خلال جلوسها حول الطاولةلاغية وباطلة مقابل الطاقة القوية التي لا يمكن لأحد مواجهتها وكل شيء بسببه، بسبب ياسر. ويبدو أن رؤية الكوابيس هذه بالذات هي التي تحمي هذا الذي يصارع البقاء أكثر من غيره ولا سيما أن اريك «شارون» وفؤاد «بنيامين بن اليعزر». وشيمون «شمعونبيرس» وبوغي «يعلون» لا يعرفون ما الذي سيفعلونه في اليوم التالي لاختفاء عرفات ليس لديهم أي مفر إلا الحفاظ عليه بقوة إنهم يلعبون أمامنا لعبة المضي حتى النهاية، يرسلون الجرافات والجنود إلى مسافة لا تتجاوز عدة امتار عن مكتب الرئيس عرفات كي نشعر بأنه لا يهمهم ما الذي سيحدث.
ولكنهم يعرفون في قرارة نفوسهم أنه يتحتم عليهم إقامة سور واق حوله وتحذير سائق الجرافة كي لا يصيب بالخطأ الحائط غير الصحيح، كي لا يسقط عليه السق، فوكي لا نواجه في يوم ما الواقع المرير للحياة دونه وكي لا نواجه الحاجة إلى اتخاذ قرارات ملموسة ومحاربة من يجب محاربته ومنح الأمل لمن يجب تشجيعه.
إنهم يخشون اختفاء ياسر من حياتنا فتتكشف في غيابه قوة تفكيرنا بكامل عريها ولبالغ الفرح لديهم في الجانب الثاني الشريك الذي يناسب مقاييسهم ذلك أنه لو كان هناك الشخص الشجاع أو البالغ الذكاء أو للأسف الزعيم الذي يهمه استقلال الشعب الفلسطيني أكثر مما تهمه نفسه لكان يمكنه اللجوء إلى الانتحارالذي يمكنه زج المنطقة كلها في أتون كبير أو ربما كان يمكنه الخروج إلى المهجر كرمز قوي ومواصلة كفاحه من هناك لكن ياسر يعرف دوره جيدا ومن الواضح أنه يتخوف هو أيضا من فقدان هذاالدور وهكذا من عملية إلى أخرى، ومن احتلال إلى احتلال أكثر شدة تتواصل المسرحية المأساوية الهزلية، التي كانت ستجعلنا نضحك لولا مشاركتنا فيها جميعا، بدور الجوقة..
(*) يديعوت احرونوت
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|